الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شبشب المحامي

محمد النعاس

2014 / 3 / 19
الادب والفن


إذ ظل يحاول أن يتفادى الغبار المحلق مع هواء خزانة الأحدية، كان ينظف شبشبه الذي تناثرت الثلاث سنوات ولم يترك رائحة قدميه بعد نهار طويل بين ثنايا النايلون الذي تشكل من براز مخلوقات غادرت الملل والموت الذي يصيبان هذه الأرض، كان مرتاحاً مع فكرة عدم إرتداءه لشبشب وخصوصاً عند تدحرج أحذية الراتا إلى خانة الذكريات، أحذية الراتا كانت مقلقة له، فكرة أن حذاء ما سيمتص كل غدير الشارع الترابي ويتفاعل مع عرق جسده ليصنعا رائحة مميزة لخشيشره الذي غالباً ما ينتهي به الأمر أن تلقيه أمه في وجهه قائلةً له " اغسل شخاشيرك بروحك باش مرة ثانية تعرف وين تخرا خراك"، الرائحة الخرائية لأرجله سبب له أزمه، إذاً.. فمنذ رجوع الراتا إلى قائمة الفقراء والمساكين، وعند تدخل العوامل الطبقية بأن تصبح عائلته من الطبقة الوسطى للوقت الراهن قرر أن يجرب الطلياني والتركي من الأحذية، رمى بشبشه اللعين وقتها وصرخ قائلاً " موتوا جبناً... يا أولاد القحبة"، ولم يعرف لماذا قال ذلك وما الظروف التي أدت إلى هكذا رد صارخ، يقول أحد اللذين عرفوه، بأن ذلك كان نتيجةً لرمي الصحفي العراقي منتظر الزيدي للرئيس الأمريكي جورج بوش بحذائه الشهير، يقول آخر إذ استنتج من تصرفات سابقة له، أنه لم يكن مع توافق والشبشب ورجّح ذلك إلى أنّ الأمر عائد إلى ترك " خدّوج" له بعد أن قالت له " أنت ما تسواش كندرتي... يخّي ما تساوش شبشبك "، وخدّوج هذه حبيبته... والبنت التي جرب معها أولى قبلاته بالجامعة تحت أشجار السرو حيث يعرف العارفون بتعقد العلاقات في مجتمع -حافظ على أشياءٍ كثيرة حتى ضُرب به المثل بمدة صلاحية الأشياء التي حافظ عليها- كالذي يعيشونه والمدى الذي تؤثره القبلة الأولى للوجه الذي بين وشاح خدّوج أو من شابهها من تبعات سرية.

لكن راوٍ آخر للقصة- وهو ما يرجح الناس شهادته إذ كان أقل أصدقائه في تعاطي الروج والحبوب والمشروبات الروحية ليصبح أهلاً للحل بين قصص أصحابه- يقول أنّ قصة إهانة خدّوج لاحمد المحامي ليست سوى الحدث النهائي في يوم أسود طويل، صحى المحامي ( والمحماة ليست بمهنة يمتهنها ولكنه لقب العائلة الكريمة) ليجد أصبع رجله الكبير متفرقاً عن باقي الأصابع في ثنايا شبشبه الزيكو، حيث يبدو أن بوخة الأمس بالبراكة لم تجعله يثق في واقع تركه لشبشبه، كان يفكر بمدى خطورة تركه للشبشب حراً هكذا بدون حسيب ولا رقيب، ومن يضمن له حقاً أنه متلوّح في داره على سريره الخشبي وينتظر الصباح حتى يشعر بذاك الصداع الذي يخبره أنّه عليه أن يكون سعيداً إذلم ينتهي به الأمر بدار أمه وأبيه مقلقاً ليلتهم ورغبات أعضائهما في جلسة للحديث اشتاقتها منذ سنوات وجوده العشرين، على كلٍ، فهو استيقظ بشبشبه من دون أي تبريرات أو أحاديث جانبية، كل ما في الأمر أنه استيقظ حياً – وهذا ما تمنى اخفاقه فيه نهاية ذلك اليوم- والشبشب في رجليه من أثر بوخة الأمس على صراخ أمه وأبيه وسط شجار عائلي تأزمت معه العلاقات، نظر للساعة ليجدها ثلاث ساعات فقط منذ نومه، لعن الشيطان والكائنات الخفية والوقت والدنيا ثم تشرف بلعن الوالد بما يليق وما طار سلطان النوم تاركاً حتى يهفت الشجار بأن يضطر الوالد لاستخدام الفيتو لكيْ ينهيه بأن توعد الوالدة المصونة بالطلاق، دخل الحمام ولم يكن هناك ماء، لم ينسى أن يلعن الماء وخطرت بباله فكرة أن جسم الانسان يتكون من سائل آخر، السائل المنوي مثلاً، وتذكر خدّوج، وكيف سيكون موفقه محرجاً معها لو شمّت عليه رائحة أخرى غير الشامبو، وحيث أنّه معراق ( أي من من يسع قطر مسماتهم سنتيمتراً ونصف) فلابد من دوش صباحي، شد الخرية حتى يخرج للجامع المقابل ويترك أحشائه بحماماته، خرج من الحمام وأمه واقفة تنتظر أن تفش غلها فيه حسب قاعدة الهرم العائلي، وصبت عليه ما شاء الله له من سخط وكلام كانت تريد أن تقوله عن قلة حيائه وتتبيعه لمردف الشارع.

