الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المجتمع الليبرالي كما نفهمه

مناف الحمد

2014 / 3 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


بقدر ما تمثل العقيدة الدينية عاملاً حاسماً في الصراعات ، لما تختزنه من طاقة دافعة ومحرّضة ، ولما تمتلكه من قدرة على أسر حاملها في منظومة من القيم والرموز التي في أحيان كثيرة ترجح عنده حب الموت على حب الحياة ، بقدر ما تمثل عائقاً أمام بناء مجتمع تعددي خاضع لحكم القانون الذي يهيمن على جميع أفراد المجتمع وجماعاته المكونة .
فالمجتمعات عموماً تفتقر الى الانسجام العقيدي ، وأصحاب العقائد الشاملة هؤلاء يعتبرون هذا الانسجام شرطاً للتفاهم السياسي ، الأمر الذي يعطل بالضرورة تحقق هذا التفاهم .
في المتّصل الذي رسمه أحد الباحثين لتمثيل أصناف المجتمعات التعددية يتوضع في أحد قطبيه صنف يريد أن يحمل الدولة والمجتمع على تبنّي عقيدته بمقولاتها وطقوسها
وفي القطب المقابل الصنف النقيض الذي لا يتبنى أي عقيدة شاملة ، ولا مشكلة لديه أبداً في انضواء الجميع تحت حكم القانون الذي يحدّد الحقوق والواجبات في إطار من الحرية والمساواة .
وفي الوسط يتوضع صنفان :
صنف يحمل أفراده عقائد شاملة كالصنف الأول ، ولكنهم يفترقون عن أفراد الأخير في أنهم لا يسعون إلى فرض هذه العقائد ويكتفون بحصرها في نطاق الحياة الخاصة لكل منهم .
والثاني الذي في الوسط صنف لأفراده مرجعيات متنوعة ، وهم يعيشون بسبب ذلك في توتر دائم بين الشك واليقين ، وبين الخضوع والتمرد .
لا يمكن للصنف المذكور في البداية والمتوضّع في أحد قطبي المتصل أن يكون مكوناً مستعداً للتفاهم على بناء مجتمع توافقي يستخلص من العقائد الشاملة نواها الأخلاقية المشتركة في سبيل تحقيق الانسجام السياسي والمجتمعي لأنه لا يقبل بالآخرين إلا إذا تبنّوا معتقده .
الأصناف الأخرى جميعها تحمل قابلية التفاهم وتحقيق ذلك الانسجام على اختلاف في درجة الاستعداد .
الأمر المخيف هنا أن المتنطّحين لمواجهة الموت بتحريض العقيدة هم في الأرجح من الصنف القطبي الأول ، وهم يعتبرون أنفسهم الثوار الحقيقيين الذين لاقبل لأحد بالمزايدة عليهم أو بطلب المساواة معهم في درجة التضحية .
المعضلة في مرحلة التحول الديمقراطي وبناء دولة القانون ستكون مع هذا الصنف والإنجاز الأكبر المطلوب بذل الجهود لتحقيقه ليس نقلهم إلى الصنف القطبي المقابل لأن المطالبة بذلك ستكون معاكسة للطبيعة الأعمق لهم وستكون مطالبة مستحيلة وظالمة ، وإنما أقصى ما يمكن أن نحلم به هو إزاحتهم إلى الوسط إلى الصنف الحامل لعقيدته بدون العزم وعقد النية على فرضها .
لا نطالب بانسلاخ المرء عن عقيدته ، فهذا ليس من حق أحد ، كل ما نريده أن نعيش معاً في مجتمع نوافق جميعاً على قوانينه بدون قسر وإكراه إلا الإكراه القانوني الذي نتفق منذ البدء على الخضوع له ، فهل نطلب مستحيلاً ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استعدادات دفاعية في أوكرانيا تحسبا لهجوم روسي واسع النطاق


.. مدير وكالة المخابرات الأميركية في القاهرة لتحريك ملف محادثات




.. أمريكا.. مظاهرة خارج جامعة The New School في نيويورك لدعم ال


.. إطلاق نار خلال تمشيط قوات الاحتلال محيط المنزل المحاصر في طو




.. الصحفيون في قطاع غزة.. شهود على الحرب وضحايا لها