الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مواقف ثورية في زمن النفاق!

هادي فائز

2014 / 3 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


عالمنا المعاصر وللأسف الشديد أضحى اليوم عالم النفاق السياسي والرياء الإعلامي وكلما تنافق أكثر تشهر أكثر وتغدق عليك الهدايا والمزايا دون كتاب ولا حساب خاصة اذا كنت تجيد النفاق الثوري وتدافع بحرص و شدة عن أنظمة وحكومات متهمة من جانب شعوبها بانتهاك حقوق الإنسان والمتاجرة بالمواقف الثورية والتشهير بالشعارات البراقة وقمع الناس بذريعة مواجهة الصهيونية العالمية والقضاء على الامبريالية الاستكبارية.

اليوم و في سوق النخاسة والنفاق ان كنت تعترض على تقسيم الدول وانسلاخ مقاطعات وجزر عن دول معترف بها كما حدث بشرخ جزيرة القرم عن جمهورية أوكرانيا الأم فأنت عميل ابن عميل وتستحق الإعدام والاغتيال السياسي المنظم لأنك لا تفهم السياسة وتدافع بقوة عن قصد او دونه عن مصالح الغرب وحلف الأطلسي!.

اما ان كنت تؤيد الاستعمار الشيوعي الاشتراكي الماركسي اللينيني الروسي وتدافع عن انسلاخ الدول والمقاطعات عن دولها وترحب بكل احتلال روسي لدول كثيرة في العالم فأنت ثوري حتى النخاع وتقدمي من الراس حتى أخمص القدم وتستحق الأوسمة والنياشين وسوف يكتب اسمك بخمر الجنة مع أسماء الشهداء وتحشر مع الإبرار والصديقين ويقام لك صرحا شامخا في الدنيا والآخرة.

اما ان كنت تعارض الاحتلال الروسي وترفض ما قامت به روسيا المحتلة من فعل مشين بانتزاع القرم من أوكرانيا بقوة السلاح وبغير حق الفيتو في مجلس الامن فأنت منبوذ وخائن وجاسوس رخيص تعمل لصالح الاستخبارات الغربية وسوف يصدر ضدك حكما يرضى عنه الله والأنبياء والملائكة الى يوم الدين!.



نسأل فقط ونغلق هذا الملف لانه شان شعب أوكرانيا ولا دخل لنا فيه: يا ترى هل ترضى وتسمح الدول والحكومات التي تدافع عن انسلاخ جزيرة القرم وإلحاقها بروسيا الغاصبة وأيدت استفتاء الروس في هذه الجزيرة الأوكرانية مثلا للأكراد وغير الأكراد من الأقليات الدينية والقومية ولساكني المقاطعات الحدودية ان يجروا استفتاء حر ومستقل تحت إشراف دولي للانفصال والاستقلال عن تلك الدول؟!.

قسما بذات القدسية اذا سمحت بذلك فلن يبقى من تلك الدول الى عشر مساحتها الحالية في أفضل التوقعات وأحسن التخمينات لان معظم القوميات والأقليات ترجح الانفصال والاستقلال فورا ودون تأخير وسبب ذلك: اسألوا حكام المناطق المركزية المرفهة وشاهدوا وتعرفوا على حرمان المناطق النائية والحدودية ومعظم المحرمين لازالوا يعيشون في كهوف او في بيوت مصنوعة من التبن والطين ولا يعرفون عن اختراع اسمها طاقة الكهرباء.



ان كنت ترفض قتل الناس بالتفخيخات والتفجيرات والبراميل المتفجرة وتدين القتل الجماعي او القتل على الهوية والقومية والمذهب ولا تفرق بين مجرم حرب ثوري او مجرم حرب منظم او قاتل عادي وتعتبر كل القتل والتصفيات والقمع والتهجير القسري والقصف العشوائي نوعا من أنواع جرائم الحرب التي تدينها الشرائع السماوية والمواثيق الدولية فأنت غبي وأحمق لا تفهم السياسية وناقص العقل والدين وتستحق الموت السريع او الطرد والاحتجاز السياسي القسري والإقصاء من عملك وحرمانك من كافة حقوق المواطنة بل ويجوز إدانتك بتهمة الهرقطة والكفر وتطبق الحد الشرعي عليك ايضا ودون تأخير!.

اما اذا كنت تؤيد انواع القتل وتدافع عن الأنظمة المجرمة والسفاكة لدماء الشعوب لمجرد شعاراتها بالدفاع عن الصمود والتصدي والتشدق بمواجهة إسرائيل اعلاميا فقط وترحب بقتل البشر لمجرد انهم إتباع دين ومذهب لا يتفق مع أرباب السلطة والحاكمين بقوة السلاح والنفاق السياسي وخدع الناس بالأكاذيب والشعارات واستغلال الدين لصالحهم الفئوي والمادي، فأنت وحي منزل ورفيق اعلى ومنزه عن الخطأ وصاحب نظرية (نافق بكثرة تفتح لك أبواب الجنة!) ومنزلتك تفوق مكانة الأوصياء وتستحق مقاما يبنى لك اكبر من الأهرام وأطول من سور الصين!.



