الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاختلاف الأحمر أو ايقاعات المرأة (1)

مجدى زكريا

2014 / 3 / 17
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


الأختلاف الأحمر أو ايقاعات المرأة - لفرانسو ادموند موران
تنطلق الكاتبة فى تحليلاتها من مسلمة عامة تتلخص فى ان المجتمع الغربى القائم على قيم الملكية سيؤدى فى النهاية الى فقدان الانسانية فى ذواتنا , وان نمط الحياة الممارس حاليا انما يغرز الموت والشذوذ والفساد. فحضارته تقوم على اخضاع كل ماهو بشرى للايقاعات الميكانيكية المتعلقة بالانتاج. وهذه الايقاعات لها اهداف خاصة بعيدة بعيدة وغريبة كل الغرابة عن المنظومة البيولوجية التى تميز الجسم البشرى ولاتعترف البتة بالحاجات الانسانية الصحيحة له. انها تصير نحو تنميط الكائنات والمنتجات تنميطا عاما متماثلا , واضعة اعتبار الربح والخسارة فوق كل اعتبار , ويحكمها قانون الفائدة القصوى. وقد اصبح الانسان فيها محاصرا من كل جهة بعملية التنميط والتماثل هذه. فالعمل المأجور مثلا لا يعترف بالدورات الطبيعية للجسم البشرى , ولا بخصوصيات كل جسم , يلغى الجسم , لا ينصت الى لغته الا حين تتخذ هذه اللغة شكل اعراض مرضية اذ حينئذ يتدخل الطب ليعالجها وكأنها اعراض مستقلة عن بعضها. واصبح زمن الحياة زمنا مضغوطا يتوهم فيه الانسان الاوروبى انه سيعيش مدة اطول ان هو عاش فى سرعة وكثافة. لذلك فهو ينكر ايقاعاته الذاتية حتى يلحق بايقاعات الزمن الميكانيكى السريع.
عوملت الايقاعات البشرية بأشد قسوة , وعمل بشكل متواصل على تفجير شخص الانسان , ملاحقته بالصخب والضجيج , لم يعد الانسان يجد السكون اللازم ليتعرف على ذاته , لينصت الى جسمه , لايجد زمنا يزحزح فيه قطار افكاره حتى يبرز جسمه من حاضر معاش بصفته جسما , لا مجال للذبذبات الصميمة الفردية التى تكّون الانسان ككيان انسانى , الغى الجسد والغى التأمل.
بعد ذلك تنطلق الكاتبة فى التحليل بالنسبة للمرأة. لقد كان من السهل فى النظام الغربى سحق ايقاعات جسم الرجل اما جسم المرأة فايقاعاته تتجلى بوضوح باهر. فحالة محاصرة الجسم الانسانى بالتنميط والتماثل يعيشها جسم المرأة بشكل مزدوج المرأة التى تعطى العندية والكينونة فى آن واحد. تنتج وتلد.
وحاليا يعمل المجتمع الاوروبى على تفتيت جسمها , وطمس ايقاعات جسدها تحت ستار التحرر. وفى اطار قانون المردودية والنجاعة القصوى الذى يخضع له التنظيم والانتاج.
والكتاب احتجاج صارخ يدوى فى اسماع الرجل والمرأة على السواء للانتباه الى الخطر المحدق بهما. ودعوة الى منح جسم المرأة المكانة اللائقة به. الى الاعتراف بايقاعات جسم المرأة لانه يحمل فى ذاته وظائف بيولوجية خاصة به.
ان مايكوّن اختلاف المرأة , مايكوّن هويتها التى تتفرد بها عن الرجل هى تلك الدماء التى التى ينزفها جسدها فى ايقاعات منسجمة. ان تلك الدماء الحمراء السحرية التى هى منبع الحياة تصبح ايضا منبعا للقلق والحصرحين لا يعرف مصدرها , وحين لا يسيطر عليها. انه مرتبطة بالحياة نفس ارتباطها بالموت. وقد اختلفت المجتمعات باختلاف العصور والثقافات من حيث اعتبارها وتقديرها والتعامل معها.
وتشجب الكاتبة اتجاه المجتمع الغربى عموما والفرنسى خصوصا نحو انكار الحالات الخاصة التى يعيشها جسم المرأة , نحو مصادرة الحيض , الاخصاب والحمل والامومة , انه يلغى الاختلاف الاحمر الذى يميز جسد المرأة عن جسد الرجل مدعما فى ذلك بما تفتقت عنه عبقرية المستحضرا والمختبرات الطبية الحديثة.
وتتساءل الكاتبة : هل ستختفى الدماء نهائيا من حياة النساء؟ وهل سيؤدى ذلك الى حياة افضل؟
فدم الحيض هو شئ على المرأة ان تتمتع به وتخفيه فى آن واحد. وهذا التناقض يوّلد لديها شعورا بالانزعاج , يعذب روحها وجسدها ويدفعها الى الشعور الى التشبه بجسم الرجل وايقاعاته.
اما الاخصاب فتلغيه حبوب منع الحمل وانواع اللولب , وهذا معناه الغاء قوة الحياة الكامنة فى كل كائن بالغ. واصبح الامر يقتصر على مجرد امكان ولادة طفل تبرمج ولادته , كما ادى ذلك الى المبالغة فى الحياة الجنسية واعطائها القيمة العليا.
اما الامومة فقد اصبحت بين يدى الرجال. اصبحت مرضا يرعاه الاطباء. والانكى من ذلك ان مصادرة هذه الحالات يتم بمساهمة المرأة ذاتها مدفوعة فى ذلك بخطأ الخلط بين المساواة والتماثل والتمّثل.
