الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شمس العشي ....قد غربت

عبد الإله بسكمار

2014 / 3 / 18
الادب والفن


للمرة الثالثة خلال ذات الأسبوع الأغبر، ترمي في وجهه الكتلة الورقية بفضاضة فيحس بسيف حاد ينهش أحشاءه " أقول لك للمرة الألف يابوتليس ، أترك ما تحتاجه فقط وألق مالا فائدة لك به خارج هذا المنزل " ألايتعسك هذا الغبار المتطاير بين الدفات والسطور القديمة ؟ " " ولكني محتاج إليها كلها يا سلوى ..." نبس بتهيب حتى لا يثير هياجها مرة أخرى ....لم تلق بالا إلى هرائه فتابعت بحرقة " وهذه الحساسية التي تنتابنا جميعا من الغبار والقدم والفيروسات ....ألا تخنقك ؟؟" تلقى اللطمة بهدوء صقيعي كعادته " من سابع المستحيلات ....لا يمكنه أن يتخيل تخليه عن تلك الكائنات الناعمة المركومة بجانب أختها الخشنة ... المنسوجة من خلاصات الخشب ونسيج القطن والصمغ والمداد والطبع والصور والخرائط والخطاطات والتمفهمات والمتمخضة ورقا زاهيا وخطوطا أزهى وأمتع ...عصارات الخلايا الدماغية....عجب واستغرب واستفهم ولعن في داخله .... ملتقيات المجانين لكثرة ما انتشر العقلاء حوارات الأزمنة والفضاءات والأخيلة والأحلام...منتديات الكلمات الكبيرة ....خزائن أسرار التكوين الأول ....أليس المطلق نفسه كلمات مجنحة ؟ أسفارا نزلت على أصفيائه الأخيار لإعادة ترتيب الماهيات وتطويق الخلاصات ؟...تذكر ياهذا ...يا بوتليس أنك في مرحلة الخلاصات ....لم يبق الشيء الكثير " أعاد ترتيبها للمرة الألف وكأن شيئا لم يكن ....كل المأساة انه لا يختار الوقت المناسب لإعادة التفكير فيها ...هذا أبو الحبر يغريك بتفاصيل الدواخل الملتبسة والآخر أبو الورق المعتق ينبئك عن حقب التحول والتطور أو الانحدارلا فرق من الكائن القائم على إثنتين إلى الضبع الساعي على أربع....وقال لنفسه وهو يعيد ترتيب الأندلس وتفاصيلها " لا شك أن التضبيع قد أطبق على الجهات الأربع ....لكن ما الجدوى وقد حاصرتكم الأزرار من كل ناحية وكيف تتقن العرنسية في بضع دقائق وتستطيع أن تحصل على لحظة كاملة من لهيبك الصقيعي وتلهفك المستهلك الهالك لا محالة ..."
لعن الشيطان الرجيم وتمكن من ترتيب آخر سفر في الرف المقابل لصالون الجلوس وخاطب طيفه للمرة الألف بعد الستمائة " أنت المعتوه دون ريب أما العقلاء فقد طلقوا الأسفار وعرضوها في الجوطيات وتعلم أن أذكاهم باعها لأقرب بقال في الحي ....تدر عليك في الأقل بعض الدريهمات ...ماذا بقي لهذه الكائنات العطنة من بهاء ومعنى ؟" استلقى على الأريكة ولجأ إلى الزر الملعون فصفعته الأشباح والأوهام ....مراسيم الخراب المعمم .....حطام بشع وناعم معا ....ما شئت أن تختار أو بالأحرى أن يختار الزر لك زرر وزرزر ورزز وزور وقبل أن يودع الصديق أسر له في حنق " لقد عرت الأزرار كل الأسرار..." فوافقك على الملاحظة وكأنه يضغط على زر هو الآخر ويبعث الإشارة ...لكن خدرا لذيذا داهمه ...أحاطت به الأرفف من جديد ....
وبختني سلوى للمرة الألف " أسيادك يجمعون الفرنك الأبيض أو الأصفر لليوم الأسود وأنت تراكم القبور الورقية قديمها والجديد " هاهي تطعنه مرة أخرى في الصميم وحق لها.... " المسكينة لم تلحق معك خاتما ذهبيا واحدا تظهره لأخواتها وصواحبها كعربون على حب غابر لم يبق منه إلا الرماد وطالما طعنتني في عميق الروح " أنت لا تحب إلا نفسك ثم تأتي باقي المعشوقات : الأوراق المتلاشية وما تبقى نذرته للأزرار....لعنها الله من حياة مفلسة " ....صعدت الشرارات إلى الدماغ رميت بالأزرار وقمت إلى الرف الأول فجمعته بالغرفة الهامشية المخصصة في العادة للخراف وأعياد الأضاحي : من العمارة الحضرية إلى البلاغة العربية عبورا على متن سفينة الأندلس وتاريخ البحر والتنشئة البحرية والبرية والهبات البشرية من سبارتاكوس وصاحب الزنج إلى الملتحي المقوبع بأدغال بوليفيا أفرغت بعض السوائل التي تضاعف اللهب في العادة ثم أوقدت الشرارة ...تصاعد الشواظ من الصفحة الأولى.....المقدمات والتشكرات والصعوبات والمنعطفات ...العروض والتفاصيل الصغيرة تتحول بسرعة البرق إلى موجات شعاعية متراقصة تنتهي إلى سواد فاحم شفاف ومن المقدمات إلى الخواتم اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة...
أحس اللهب يتصاعد مع الحر...لن تعود سلوى حتى يصبح كل شيء رمادا فتريحني وأريحها ... هاهي العملية تؤذن بالنهاية ....مراكمة آخر رف مع دفاته وكائناته الحبرية العتيقة والمعتقة يتصاعد اللهب دون انقطاع ....ثمة إحساس غريب بالخلاص ولنا بعد ذلك اضطجاعا رائعا بعد رحلة الألف ميل التي تبدأ بخطوة واحدة كان عليك أن تخطوها من زمان ... تصاعد النفس وأحسست بيد ناعمة تنبهني إلىاتجاه الريح واللهب ، لكني لم أعد ألمحه ....هذا اللهب الإبليسي ....بل إن جمجمتي توجعني ....هاأنت في محطة الخلاصات ويتراقص حولك سؤال الأسئلة " عباس ...وا عباس.... وا بوتليس ....ثقيل كعادتك في غيابات الجب كالأبله ....استو على جنبك الأيمن فقد ضايقتني الليل كله " قام إلى شربة ماء ثم إلى دورة المياه ....دور زر النور.... رباه الرفوف كما نسقها بالأمس بعد منازلته مع سلوى أتذكر سلوى والجرس المنبه ؟ .....اقترب من الرف الأوسط ...مد يديه إلى ذكريات مشاهير الوطن ولمحات من تاريخ الروائح ومنعطفات الأدمغة لم يطالعه أي لهب... لمس سفر السؤال بحنان رقيق لم يستشعره من قبل بل منذ سنوات خلت " هذه صورتك انطبعت عليه ...نفس الملامح والنظرات البعيدة " روى ريقه من ماء ليلي بارد وفكر في ترتيب جديد للرفوف ....















* أستاذ كاتب مغربي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غياب ظافر العابدين.. 7 تونسيين بقائمة الأكثر تأثيرا في السين


.. عظة الأحد - القس حبيب جرجس: كلمة تذكار في اللغة اليونانية يخ




.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت


.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر




.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي