الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من اشكاليات الخطاب النقدي العربي المعاصر

علي حسين يوسف
(Ali Huseein Yousif)

2014 / 3 / 18
الادب والفن


عند استعراض الجوانب الإشكالية في الخطاب النقدي العربي المعاصر ، تبين وبوضوح : إن العلاقة مع الآخر قد شكلت الحلقة المهمة في مسيرة النقد العربي في السنوات الاخيرة ، لذلك ليس من المستغرب أن يجد القارئ إن جل الإشكاليات التي رافقت مسيرة هذا النقد كانت تصب في مدار نوع العلاقة مع الوافد النقدي ، بدءاً من استقبال المنتج الوافد وما تمخض عنه من إشكاليات : الترجمة وتباين النصوص المترجمة فيما بينها ، وعدم ملاحقتها لما يصدر في الساحة الغربية ، وغموض لغة الترجمة , ومرورا بإشكاليات المصطلح النقدي الذي تحولت إلى مايشبه الفوضى تمثلت في : تعدد المصطلحات وتناسلها إلى الحد الذي يصعب السيطرة عليها ، فضلا على غياب التنسيق العربي الجاد لوضع المصطلحات الموحدة , وغياب المعجم المصطلحي الذي يوازي ما وضع في الغرب ، كل تلك الإشكاليات انعكست بصورة أو بأخرى على المتن النقدي العربي مما جعلت منه متنا غريبا عن الواقع النقدي , فهو أما ان يقتصر على التنظير , أو يسرف في محاكاة النقد الغربي , أو يتمثل في مجموعة نصوص تتسم بالغموض والضبابية والخلط والتلفيق والادعاء ، مما جعل هذا النقد ـ بوصفه حصيلة لما تقدم ـ يقف على قطيعة مع التراث العربي , ويبتعد عن فهم القارئ ، ثم انه لا يحمل خصوصية محددة فلا هو بالنقد العربي الخالص ، ولا هو بالنقد الغربي .... انه يقف خارج الثقافات على رأي ادوارد سعيد الذي مر ذكره .
لذلك يمكن الاستنتاج , بأن ليس ثمة منهج نقدي عربي يجمع مقولات ذلك المتن, لذلك فان أهم ما شخص في مسيرة هذا البحث الطابع الفردي والاجتهادي , وغياب العمل الجماعي والتنسيق الذي من شأنه ان يقدم رؤية موحدة يمكن للباحث او القارئ الخروج منها بنتيجة واضحة.
وعلى الرغم من إن النقد العربي في السنوات الاخيرة تكشّف في أعمال مهمة ورائدة ، وأفصح عن أسماء معروفة أسهمت في إثراء الحركة النقدية المعاصرة, إلا إن تلك الجهود ما زالت تظهر سلبيات ومآخذ لا يتمنى الباحث أن تشكل ملمحا ثابتا , أو أن تتحول إلى سمة ملازمة للخطاب النقدي تستمر طويلا ، لا سيما ان النقد العربي يعكس واقعاً ثقافيا غير منفصل عن الحراك الثقافي في العالم بأسره .
لذلك نرى إن النقد العربي مطالب بأن يسعى جاهدا في بلورة رؤية نقدية عربية منبثقة من رحم الثقافة العربية , ومتفاعلة مع الثقافات الأخرى , فقد أصبح من الضروري أن لا يصر على تبني المقولات الغربية وحدها ، وإنما يسعى إلى استخلاص ما يصلح من تلك المقولات ليمزجها بإرثه النقدي الأصيل ، وليخلق من ذلك المزيج نقدا ينسجم مع الحداثة النقدية في العالم اكمله ، فمن غير المستنكر الانتفاع من الاخر ، لكن قبل ذلك يجب معرفة الذات ، لكي يتسنى للناقد التعامل مع مقولات الاخر تعاملا نقديا . فمن المؤكد ان النقد العربي المعاصر لا يمكن ـ بأي حال من الاحوال ـ ان يلتزم موقفا حديا معارضا او مؤيداً وهو يروم التجديد ، فلا خطاب المعارضة يمكن ان يحقق التحديث مثلما لا يمكن لخطاب التبعية ان يفعل ذلك ، اذ ان خطاب المعارضة ينطلق من المستقبل ليولي وجهه نحو الماضي ، وبذلك يؤكد عجزه عن الممارسة النقدية في الحاضر ، اما خطاب التبعية فانه ينطلق من المستقبل ايضا لكنه يدير ظهره للماضي ليؤكد هو الآخر عجزه عن الممارسة النقدية .
ومن الضروري ان توجه الجهود وبصورة جماعية وتنسيق جدي لرسم خطة عمل واعدة تبدأ من تنسيق الجهود لترجمة ما يصدر في الغرب , ومسايرة الجديد من الأفكارعن طريق التواصل بين المجمعات التي انشئت في اكثر من دولة عربية ، ثم العمل بصورة جدية على صناعة المعجم المصطلحي العربي مثلما هو الحال في المعاجم العالمية المشهورة . وفضلا على ما تقدم فإن الحاجة ماسة الى تكثيف الجهود من اجل تقديم المقولات النقدية الغربية وعرضها للقارئ العربي بصورة مفهومة ، وبصياغات عربية ، مثلما كان الحال في بدايات القرن العشرين حينما عرض الكتّاب والفلاسفة المصريون خصوصا ادق النظريات الفلسفية والنقدية بصورة جعلتهامأنوسة للقارئ العربي , فما مطلوب من الكتاب والمفكرين العرب اليوم هو مخاطبة القارئ , والابتعاد عن النفس النخبوي والحس المتعالي ، فذلك لا يتفق وهدف المعرفة مطلقا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرباط تستضيف مهرجان موسيقى الجاز بمشاركة فنانين عالميين


.. فيلم السرب لأحمد السقا يحصد 22.4 مليون جنيه خلال 10 أيام عرض




.. ريم بسيوني: الرواية التاريخية تحررني والصوفية ساهمت بانتشار


.. قبل انطلاق نهائيات اليوروفيجن.. الآلاف يتظاهرون ضد المشاركة




.. سكرين شوت | الـAI في الإنتاج الموسيقي والقانون: تنظيم وتوازن