الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في الذكرى الثالثة لبدء انتفاضة الشعب السوري، أو السيرورة الثورية المسدودة

المنتدى الاشتراكي - لبنان

2014 / 3 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


لم يتغير النظام في كل من تونس، ومصر، وليبيا، واليمن، بنتيجة الحراك الثوري في كل من تلك البلدان، ولكن أطيح رأسه، في كل منها، مع بعض التعديلات، وإن الطفيفة، إلى هذا الحد أو ذاك، في بنيته السياسية؛ وذلك في مهل زمنية قصيرة، نسبياً، تراوحت بين عدة أسابيع، في حالتي تونس ومصر، وعدة أشهر، في حالتي ليبيا واليمن، مع خسائر، في عدد الضحايا والمتضررين، جسدياً ومادياً، لا يمكن مقارنتها بالحال في سوريا، باستثناء ما حدث في ليبيا، ومع ذلك بصورة جزئية.



في سوريا، الوضع مختلف، تماماً. فللعام الرابع يصمد النظام ورأسه، في آنٍ، ويستمر في إنزال أفدح الخسائر بالشعب السوري، على مختلف المستويات (أكثر من 150 ألف ضحية، معظمهم من المدنيين، بين ما جرى استخدامه ضدهم السلاح الكيماوي؛ ومئات ألوف الجرحى، والمعوقين، والمعتقلين، وملايين المهجرين والنازحين - أقل بقليل من نصف الشعب السوري -، عدا التدمير المنهجي لمعظم المدن الأساسية، ولقسم واسع من الأرياف، وذلك بالصواريخ والبراميل المتفجرة وقذائف الطيران والمدفعية والدبابات). وهو يستقوي في كل ذلك بالدعم الكثيف الذي يحصل عليه من كل من حكومات إيران، وروسيا، والعراق، ومن أكثر من ميليشيا طائفية، إقليمية، من بينها، بوجه أخص، حزبُ الله اللبناني، الذي يدفع بالجزء الأكبر من نخبة قواته - المفترض انها معدَّة لقتال إسرائيل، ومقاومة عدوانها، فضلاً عن الانخراط في الصراع الطويل لأجل تحرير فلسطين، بحسب مزاعم قادته - إلى أرض معركةٍ هدفُها الاساسي، من جانب النظام السوري، وباقي أعداء الجماهير السورية الواسعة، إجهاضُ ثورة شعبٍ ينشد الحرية والكرامة والسيادة الوطنية، والعدل الاجتماعي؛ ولواءُ أبي الفضل العباس؛ وعصائبُ أهل الحق؛ وغيرُهما من المجموعات المسلحة العراقية، الحاظية برضى حكومة المالكي، ودعمها. هذا فضلاً عن التواطؤ الفعلي لدول العالم، على اختلافها، وفي مقدمتها الاتحاد الاوروبي، والولايات المتحدة الاميركية، ومن ورائهما إسرائيل، المستفيد الاهم من الكارثة المأسوية التي يتعرض لها الشعب السوري؛ فضلاً عن الحكومات الخليجية، وفي مقدمتها قطر والمملكة السعودية، التي أرعبها، منذ البدء، احتمال انتصار ثورةٍ بدا القائمون بها، ملايينُ المواطنين العاديين الذين نزلوا إلى الشوارع، في مسيرات سلمية نموذجية، يتطلعون إلى إرساء ديمقراطية حقيقية بديلٍ للدكتاتورية، والفساد، وإذلال المواطنين وإفقارهم. وهو رعبٌ جعلها تسعى بكل ما أوتيت من إمكانات إلى تشويه هذه الثورة، وحرفها عن أهدافها الأساسية، عبر تقديم أوسع الدعم لمجموعاتٍ شتى رفعت - مذ بدأ يغلب على النضال السياسي السلمي التحولُ نحو العسكرة، مع ظهور الجيش السوري الحر، بنتيجة انشقاقات داخل الجيش النظامي، في مرحلة أولى، احتجاجاً على القمع الدموي الفظ، من جانب هذا الأخير، للحراك الشعبي السلمي، ومن ضمن الشعور، المبرَّر، بالتأكيد، باستحالة إسقاط نظامٍ مسيطر بصورة شبه كاملة على أدوات القمع، من دون حمل السلاح ضده – رفعت، نقول، شعاراتٍ مذهبية مقيتة، تلازمت مع إطلاق تسميات دينية على غالبية المجموعات المقاتلة، سرعان ما فسحت في المجال امام الانجراف وراء ممارسات لا تختلف في أحيان عديدة عن ممارسات القوى القمعية للنظام القائم، كمحاولات قمع التحركات الشعبية، وتطييف الحراك السياسي والمسلح، والاختطاف والقتل، بالاضافة الى السياسات والافكار التي تبث ضد النساء، واعمال العنف الموجهة ضدّهن، وتقييد حركتهن في الفضاء العام، مما أدى إلى تراجع الحراك السياسي الشعبي على نحو متزايد، وبالتالي ظهور مجموعات عسكرية ترتبط، بشكل أو بآخر، بتنظيم القاعدة، كجبهة النصرة، أو منشقة عنه، كدولة العراق والشام الإسلامية (المعروفة بداعش)، والتي يشتبه كثيرون بعلاقةٍ لها بالنظام.