كان يشعر أنّ اليوم لن يكون أكثر سوءًا من ما هو عليه وأنه حالما ينظر لنهدي خدّوج – من وراء البلوزا طبعاً- ووجه خدّوج ومؤخرة خدّوج سينسى اليوم والدنيا والكل، ارتدى ملابسه، بخبخ، وانطلق للجامع فأول إيفكو بالمحطة نحو الجامعة، طال انتظاره للإيفكو والتي لم تعتد على أن تغيب كل هذا الوقت، كان يراقب أرداف الصبايا والمدامات وعندما تمر امرأة يشك أنها تخرجت من جناح الثلاثينات يستغفر الله لتكحيله في امرأة زي أمه، ووقفت الايفكو، كان قائدها من النوع الذي لا يطيقه، موسيقى مرّوكي صاخبة وحشر هائل للأجساد البشرية داخل التنكة البيضاء، ظل واقفاً طيلة الوقت أمام الباب، إما ليدخل زبون أو لينقص آخر، تحمل كل شيء لعيون خدّوج –ونهديها طبعاً- ولم يتسنى له الحظ بالجلوس على كرسي إلا وسط عاملي بناء نيجريين يبدو أنهما جهّزا لعرق عمل اليوم قبل العمل نفسه وتصفاحت الروائح فيما بينه وبينهما، وخرج من الايفكو ووصل للجامعة مبتسماً، كان عليه دائماً أن يحضر نوعاً من الشيكولاتة أو شيء من هذا القبيل، تذكر أنه لم يفعل كل ذلك، بل وإنه لم يكن لديه سوى دينار نقص منه ربعه للايفكو في محفظته وأنه نسيى باقي المال بالدار، لم يكن لديه سوى ربع آخر ضائع لايفكو المرواحة، تذكر أيضاً أنه نسيى علبة السجائر بمعطف الأمس مع الدنانير الاخرى، لم ينتبه لذلك لأنه تعود على أن يدخن سيجارته الأولى بعد القهوة مباشرةً، القهوة التي غالباً ما يشربها من كافيتريا الكلية، كان يقرر في قرارته ما الذي سيختاره من بين الاثنين " سجائر أم قهوة؟" – تلك الأيام الجميلة كانت القهوة بخمسين قرش - والألعن من لك.... أنّه جاء للكلية بشبشبه!

قال المحامي في نفسه متفائلاً:

- اليوم لن يكون سيئاً أكثر من ذلك.

ثم أضاف:

- ولد القحبة!

المهم، وصل للكلية في حالة ترثيه فيها الخنساء، مزاج كالخراء ورائحة كالبعير وشبشب! ولكن كل ذلك يهون لرؤية نهدي خدّوج، مر بجانب مجموعة من المدخنين، اقترض سيجارة وكان عليه أن ينتظر حتى موعد القهوة ليقترض شعلة من قداحة أحدهم، انتظر خدّوج التي كانت غاضبة لرؤيته فقد انتظرته ساعة لرؤيته بهذا الشكل والرائحة، قال لها :

- صباح الخير يا حُبي.

