الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإعلام المصري:تبني التفاهة و الانفصام عن شعب(2)

شوكت جميل

2014 / 3 / 18
الصحافة والاعلام


فما إعلام الشعب؟..لا أحسبه ضرباً من الطوباويات و لا إغراقاً في المثالية ،أن نقول :مهمة إعلام الشعب الأصيلة و الملقاة على كاهل نخبته،هي تنوير و تبصير الشعب بواقعه،و الكشف له عن مواطن الضعف و القوة فيه،و تحديد أولويَّاته التي يجب أن يُشْغل بها قبل غيرها،ومن ثم خلق رأي عام أمين يخدم الشعب بالمقام الأول،و لنا أن نشبهه بالهاضمة التي تمنح عامة الشعب غذاءً لا غش فيه و بثمنٍ زهيد..العامة الذين لا يملكون الوقت للبحث و الدرس،أو لا يملكون المال لشراء الكتب،أو لا يملكون العقول القادرة على التحليل و الاستنباط الدقيق،فحين أذهب ،و أنا مواطن من غمار الناس، لأبتاع صحيفة بقروشي القليلة و عقلي المحدود ،يحق لي أن أجد بها ما يكشف لي عن واقعي الإقتصادي الذي أكابده،و واقعي السياسي الذي ألتحم به،و حياتي الفكرية و الروحية التي أتعاطى معها،ثم بعد ذلك كله،أرتقب منها أن تكشف عن الأزمات في أي مما تقدم،إذا كانت ثمة أزمات بها،و لربما يحسن بها أيضاً،أن تدل على رؤى لحلولٍ إن لم تكن حلولاً،و من يدري؟ فلقد أصيب من ذلك علماً،فأدرك أن لي دوراً،وأهتدى إلى سبيل تأديته،فأنتبه إليه وأشرع فيه.

أقول: لا أحسبه ضرباً من الطوباوية و الخيال؛إذْ نعلم،علماً غير الظن،ما كان للصحف المصرية من خطر في مشارف القرن المنصرم،وماكان لها من تأثير أي تأثير في تشكيل العقلية المصرية الحديثة،و نحت المزاج الفكري و الروحي للشعب،أو ما نسميه اليوم"بالعقل الجمعي"،كل ذلك التأثير الهائل و الإعلام لم يكن بعد تجاوز الصحف المحدودة العدد و التوزيع إلا قليلاً_كالإذاعة بعدها _و ليس من شك في أن البقع المضيئة من الحداثة التي ننعم بها الآن،إنما خلفها رواد فرسان أتخذوا من الصحف خيولهم و سلاحهم قبل أي شيءٍ آخر.

فلقد كانت هذه الصحف ساحاتٍ و منابرَ لرواد التنوير من قامة لطفي السيد و طه حسين و العقاد..و غيرهم،و كانت الدستور و البلاغ و المؤيد و الأهرام و ما شاكلها من الصحف نافذةً للشعب يطل منها على ما لم يكن يراه،و يألف ما لم يكن يألفه من مفاهيم كالديمقراطية و العدالة الإجتماعية و حق التعليم وتحرير المرأة ،و كانت الرؤى تتباين و تختلف أحياناً و ربما تصل إلى حد النزاع، والمعارك الفكرية،لكنها كانت دائماً لصيقة بالشعب و قضايا الشعب،لا تترفع عنها ولا تتعالى عليها،و يكفي أن تعرف أن رجلاً في قامة طه حسين،كان يناقش على صفحات الجرائد ميزانية الحكومة،و كم الأموال التي تبذل في بناء سداً في الجنوب مثلاً،و مدى جدواه و نفعه على المواطن البسيط،و كيف نضمن عدم إهدار هذه الأموال..و العقاد بالطبع لم يكن أقصر باعاً و إن كان أكثر شراسة..و غيره و غيره،وحتى لا أطيل النفس نقول أن الإعلام كان لصيقاً بالشعب،و يعرف له حقوقه و أولوياته، صدق الشعب فصدقه،و من ثم شكل وعي و وجدان أمة.

و السؤال ما دور الإعلام المصري في التنوير الأن،و قد انفجرت امكانياته إنفجاراً هائلاً من صحف و قنوات فضائية و غيرها،فعاد من العبث مقارنته بصحف قليلة، ضعيفة التوزيع التي قدمنا،وكان لها ما كان من التأثير؟...هاكم الإجابة:

• لا أكاد أجد مقالاً عن "حرب سيناء"التي تدور رحاها الآن_أي نعم حرب كاملة لكننا لا نعلم_فيحلل لنا فيما كانت الحرب؟و من نحارب؟و كم أعدادهم و عتادهم؟و هل ثمة أطراف خارجية و دول تحارب بالوكالة،و ما هي تلك الدول؟ما خطورة تلك الحرب و تبعاتها؟و كيف لنا كشعب أن نساهم فيها؟لا شيء...و على الطرف الآخر تفرد الصحف الصفحة و الصفحتين "لحرب التشويش الإلكتروني"على برنامج هزلي_مع كل الإحترام_.

