الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فعل المثاقفة بين السلب والايجاب

علي حسين يوسف
(Ali Huseein Yousif)

2014 / 3 / 18
الادب والفن


المثاقفة مصدر صناعي جديد على وزن (مفاعلة) من الفعل ثقف الذي يدل على معاني الحذق والفهم وسرعة التعلم, اما المثاقفة Acculturation بوصفها مفهوما حديثا فتعني في الكتابات المعاصرة : ((الاخذ والعطاء الثقافي بين الذات والاخر المتعدد)) , وعرفت ايضا بأنها ((عملية التطور الثقافي الذي يطرأ على مستويات المتون الادبية شعرية او نثرية بعدما تدخل جماعات من الناس او شعوب تنتمي الى ثقافتين مختلفتين ولغتين مختلفتين في اتصال وتفاعل يترتب عليهما حدوث تغيرات في الانماط الثقافية الاصلية السائدة في الجماعات كلها او بعضها)) وبهذا فإن مصطلح المثاقفة يرادف مصطلحات اخرى مثل : التبادل الثقافي والتحول الثقافي وتداخل الحضارات . وقد ظهر هذا المصطلح عام 1885 في حقل العلوم الانسانية في دراسة احد علماء الاجتماع الامريكيين عن الانساق الثقافية للمهاجرين الجدد في امريكا. وبهذا المفهوم فان للمثاقفة وجهين : ايجابي وسلبي, يتمثل الوجه الايجابي في التفاعل المتبادل بين طرفي المثاقفة كما هو الحال في علاقة ثقافتنا العربية إبّان عصور الازدهار الإسلامية حينما تفاعلت تفاعلا ايجابيا مع الثقافات اليونانية والهندية والفارسية فأخذت من تلك الثقافات ما كانت في حاجة اليه وأعطتها الكثير مما عندها ، فيما يتمثل الجانب السلبي للمثاقفة في المثاقفة القسرية التي تنطلق من منطلقات الهيمنة والتبعية ، أي تلك العملية التي تفتقد إلى التفاعل المتكافئ بين طرفي المثاقفة . ونرى ان الثقافة الغربية المعاصرة ارتبطت بالقوة من أول أمرها ، لذلك فهي غير مستعدة في أكثر الأحوال ان تتنازل عن عرشها لتتبادل مع الآخر الضعيف ثقافته , وقد انسحب ذلك على المفكرين الغربيين أنفسهم الذين طالما تجاهلوا الثقافة العربية فربما لا نجد ((كاتبا او مثقفا او مفكرا أجنبيا يحيل على مرجع عربي او مفكر عربي فيما يكتبون الا في اقل القليل ومثال هذا المستعربة الألمانية ريناته ياكوبي مؤلفة كتاب (دراسات في شعرية القصيدة العربية )الذي لم ترجع فيه على أية دراسة عربية حديثه على كثرتها فيه)), وأمام هذه الوضعية المهيمنة وغياب الجانب التفاعلي انصرف النقاد العرب بالمقابل الى التركيز على السياقات الداخلية للنصوص الأجنبية مبتعدين عن السياقات الخارجية التي تتمثل في النسيج الفكري الخاص بالنظرية النقدية الغربية وتلك الاهداف المحددة جعلت النقاد العرب يعالجون النظرية الغربية بكثير من الوجل بخاصة عند شرحها وتقديمها اذ أصبحوا يخشون إضفاء أي تغيير عليها لكيلا تطالهم تهمة الإساءة في الفهم والتعسف في النقل.
إن المثاقفة بين العرب والعالم الغربي بمفهومها المعاصر كانت فيما يبدو منذ أول أمرها أحادية الجانب فلطالما ارتد المؤرخون في تأصيل فكر الحداثة إلى الحراك الثقافي الاوربي الخالص في القرن الخامس عشر الميلادي وبالتحديد الى سنة 1453م عام فتح الأتراك للقسطنطينة وانهيار الإمبراطورية البيزنطينية ، وما تبعها من هجرة العلماء إلى ايطاليا لتصب بعد مسيرة مئات السنين في المذاهب الحداثوية وأولها البنيوية ومن ثم تحولت وجهة البحث الفلسفي من الانهماك في مركزية العقل وبناء الصروح الفلسفية الى صياغة المفاهيم بحسب تعبير جيل ديلوز(ت 1995م) وفيلكس غاتاري (1992م) . ويبدو للمتأمل الخصوصية الأوربية للحداثة مما يؤشر غياب الفاعلية العربية في فكر للحداثة مما ترتب عليه ان تكون المثاقفة عملية تصدير ثقافي غير متكافئ يقوم بها الغرب , الامر الذي يدفع الى القول ان المثاقفة العربية مع الغرب كانت منذ اول امرها تتسم بالطابع السلبي. وما تقدم يدفعنا الى تقييم العلاقة بين طرفي المثاقفة : (الذات ، الانا ، النحن / والاخر ، الهو ، الهم) ففي الثقافة المعاصرة تمثل جدلية (الانا / الاخر) لاسيما علاقة العرب بالغرب إشكالية كبيرة , فلطالما نظر الغرب الى الشرق على انه نقيض الغرب سواء بالمعنى السلبي وهو الغالب او الايجابي كما في تصور الشرق ((جنة أرضية)) , فالشرق يمثل بالنسبة للغرب شبه اختراع أوروبي, والأمر ذاته ينعكس على الشرق الذي طالما نظر للغرب على انه يمثل العدو ، والهيمنة ، والتسلط ، وانه ـ أي الغرب ـ لابد من معرفته ودراسته لكي ((يضيع الخطر الماثل من اعتبار الحضارة الأوربية مصدر كل علم وما سواها من حضارة تعيش عليها وتنتظر منها المذاهب والنظريات)). أمام هذه النظرات المريبة من طرفي المثاقفة العربية مع الآخر (الغرب) قد يبدو من الصعوبة أن تتحقق الصورة الايجابية لعملية التثاقف ، لاسيما وان الواقع يعزز هذا الأمر ، فالثقافة العربية الآن يمكن أن توصف بأنها ثقافة الأخذ من الآخر ، وفي أحسن أحوالها يمكن ان توصف على انها ثقافة لا يمكن ان تعطي الآخر شيئا يذكر ويرى الباحث ان سلبية الثقافة العربية المعاصرة بالنسبة لأوربا يمكن ان تعزى لسببين : يتمثل السبب الأول في استسلام الثقافة العربية المعاصرة أمام النظرة الغربية التي تناست الفضائل التي جاءت بها الحضارة الإسلامية من العلم والرقي الرفيع وأحلت محلها نزعات أصولية واقتتالية حتى أصبحت صورة العرب ساخرة لا تتجاوز الجمل والصحراء ونساء الحريم ! وبذلك فقد تحققت المقولة : لقد اختار الغرب ان ينسى وتقبل ذلك العرب المعاصرون.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -لقطة من فيلمه-.. مهرجان كان السينمائي يكرم المخرج أكيرا كور


.. كواليس عملها مع يحيى الفخراني.. -صباح العربية- يلتقي بالفنان




.. -بين المسرح والسياسة- عنوان الحلقة الجديدة من #عشرين_30... ل


.. الرباط تستضيف مهرجان موسيقى الجاز بمشاركة فنانين عالميين




.. فيلم السرب لأحمد السقا يحصد 22.4 مليون جنيه خلال 10 أيام عرض