الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شعوب دول الشمال وقطعان دول الجنوب

مصطفى اسماعيل
(Mustafa Ismail)

2005 / 7 / 6
العولمة وتطورات العالم المعاصر


مشهد مؤثر حقاً, وذو دلالة ذلك الذي حدث في مدن الغرب الكبرى . حين الشعوب الحية هناك نزلت إلى الساحات والشوارع في تضامن ملفت مع الشعوب المنتهكة بالفقر والمجاعة قبل أن ينطلق قطار G-8 . قدمت شعوب دول الشمال بذلك مثالاً حياً على حيوية الشعوب وربيع المشاعر الإنسانية والأحاسيس الدافئة التي ترفض مظاهر انتهاك حرمات الإنسانية من قبل آليات الجوع والفقر والأنظمة الاستبدادية .
شعارات جميلة . عد تنازلي نحو صمت جماهيري جمعي تضامني جميل . ورسائل موبايل جميلة . واحتجاجات سياسية وثقافية للحيلولة دون طفحان الجوع وبلوغ الفقر الزبى . ولعل ذلك يشكل دلالة عميقة أيضاً على مدى التفاوت والتناقضات العميقة والقطيعة العمودية والأفقية بين الشعوب هناك وقطعان الماشية هنا في دول الجنوب , ففي الحين الذي تنزل فيه الشعوب هناك في دول الشمال إلى الساحات والميادين الكبرى للتعبير عن ألمها الواعي لمعاناة الشعوب الأخرى في كونهم الصغير عبر إبراز مسببي هذا النزيف العالمي الممثلين في الجوع والفاقة وانعدام الحريات والأنظمة اللاديمقراطية في دول الجنوب والأدوار السلبية لحكوماتهم الشمالية في خلق تلكم الهوات . تنزل الشعوب في دول الجنوب لتندد بالديمقراطية والحريات وتدعو بالبقاء للأنظمة الخرفانة والطغيان الأعمى وتهتف بحياة القائد الأوحد الحي القيوم الذي يرزق من يشاء بغير حساب .
أحايين كثيرة تنزل هذه الشعوب إلى الشوارع لتقمع باسم أولي الأمر من الأجهزة الأمنية المتظاهرين المطالبين بالديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وتنهال عليهم بالعصي والشتائم .
في حالات أخرى , تنزل الشعوب في دول الجنوب لحماية مكتسبات وامتيازات السلطات القوّادة الممارسة للعهر السياسي في اغتصابها للحريات عبر التحرش بالنسوة المتظاهرات ومحاولات الاغتصاب العلنية في رابعة النهار وعلى مرأى ومسمع الصحافة الترقيعية القوّادة بدورها والنائمة في فراش السلطات الديناصورية والمعتاشة على فتات إسطبلاتها ومواخيرها .
ولن نتحدث عن التصدي للديمقراطية في شرقنا الأوسخ عبر العبوات الناسفة والسيارات والكلاب المفخخة , فهذه الشعوب , ولا شك غير جديرة بالحريات والديمقراطية , فإذا كانت جديرة بها . لماذا لم تتصدى فيما مضى بالأساليب ذاتها لتلك الأنظمة الرجيمة التي حولت بلدانها إلى حالة خريف دائم , ووزعت الموت والمقابر الجماعية والمعتقلات بالقسطاس على رعاياها ( لا مواطنون في الشرق الأوسخ .. لا مواطنات في الشرق الأوسخ ) .
علم كامل من التناقضات دول الجنوب ودول العالم الثالث . فحين يتعلق الأمر بالمطالبة بالديمقراطية لا ترى في مظاهرة ما غير نفر قليل من الناس لا يتعدى في أحسن الأحوال العشرات أو المئات من الصفوة . أما حين يتعلق الأمر بافتداء القائد الأوحد لا يبقى ثمة مكان في شوارع وأزقة ذلكم البلد لمسمار , لا بل تغص الشوارع والميادين بالملايين من الجموع المباركة لصولات راعي البلاد إلى حد التخمة .
مرفوضة هي سلوكيات شعوب دول الجنوب . دول الفقر والمجاعة والكوارث البيئية والمعتقلات واللا إنسانية والهياكل العظمية . ومرفوض أكثر سلوك قادة هذه الدول التي تركت شعوبها عزلاء في مهب الجوع والأمراض الفتاكة وتحت ساطور الحكمة الدموية للحفاظ على الكراسي الأبدية .
لا يقبل إيماني الصغير ممارسات السياسيين الأفارقة في تناحرهم الأزلي على السلطة , وبلدانهم البائسة تشهد هذا الفائض من الكوارث الإنسانية والويلات , فماذا سيكسب هؤلاء الساسة البؤساء إذا كسبوا الكراسي وخسروا شعوبهم ؟.
ماذا يستفيد هذا السياسي الأفريقي الذي يجند الجنين في بطن أمه لأجل معاركه التي لا معنى لها من أجل السلطة ( تخيل عزيزي القارىء هذه الصورة السريالية .. جنين في بطن أمه يحمل رشاش كلاشينكوف ) .
هذا السياسي الأفريقي أو ذاك إذا ما وصل إلى السلطة لن يحكم إلا شعباً من العراة والحفاة والجياع وملايين مؤلفة من المصابين بالإيدز , فأية نكهة للسلطة اللعينة والرجيمة تلك ؟..
أول خدمة عاجلة يمكن أن يقدمها القادة الأفارقة لشعوبهم التي تمشي منذ الأزل في درب الجوع والآلام هو ألا يعقدوا بعد مؤتمرات قمة هزلية تنفق عليها آلاف الدولارات إن لم نقل ملايينها , بينما شعوبهم في الكواليس تعتاش على حلم رغيف في الأفق .
في كل الأحوال تبقى الشعوب وحيدة في مواجهات خاسرة وباهظة التكاليف , فلا الشعوب في الغرب ودول الشمال الغنية بإمكانها عرقلة نزعات دولها وقيمها المجانية في كواليس السياسة الدولية وإبطاء التصنيع العسكري تحديداً وقطع الطريق دونها وخلق أنظمة مريدية في دول الجنوب , ولا الشعوب في دول الجنوب بإمكانها فعل شيء يذكر . إذ ليس من أمرها إلا الهتاف وتصديق أكاذيب التلفزيون الرسمي والقناعة بواقع الحال هرباً من غدٍ أسوأ .
وفي النهاية ليس بإمكان الشعوب إلا تقديم أمثلة حية على التواصل الجمعي غير الناجع في مواجهة ترسانات الديون على الدول / الفرائس والتي سرعان ما تتحول في غمضة عين إلى شركة تابعة وتحت وصاية البنك الدولي وعصابة G-8 .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المكسيك: 100 مليون ناخب يختارون أول رئيسة في تاريخ البلاد


.. فاجأت العروس ونقر أحدها ضيفًا.. طيور بطريق تقتحم حفل زفاف أم




.. إليكم ما نعلمه عن ردود حماس وإسرائيل على الاتفاق المطروح لوق


.. عقبات قد تعترض مسار المقترح الذي أعلن عنه بايدن لوقف الحرب ف




.. حملات الدفاع عن ترامب تتزايد بعد إدانته في قضية شراء الصمت