الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الراوي وعلمُ الاجتماعِ الوطني (2)

عبدالله خليفة

2014 / 3 / 18
مواضيع وابحاث سياسية



لماذا يتبدل وضع الراوي في القصة القصيرة البحرينية ليصبح قريباً من السارد المؤلف لدى محمد الماجد ومحمد عبدالملك؟
في حين أنه لدى أحمد كمال وعلي سيار ليس كذلك، فهو ناءً عنهما فلا يوجد سوى صوتُ المؤلف السارد الكاتب؟
كما قلنا كان حضور المؤلف في قصص الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين يبدو مشيناً، فالقصة تبدو عملاً أدبياً متدنياً، وفي أجوائها (المنحطة) تلك كان ظهور المؤلف أشبه بالعيب!
الحال انقلب لدى الماجد وعبدالملك، صار حضور الماجد في قصصه واسعاً وكذلك تنامى هذا الحضور لدى محمد عبدالملك، ونعزو ذلك لتبدل مكانة القصة وصيرورتها جزءًا حيوياً من الإبداع والمجتمع، وكذلك فإن المؤلفَين صارا على علاقة وثيقة بالصحافة التي كانت تعتمد على الخبر والتحقيق (الريبورتاج) وتصوير الناس.
قصة الخمسينيات الخيالية التقريرية كانت تُزاح لصالح قصة قريبة من الحياة، والحياة كانت في الشارع الملموس، وإذا استقى الماجد قصصه من حياته الشخصية التحولية بدءًا من الرفاع إلى المحرق والمنامة راسماً تجاربه فيها، مسقطاً ذاته وأحزانه عليها، فإن محمد عبدالملك راح يصور يقظة الحارة وشخوصها وصراعها وصعودها لكن من خلال ذاته المراقبة المسجلة لما يدور.
بطبيعة الحال كان الراوي ثيمة فنية ضرورية، وتداخلت شخصية الكاتب السارد بالراوي الموجود في جسم القصة كجزء منها كما يفعل الماجد وكمراقب خارج عنها كما يفعل عبدالملك ثم يدخل فيها في قصصٍ تالية وكجزء عضوي فيها، وهو أمر عنى تطورات إبداعية كبيرة ومشكلات إبداعية كذلك.
هذه الجوانب الرفيعة في تطور القصة القصيرة لم تكن مُراقبة مدروسة في عمليات النقد البحرينية لأسباب تتعلق بمنهجية المؤلفين، فالباحث إبراهيم غلوم في كتابه (تطور القصة القصيرة بين الكويت والبحرين) يركز على الأسباب الاجتماعية التاريخية التي تكونت القصة فيها في كل من البلدين، ثم حين يجيء لتكون القصة القصيرة في البحرين ينقطع عن تلك المقدمات الطويلة ويكتب قراءاته الخاصة عن التجارب، لهذا لا تحوز مسألة مثل الراوي مكانة خاصة.
فيما تجيء الكاتبة (أنيسة السعدون) في كتابها عن الراوي في قصة عبدالملك لتأخذ قصص محمد عبدالملك كإنتاجٍ مطلقٍ خارج التاريخ الاجتماعي الفكري، مركزةً على إسقاط شهادات نقدية عربية وعالمية على جوانب بنائية فنية مهمة من هذه القصص.
مسألة الروي وظهورها وكون محمد عبدالملك جزءًا من حارة يعيشها بكل جوارحه، وهي حارة في غليان اجتماعي سياسي، وثم تجيء مسألة ذوبان تلك الحارة وغياب شخوصها الحية، وبقاء المؤلف فيها وقريباً منها وتسكنه تحولاتها السابقة وتزعجه تحولاتها الراهنة، أمرٌ مهم ومؤثر كبير، وتقوم هاتان اللحظتان على تطورين اجتماعيين سياسيين بحرينيين كبيرين غير مدروسين لدى الباحثين، وهما التطوران اللذان يتركان بصماتهما على البنية الفنية.
تقوم ضرورة بحث الجوانب الفنية المرهفة هذه على تتبع التطور الاجتماعي والفكري للبحرين خلال عقود الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن العشرين لكشف التحول الفكري الروحي العام ومشكلات التطور السياسي، فتصويرية المؤلف وبقاؤه ضمن المادة الإبداعية يجعل جزءًا من عمله تسجيلياً لا يكشف قوانين تطور البنية الاجتماعية، التي ينبغي أن يدرسها ويحللها ويكشف عللها، لا أن يلتصق بجزئيات كثيرة فيها، ويبقى فيها.
إن الماجد يبقى في تلك الجزئيات وتصير هي آلامه حتى يذرو نفسه، في حين يبقى محمد عبدالملك معها ويحللها ويربطها بحالات فكرية مركبة شخصية وعامة.
إن بقاء أحمد كمال في منهجية قصصية متجمدة يؤثر على توقف هذه القصة، في حين قام علي سيار بتحول مع انغماره في المجتمع الكويتي وبدّل من تقنيته بعض الشيء، وبقي محمد الماجد في تقنيته الفردانية المغلقة وبدّل محمد عبدالملك من هذه التقنية الراوية.
هذه كله جعل تقنية الروي تعبيراً عن علاقات إبداعية وفكرية وسياسية غائرة موضحة العديد منها في النقد الجديد بالبحرين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أكبر هيكل عظمي لديناصور في العالم معروض للبيع بمزاد علني.. ب


.. لابيد يحذر نتنياهو من -حكم بالإعدام- بحق المختطفين




.. ضغوط عربية ودولية على نتنياهو وحماس للقبول بمقترحات بايدن بش


.. أردوغان يصف نتائج هيئة الإحصاء بأنها كارثة حقيقية وتهديد وجو




.. هل بإمكان ترامب الترشح للرئاسة بعد إدانته بـ34 تهمة؟