الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الهدهد

رياض كاظم

2014 / 3 / 20
الادب والفن


قال لي بنبرة تهكمية .
- أنت لا تساوي شيئاً ، تاريخك الجهادي فكاهي ، ما تتحدث عنه هو مجرد قصص فكاهية بالنسبة لما رأيته وعملته بحياتي ، هل تظن كونك سجنت بضعة شهور في الأمن العامة ، وعلقوك بالسقف وضربوا عجيزتك بالعصا ، يعطيك الحق بالتحدث عن المعاناة والنضال والشرف . هل تظن كونك بقيت في خيمة في الصحراء خمس سنوات يعطيك الحق بالجهادية ؟
أنت واهم جداً ، قصصك الفكاهية لا تستحق أن أفتح لك من أجلها ملفاً يشبه ملف المناضل والمجاهد جمعة .
نعم قرأت ملفك كاملاً ، استمتعت به رغم أني لا أطيق الأدب ولا التحذلق الفارغ ، أنت تكتب في معظم الأحيان كأبناء الشوارع ، لا كأبناء السجون .
حينما أقارن بينك وبين جمعة ، أجد فرقاً كبيراً ، فهو لا يتحدث عن الظلم والقهر .
انه يتحدث عن حرب العصابات وطرق التسلل والتخفي والقتل . هذا ما يجعله نموذجاً جيداً للمقارنة بينه وبين الآخرين .. إسمع هذا ؟
أخرج من الجارورة ملف جمعة وصورته .
قال - سوف لن أقرأ ملفه كاملاً سأقتطف منه بضعة قصص .. إسمع .
فتحت عيني على أبي وهو يعمل مصلح ساعات ، وأمي تبيع في السوق ، عندما يعود أبي من عمله يفرش منضدته فوق السطح ويشرب عرق ثم يأخذ بالسباب ، يسب اسم الجلالة .
لم أتحمل سبابه للذات الالهية ، ولم أستطع منعه ، فعمدت على سرقة أدوات شغله ورميتها في بالوعة الخراء ، حتى يكف عن سبابه ، لكنه بفعلي ذاك وجد عذراً جديداً بعدم الذهاب الى العمل وشرب المزيد من العرق وكيل المزيد من السباب ، ليس لله فحسب بل لأهل البيت .
لم أتحمل وضعه المزري فوضعت المسدس بفمه وأطلقت النار .
ارتسمت ابتسامة عريضة على وجهه ، ابتسامة رضا .
في السجن انتميت للحزب ، يقصد حزبنا ، وهناك تعرفت على ( الهدهد ) ، سأقول لك من هو الهدهد بعد أن أنتهي من هذا الملف .
الهدهد كان هو جلادنا ، رئيس الجلادين ، لكنه كان يحبنا جداً ، بحيث ترك زوجته وأطفاله وبيته وأخذ ينام معنا بالزنزانة ، يأكل ويشرب وينام معنا ، يجلدنا بقسوة والدموع تتساقط من عينيه ، وعند إنتهاء حفلة الجلد ، يأتي لنا محملاً بالقطن والشاش النظيف ويعالج جروحنا وهو يغني .
استطعنا تنظيمه للحزب بفضل الله تعالى ، فأصبح واحداً من أخلص الأعضاء للحزب وأنقذ حياة الكثيرين منا ، فهو حينما يجلدنا ، يجلدنا بحب .
وبفضله هربنا من السجن الى الهور ، ومن هناك إشتغلنا بالتهريب والتسليب والأغتيالات ... أنا والهدهد من إستدرج ( الشعّار ) الشعبي الى مزرعة قصية ، كانت خطة الهدهد بالحقيقة ، فهو من كلّف زوجته بتمثيل دور الكاولية على الشاعر وجلبه للمزرعة ، قتلناه هناك وقطعنا عضوه ووضعناه بفمه .
كانت أقوى ضربة للنظام الفاجر آنذاك ، وقد كرمنا الحزب ورفعنا درجة .
عمليتنا الثانية كانت تفجير واحدة من السينمات التي تعرض الفجور ، كانت خطة الحزب مجرد إثارة الرعب بالنظام ، لكن الهدهد استطاع تفجيرها بالكامل وإثارة الرعب في العراق كله ، حتى أن الناس أخذت تتجنب دخول المسارح والسينمات والبارات .
المناضلة الحاجة زوجة الهدهد ، كانت خير عون لنا في كل عملياتنا الجهادية ، فهي تستطيع عمل كل شيء ، شاطرة وذكية ولهلوبة وجميلة ، لم أكن أعرف انها تمتلك كل تلك المؤهلات ، فهي تعمل راقصة حينما يتطلب الدور ، وتعمل عميلة بنوك ، وقوادة وقابلة مأذونة وملاية ، بفضل ايمانها وصلابة عقيدتها أوقعنا الكثير من ضباط الأمن ورؤساء الشرطة بقبضتنا وقتلناهم .
لكن يا للأسف ، هناك من وشى بها وأوقعها بأيديهم .
يقول جمعة في هذه الورقة .
أن الحاجة كانت صلبة وقوية ، لم تعترف عليّ وعلى الهدهد ، التزمت الصمت تحت سياط الهدهد الرحيمة ودموعه ، حتى استشهدت .
خوفاً من انكشاف أمرنا ، قررت الإنفصال عن الهدهد مؤقتاً ، أنا تسللت الى ايران بينما بقي الهدهد يعمل جلاداً في مديرية الأمن ، وفي إجازته يمارس هوايته القديمة ، قتل خصومه وإخصائهم .
كشّر بوجهي ورمى عليّ ملف التقاعد .
- هل تعرف من هو الهدهد ؟
قلت - كلا .
أسند ظهره على الكرسي وتنهد بعمق - إنه أنا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ندوة الرواية والفنون: روايات واسيني الأعرج أنموذجا- الجلسة ا


.. ندوة الرواية والفنون: روايات واسيني الأعرج أنموذجا- الجلسة ا




.. دوة الرواية والفنون: روايات واسيني الأعرج أنموذجا- الجلسة ال


.. أرملة جورج سيدهم تتبرع بقميصه في مسرحية المتزوجون بمزاد خيري




.. ندوة الرواية والفنون: روايات واسيني الأعرج أنموذجا- الجلسة