اذا كنت تعترض على نهب أموال شعبك واقتطاع لقمة عيش أكثرية الناس والمحرمين وتقديمها للجماعات السياسية والتنظيمات المسلحة التي تعيش كديدان العلق على دماء الآخرين وينهبون خيرات وعائدات الشعوب على شعارات ومواقف لا تغني ولاتشبع الناس والامم وتدعو دوما الى تطبيق الحديث الشريف القائل: (المصباح الذي ينير البيت يحرّم ان يهدى الى المسجد!)، فأنت مجرم تاريخي وليس ببشر ولا تستحق حتى نسمة الهواء الذي تستنشقها ولابد من نفيك وتعذيبك وفرض كافة أنواع الكبت والقمع عليك شئت ام أبيت!.

اما اذا كنا تؤيد أفعال وشعارات تلك الجماعات المسلحة وتطالب بنهب المزيد من أموال الشعوب وتقديمها لها لانها تنهم كالحوت وتأكل كالمنشار بالصاعد والنازل او على الاقل تدس رأسك في التراب كالإنعام، فأنت اكبر ثوري في العالم واهم خبير استراتيجي وأعظم محلل و أنبل الناس واشرف البشر ولابد من تشييد تماثيل لك في انحاء المعمورة حتى وان كان بناء التماثيل محرم في الإسلام! ولكن على خاطرك الغالي وتقديرا لموقفك الرائد يجيز كل شيء ولتدفن الشريعة في حفر النفاق و تغمر في أبار الرياء.



واذا كنت تنتمي لدولة عربية تحتلها إسرائيل ومهما تكن مواقفك ومهما فعلت وقتلت ودمرت وحتى وان شارك هؤلاء بالآلاف بتفجير أجسادهم العفنة بين الناس الأبرياء في دول المنطقة وقتلوا عشرات ألاف من العزل والباعة المتجولين والمارة في الشوارع والميادين والأسواق الشعبية، فأنت ثوري وتقدمي ومقاوم ومنقوش على جباهك ثوريتك ومحاسنك السامية الى يوم الحساب وكوفيتك نحملها على أكتافنا لمجرد الرياء والنفاق وخدع الناس والتلاعب بأذهان الرأي العام.

اما اذا نطقت بحرف واحد ضد هؤلاء وشوهت سمعتهم وذكرت ان 1300 من هؤلاء فجروا أجساهم الخسة بين الأبرياء في دولة واحدة في المنطقة فقط ولماذا لم يفجروها في إسرائيل مثلا (بالرغم من إنني شخصيا ارفض قتل الأبرياء ليس في إسرائيل فحسب بل حتى الأبرياء في زحل والمريخ، وإذا كنت رجلا حقا فواجه العسكر والمسلحين!) فأنت ملحد وكافر وصهيوني ابن صهيوني وتستحق الموت الزؤام والطمر في الحفر والرجم بالحجر يا زاني بالقضية المركزية و فاتق فرج ودبر الأمة الإسلامية!.



اذا كنت تدعو الى النفاق وتعنت كل رئيس وحاكم يأتي بالقائد المفدى والزعيم المبجل والرب الأعلى وتقول له ان كان معتدلا او متطرفا: أفديك بأبي و امي وأنحر أولادي تحت أقدامكم، فهذا عز الطلب والمراد الأعظم والهدف المنشود ويمكنك ان تصبح اثر ذلك مديرا لمركز الدراسات الإستراتيجية او مسئولا عن التلفزة والقنوات الفضائية او سفيرا او وزيرا او مسئولا كبيرا اذا شئت وتنال الرتب العالية والمزايا الوافية، و لكن اذا كنت دوما من المعترضين والناقدين ولا تعرف سبل النفاق والرياء وتدعو الى الإصلاح والتغيير نحو الأفضل ولا فرق عندك وتعاملك بين الحاكم والشخص العادي ولا تأخذك في قول الحق لومة لائم ولا تعرف طريق النصب والسرقة والدجل والاحتيال في الكلام والحياة، فأنت من اخطر الناس وأكثرهم خصومة ومحاربة لله وللرسول ولا يحق لك البقاء على قيد الحياة ويجب ان تصفى على يد الأمن والعسكر وأتفه خلق الله ويطبق عليك الشرع دون رأفة ولا رحمة.



نعم هذه سخافة حياة معظم الإعلاميين والسياسيين وهذا هو عالمنا اليوم الذي ان دخلت فيه ونافقت أكثر ربحت دنيا وآخرة الأنظمة لاسيما الثورية منها، و إن تخلفت وانتقدت الأنظمة المحتكرة للسلطة من المهد الى اللحد نلت المصائب والويلات وأصبحت هدفا سهلا وطريدة ملاحقة من الأقلام الرخيصة والأفكار التافهة وحملة طبلة ومزمار الأنظمة من الإعلاميين الرسميين وحماتهم وأثقلت بأغلال قطاع الطرق وسراق خيرات الأمم من منافقي امن وعسكرة الأنظمة الجائرة والقمعية التي تدعى انها مدعومة من 99 فاصلة 99 % من رأي الشعوب لكنها في الواقع تخشى ظلها وتزور الانتخابات وترتعد من هتافات الناس البسيطة وانتقادات معترضين هامشيين ولا تطيق سماع كلمة حق في بلاط مسئولين جائرين!.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. علي... ابن لمغربي حارب مع الجيش الفرنسي وبقي في فيتنام


.. مجلة لكسبريس : -الجيش الفرنسي و سيناريوهات الحرب المحتملة-




.. قتيل في غارات إسرائيلية استهدفت بلدة في قضاء صيدا جنوبي لبنا


.. سرايا القدس قصفنا بقذائف الهاون جنود وآليات الاحتلال المتوغل




.. حركة حماس ترد على تصريحات عباس بشأن -توفير الذرائع لإسرائيل-