قالت له:

- لا حُبك، لا زبّك.

ولا تتعجب، فخدّوج كانت ذات لسان بذيء، وقيل – لابد أنّ مغرضين أرادوا بذلك تشويهاً لسمعتها- أنه تعرف عليها في ما يُتعارف عليه بالسكس فون، لكنه لم يقبل الاهانة فبادلها بأخرى كالصراخ:

- زبّي اللي ترضعي فيه يا قحبة.

لم يكن يدري ما الذي أوقع نفسه فيه، لم يعرف كيف خرجت هذه الكلمات من لسانه الذي غالباً ما يكون متريساً عليه عند وجوده بجانبه – من ما يدحض نظرية أنه تعرف عليه في السكس فون-، كانت رائحة فمه كأنه يشتم رائحة أرجله عندما نطق بما نطق به، بل كان يحلف بالله أنه عندما نطق بها كان مذاق الشبشب النايلون والطينية على لسانه، صعقت خدّوج إذ لم تعتد على أسلوب بذيء كهذا منه وأن يصرح بالهعر أمامها وأمام خلق الله، لم تجد وسيلة للرد إلا بأن أغرقته بسيل من الاهانات المحترمة من ما جعل المشككين في قضية عهر خدّوج يحتجون بأنه هو أراد أن يسمعها تقول له " لا حبك، لا زبك" ولم تقل ذلك حقيقةً، في الغالب أنها قالت له" لا حبك، لا كلبك"، إذ أنه كان قد عاملها كالكلبة بانتظارها الطويل له، المهم، وكي لا يريح خيط الحكاية منا، فخدّوج قامت بالواجب عندما قالت له:

- أنت ما تسواش كندرتي... يخّي ما تساوش شبشبك.

ثم راح خيالها يتباخر أمامه. وبكى... وتحسر، وما تبقى من ما يقصه العاشقون.

المهم، وقتها ألقى بالشبشب إلى غياهب النسيان وحلف بالله أنّه لن يعود لارتداءه، ولكن اليوم يختلف الأمر، فقد كان لزاماً عليه أن يرتديه، بعد أن قرر التعاطف مع الزيدي في قضية رميه للحذاء التي مرت عليه السنون ليكرر الصفعة للعرب بأن يردّهم إلى زمن الشباشب وينادي بترك الأحذية التي لم تأتِ إلا مع دخول أمريكا للعراق، ورغم أن البعض كان يشكك في بعثيّته لكنه كان قومياً إسلامياً وأحياناً قبلياً كما تنص الحالة، وتذكر القصة الخاربة وظل يفكر بينما الغبار يتغلغل داخل جيوبه الأنفية ما اللعنة التي سيلحقها به الشبشب لو ارتداه هذه المرة.

خنّس وفنّص وشنكشت الفكرة في عقله.

تشجع وارتدى الشبشب، إذ أنّ آخر ما يريده أن يكون رجعياً أو تقدمياً، وفكر في قضية الأمة الإسلامية وما تواجهه من مخاطر إن لم يرتدي الشبشب والذي يبدو في صورته أقرب للصندل.

ولم يتحرك خطوتين للأمام حتى عرف أنه يمشي شبه حافٍ نظراً لصغر الشبشب على قدميه بعد مرور السنوات السبع، فعاد لارتداء الأحذية لاعناً خدّوج والقضية.

عندما استيقظ، وجد الشبشب الزيكو متعلقاً بقدميه وعقله كأنّه مشدود بأسلاك حديد!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة أخيرة - فقرة غنائية بمناسبة شم النسيم مع الفنانة ياسمي


.. كلمة أخيرة - بعد تألقه في مسلسلي كامل العدد وفراولة.. لقاء




.. كلمة أخيرة - ياسمين علي بتغني من سن 8 سنين.. وباباها كان بيس


.. كلمة أخيرة - المهرجانات مش غناء وكده بنشتم الغناء.. رأي صاد




.. كلمة أخيرة - -على باب الله-.. ياسمين علي ترد بشكل كوميدي عل