وبالطبع، كان بين الاسباب الرئيسية التي لعبت دوراً حاسماً في الانسداد، ولو النسبي، القائم الآن، في سيرورة انتفاضة الشعب السوري على الدكتاتورية البشعة الجاثمة، منذ اكثر من أربعين عاماً، على صدر الشعب السوري، وجماهيره الكادحة الواسعة، تمكُّن هذه الدكتاتورية، منذ الأشهر الأولى للانتفاضة، من قطع رأس الأشكال الاولى للقيادة العفوية للحراك الثوري، المتمثلة بالتنسيقيات، والمجالس واللجان الشعبية، التي ابتدعها الناس العاديون المنخرطون في الحراك، ونخبةٌ من الشباب، والشابات، الاكثر وعياً بضرورة التغيير، وذلك إما بالتصفيات الميدانية، خلال المسيرات، قنصاً واغتيالاً، أو بالاعتقالات الواسعة في صفوف هؤلاء، وما يلي ذلك من أعمال القتل، تحت التعذيب، أو الإعدام الكيفي، ومن دون محاكمة. وهي أمور طالت عشرات الألوف من الناشطين، كما أظهرت حوالى خمسين ألفاً من الصور التي تم نشرها، قبل أشهر، بعد تسربها من أقبية المخابرات، ومراكز التعذيب، والإعدام.

هذا بالإضافة إلى استناح فرصة خروج هذه الشريحة من "القادة الميدانيين" من المعادلة، من جانب كتلة هامة من البرجوازية السورية الرافضة لاستمرار النظام البعثي السوري، ممن باتوا معروفين باسم معارضة الخارج، والذين يغلب على معظمهم الطابع الانتهازي البحت، والبعد الجذري عن الهموم الاساسية للجماهير السورية الواسعة، لأجل مصادرة قيادة الحراك الشعبي، زوراً وبهتاناً، بالتعاون الوثيق مع القوى الإقليمية، والدولية، الطامحة، هي الاخرى، لتطويع الحراك المذكور لمصالحها الخاصة بها، بما يتيح، في المحصلة، إجهاض جوهره الثوري. وهذا ما أمكن ان نراه، على امتداد الفترة المنقضية بين خريف العام الاول للانتفاضة (عام 2011) وأيامنا هذه، سواء عبر ولادة ما عُرف بالمجلس الوطني السوري، في اسطنبول، بدعم تركي، من جهة، وقَطَري، من الاخرى، وما شهده من تخبطات، وعاشه من تناقضات، ومارسه من خطايا مميتة - في مقدمتها التعويل المطلق على احتمالات التدخل العسكري الخارجي (على الطريقة الليبية!)، وذلك على حساب الدعم المطلوب، والمفتقد بالكامل، للحراك الشعبي الداخلي، وأي عمل جدي لتحويل انوية الجيش السوري الحر إلى قاعدة فعلية لجيش ثوري حقيقي ، مرتبط بعمق بهموم الجماهير السورية الكادحة، التائقة إلى ديمقراطية شعبية حقيقية -، أو عبر استبدال المجلس المذكور بما نعرفه الآن باسم "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية"، الذي لا يختلف، بالعمق، عن سابقه، إلا ربما بكونه اوسع تمثيلاً، قليلاً، منه، وبأنه ينشدُّ بعلاقة أساسية إلى قطب إقليمي مؤثر، هو المملكة السعودية، هذه المرة، بدلاً من تركيا وقطر، ولا سيما بعد أن استنكف الإخوان المسلمون عن التواجد فيه، بالإضافة إلى القطب الدولي المتمثل بالولايات المتحدة الاميركية، وبكونه بالتالي وافق على الانضمام، تحت ضغط هذه الاخيرة، إلى مفاوضات جنيف 2، التي نجح النظام السوري، عملياً، في إفشالها، ولا سيما بما طرحته من تنفيذ لبنود اتفاق جنيف1، القاضية بتشكيل حكومة انتقالية مطلقة الصلاحيات تعد لمرحلة ما بعد سلطة الاسد، في الفترة نفسها، التي بات يستفيد فيها من انفجار الصراع داخل القوى العسكرية التي تشارك في قتاله، ولا سيما بين داعش، من جهة، وباقي المنظمات المقاتلة، ومن ضمنها جبهة النصرة، من جهة أخرى، لأجل تشديد هجومه، لاستعادة السيطرة على ما أمكن من مناطق كانت قد خرجت من تحت سلطته، على امتداد الارض السورية.

