الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


للحلاق رب يحميه..!!؟

كريم كطافة

2005 / 7 / 6
كتابات ساخرة


لا أحد يعرف على وجه التأكيد متى اكتشف الإنسان البدائي، ولأول مرة وظيفة أخرى لتلك الشفرة التي كانت بين يديه. وما إذا كانت تلك الشفرة من العظم أم من الحجر أم من المعدن..؟ واضح، أن هكذا اكتشاف لم يشغل الباحثين ولا المؤرخين بقدر اكتشافات أخرى من قبيل اكتشاف النار والعجلة وتدجين بعض الحيوانات وزراعة بعض البذور. على الرغم من أن شفرة الحلاقة كانت اكتشاف استثنائي بحق. لأن كل الاكتشافات الأخرى كانت وسائل لتأمين حاجة معدة الإنسان ورمقه من مأكل ومشرب وملبس، عملت على سد حاجات بايلوجية، أما اكتشاف شفرة الحلاقة فجاء تلبية لحاجة مغايرة، لها علاقة بالبعد الجمالي من نظرة الإنسان لنفسه وللعالم، كانت حاجة روحية. ولعل المرة الأولى التي شعر بها الإنسان بالحاجة إلى تشذيب شعر وجهه أو حلاقته، كانت نقطة التحول الفاصلة في مسيرته، الفصل بين الإنسان البهيمة والإنسان الإنسان. أراد ذلك الإنسان ذكراً كان أم أنثى أن يتميز شكلاً عن شكل البهائم التي يصطادها أو يعايشها.
أذكر في إحدى المرات التي سلمت رأسي فيها لحلاق، أن ذلك الحلاق تعامل مع وجهي ورأسي بشكل مغاير تماماً، ببساطة لقد حول ما بين يديه إلى شكل آخر، شكل جعلني أتساءل أمام المرآة؛ يا ترى كيف حل هذا الوجه الوسيم البهي محل ذلك المتجهم العابس، كنت أمام كائن آخر لم أكنه قبل الحلاقة. سألته مندهشاً:
ـ ماذا فعلب بي يا عم.. لقد حورتني..!!
أجاب الحلاق الشيخ بابتسامة صافية:
ـ أنا حين يأتيني المزاج.. أحلق بقلبي وليس بيدي..!!
تلك الإجابة التي نطق بها حلاق عجوز، والتي تنتمي إلى تورية فلسفية، ظلت تسوس في رأسي كلما وضعته بيد حلاق جديد. وهي الآن صارت تنط كلما سمعت باغتيال حلاق من حلاقي المدن العراقية، على أيدي جماعات السلفية التكفيرية.
أما تلك السخرية الحزينة التي قالتها إحدى السيدات البصراويات: أنهم يريدون للنساء أن تلتحي..!! جعلتني أفهم المحنة بإطارها الأوسع. لم يعد الأمر مقتصراً على جماعات سلفية وهابية تكفيرية، بل هناك على الجانب الآخر من المتراس الديني، جماعات شيعية هي الأخرى سلفية وتكفيرية، تتكامل في رؤيتها ونشاطها التكفيري مع تلك على الجانب الآخر. الاثنان ينطلقان من ذات الخلفية التجريمية للجمال والفرح والبهاء بشعار (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر). أنهم يقتلون الحلاقين والحلاقات ويمنعون الغناء والموسيقى والخمر ويعملون على تحجيب كل النساء. أنهم الملثمون الذين سيلثمون كل شيء جامد ومتحرك.
في هذه الأيام المشؤومة من تاريخنا الذي ما زال يسير بقائمتين، على الحلاق أن يحلق الزبون وفق موديل سلفي وحيد وعلى أنغام حداء جنائزي يسوقه الصمت المريب!! بينما في عرف الحلاقين؛ أن الحلاق لا يمارس عمله إلا على أنغام يختارها ذوقه. لا أتخيل حلاق يمارس عمله دون آلة تسجيل وأشرطة غناء على درج طاولة الحلاقة. قد لا يرتقي وعي الحلاق بالضرورة لمعرفة الصلة بين الحلاقة والغناء، لكن سليقته الإنسانية هي التي تدله إلى تلك العلاقة بين الجمال والفرح.
