الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا ليست طائفية في سورية؟ -1-

علاء الدين الخطيب

2014 / 3 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


منذ أول أيام الثورة السورية عام 2011 انطلقت أصوات كثيرة إعلامية وسياسية تتكلم عن "الطائفية" بسوريا. وأولها كان إعلان النظام أنها ليست ثورة شعبية بل مؤامرة كونية اشترت بعض "المندسين" بالداخل السوري الذين يريدون إشعال حرب طائفية. وطبعا تصاعدت التحليلات "العبقرية" أيضا من الإعلام العربي وخاصة الخليجي ومن الغربي أيضا وكلها تتكلم عن "حكم العلويين" لسوريا. النظام لم يكتفي بالإعلام والإعلان بل سرّب متقصدا فيديوهات عن التعذيب نسمع عبارات الإهانة والكفر وبلهجة ريف جبلة السوري والتي اصطلح أن يسميها بعض السوريين "الجاهلين" بسورية لهجة علوية، مع أنه لا وجود للهجة علوية. إذا فالدفع وراء ترسيخ التفسير الطائفي إعلاميا وعمليا تم شحذه ودعمه من قبل كل الأطراف من أول أيام الثورة وإلى يومنا هذا حيث أصبحت سوريا تئن تحت حرب داخلية خارجية مجنونة بالدم والظلم.
لم يتوقف تيار التفسير الطائفي خلال 3 سنين بل يزداد قوة، فهو أحد النقاط القليلة التي توافق عليها المتحكمون بالصراع على سوريا سواء من جهة دعم النظام أو من جهة محاربة النظام ولكل غاياته وخططه. تراوح هذا التوصيف الطائفي بين عبارات ساذجة انفعالية بالشارع أو الفيس بوك (السنة يريدون قتل العلويين) (العلويون يريدون قتل السنة) (هم يكرهوننا)، إلى مقالات وتحليلات كثيفة مصاغة بعبارات لماعة ومغلفة بتعابير الفلسفة وعلم الاجتماع ومحتمية بادعاء الواقعية. هذه التفسيرات شملت الإعلام والخطاب السياسي العربي كله (مع أو ضد) والغربي والروسي والإيراني. إذا فكل "العالم" متفق على أنها مشكلة طائفية، فهل تريد هنا القول أن كل هذا "العالم" على خطأ؟
الجواب على السؤال السابق هو "نعم"، أريد القول أن كل هذا "العالم" على خطأ. فهذا "العالم" بالواقع هو مؤسسات تحكم العالم الحقيقي الذي يشملني ويشملك وكل البشر العاديين، مؤسسات من سلطة ومال وإعلام لو عدنا فقط قرنا للوراء لوجدنا أن منتجها كان حروبا قتلت ما يفوق المئة مليون انسان خلال قرن من الزمن وخلفت مئات ملايين الفقراء الجوعى. هذا "العالم" بكل فعله على الأرض لا يمكن أن ينتج المقولات الصحيحة والتفسيرات العادلة. ولنعد للمأساة السورية ونختصر بالبرهان على أنها "ليست مشكلة طائفية":
أولا، من أصول التحليل العلمي للمجتمعات الإنسانية هو التنزه قدر الإمكان عن الخبرات الشخصية للمحلِل ولمن يحتك بهم هذا المحلِل. فمن الظواهر العامة الشاملة لكل المجتمعات الإنسانية هي ظاهرة "التبرم من ظلم الناس والزمان".
باعتبار أن الإنسان حبيس جسمه وعقله وأن تركيبة المجتمع الإقتصادية لا تسمح سوى للقلة القليلة بالصعود لقمة الهرم، وبما أن الإنسان يرى نفسه من أفضل الناس إن لم يرى نفسه أفضلهم، فأسهل طريقة لتبرير ما يراه فشلا هو إلقاء اللوم على الناس وانعدام الأمانة والإخلاص والصدق وعموم الظلم والاستغلال، بدءاً من صفوف المدرسة ومرورا بمكان العمل وعلاقة الزوجية ووصولا للمناصب العليا. هذه فكرة بشرية عامة، مع ذلك هي فكرة خاطئة تماما من الناحية المنطقية والإحصائية، فبما أن الغالبية تشتكي من قلة الأمانة عند الآخرين مقارنة بما يحمله الشخص المشتكي من أمانة يؤدي لنتيجة واحدة أن الغالبية تتمتع بالأمانة التي تشتكي من انعدامها. وعلى ذلك يمكن القياس بكل الصفات السلبية وصولا للكراهية وفق تصنيفات الطائفة والعرق والجنس.
