الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هو لص... وهم كلاب... فماذا عنها؟!

حسين محمود التلاوي
(Hussein Mahmoud Talawy)

2014 / 3 / 17
الادب والفن


عندما تمكنت قوات الأمن من القضاء على "سعيد مهران"، انطلق الصحفيون يلتقطون الصور لجثة المجرم العتيد ذي التاريخ الإجرامي، والذي ارتكب مؤخرًا عدة جرائم قتل، كان آخرها جريمة قتل بواب الصحفي الشهير "رؤوف علوان"، وهي الجريمة التي كان المقصود منها قتل "علوان" نفسه لا بوابه، إلا أن القدر اختار البواب. وبعد أن أتم الصحفيون مهمتهم، سحب رجال الإسعاف الجثة، ووضعوها في سيارة الإسعاف المصاحبة لهم، والتي انطلقت تحيطها سيارات رجال الشرطة إلى جانب سيارة "علوان" نفسه الذي حضر اللحظات الأخيرة في حياة "سعيد"، وهي الحياة التي كان الصحفي المخضرم أحد العناصر الرئيسية فيها. كذلك رحل بعض أهل المنطقة الذين التفوا حول مسرح الأحداث، ربما بحثًا عن حكاية يروونها لأبنائهم ليلًا عن المجرم الذي أسقطته رصاصات الشرطة.
رحل الجميع... وبقيت هي وحدها...
بقيت "نور" بعد أن انصرف رجال الشرطة والإسعاف وأهل المنطقة. وقفت وحدها في المشهد الأخير من فيلم "اللص والكلاب" المأخوذ عن قصة بالاسم نفسه للراحل المبدع "نجيب محفوظ"، والذي أخرجه مبدع آخر راحل هو كمال الشيخ.
وقفت "نور" (التي لعبت دورها ببراعة الفنانة المبدعة القديرة شادية) ترقب الحلم الضائع الممثل في جثمان "سعيد مهران" (الذي جسد دوره المبدع المتألق دومًا حتى بعد الرحيل شكري سرحان)؛ ذلك الحلم الذي تمثل في رجل لا يعبأ بجسدها، ولكنه يهتم بها وبروحها، ويضعها في مكانة واحدة من ابنته السليبة "سناء".
هم يقولون إن "سعيد مهران" لص، وهو يقول إنهم كلاب... حسنًا، ربما نصدق الاثنين بأنه لص، وبأنهم كلاب... فماذا عنها؟! ماذا عن نور؟!

من "نور"؟!!
نور... واحدة من بنات المجتمع، نساها المجتمع، ولما أخذت طريقها فيه بما تملكه من رأس مال، نبذها المجتمع نفسه!! كانت "نور" عاهرة تبيع جسدها لمن يدفع كسبًا للزرق، وربما دفع القدر في طريقها من يأخذ منها ما يريد، ولا يدفع الثمن؛ فلا يبقى لها في تلك الليالي سوى الدموع والجوع... وبعض من رأس المال أيضًا. هي واحدة عادية للغاية، أرادت حياة مستقرة؛ فلم تظفر من المجتمع سوى بحياة الليل. وعندما جاءها حلم الخلاص ممثلًا في "سعيد"، أخذه منها الكلاب؛ وربما هو أيضًا أخذ نفسه منها.
ولما رحل "سعيد" ورحل رجال الشرطة والإسعاف ورحل "رؤوف علوان"، بقيت نور بمفردها، دون أن يعبأ بها أحد؛ دون أن يحاول أحد حتى أن يعزيها في حلمها الضائع... دون أن يحاول أحد أن يقدم لها البديل.
تاهت نور في خضم الصراع بين اللص - الذي أخذته شهوة الانتقام ممن حولوه لقاتل - وبين الكلاب، الذين لم يتخيلوا - أو تخيلوا ورفضوا التصديق - أنهم الكلاب الذين حولوا لصهم إلى قاتل.
هذه هي "نور"، التي ضاعت بين اللص والكلاب، وبقيت وحيدة في المشهد لا يعبأ بها أحد.

أكثر من نور...
ربما يصادف الإنسان في حياته أكثر من نموذج لهذه المرأة المسماة "نور"، وربما يكون هذا النموذج ماديًّا، وربما يكون معنويًّا؛ فليس من الضروري أن يكون من لحم ودم. ربما يكون رمزًا... أو وطنًا.
وطنٌ؟!
نعم، من الممكن أن تكون هذه الـ"نور" وطنًا بأكمله ضاع بين اللص والكلاب.
فلننظر إلى حال مصر بعد ثورة 25 يناير. ما هو حالها؟!
فشل الثوار في الحفاظ على ثورتهم، وأهدوها إلى كل من ليس له علاقة بهذه الثورة ليتاجر بها. فشلوا في الحفاظ عليها، وعندما انطلقوا في الشوارع مطالبين باستردادها، أطلق عليهم تعبير "البلطجية"؛ فتحولوا بالفعل إلى بلطجية يهاجمون المقار الحكومية للفت النظر إلى أن الثورة قد ضاعت.....!!
لم يكن "سعيد مهران" مجرمًا بطبيعته، ولكن تحالف قوى المجتمع ضده أحاله إلى قاتل استحق إطلاق النار عليه في مقتل لإراحة المجتمع من شروره... هكذا فكرت الشرطة دون أن يتساءل رجال "الأمن" حماة المجتمع عن الكيفية التي تحول بها "سعيد مهران" إلى هذا المجرم العتيد.
راح الوطن إلى الكلاب، الذين استوطنوه وراحوا يطلقون على كل من يعارضهم تعبير "البلطجي" أو "الإرهابي" على حسب موقعه في التسلسل الإجرامي الذي اختاروه لمن يعارضهم، ونسوا للحظة أن الفيلم به تعبير "الكلاب"، وهو التعبير الأنسب لهم في الفيلم.
هل بات الوطن رخيصًا إلى هذا الحد؟!
بعد مقتل أي من المعارضين للنظام سواءً من التيارات الليبرالية أو الشبابية أو الإسلامية، يتجمع المواطنون حوله ثم ينفضون... و...
وتبقى "نور" بمفردها...
ترقب وجه القتيل...
فيه الحلم الضائع.
******








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - جميل
قاسم حسن محاجنة ( 2014 / 3 / 17 - 06:22 )
تحياتي
اسقاطات أكثر من جميلة على الواقع الراهن .
لك تقديري


2 - شكرا لك
حسين محمود التلاوي ( 2014 / 3 / 17 - 12:48 )
شكرا لك وشهادة أعتز بها
تقديري

اخر الافلام

.. حريق في شقة الفنانة سمية الا?لفي بـ الجيزة وتعرضها للاختناق


.. منصة بحرينية عالمية لتعليم تلاوة القرآن الكريم واللغة العربي




.. -الفن ضربة حظ-... هذا ما قاله الفنان علي جاسم عن -المشاهدات


.. إصابة الفنانة سمية الألفى بحالة اختناق فى حريق شقتها بالجيزة




.. تفاصيل إصابة الفنانة سمية الألفى بحالة اختناق فى حريق شقتها