• و أنا مواطن بسيط لا أجد مقالاً قيماً عن قضية "حلايب و شلاتين"،فلا أعلم عنهما شيئاً،هل هما داخل حدودنا الدولية المصرية،أم داخل الحدود السودانية؟و لماذا تضعهما بعض الخرائط العالمية داخل حدود السودان؟و هل حقاً سبق أن تنازل عنهما زعيم سابق للسودان،و بأي حق؟..لا أجد شيئاً عن "قضية نسب" حلايب و شلاتين لأي الدولتين في الصحف المصرية..بينما تفرد الصحف الصفحة و الصفحتين"لقضية نسب"توأم" وضعته فنانه لا تجد لهما أباً أو لا يعترف أبوهما بهما_لا أعلم حقاً_و لا أحفل بان أعرف،ليس ما يعنيني كمواطن _أيها الإعلام المصري العظيم_ تتبع و كشف عورات الناس،فأين أولوياتي؟...و الفرق في موقف الإعلام المصري و اهتمامه بين القضيتين،أي قضية" نسب" حلايب و شلاتين و "نسب" توأم الدين،بين لكل ذي عينين.

• كمواطن بسيط ليس لدي أي معلومات عن حالة العداء نحو المصريين في ليبيا،و استهداف المصريين المسيحيين على وجه التحديد،و قد تم إرسال البعض منهم في توابيت إلى أهلهم بمصر،فماذا فعلت الحكومة المصرية؟و ماذا فعلت الحكومة الليبية؟و هل سيتم ترحيل المصريين المسيحيين منها أم لا؟و إن كان "لا"فهل تم اتخاذ تدابير لحمايتهم،و ضمانات من الحكومة الليبيية؟....لا شيء و رد الصدى،بينما تُفْرَد الصحف،و اللقاءات الحوارية،للمطالبة بالافراج عن فنانة_ لا أعلم لماذا قبض عليها_أعني فنانة بعضلاتها الجسدية(أي راقصة مع كل التوقير)و كان يحق أن تذكر بخبرٍ في سطرٍ أو سطرين أو لا تذكر..و الفرق في موقف الإعلام المصري في القضيتين بَيِّن لكل ذي قرنين.

و قس على ذلك ما شئت..هذا هو الإعلام المصري..و أحسب أنه بات جلياً،الفرق بين التحام الإعلام مع الشعب و ثماره في الحالة الأولى،و انفصام الإعلام عن الشعب و تبعاته في الحالة الثانية،و للاعلاميين مطلق الحرية أن يضعوا أنفسهم في أي المنزلتين.

و لا يتوهمن واهم أن الشعب غافلٌ عمّا يفعلون،و لا يظنن ظان أن إقبال الشعب على إعلامه و تحلقه حوله،لانخداعهُ به،أولانطلاء زيفه عليه،فلم يعد أكثر الشعب يصدق إعلامه لأنه لم يَصْدقه؛إنما يميل إليه ميل اللاهي المتفرج على أفاعيل و مساخر البهلونات و الأرجوزات في محافلها المعهودة؛ فهو لا يأخذهم مأخذ الجدية و الاحترام بل مأخذ السخرية و الهزؤ،و قد عبرت عنها العقلية الشعبية في بلاغتها الدالة(مسخرة و كلام جرايد)،و لربما يتعجب الإعلاميون لماذا لا يفطن الشعب"الغبي" و يدير لهم ظهره،كما أداروا له ظهورهم،و هم لا يفطنون إنما فعل ذلك ليعبث بمؤخراتهم البغلية ما شاء له العبث!
..........
بيت القصيد
أزمة مصر الحقيقية يا سادة،هي شعب عظيم مع نخبة بائسة...أزمتها شعب ينبض بالحيوية مع نخبةٍ نخرة...أزمتها شعب واعٍ مع نخبةٍ بليدة...ليست الأزمة في شعب مُغَيَّب بقدر ما هي في نخبةٍ مُغيَّبة و مُغيِّبة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن وإسرائيل.. خلاف ينعكس على الداخل الأميركي| #أميركا_الي


.. قصف إسرائيلي عنيف شرقي رفح واستمرار توغل الاحتلال في حي الزي




.. مظاهرة في العاصمة الفرنسية باريس تطالب بوقف حرب إسرائيل على


.. ما الذي حققته زيارة مدير الاستخبارات الأمريكية في مفاوضات وق




.. إسرائيل تبلغ نهائي يوروفيجن 2024 وسط احتجاجات على مشاركتها ب