الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تاريخٌ مذهلٌ

عبدالله خليفة

2014 / 3 / 20
مواضيع وابحاث سياسية



تشكل الإعصار العربي من حالات تأثر عاطفية واجتماعية حادة، تجسدت على هيئة حفار هائل ينتقل من بلد إلى بلد، تَلتقي فيه قوى متضادة متجمعة على بعضها البعض بدون تناسق وانصهار.
وقد أذهل الإعصارُ العالمَ والمراقبين، بعد انتقال العرب من حالة سكون وجمود إلى حالة تغيير حاد عاصف. والخوف إن كلَ شيءٍ يأتي بسرعة يذهبُ بسرعة.
السكون الكبير الذي خيم على الجماهير العربية خلال عقود تحول إلى عاصفة.
وهذا التحول من حالةِ موتٍ سريري إلى انتفاضات عارمة، هو الذي جعل التضحيات جسيمة، والكثير من الموارد تُفقد، والحياة تتجمد في كل شيء ما عدا سياسة الشوارع. وتغدو المجتمعات بعد الانتفاضات والفرح العارم، مثقلة بالرسوم والأعباء المادية والتضحيات والجنائز والأسى العميق.
وانتقال الجمهور العادي إلى تقرير مصير الوطن يخضع لعمليات الإعصار غير المنضبطة وغير المتحكم فيها، حيث يتحول المرعوب من المنظمات الأمنية إلى كائنٍ عنيف عليها، ولهذا نجد المؤسسات الأمنية هي التي تتعرض للإستهداف.فلم ينتقل العرب للتغيير بصور متراكمة متدرجة، ولم تظهر كتلٌ تقوم بخلق تراكمات في الوعي والتنظيمات وبين الناس، لم يكن ذلك مسموحاً به، أو ممكناً، فتظهر قوى تغيير من القاع، ومن الشباب غير المتمرس، وتطلع منظمات من المجهول، وهذا ما يجعل المستقبل من جهة أخرى غامضاً محفوفاً بالمخاطر ومليئاً ب(الغيب)، وهذا ما يجعل أعدادا غفيرة من الجمهور تردد العبارات الدينية العادية بشكل متكرر، وتكون مكان تجمعاتها وإنبثقاها هي المساجد، فالمادة الثقافية الدينية المنتشرة غير سببية، وغير قارئة للظروف والمشكلات، ولم تقم المؤسسات الدينية كالمؤسسات السياسية النخبوية بنشر العقلانية السياسية، وهذه المادة السياسية الغيبية المفتوحة على المجهول تعبر عن كون الحراك السياسي الذي إنتقل للجماهير فيه الكثير من الشر أو من الخطير القادم الغامض وأن الإيجابي محدود، وأن الدراكولات موجودة في الظلام، و(أبليس) وجماعاته الشريرة تكمن في غابة المجتمع المعتمة.
وهذا تعبير عن كون الجماهير العربية الأمية التي قبضت في لحظات وامضة على مصيرها السياسي، أُعيدتْ لمقاعد الفرجة، وأُعطيت أوراقا للتصويت وتكاثرت عليها الجماعات السياسية بأشكال واسعة كثيرة مقلقة، فلم يكن لديها سوى النقابات تدافع عن رفع أجورها، وحل مشكلات المصانع والشركات المتراكمة خلال عقود، علَّ هذه الجماهير تفلتُ بشيءٍ من الوليمة، أو ببعض الحمص من المولد السياسي.
وإمكانيات أن تنضم الجماهير المنتفضة إلى كيانات سياسية هو أمر غير ممكن، نظراً لضخامة أعدادها، وتدني معرفتها السياسية والفكرية، وهذه الأحزاب مخصصة للنخب، والجماهير العمالية والفلاحية الجسم الأساسي للثورات عاد إلى مصانعه وحقوله، بعد أن أعطى السادةَ المثقفين والحكام درساً قاسياً تاريخياً.
معركته سطحية ولا شك رغم جسامة التضحيات والبطولات، وكان الحضور الدائم في الشوارع، وترك البيوت والراحة والأجور والعائلة ومشكلاتها وطعامها، وتحمل المياهَ الساخنة والضرب والرصاص، قد أنهك هذه الجماهير، ووصلت إلى هدفها العام المحدود وهو إزالة الدكتاتور الفرد ثم واصلت المعركة بشكل ملحمي.
كلما تمكن الجمهور من الثقافة الحديثة وانتشر بينه التنظيم والتعليم قل خوفه من المجهول، وكانت حركاته منظمة، ونتائج ما بعد الثورات واضحة قريبة من مصالحه، فالجمهور المصري المتحمس تطورت جماعاته السياسية وكتله، بينما الجمهور التونسي ظل مُراقباً، غير مكتفٍ برحيل الرئيس فقط، بل ساهم في تغيير الطواقم الحكومية المتشبثة بالنفوذ، وقرّب موعد الانتخابات التشريعية والرئاسية، ونظف الأرض السياسية لما بعد الثورة.
الجمهور المصري عبر نخبه يستفيد ويتعلم من التجربة التونسية وهو يبدأ الآن في الانتقال لتغيير الإدارة القديمة بشكل تدريجي وربما بشكل أكثر تطوراً خاصة مع استبعاد عنصر الإخوان.
لكن تحول الاعصار لعواصف هوجاء في المناطق التي لم تكن فيها الجماهير على درجة عالية من الوعي والتنظيم السياسي والتنظيم النقابي، وخضعت طويلاً لقوى الأنظمة الفاسدة كما في ليبيا وكيف أن الجماهيرية لم تكن جماهيرية بل مجموعات من العصابات لم تتوان حتى عن سرقة سفن النفط وبيعه في الأسواق البعيدة، وقامت البحرية الأمريكية بحماية النفط العربي!!
الجمهور العربي يتأثر وينقل لكن المسألة ليست نقلاً وعواطف ملتهبة بل مبنى اجتماعيا تحديثياً متقدماً، قادراً على التحكم في العواصف الاجتماعية الهوجاء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المكسيك: 100 مليون ناخب يختارون أول رئيسة في تاريخ البلاد


.. فاجأت العروس ونقر أحدها ضيفًا.. طيور بطريق تقتحم حفل زفاف أم




.. إليكم ما نعلمه عن ردود حماس وإسرائيل على الاتفاق المطروح لوق


.. عقبات قد تعترض مسار المقترح الذي أعلن عنه بايدن لوقف الحرب ف




.. حملات الدفاع عن ترامب تتزايد بعد إدانته في قضية شراء الصمت