الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قيادة المنظمة العمالية أم السيطرة عليها

فلاح علوان

2014 / 3 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


حين تقع احتجاجات ومطالبات عمالية في موقع عمل او أكثر، يسارع العديد من الكتاب والمثقفين اليساريين والـ " القادة" الى تحية الحركة وتمجيد العمال ووصفهم بالأبطال، وارشادهم الى ضرورة رص الصفوف لتحقيق النصر او تحقيق مكاسب، دون ان يكون هؤلاء الكتاب، او اغلبهم، على ارتباط او معرفة مباشرة بمنظمات العمال وظروف عملها واشكالها التنظيمية ووسائلها في التعبئة والتحشيد. هذا ما حصل بصورة خاصة مع احتجاجات العاملين في قطاع النفط في البصرة خلال أكثر من موجة احتجاجية، ومع قطاع الصناعة في فترات متفاوتة.
ان الكتابة وتحية العمال وكل المعترضين هي امر ايجابي ولا شك، ولكن ان يصدر ممن يعتبر نفسه قائدا سياسيا ومسؤولا في منظمة او حركة هو امر اخر تماما، لا يشبه رسائل التأييد او التشجيع .. الخ. انه يعكس نمطا من العمل السياسي، ووسيلة للتشبث والبقاء في موقع سياسي معين.
وما ان تنفض التجمعات حتى يسكت هؤلاء القادة او اغلبهم وتتوقف الاقلام، وأحيانا بصورة تامة بانتظار موجة احتجاجات جديدة، ليس هذا فقط بل ان بعضهم يقوم بإعداد مخطط ذهني مسبق للحركة وارشادات ومواعظ، بغية الإبقاء على صلات مع الحركة العمالية.
فعلام يدل هذا؟
أي ما معنى ان يصبح بعض اليساريين المثقفين، اشتراكيين وعماليين عندما يلاحظوا تجمعات واحتجاجات عمالية، وينكفئون حين تمر الحركة بركود او سكون او تتعرض للتراجع بفعل القمع او فشل الحركة او اية اسباب موضوعية اخرى.!
انه ببساطة، شكل من السيطرة على منظمات العمال وتوجيه سياساتها وضمان البقاء في صدارتها. ان دور هؤلاء لا يتوقف على " الانشطة" الفورية، انهم أخطر بكثير، وهناك شواهد تاريخية على كون سياستهم وسلوكهم له خصائص مشتركة تكشف عن كونه تيارا سياسيا معرف تاريخيا، ولكن لديه القدرة في كل مرحلة للتلون والبروز بشكل جديد، وسأسوق هنا مثالين الأول من مصر، حيث ان الخبرة العملية تدلنا على ان اليساريين والمثقفين لم يستطيعوا الاندماج في الحركة الثورية للعمال والتحول الى تيار اشتراكي داخلها، سواء خلال الثورة او حتى قبلها، واكتفوا بالبقاء في السياسة من خلال رفع شعارات عمالية، في احد اللقاءات مع قيادي عمالي مصري واثناء إضرابات عمال حلوان والضرائب العقارية ونسيج المحلة أواسط عام 2010 أي قبل الثورة بنحو عام، وعندما تحدثنا عن دور اليسار في الحركة، قال بالحرف الواحد " انهم يرفعون شعاراتهم وهتافاتهم ويتدخلون في الاعتصامات بشكل لا علاقة له بمحتوى الحركة، واختتم "هم بوظوها " أي افسدوها يقصد الاعتصامات والتجمعات العمالية برفع شعارات اختيارية.
المثال الثاني من خبرة المجالس العمالية الإيطالية؛ حديث للقائد العمالي الإيطالي ماريو مونتانيانا وهو مصلح ميكانيكي في نقاش حول المجالس العمالية في الثورة الإيطالية ودور العناصر القيادية الحزبية 1919 يقول "هنالك عناصر، في الصفوف الهدامة، ما زالت تخوض منذ سنوات وسنوات صراعا قاسيا ضد " مسؤولي" منظماتنا. وليس من السهل فهم الهدف المحدد لنقدهم وهجوماتهم فنحن – على سبيل المثال – لم نفهمه ابدأ! فهم المستاؤون أبدا، وهم اولاء الذين يذهبون دوما ابعد قليلا من الاخرين. . نحو التطرف اليساري. وحسب اللحظة التي يمرون بها، يمكن تسميتهم بالنقابيين او الفوضويين، او حتى الاشتراكيين المعارضين. في الواقع، ليس هؤلاء اشتراكيين، ولا نقابيين، ولا فوضويين! انهم ببساطة ( ولو بحسن نية) مشاغبون خطرون. وان مهاجمة مؤسسة إدارية-بالنسبة لهم-او قلب لجنة تنفيذية، ليس سوى وسيلة للوصول الى هدف واضح تماما ومحدد، ولكنها اهداف يرغبونها ويطمحون بها لأنفسهم". من كتاب مناقشات حول المجالس العمالية. أنطونيو كرامشي، بالميرو تولياتي واخرون. ترجمة عفيف الرزاز. دار ابن خلدون ص 82.
هذا الواقع حصل بصورة شبه مطابقة في العراق بعد حوالي تسعين سنة من كتابة هذه السطور، اقصد المبادرة الى شق اللجنة التنفيذية لاتحاد المجالس والنقابات العمالية في العراق، من قبل بعض القادة خلال عام 2007 والتنظير لها كعمل قيادي.
وبالمناسبة فنحن نستخدم تعبير المنظمة العمالية لتدل على الحزب السياسي او المجلس العمالي والنقابة. أي كل الاشكال التنظيمية التي تسعى البرجوازية للسيطرة عليها وعدم تركها وسيلة بيد العمال للتعبير عن مصالحهم الطبقية.
ان السياسيين البرجوازيين فعلا والاشتراكيين شكلا وقولا، يسعون ويعملون على تحويل قدرتهم النظرية والمعرفية الى منطق logic يديم سيطرتهم على الاحزاب الاشتراكية، وادامة وضعها كأحزاب غير متجذرة في صفوف الطبقة العاملة.
انهم يسدون الطريق على العمال لانتهاج سياسة ماركسية، ويسدون الطريق على الاحزاب لتتحول الى وسيلة بيد الطبقة العاملة. وهذا سلاح بيد البرجوازية للسيطرة على أحزاب العمال من خلال " قادة" او ناشطين يعملون من داخل المنظمات.
ان تجريد البرجوازية من هذا السلاح، أي السيطرة على الاحزاب العمالية بواسطة القادة "اليساريين" هي مهمة معقدة ومزدوجة، معقدة لان لها أكثر من بعد وأكثر من ميدان مقابلة وصراع، بعضها مشترك وليس فيه حدود فاصلة، ومزدوجة بمعنى انها تتطلب مواجهة البرجوازية والنضال ضدها، سواء في المجتمع كبرجوازية معادية معلنة طبقيا ويمكن تحديد سياساتها، أو داخل المنظمة العمالية او الحزب السياسي، بهيئة قادة وفعالين "اشتراكيين".
انهم يشكلون نمطا عالميا وليست مصادفة تاريخية ان يوجد في العراق او في مصر والشرق الأوسط، انه تقليد سياسي له وسائله واشكاله التي يظهر بها ويعبر بها عن نفسه، ووسائله في إخفاء نفسه وتبديل شكله في كل حين وحسب كل مرحلة وظرف.
ولكن في كل الاحوال سيكون النقد الماركسي العلمي لكل افعال واقوال هؤلاء السياسيين هو السلاح الامضى بيد الطبقة العاملة. لان النشاطات المخلصة والعمل اليومي الدائب والنضال المتواصل للعمال يمكن ان يحوله هؤلاء، وما زال الحديث عن المثقفين اليساريين، الى رافعة لتقوية نفوذهم داخل الاحزاب وتصوير أنفسهم كممثلي النضال العمالي والنشاطات العمالية.
ان اول الخصائص التي تميز هذا التيار هي؛ نشر اليأس والاحباط بين العمال من اية امكانية لتحقيق الاشتراكية والبديل العمالي للمجتمع خلال الركود السياسي، والبحث عن بدائل شعبوية ومغامرات سياسية وتوليف الوصفات. ولكنهم يهرعون بكل ما لديهم من سرعة واندفاع حين يراقبون تنامي الحركة العمالية، وذلك من اجل تثبيت مواقعهم وابراز أنفسهم هم كقادة وسياسيين في الحركة العمالية. باختصار انهم يسعون الى "استثمار" التقدم او النصر العمالي، ولكن باتجاه ماذا؟ ومادام الامر استثمارا فانه يصبح مباشرة سياسة برجوازية.

