الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأم والأسطورة والحياة

بدر الدين شنن

2014 / 3 / 20
ملف فكري وسياسي واجتماعي لمناهضة العنف ضد المرأة


لاشك أن روح الأمومة المتغلغلة في خلايا الأبناء ، والأحفاد ، والأجيال المتعاقبة ، هي التي أوحت أن يتزامن عيد الأم ، مع يوم عشتار وإيزيس والنيروز .
ولاشك أيضاً ، أن تسمية عيد الأم في أول أيام الربيع .. تحمل أجمل المعاني وأنبلها ، التي جستها الأمومة .. وهي الخصوبة .. والعطاء .. المماثل لخصوبة الطبيعة وعطائها ، وهي التي تحدت بشجاعة ، أوهام الأساطير ، النابعة من العجز عن فهم المجهول والاستسلام له .

ولذلك ليس مصادفة ، أن تورق الأشجار ، وتظهر براعم الثمار ، وتفور الينابيع ، وتتدفق الجداول ، وتغرد الطيور وتتراقص ، ويفترش العشب الأخضر الأرض ، وتنتعش مشاعر الحب والغزل والرغبة في الخصوبة عند الشباب والصبايا ، عندما يهل عيد الأم بهالته البهيجة المفرحة .

وفي عيد الأم تحضر الأسطورة الظالمة لحواء . ويصبع لزاماً أن ننصف حواء الأسطورة ، كما ننصفها ، بعد أن كشفت خرافة الأسطورة ورحلتها بعيداً عن الذكر والوعي . لقد انتصرت حواء في تحديها الأسطورة .. لحق الحياة .. وحق الحب .. وحق الأمومة . وعبرت عن ذكاء خارق ، أوحى لها ، أن اختراق الحرم الالهي ، سيحررها وآدم إلى الأبد .
وبعد أن صارت حواء أماً ، تجاوزت اسطورة الخطيئة ، إلى الإنسانة الأم التي تستمتع بالحمل والمخاض والولادة ، وتبدع في تحمل مسؤولية تواصل الحياة .. وصارت أماً للمجتمع .. وانتقلت من غموض الأسطورة .. إلى رحاب العلم الإنساني .
ويقول علم الإنسان في الأم ، ما هم أوسع ، وأعمق ، وأهم ، مما تحدثت به الأساطير . ويقدم معطى ، يستحق التفكير به ملياً والبناء عليه ، وهو ، أنه لولا رحم الأم ، الذي احتوى الجنين البشري ، ولولا حنو الأم ورعايتها لمولودها ، ولولا احتضان الأم الخلية البشرية الأولى ، وإبداعها بذرع النباتات الغذائية ، وتدجين الحيوانات الأليفة ، لما صارت الحياة الإنسانية كما هي عليه الآن . وقد أهلها ذلد بجدارة ، أن تكون سيدة المجتمع لحقبة تاريخية طويلة .

*********

أمنا .. يا أمنا ..
كان بودنا أن نكرمك ، ونحتفل بعيدك في بلادنا .. أن نقبل أياديك .. ونشم رائحة تعبك من أجلنا .. ومعنا زوجاتنا وأحفادك ، مثلكما تكرم الأمهات في المجتمعات المتمدنة ، التي تجاوزت المجتمعات الذكورية .
لكن مجتمعاتنا الذكورية ، التي لم يتجاوز بعضها ، حتى الآن ، مرحلة الأبوية الملكية القبلية ، ومعظمها يخضع لقيود الموروث المتخلف ، وبعضها الذي بدأ يؤسس لعالم أرقى نسبياً ، يتعرض لغزو وعدوان الدول الأجنبية بواسطة الإرهاب الدولي ، لاتسمح لنا أن نقوم بما يمليه علينا واجب الاحترام والوفاء لك . فنحن نكابد من مصادرة حرياتنا ، وسرقة فائض منتوج عرقنا وجهدنا .. محروم علينا الفرح . وعلينا أن نقدم دماءنا ثمناً للعبة السلطة ، وإعادة توزيع النفوذ الإقليمي والدولي .. وعلينا الآن .. أن نرفع السكين عن رقبة الأم في البلدان المغمورة بالبؤس .. والحزن .. والدم .. والرعب من القادم الأسوأ .