ثانيا، بناء على الكلام السابق نقول أن الوجود البشري الحالي يؤكد حقيقة مطلقة على الكرة الأرضية وهي أن غالبية البشر المطلقة أبعد ما تكون عن "الشر" بمعناها التحاقدي والتقاتلي والتظالمي. هذه الحقيقة يؤيدها سبب أكثر بساطة ووضوحا وهو: لو كانت نسبة الأشرار كبيرة قليلة بين البشر لما استطاعت البشرية الاستمرار بالوجود على هذه الأرض لكل هذه الآلاف من السنين. كيف يمكن للبشرية أن تستمر على هذه الأرض لو كان الشر عاما بينها؟ أمام هذا السؤال لا نرى سوى أجابتين:
• إن البشر استمروا بالوجود والتقدم بسبب قوة المؤسسات الحاكمة للسلطة والمال والتي قادت الجموع البشرية المتخمة بالشرور غصبا عنها للاستمرار والتقدم.
• أو أن البشر بغالبيتهم المطلقة ميالون للتسالم والتعايش والتواصل.
وما بين الجوابين للإنسان أن يختار، أن يؤمن بمبدأ القوة والصراع وبالتالي يقبل الصدفة التي قد تجعله من الأقوياء أو الحالة العامة التي تجعله من المظلومين. أو أن يؤمن بنفسه كإنسان وبمن حوله من أناس.
ثالثا، التاريخ مليء بالمواقف والأفكار التي اتفق عليها غالبية البشر أو عدد هائل منهم لكن ثبت خطؤها لاحقا. بغض النظر عن الحقائق العلمية التي نقضت ما آمن به "كل العالم" لآلاف السنين مثل كروية الأرض وأسباب الأمراض وعلاجها. لننظر إلى قبول غالبية البشر لآلاف السنين لمبدأ العبودية والطبقات الإجتماعية، فقبل 200 سنة فقط كانت العبودية أمرا عاديا ومقبول أخلاقيا، ونبل العائلة الملكية أو السلطانية نابع من دمها النقي. بل حتى بزماننا هذا المصيبة أبشع، فلو سألنا الغير سوريين في الغرب وأمريكا والصين وأوستراليا ماذا يجري بسورية لقالوا عموما "ديكتاتور مستبد وحرب طوائف وإرهاب قاعدة". ولو سألنا المسلمين السنة-الشيعة ما هو الإسلام الصحيح لقالوا هو "مذهب السنة- الشيعة". هذه الأفكار الخاطئة تتكون إما طبيعيا من قلة المعرفة والعلم، أو بتحريض السلطة الماسكة لزمام الإعلام الشعبي كما هو بعصرنا الحالي.
رابعا، التعصب لطائفة أو قبيلة أو عائلة أو عرق أو قومية هو نوع من الحماقة العقلية التي قد يمارسها بعض الناس، فمن الثابت أن أخلاق الآخر معي ليست مرتبطة بصلة الدم أو الاعتقاد. وهذه الحماقة لا يمكن أن تضمن لأي ديكتاتور لا قديما ولا حديثا استمرار حكمه وقوته. الديكتاتور الحاكم يجب أن يستغل هذه الانتماءات على مبدأ "فرق تسد" ليكون هو الحاكم والقاضي بين الناس المنتمين لهذه المجموعات. ومن ذلك نرى أن تغلب مبدأ التعصب العائلي مثلا أدى دائما لانهيار العائلة الحاكمة لأن الابن أو الحفيد لا يملك مواصفات الحاكم القوي. وبزمننا هذا أصبح من الأكيد أن الاتكال على فئة دينية أو عرقية أو قبلية في حكم أي بلد هو انتحار إرادي للحاكم. وبالحالة السورية التي حكمها ديكتاتور واحد خلال 40 سنة ما كان له أن يحقق ذلك لو استسلم لحماقة التعصب لطائفته. بل قد نعطي مثالا أوضح، لننظر لأمير قطر السابق الذي لم يمنعه التعصب الطبيعي لأبيه من الانقلاب عليه، أو ما تنبهت له العائلة السعودية من ضرورة التخلي عن مبدأ التوريث للابن حتما وتوزيع السلطة على كامل العائلة والعائلات الأغني بالمملكة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تتطور أعين العناكب؟ | المستقبل الآن


.. تحدي الثقة بين محمود ماهر وجلال عمارة ?? | Trust Me




.. اليوم العالمي لحرية الصحافة: الصحافيون في غزة على خط النار


.. التقرير السنوي لحرية الصحافة: منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريق




.. بانتظار رد حماس.. تصريحات إسرائيلية عن الهدنة في غزة