الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من المشكل إلى الإشكالية ... مسيرة مفهوم .

علي حسين يوسف
(Ali Huseein Yousif)

2014 / 3 / 18
الادب والفن


الإشكالية من الجذر اللغوي (ش ك ل), وهو مصدر صناعي أقيم على مصدر آخر للفعل (أشكل بمعنى التبس) , وهو (إشكال) , والإشكالية مصدر جديد في العربية المعاصرة يتضمن معنى المشكلة .
فإذا كان قولهم: أشكل الأمر إشكالا بمعنى التبس التباسا , فإنه يمكن القول : بأن الإشكالية هي القضية الملتبسة، لكن المصطلح بهذه الصيغة لم يرد في المعاجم العربية القديمة.
لكننا نجد مصطلحا قديما مرادفا لمصطلح الإشكالية , وهو مصطلح (المشكل) الذي يعني :((ما لا ينال المراد منه إلا بتأمل بعد الطلب)) ، وبهذا فإن مصطلح (المشكل) هو الأقرب دلالة إلى مصطلح الإشكالية المعاصر .
وبما أن مصطلح الإشكالية يعدّ مصطلحا طارئا على الاستعمال العربي , إذ لا يتجاوز عمره النصف قرن،فإننا يمكن أن نتلمس جذوره في اللغة الفرنسية ومن ثم في الإنجليزية، فهو المقابل لمصطلح (problematic) . فقد دخلت هذه الكلمة الفرنسية إلى الإنجليزية بمعناها ومبناها من الأدبيات الماركسية ، فقد ذكرها ألتوسير في أحد كتبه وترجم هذا الكتاب إلى الإنجليزية سنة 1969، لذلك فهي حديثة العهد في الإنجليزية أيضا. وأراد ألتوسير بهذا المصطلح الإشارة إلى الشكل أو التركيب النظري،لكنها فيما بعد أصبحت تعني أمورا أخرى مثل : القضايا الأيديولوجية المتناقضة ضمنا أو صراحة , ثم تطور معناها بحيث أصبحت تعني حدود تفكير من تسيطر عليهم .او قد تعني : مجموعة أفكار مختلفة قد تكوّن قضية مستقلة يمكن أن تدرس من وجهات نظر مختلفة ويمكن تجاوزها , بوصفها جدليات نظرية , وبهذا يمكن ملاحظة الجذور الهيجلية ومن ثم الماركسية لمفهوم الإشكالية،ولذا يمكن رد مصطلح الإشكالية الى موقف إيديولوجي معين؛ فلقد تكوّن((داخل نسيج فكري محدد نابع من توجيه إيديولوجي)).
وهذا بعيد عن معنى الإشكالية في اللغة العربية الذي يقابل مفهوم (المشكل)، الدال على الأمر الملتبس الذي قد لا يتوصل إلى حله. وهنا يلاحظ أن التقاطع بين الفهمين الغربي والعربي لمفهوم الإشكالية يمكن أن يعزى إلى التباين في نظر كل منهما إلى ما تؤول إليه الإشكالية , فالمصطلح بالمفهوم الغربي مثلما هو واضح يدل على ما يمكن مجاوزته , فالإشكالي هو: ((المشكوك في أمره الذي يكون إثباته مجانيا دون برهان كاف،)) , بمعنى انه يمكن إثباته أن توفر البرهان . أما دلالة المصطلح بالمفهوم العربي فتشير إلى خلاف ذلك , فالإشكالية :((صفة لما هو مشتبه ويقرر دون دليل كافٍ فيبقى موضع نظر)).وهي القضية التي لا يمكن الوصول إلى اتفاق بشأنها؛ بسبب قيامها على أسس مختلف بشأنها، وبمعنى آخر فإن الإشكالية: هي القضية التي لا يمكن حسمها .
وانطلاقا من هذا الواقع المتناقض لمصطلح الإشكالية فقد استعمل عند المفكرين والنقاد العرب بصورة مزدوجة جمعت بطريقة قسرية بين المفهوم الغربي والمصطلح العربي , وبذلك أصبحت الإشكالية عند العرب سمة للمسائل الجدلية التي تتضمن تناقضا في بنيتها الداخلية , ويصعب الاتفاق بشأنها مثل :إشكالية الترجمة , وإشكاليه المصطلح , وإشكاليه العلاقة مع الآخر الأجنبي, ومن هذا الفهم انطلق الكتّاب العرب في عنونة كتبهم وبحوثهم . وبذلك راح المفكرون والنقاد والمشتغلون في الحقول المعرفية يتداولون مفهوم الإشكالية ، ويجتهدون في توسيع مصاديقه على النحو الذي يناسب خصوصية كل حقل معرفي ، بوصفه تجاوزا لمصطلحي المشكلة والمشكل ، إذ صار هو المصطلح الأكثر دقة وشفافية في التعبير عن الأمور المتداخلة والمتناقضة في سياق نظري واحد .
ولتقريب وجهتي النظر الغربية والعربية حول مصطلح الإشكالية يمكن القول بأن هذا المصطلح يسمح لكل الحلول المطروحة أن تكون ممكنة .فلا مشاحة من استعمال مصطلح الإشكالية بدلالته العربية الجديدة المرادفة لدلالة مصطلح (المشكل)، على الرغم من اختلافها مع دلالة مصطلح (problematic) الذي يتضمن محمولات فكرية قد لا تتطابق تماما مع ما ترجم إلى العربية بوصفه نابعا من بيئة مختلفة وثقافة مغايرة ؛ لأن القارئ العربي قد رسخ في ذهنه أن الإشكالية تدل على ما التبس من الأمور.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ريم بسيوني: الرواية التاريخية تحررني والصوفية ساهمت بانتشار


.. قبل انطلاق نهائيات اليوروفيجن.. الآلاف يتظاهرون ضد المشاركة




.. سكرين شوت | الـAI في الإنتاج الموسيقي والقانون: تنظيم وتوازن


.. سلمى أبو ضيف قلدت نفسها في التمثيل مع منى الشاذلي .. شوفوا ع




.. سكرين شوت | الترند الذي يسبب انقساماً في مصر: استخدام أصوات