الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تلميحات نظرية في كتابة تاريخ للأدب

حفيظ بوبا

2014 / 3 / 18
الادب والفن


عندما نتحدث عن المحاولات العربية في وضع تاريخ محدد للأدب الناطق بلغة الضاد فإننا نلزم أنفسنا في هذا الصدد بالحديث عن مجموعة من المؤلفات التاريخية التي لم تنطلق من قلب وجدان المؤرخ العربي الحديث وحده بل ألمت باهتمام المستشرقين كذلك، وهذا التحفز للأخذ بالمبادرة في التأريخ باركته يد الجامعة المصرية التي كانت في بداية نشأتها فوضعت جائزة لكل من يقدم على هذا النوع من المغامرة في تقييد تاريخ للأدب العربي، علماً أن هذه المهمة لم تكن بتلك السهولة بحيث يقدم عليها أي أحد بل كانت عبئاً كبيراً على عاتق المؤرخ وتراكماً لمجموعة من النصوص الأدبية في مختلف العصور السياسية المعروفة التي ينبغي أن تحصى وتستهدف في دراستها واستقراءها، هذا ولا نغفل أن التاريخ الأدبي علم قائم بذاته فهو قد تأثر باللسانيات البنيوية التي وضع أسسها اللغوي دسوسير ولكل علم موضوع محدد، صارم في اشتماله على حدود لهذا الموضوع الذي ينبغي أن يدرس في إطار كنهه الحقيقي، ولوضع مقارنة بسيطة بين مدى تأثر المؤرخ العربي باللسانيات البنيوية ودراسات المؤرخ لانسون صاحب كتاب تاريخ الأدب الفرنسي نجد مجموعة من الرؤى المغلوطة والثمثلات الشمولية التي هدفها بالأساس هو السعي نحو التجميع والإركام وهذا ينم عن صعوبة الفصل بين النظرية الحديثة للأدب وبين مجموعة من العلوم التي رافقت نشأة الأدب بالمشرق، فالأدب بالمعنى الذي يحيل على النصوص الشعرية والنثرية التي لها خصوصية جمالية في المستوى الأول وتعرب عن هموم الفرد (الشاعر المبدع) وهموم الجماعة (القبيلة أو الأمة)، لم يكن شائعاً كعلم وكنظرية راسخة ترفض التحاقها بالعلوم الأخرى رغم وروده في بعض النصوص الجاهلية وحتى في كلام الرسول عليه الصلاة والسلام الذي يقول: أدبني ربي فأحسن تأديبي، فالأدب في هذا الحديث له سمة أدبية أخلاقية، والشأن كذلك ينطبق انطباقاً مماثلاً على الأديب ابن المقفع الذي يعرف بمؤلفين مشهورين وهما الأدب الكبير والأدب الصغير، فالقارئ المبتدئ لأول وهلة قد يظن أن هذين الكتابين يندرجان في خانة الأدب بمفهومه الحديث لكن الكتابين أبعد من يتناولا آثاراً أدبية معينة، ولقد شاع أن مجموعة من رجال الطبقة العالمة في العصر الأموي كانوا يسمون بالمتأدبين ويحفظون مجموعة من القصائد ولعل أن هذا الحفظ كان من بدايات العناية بالشعر وبأسماء الشعراء اعتباراً لمجموعة من العوامل السياسية آنذاك منها إحياء الخلفاء الأمويين للروح العصبية بين القرشيين والأنصار...وهؤلاء المتأدبين لم يقتصروا على حفظ الشعر بل تسابقوا إلى حفظ أخبار الشعراء والتشهير بهم وذكر سيرهم وقبائلهم.
على العموم فإن نظرية الأدب بمعناه الحديث ظهر بأوربا وقد أسهمت فرنسا في هذا الصدد بشكل مثير، ومن تجليات ذلك اندحار المذهب الكلاسيكي وبروز المذهب الرومانسي الذي شكل ثورة في حد ذاتها في مستقبل الأدب الذي انقلب مفهومه القديم إلى مفهوم جديد يشير إلى عناصر الترابط بين الأدب كفن والأديب كفنان فأتى بيان كرومويل من قبل الشاعر فيكتور هيغو كانتصار في مستقبل الأدب على جه الخصوص، وبقدوم عصر البنيوية في ق 19 التي شكلت تغييراً جذرياً لمجموعة من المفاهيم وقد تأثرت مجموعة من العلوم والمعارف بالقوانين الجديدة التي اتسمت بالصرامة المنهجية والضرورة في الالتزام بالإطار الخاص التي تشتمله ضمن حيزها، وقد كان للتأريخ نصيب هام في هذا التأثر وقد توفر للمؤرخ لانسون مجموعة من النظريات التي اعتمدها في كتابه عن التاريخ الفرنسي، وهي رفض العمومية وعلمية البحث وتوخي الدقة ومعالجة النصوص والآثار على ضوء دراسات بنيوية خالصة
