الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقد الديمقراطية العراقية

محمد لفته محل

2014 / 3 / 17
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


تعالت الأصوات التي تدعوا وتحث العراقيين على الانتخاب مع قرب موعد الانتخابات البرلمانية المقررة في نهاية شباط للعام 2014 باعتبارها الطريقة الوحيدة الممكنة للتغيير الذي يأمل الرأي العام العراقي تحقيقه، والكل يحذر من عدم الانتخاب لان معناه بقاء الوضع كما هو عليه وبقاء كل شيء على حاله من فساد وإرهاب وطائفية، وهذه الدعوات على حسن نيتها تحتاج إلى مراجعة وليست بديهية فهي إن لم نعيد قراءتها فستكون شعارات ليس إلا، لان الانتخاب بذاته ليس هو الديمقراطية كما يتوهم الكثير وليس هو الطريق الوحيد للتغيير، وهنا لابد من أن نفهم معنى الديمقراطية كي نطبقها بشكل صحيح ليتحقق التغيير المرجو، إن الديمقراطية تتكون كما يصفها (أمين معلوف) من آليات وقيم، الآليات هي التعددية الحزبية، الترشح والدعاية، مراكز انتخاب، صناديق الاقتراع، التصويت الحر، لتنتهي بالفرز وإعلان النتائج للفائزين والخاسرين، وهذا الأمر متحقق نسبيا في جميع الانتخابات السابقة، فهي سهلة التوفير وتحتاج للمال والتنظيم فقط، أما القيم فإنها أمور معنوية وليست مادية يحتاج إلى تحقيقها بنائها في وعي الإنسان ونفسيته ليتطبع بها المجتمع فتصبح ثقافة مترسخة في حياته اليومية، وهذا ما هو غائب في الديمقراطية العراقية، بسبب الإهمال المتعمد لها على مدى عشر سنين والتركيز على الآليات باعتبارها هي الديمقراطية، إن أول القيم الغائبة هو عدم وجود ديمقراطيين في الديمقراطية العراقية! فهذه الأحزاب لا تنتهج حتى الآليات الديمقراطية في تولي مراتبها الحزبية والقيادية إذ تعتمد على المؤسس ثم ابنه أو على الشخصية الكاريزمية فقط، فتتعرض دوما للانشقاق قد يصل للاحتراب، لأنها لا تؤمن بالتداول السلمي للسلطة، فإذا كان خطابها الداخلي هكذا فكيف سيكون خطابها مع الآخر؟ وهذا سبب إن خطاب هذه الأحزاب تسقيطي إقصائي للآخر وفق مبدأ إما معي أو ضدي، وهذا لغياب ثقافة الحوار والمشاركة وهو الشيء المركزي في الديمقراطية، لان هذه الأحزاب لا تفهم من الديمقراطية إلا الفوز بها فقط! وحين تخسر الانتخابات ترفض أهم قيمة من قيم الديمقراطية هو الاعتراف بالخسارة وتهنئة الفائز وبدل ذلك هو اتهام الانتخابات بالتزوير وحتى اتهام القضاء بالتسييس إذا لم يكن يحكم لصالحها! لان هذا التفكير بالفوز هو نتيجة لغياب قيمة أخرى أساسية من قيم الديمقراطية هي ثقافة المعارضة السياسية للحكومة حين تكون مراقبا لفسادها وفضحه للشعب وتحريك الجماهير للضغط على الحكومة بالمظاهرات والاحتجاجات والاعتصامات والإضرابات والعصيانات المدنية وهي خارج التشكيلة الحكومية كما نراها بالغرب، وحتى الدعاية الانتخابية نراها عبارة عن شعارات عاطفية للطوائف والعشائر والقوميات لعدم وجود برامج إصلاحية سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية، واستخدام الهدايا المالية والعينية (بطانيات مدافئ) لاستمالت الناخبين! ووعدهم بالتعيين في حالة الفوز! أي أن الوعود فردية أو فئوية وليست اجتماعية! لأنها لا تؤمن بمبدأ المواطنة وهو من القيم الأساسية بالديمقراطية، أما إذا خرجنا من دائرة الأحزاب إلى القضاء الذي يعتبر استقلاله من أهم قيم الديمقراطية لأنه الفيصل في الانتخابات ورئيس الوزراء نوري المالكي اعترف بنفسه أن القضاء يتعرض لضغوط، وهي كلمة ملطفة بدل عدم استقلالية القضاء، وغير قليلون النواب الذين اتهمهم القضاء بالإرهاب أو الفساد أو الاجتثاث ثم أسقطت تهمهم بصفقات سياسية! كصالح المطلك، وفلاح السوداني، وضافر العاني، ومدحت المحمود، ومشعان الجبوري، والكل يعرف موقف القضاء المثير للجدل حيال فوز القائمة العراقية في الانتخابات السابقة حين حكم لصالح دولة القانون، أما إذا تحولنا للفرد وحريته في الانتخاب وهي قيمة أساسية أخرى في الديمقراطية (استقلالية الفرد) فإننا نرى اغلب النساء يخضعن لإرادة أزواجهن وآبائهن أما كبار السن يخضعون لأبنائهم، أما الرجل فهو تحت ضغط الطائفة والعشيرة والاخوانيات وهذه الظاهرة تتفاقم في المحافظات أكثر لطابعها العشائري. فديمقراطية العراق هي ديمقراطية الآليات فقط، ديمقراطية بدون محتوى بدون مضمون، فارغة القيمة ولو انتخبنا مائة مرة بدون وجود قيم الديمقراطية فسنبقى نراوح مكاننا كالنملة في قعر حوض السيراميك كلما حاولت الصعود انزلقت مجددا للقعر.
من اجل ذلك أنا لن انتخب لان غياب هذه القيم يجعل عبارة التغيير عبر الاقتراع خاطئة ومجرد شعار وقد يقول معترض إني متشائم ويائس لأني لم أقدم البديل، والجواب إننا بالوقت الحاضر لسنا بحاجة للانتخاب بل بحاجة لنشر الوعي المدني بالقيم الديمقراطية بين الناس حتى يتطبعوا على التعايش والمواطنة والتسامح والحوار وحق الاختلاف للآخر وهذه القيم تحتاج لوقت حتى تصبح ثقافة اجتماعية تفرز نخب ديمقراطية جديدة تغير الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سائقة تفقد السيطرة على شاحنة وتتدلى من جسر بعد اصطدام سيارة


.. خطة إسرائيل بشأن -ممر نتساريم- تكشف عن مشروع لإعادة تشكيل غز




.. واشنطن: بدء تسليم المساعدات الإنسانية انطلاقاً من الرصيف الب


.. مراسل الجزيرة: استشهاد فلسطينيين اثنين بقصف إسرائيلي استهدف




.. وسائل إعلام إسرائيلية تناقش إرهاق وإجهاد الجنود وعودة حماس إ