قد لا تكون اللحية هي بيت الداء في إضفاء الجمال من عدمه، ثمة وجوه تضيف إليها اللحى المشذبة بعناية بهاءً على بهاء وثمة أخرى تحولها اللحى إلى ملامح البهائم، لكن، في هذه الأيام العرجاء، على الحلاق لكي يبقى على قيد الحياة؛ أن يكتب على لوحة وبالبونط العريض اعتذاراً مكسوراً لزبائنه المتنوعين: أعذرونا.. لا نحلق اللحى..!! اعتذار يحاول أن يبوح للزبون باحتجاجه أكثر من إعلامه.. اعتذار يريد القول: لقد حوروا مهنتنا.. لم يعد الجمال هاجسنا.. لم يعد ثمة شعاع للفرح والحبور ينتظره منا الزبون. أننا مطالبون بإعادة إنتاج القبح.. من كان منكم بملامح قبيحة حاقدة وكارهة لكل الكائنات، ليهنأ، أنه بقناع سلفي..!! ومن كان على غيرها سنلبسه ذلك القناع السلفي؛ قناع التجهم والعبوس والحقد على كل ما هو جميل، سنجعله يقابل رب الجرب والدمامل السلفي التكفيري بوجه عبوس.. سنجعله وكأنه قد انتهى للتو من دفن أعز أحبابه..!! لأن إله الأسلاف لا يحب الفرح والحبور.. لا يحب إظهار الشعور بالجمال والبهاء.. أنه إله جاد لا يمزح مع خلائقه، لا يمزح مع اغترار الإنسان الحشرة البهيمة الأحمق بنفسه.. بل هو إله لم يسمع ولم يقل نكتة في حياته، الضحك يغضبه، النساء تجعله يتطير ولا يرى دربه، الغناء والموسيقى تفقده التركيز في معضلة إدارة الكون..!! أما الكفرة الزنادقة الملحدين الذين يرتدون بنطال الجينز ويحلقوا اللحى والنساء السافرات المتشبهات بنساء الكفرة، لهؤلاء أقول؛ والحلاق ما زال يبوح لزبائنه عبر تلك اللوحة، ابحثوا لكم عن إله آخر.. إله لا يسألكم يوم تحشرون كم حلاقاً قتلت.. بل كم شبيهاً لك أحييت.. إله لا يرتدي دشداشة قصيرة ولحية مبعثرة على وجه مجدور.. بل إله جميل أجمل من أي جمال رآه الإنسان.. إله الفرح والسعادة.. إله الخير والحياة.. ثم ينتهي الحلاق عبر ذلك الاعتذار المكسور إلى هذا الدعاء وكأنه ينزفه دماً.. يا إلهي.. يا من خلقت كل شيء وعلمت بسر كل شيء.. ادحر إله القبح والدمامل والجرب السلفي.. يا إله الإنسان ادحر إله القتل.. يا رب الحلاقين ادحر إله السلفية شيعية كانت أم سنية.. يا إله السراط المستقيم من الجمال والبهاء والخير والفرح والحبور.. أننا لك وحدك لعابدون ولا نعبد ما يعبدون..!! أنه دعاء طويل وجديد لم أجد له أصلاً في أدعية السلف الصالح.. لعله دعاء الخلف المتمرد على صلاح أسلافه..!!
4/7/2005








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض


.. الفنانة مشيرة إسماعيل: شكرا للشركة المتحدة على الحفاوة بعادل




.. كل يوم - رمز للثقافة المصرية ومؤثر في كل بيت عربي.. خالد أبو


.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : مفيش نجم في تاريخ مصر حقق هذا




.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : أول مشهد في حياتي الفنية كان