وتقول الكاتبة , ان طرح مشكلة الاختلاف الاحمر ليس الغرض منه تبرير الاختلاف بين الجنسين لابعاد المرأة او تمجيد الولادة , بل للتأكيد على انه اذا كانت هناك حرية ممكنة فيجب ان تتم من خلال الاعتراف بالحاجات الانسانية وخلال التحول الكلى الموازى لذلك فى ميدان العلاقات بين الرجال والنساء. فكل من الرجل والمرأة يحمل فى ذاته خصوصيات وحدودا يكون هو ذاته مسؤولا عنها.
وجدار الصمت الذى يقيمه الرجال والنساء فى مجال الاختلاف الاحمر يؤدى الى انغلاق كل منهما على ذاته وانعزاله , ويعقد العلاقات بينهما.
عليهما ان يتقبلا الاختلاف , وان يقفا جنبا الى جنب على قدم المساواة وان توضع قيم متساوية لصفات كل من الجنسين لا دخل للتفاضل فيه.وتحطيم جدار الصمت هذا يجب ان يتم خلال كل مراحل الحياة الانسانية لدى الرجل والمرأة.
وجسم المرأة يعانى من الصمت المفروض اكثر مما يعانى الرجل. فهى التى يتعرض انائها البيولوجى للتمزيق والترتيب, تقلص وتختزل دائما لترمز الى صورة واحدة. لا تنجح فى تجسيد كل الامكانات فى امرأة واحدة بحيث لاتشكل حياتها مسارا واحدا خاصا بها. , تقلص حياته كلها الى ماهو بيولوجى : مرحلة البلوغ , مرحلة الحياة الجنسية , مرحلة الانجاب , مرحلة سن اليأس , مرحلة الشيخوخة. كل هذه المراحل تقدم تقدم وكأنها لوحات منفصلة لا رابط بينها. ان فعل الكينونة المتعلق بالمرأة يصح تصريفه على التوالى من : المستقبل المضارع : الفتاة. وفى الحاضر الدائم : الام. وفى الماضى : المرأة فى سن اليأس. ان المرأة لتجد دائما صعوبة فى تجميع انائها البيولوجى والاجتماعى والثقافى. واذا حاولت ان تصرف فعل الكينونة فى كل الازمنة وتلعب كل الادوار فى آن واحد , اذا ارادت ان تكون ذاا منسجمة فانما تنجح فى ان تصبح عدوة ومنفية. وفى سن اليأس يبعد جسم المرأة من الحياة. فبما انها لم تعد تنجب فهى لم تعد قادرة على اعطاء اية لذة, وحتى جسم الرجل لاينفلت من هذا الصمت. ولأن المجتمع الغربى اصبح يبالغ فى الحياة الجنسية وكل شئ يتخذ فيه صبغة جنسية. فالرجال حين يبلغون سن الستين فما فوق يشعرون بابعاد المجتمع لهم عن الحياة العامة بحيث لا يجدون ايقاعا خاصا بسنهم وكأن القدرات الجنسية هى كل القدرات التى لا يتوفرون عليها. والخلاصة ان الاتجاه السائد هو ان لا المرأة ولا الرجل ينعمون بالتقدير الا على حساب موت اجسامهم.
وقد قامت الكاتبة باجراء مقابلات مع مجموعة من الاصدقاء الرجال الذين تقول عنهم : الصديق الغائب ومجموعة من الصديقات. كان السؤال الرئيسى المطروح كيف يعيش كل من الرجل والمرأة , حالة الحيض والحمل والامومة , ماذا تعنى هذه الحالات بالنسبة الى كل من الطرفين. وقد لاحظت ان هناك صمت مطبق بين الرجل والمرأة حول موضوع الحيض. سلوك التفادى من جانب كل واحد منهما. فالرجل اما يمتنع عن العلاقات الجنسية خلال فترة الحيض واما ان يتجاهلها مع اشعار المرأة بأن عليها ان تكون محترسة حتى لا يغير الدم شيئا فى العلاقات الجنسية. ففى الحالة الاولى الانعزال كلى بمعنى ان الدم ميدان لا يجب الاقتراب منه. وفى الحالة الثانية , هناك انكار اذ لا يعتبر دم الحيض علامة على الاخصاب والاختلاف. ليس الرجل هو الذى يدخل الى خصوصية المرأة بل على المرأة ان تنكر هذه الخصوصية وبذلك تفقد نصف هويتها. وعدم الاعتراف بهذا الاختلاف قد يشكل تهديدا عميقا لدى الرجل.
وتسعى النساء دائما اللى اخفاء حقيقة انوثتهن وانكارها داخل المحيط العائلى وتخفيها خاصة عن ابنائها. كما تحاول ان تجسد دورا واحدا الى حد الكاريكاتور : فيه اما ام او اخت او عاشقة او صديقة. هذا الانغلاق فى الدور الواحد يؤدى الى شعور الرجل بالضيق والقلق حين تغير المرأة دورها عند الحمل والوضع. ان طريقة تربية الاطفال ذكورا واناثا انما تسير فى اتجاه التأكيد على جانب واحد هو جانب الام قبل او دون الكلام عن جانب الرغبة الجنسية التى تعيشها المرأة
" يتبع "








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حلقة نار من تحدي الثقة مع مريانا غريب ????


.. الجيش الروسي يستهدف تجمعات للقوات الأوكرانية داخل خنادقها #س




.. الطفل هيثم من غزة يتمنى رجوع ذراعه التي بترها الاحتلال


.. بالخريطة التفاعلية.. القسام تقصف مقر قيادة للجيش الإسرائيلي




.. القصف الإسرائيلي المتواصل يدمر ملامح حي الزيتون