لا يبدأ دور الحزب مع العمال او مع نضال العمال من الاحتجاج او الاضراب، ان دوره السياسي يكون قد بدأ حتى في الاوضاع الراكدة سياسيا. انطلاقا من رؤية اهداف ومصالح الطبقة العاملة العليا، التعريف بالأهداف والمصالح الطبقية بين العمال، التحريض، التعبئة، والانخراط في النضال اليومي والمطلبي.
ان كل القضايا في حياة العمال هي موضوعات للعمل السياسي، مهما بدت بعيدة عن اهتمامات الجماهير العريضة من العمال. كما إن أفكار وطروحات الحزب السياسي تنتقل إلى العمال من خلال الفعالين الشيوعيين، اي عبر تواجد الحزب بين العمال مباشرة عبر أعضائه. وعليه فان روابطه المتبادلة مع العمال تزوده بتصور واضح عن أوضاع العمال الحياتية والمعيشية، درجة تنظيم أو استعداد العمال، المشكلات المباشرة التي يواجهونها يوميا، تناسب القوى داخل الطبقة العاملة، التيارات السياسية أو الميول السياسية في أوساط العمال، نفوذ الأفكار السياسية داخل العمال، أي كل ما يتعلق بالوجود الموضوعي الحياتي والسياسي للطبقة العاملة.
هل ان كون قيادة المنظمة العمالية تتألف من عمال، يكفي لضمان " عماليتها" واشتراكيتها؟ وهل ان هذا هو المقصود هنا؟
الجواب بلا تردد، كلا.
فان عمالية واشتراكية المنظمة هي في أن تكون أهدافها النهائية هي التحرر الطبقي، وان تصبح الأهداف هي مهمة المنظمة ومحور نشاطاتها، وان تصبح هذه المهمات وظائف للأعضاء والقيادة على السواء وكل من موقعه.
التحرر الطبقي الذي يتم عبر سلطة العمال، عبر إقامة الحكومة العمالية، حكومة المجالس العمالية ولجان العمال، والتي سميت في التجارب التاريخية بـ " ديكتاتورية البروليتاريا".