أمنا .. يا أمنا .. السورية والعراقية والليبية واللبنانية والمصرية والفلسطينية واليمنية .. لقد خذلناك ، لأننا لم نوفر الظروف التي تجنبك ، الحزن ، والترمل ، والثكل ، والمهانة . وعذرنا أن العتاة الأجانب غدروا بنا ، وناس منا وفينا ، باعونا .. وباعوا الوطن ، واستهتروا بعالمك الوديع المقدس . لقد استخدموا ضدنا الطائرات ،والصواريخ ، والمرتزقة الهمج ، حملة الموت والفوات والسيوف والسواطير ، وأكلة قلوب من يتمكنون من أسرهم وقتلهم . لقد خربوا العراق العظيم ، وحولوه إلى مسرح مجازر ليس لها نهاية ، ويتموا أربعة ملايين طفل ، وقتلوا أكثر من مليون إنسان عراقي بكل لؤم ووحشية . وخربوا سوريا الجميلة الأبية ، وحولوها إلى أطلال تئن وتصرخ ، وقتلوا فيها أكثر من عشرة آلاف طفل الذين حملت بهم وعانيت المخاض العسير من أجلهم . وخربوا لبنان الأخضر ، جعلوه مرتعاً للإرهاب وموضوعاً للمراهنات والصفقات الدولية . واستباحوا فلسطين وشعبها ، بالتمزيق والتشريد والتجويع . ودخلوا مصر عابثين مدمرين .. مستهدفين جيشها بطل حرب أوكتوبر الذي كسر غطرسة إسرائيل .

أمنا .. يا أمنا ..
لقد وضعناك في أسوأ الظروف ، لأننا لم نجد الطريق لوحدتنا وتآخينا ، وامتشاق كل أسباب القوة للدفاع عنك .. عن جدائلك .. وعن صغارك .. وعن التراب الذي كنت خير نبتة للحياة فيه .. لقد علمتنا أن نتوحد فتفرقنا .. وعلمتنا أن نتآخى فتذابحنا .. وعلمتنا حب الوطن .. فأهملناه .. وصار ضحية عبث العابثين .. وعلمتنا أن نرسم للمستقبل .. فخسرنا الحاضر ونكاد نخسر المستقبل .
من حقك أن تسألي .. إلى متى يستمر هذا الجحيم .. هذا الغباء .. هذه الخيانات .. هذه الدماء ؟ ..
لاأحد يجرؤ أن يحدد موعداً دون ربطه بسين وسوف .
أمنا يا أمنا .. أنت ملاذنا .. أنت الأكبر من كل المحن والآلام والحروب .. أنت التي تحملين الصغير وتداري الكبير .. وأنت التي تجمعين الخشب لتصنعي الدفء ورغيف الخبز .. أنت التي يتسع صدرك لاحتضان .. كل الخائفين واليائسين والحزانى .. وأنت الي تصنعين الأمل فينا .. وتشدي من عزم رجولتنا .. ويصنع هواء أنفاسك نسائم حريتنا .

أمنا .. يا أمنا .. لك الحب والوفاء .. لك ننحني اجلالاً واحتراماً .. ولك فقط .. لعينيك .. نعد ألاّ نبقى مهزومين .. مشردين .. دون مقاومة .. من أجل أن نعيد الابتسامة إلى وجهك النبيل .. وأن نكفف دموع أحزانك .. ويعود الياسمين يزهر أبيضاً عبقاً في الشام .. والزعتر يعطر القدس وحيفا ويافا .. ونخيل العراق يتمايل مع رياح مواسم البلح والتمور العسلية .. ويسترد اليمن اسمه السعيد .. وتعود بهية الأبية على ضفاف النيل ولادة الشجعان وتقدم لأعزائها الخبز والحليب في الصبحية .. ويصدح صوت فيروز فوق بيروت وطرابلس والجبل.. لبنان ألأخضر .
ورغم الدمار .. وتساقط الشهداء ..ورغم الإرهاب والخونة .. نقول لك .. كل عام وأنت بخير .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دار المرأة في حسكة


.. هبا عويدان




.. سوسن مسعود


.. الذاريات محمد




.. ابتسام كامل رمام