مع إضافةٍ ليست ثانوية، ينبغي أن نبرزها، في خاتمة تحليلنا للائتلاف، الا وهي تلك المتعلقة بوجود قوى ليست عديمة الوزن فيه، تصل في مواقفها وتطلعاتها إلى مواقع خيانية خطيرة. ونقصد تحديداً ما ادلى به، قبل أيام، احد الرموز المؤثرة فيه، كمال اللبواني، بخصوص الاستعداد للتخلي عن الجولان المحتل لإسرائيل، لقاء أن تتولى دعم الجيش الحر، عبر إقامة حظر جوي فوق الاراضي السورية، للحيلولة دون تحليق الطيران العسكري السوري، بما يسهِّل إطاحة سلطة آل الاسد ونظامهم. وهو تصريح لم يبادر أيٌّ من المسؤولين في الائتلاف للتنديد به، وشجبه، فضلاً عن الدعوة لاتخاذ قرار بطرد صاحب هذا الموقف من صفوفه، الامر الذي يعني أن ثمة عديدين في الائتلاف قد يكونون يشاركون اللبواني رؤيته لمستقبل الصراع.

هذا وقد بات واضحاً ان النظام السوري - المتخفف، حالياً، من عبء مفاوضات يَدخُل فيها وزنُ قوى دولية وإقليمية مضطرة، اياً يكن، للوقوف في غير صفه، ولدعم مطلب الحكومة الانتقالية، مع ما يعنيه ذلك، في حال تحققه، من حرمانٍ لرأس النظام المذكور من تجديد سيطرته على البلد المعني - يتفرغ بالكامل للهجوم المشار إليه، بدعمٍ نشط وجوهري من حلفائه المنوه بهم اعلاه، وبوجه اخص من حزب الله اللبناني، ويحقق انتصارات متلاحقة كان آخرها، في الايام الاخيرة في جبهة جبال القلمون، ومدينة يبرود تحديداً، تمهيداً لاستكمال السيطرة على كامل هذه الجبهة، والانتقال إلى مناطق أخرى. وذلك في الوقت نفسه الذي يستكمل فيه الإجراءات الشكلية لترشيحه للانتخابات الرئاسية، المفترض ان تتم في الصيف القادم. أي بالضبط كل ما يجعل أي مفاوضات محتملة مع خصومه في المعارضة البرجوازية السورية من دون معنى.

إزاء هذه الصورة، وهي صورة قاتمة، بالتأكيد، تكشف مدى انسداد ما بدا، قبل ثلاث سنوات، بالتمام والكمال، إيذاناً بسيرورة ثورية حقيقية، لا بد من الإعلان عن الاستنتاجات والتوجهات التالية:

أولاً: على الرغم من الواقع المزري الذي وصلت إليه المجموعات التي تحمل السلاح في مواجهة النظام القائم، وجيشه ومرتزقته، سواء من حيث تشرذمها، أو تصارعها فيما بينها، أو الفكر الرجعي الظلامي، الذي تحمله، أو الممارسات البشعة التي تنال بها من كرامة الشعب وحرياته، مكررة بذلك جرائم النظام؛ فضلاً عن الهزائم التي تمنى بها بمواجهته، ومواجهة حلفائه في المعارك الدائرة حالياً، في أكثر من منطقة وموقع، فإننا نعتقد أنه لا يمكن إطاحة هذ النظام، سلمياً، وأن القتال هو الأسلوب الوحيد الذي يمكن بواسطته إسقاطه، ولكن مع استيفاء الشروط كافةَ التي تضمن النصر عليه، وفي مقدمتها حفز عملية واسعة ومكثفة للتنظيم الشعبي، الذاتي، على شتى المستويات، بما فيه على المستوى العسكري، والعمل على كسب أوسع الجماهير، رجالاً ونساءَ، لمنظور الكفاح الشعبي المسلح ضد النظام القائم.