بهذا الشكل لن تحتكم المنظمة ولا العمال الأعضاء فيها ولا كوادرها الى اجتهادات ونظريات وفرضيات، اغلبها ذاتية وذهنية، بل سيكون محورها هو الاتجاه نحو تحقيق الأهداف النهائية، تلك ستكون الدفة التي ستوجه المنظمة وتضمن مسارها المستقل طبقيا في أمواج السياسة وطوفان الوصفات والمواعظ والنظريات التبريرية.
ان السيطرة على منظمات العمال، سواء جاءت من خارج منظمة العمال او من داخلها، هي سياسة برجوازية خالصة، مهما لفت نفسها بجلباب البروليتاريا والثورة ورفعت شعاراتها وادعت تشجيعها ودعمها ... الخ. وبالتالي فان مواجهة هذه التيارات داخل المنظمة العمالية لا يقل أهمية بحال عن الصراع السافر المكشوف ضد الرأسماليين، بل ان الاول يمتاز بمزايا وصفات أكثر جذرية وصعوبة. إذ بالصراع مع هذه التيارات وهزيمتها سيمكن بناء منظمة عمالية منفصلة سياسيا عن البرجوازية والتيارات الوسطية والانتهازية داخلها.
ومن جانب اخر ستصقل وتطور قادة اشتراكيين يستطيعون هزم ممثلي البرجوازية ويكشفوا مضمون سياستهم الرجعية امام العمال.
في الحالين ستتسلح الطبقة العاملة نظريا وسياسيا، وتصبح المنظمة وسيلة بيدها لتحقيق اهدافها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - من يتحدث هنا
نقابية من مصر ( 2014 / 3 / 16 - 16:39 )
سيد فلاح
لم يكن ماركس او انجلز او لينين قائد عمالي ولم يكن بدر شاكر السياب مومس عندما كتب قصيدة عن المومس ولم يكن نزار قباني حبلى عندما كتب قصيدة حبلى هل نفهم من خطابك الماركسي هذا ان القيادة العمالية تخصك وحدك واود ان اعرف انجازاتك للحركة العمالية في العراق ما هي سيد فلاح الحركة العمالية في العراق صفر ولا نشاط للنقابة فيها ولاي جهة كانت اتعلم لماذا لانك تخطب وهذا شكل خطابك للاسف الشديد وصلت الحركة العمالية في العراق وانت على راسها الى هذه المستويات
تحياتي

اخر الافلام

.. مقتل 5 أشخاص جراء ضربات روسية على عدة مناطق في أوكرانيا


.. هل يصبح السودان ساحة مواجهة غير مباشرة بين موسكو وواشنطن؟




.. تزايد عدد الجنح والجرائم الإلكترونية من خلال استنساخ الصوت •


.. من سيختار ترامب نائبا له إذا وصل إلى البيت الأبيض؟




.. متظاهرون يحتشدون بشوارع نيويورك بعد فض اعتصام جامعة كولومبيا