فأتى من بعده الشكلانيون الروس ونحن نعلم أن اللسانيات الحديثة قد توغلت في أمعاء الرقعة الأوربية حتى شملت روسيا فكانت المدرسة التي تعنى باستقراء النظام اللغوي القائم على مجموعة من العلاقات التي تكمن في السر المخبوء وراء نوعية النص الأدبي وتولي أهمية كبيرة للشكل والعلامات كجزء لا يستحسن إغفاله في فهم كيفية تشكيل الخطاب العام للنص الأدبي، ثم ضرورة فهم عنصر التلقي الذي يشكل كتابة هو الآخر في ذهن القارئ وهذا التلقي يكشف النقاط الرئيسية في سلطة التأثير المشترك الذي يحدثه النظام، فهذا رولان بارث مثلاً يحدثنا في كتابه عن لذة النص
لابد للباحث في أثناء تناوله لمجموعة من المؤلفات العربية الذي كتبت في بداية القرن الماضي أن يرى كماً هائلاً من المعلومات التي لا تجاريها الذاكرة، فهذا جرجي زيدان يحضر بمؤلفه تاريخ آداب اللغة العربية الذي حققه وعلق عليه شوقي ضيف وأحصى عليه عدداً كبيراً من التجاوزات والأخطاء، فمثلاً في بداية مؤلفه يحدثنا عن العصر الأول للجاهلية الذي لا يتحدد بحدود تاريخية يحدثنا عن آثار لمجموعة من الحضارات القديمة لبلاد الرافدين كالحضارة الآكدية والحضارة البابلية والحضارة الأشورية، ثم الحضارات اليمانية كحضارة حمير وحضارة جرهم وحضارة سبأ مستقصياً حوادث تاريخية وأخبار ثقافية لأنه وكما يشير المحقق السالف الذكر قد اختار آداب كجمع عام ينفتح على مجموعة من ألوان الحضارة ثم إنه يحصر آداب هذه الحضارات في نطاق الأدب العربي لكننا وإيماناً منا ولو لم تظهر الحقائق جلية في دراستنا لتاريخ الشرق الأدنى الخفي في نقاب الغموض وذلك لاعتبارات دينية نستهل الحديث بمعرفتنا قصة العرب العاربة والعرب المستعربة ولو كان ذلك عصياً على الفهم لتباين اللغات لكن هذا لا ينفي ثنائية التأثر والتأثير ورغم ذلك فإشكال اللغة التي كتبت بها الحضارات يظل قائماً، ثم إن شوقي ضيف نفسه قد كتب سلسلة في تاريخ الأدب توخى فيها الإطالة والطابع الموسوعي فتحدث عن آداب العصور السياسية، في شمولية وصبر نادرين في الباحث الحديث إلا أننا لا نرى أثر البنيوية في محاولة هذين الاثنين وعلى غرارهما كانت محاولات كل من الزيات والرافعي وفروخ الذي تضمنت إدخال الظروف الخارجية والتقليد البيوغرافي وذكر العوامل السياسية والاجتماعية في التأثير على الآثار الإبداعية
ثم هناك محاولة المستشرق الألماني كارل بروكلمان التي تعد الأولى من نوعها من حيث مضمرات البحث المفصل والدقيق الذي يشير إلى المصادر الكبرى للإلمام بأطراف الأدب العربي، هناك محاولات أخرى لكنها لم تستفد من محصلات الأبحاث الحديثة ولذلك كانت الأزمة في كتابة تاريخ نوعي لا كمي من الجانب العربي محاولات في الإركام والأخذ بالتقليد والاستقصاء ولم ترقى إلى الإفادة من النظريات الحداثية التي خلفها الغرب فهل سيتأتى في يوم ما للمؤرخ البنيوي العربي أن يكتب تاريخاً وفياً لإطاره النظري أم سيظل التاريخ الأدبي في طي الإهمال والنسيان ؟؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القبض على الفنان عباس أبو الحسن بعد اصطدام سيارته بسيدتين في


.. تأييد حكم حبس المتسبب في مصرع الفنان أشرف عبد الغفور 3 سنوات




.. عاجل .. إخلاء سبيل الفنان عباس أبو الحسن بكفالة 10 آلاف جنيه


.. أول ظهور للفنان عباس أبو الحسن بـ-العكاز- بعد حـــ ادث اصـــ




.. القبض على الفنان عباس أبو الحسن بسبب دهس سيدتين