ثانياً: السعي لتوحيد كل القوى الشعبية المستعدة لخوض الصراع ضد السلطة البعثية، المستبدة والفاسدة، والموغلة في الإجرام، وذلك تحت قيادة موحدة تمتلك إلى الكفاءة والوعي العسكريين برنامجاً متقدماً يجمع إلى مطالب التحرر السياسي مطالب أخرى من صميم الديمقراطية الاجتماعية، أي كل تلك التي تتعلق بالحياة الكريمة للجميع، على أساس المساواة الحقيقية بين الناس، من شتى الاجناس والأعراق، والملل، وعلى قاعدة العدل الاجتماعي، وكل حقوق الإنسان الواردة في العهود الدولية، التي أقرتها المؤسسات المختصة، المختلفة، للأمم المتحدة.

ثالثاً: إدراج مطلب التحرر الوطني في موقع أساسي ضمن هذا البرنامج، بحيث لا يقتصر على الاستعادة الكاملة للجولان المحتل، بالوسائل كافة، ومن دون قيد أو شرط، بل يمتد ليشمل المشاركة الحثيثة في النضال لأجل مساندة الشعب الفلسطيني في كفاحه لاجتثاث الاحتلال الصهيوني من كامل الاراضي التي احتلها في العام 1967، ومن كل المستوطنات التي أقامها منذ ذلك الحين، فضلاً عن الضغط لفرض ممارسة الشعب المذكور حقه في العودة إلى وطنه وأرضه ، على اساس القرارات الدولية المعروفة، وفي تقرير مصيره على تلك الارض بالذات.

رابعاً: دعوة كل احرار العالم، وقواه الثورية والديمقراطية، للتضامن الفاعل مع نضال الشعب السوري من أجل تحرره من الاستبداد والدكتاتورية، وممارسة حقه في بناء دولة ديمقراطية ثورية، وإنزال الهزيمة أيضاً بشتى القوى والميليشيات الأجنبية، المتحالفة مع النظام الأسدي، وطردها إلى خارج أرضه الوطنية. فضلاً عن دعوة الجماهير اللبنانية، بوجه خاص، وقواها التقدمية والديمقراطية الحقيقية لإعادة النظر جذرياً في واقع ميليشيا حزب الله، وبالتالي بسلاحها، بما هي قد تحولت بالكامل من قوة مقاومة للاحتلال الإسرائيلي، في الاصل، إلى حالة مذهبية رجعية جاهزة لتنفيذ اوامر الولي الفقيه الإيراني، ودعم الثورات المضادة، في أماكن شتى من منطقتنا: في سوريا، حالياً، وربما غداً في العراق، او حتى في إيران.

خامساً: على الرغم من التجربة القاسية والمريرة، لا بل الكارثية، التي عاشها ويعيشها الشعب السوري إلى الآن، بمواجهة أحد أكثر الأنظمة التي عرفها تاريخ الشعوب بشاعة وإجراماً، فهو لا يزال قادراً على تجاوز واقعه المأسوي الراهن، في حال تمكنت القوى الثورية الحية فيه من سحب البساط من تحت المعارضة البرجوازية المتجمعة في "الائتلاف الوطني..." ، والمجموعات المسلحة ذات البرامج والممارسات الظلامية، لصالح قيادة مختلفة هي تلك التي بيَّنّا ملامحها اعلاه، والتي ينبغي العمل على استيفاء شروط ظهورها، فوراً ومن دون إبطاء. وهي قيادة يمكن أن تندفع إلى مسرح الاحداث أكثر فأكثر، بقدر ما تتطور، في الوقت ذاته، ظروف اندفاع السيرورة الثورية، في بلدان المنطقة العربية والمغاربية الاخرى، والعالم.

بيروت في 18 مارس 2014

المنتدى الاشتراكي- لبنان








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مظاهرة ترفع شعار -الخلافة هي الحل- تثير مخاوف عرب ومسلمين في


.. جامعة كولومبيا: عبر النوافذ والأبواب الخلفية.. شرطة نيوريورك




.. تصريحات لإرضاء المتطرفين في الحكومة للبقاء في السلطة؟.. ماذا


.. هل أصبح نتنياهو عبئا على واشنطن؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. طبيبة أردنية أشرفت على مئات عمليات الولادة في غزة خلال الحرب