الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اضحك مع نزع الملكية الفكرية

مصطفى مجدي الجمال

2014 / 3 / 20
سيرة ذاتية



حكاية السرقة الفكرية التي ارتكبها الكوميديان الإعلامي الشهير باسم يوسف، من كاتب صهيوني، لم تثر عندي مشاعر الصدمة والاندهاش التي أثارتها عند الكثيرين.. فهي ممارسة متفشية للأسف، من أسبابها الفقر الفكري عند السارق وكسله وتصوره أنه يمكن أن يداري فعلته عن الآخرين..

وفي بعض الأحيان يُستعصى على المسروق إثبات السرقة، فيكتفي بالصمت القاهر، أو بالنميمة في جلسات الأصدقاء، وبالطبع سيجامله الأصدقاء ويظهرون تصديقه، لكن تبقى بداخلهم شبهات في بارانويا الشاكي أو على الأقل مبالغته في تقدير ذاته..

وسأحكي لكم عن السرقات الفكرية من واقع الخبرة الذاتية.. وكلي أمل في أن يثق القارئ في كوني شخصًا سويًا وصادقًا ومتواضعًا لا أبالغ في قدر نفسي.. ومن ثم لا أجد حساسية في البوح ببعض الأمثلة مما قابلت من هذا النوع من الاجتراء.. ويدهشني أنني- على حجمي المتواضع- تعرضت لهذا.. فما بالنا بمن هم أرفع مني قيمة بكثير..

في مقتبل شبابي لم أكن أعير هذه الأشياء كثيرًا من الاهتمام.. فقد كنت مثلاً في حزب سري، ومن ثم أكتب الكثير من المقالات والبيانات والأوراق التثقيفية على المستويين المحلي والمركزي.. وهو ما يعني أن كاتبها يظل مجهولاً إلى الأبد، أو تنسب الكتابة لكائن جمعي هو الحزب، أو يتصور البعض أنها لهذا أو ذاك من المشاهير (حزبيًا).. وعلى كل حال لم يكن هذا يضايقني بالمرة بل كنت أشعر بالسعادة الداخلية لاتساع تأثير أفكاري التي أظنها صحيحة..

لكن مع نضوجي العمري، ومع تزايد الخلافات وتباين المواقف، وأيضًا مع اصطدامي بالنوازع الذاتية لمن يطلق عليهم "القيادات" و"المسئولين".. بدأت تنتعش عندي أنا الآخر ذاتيتي التي لا تنفصل عن مواقفي المصوغة على الورق ولكنها تظل مجهولة النسب..

رويدًا رويدًا بدأت أهتم بأن أؤكد على ملكية أفكاري الخاصة.. قد تسميها نزعة التملك البرجوازية.. ولكني أدركت أهمية ذلك حينما لم يعد من "ينزع ملكية" أفكاري كيان جمعي وإنما شخص ما من لحم ودم.. وربما تكون بيني وبينه خصومة من أي نوع..

كانت صدمتي الكبيرة الأولى منذ أكثر من ثلاثة عقود ونصف.. وقتها حاولت أن أجد طريقًا للنشر في صحيفة بعينها.. ولكن لم تنشر الصحيفة- وبإصرار- أي شيء لي، رغم أن إنتاجي لم يكن يقل أبدًا في نوعيته عن إنتاج أي من كتاب الصحيفة أو محرريها المبتدئين على الأقل.. وبالإضافة إلى كوني من الفاشلين في العلاقات "العامة" للنفع المتبادل، اكتشفت أن السبب يكمن في مدير التحرير المنتمي لتيار آخر.. وكان وقتها من المثقفين ذوي النزعة اليسارية الصارخة جدًا، وقد رأى في شابًا يمينيًا جاهلاً لما بلغه من "سخريتي" من أفكاره الزاعقة.. (وبالمناسبة تحول هذا الشخص بعد فترة إلى خادم نشيط جدًا في بلاط فاروق حسني وحظائره)..

من ثم توقفت يائسًا عن مراسلة الصحيفة.. فعاتبني صديق رائع- رحمه الله- على امتناعي عن الكتابة فيها.. ولما شرحت له السبب قال لي "سنجرب وسأثبت لك توهماتك".. وبالفعل كتبت مقالة وأخذها بنفسه إلى رئيس التحرير مع توصية قوية بالنشر "للشاب الواعد".. ومرت الأيام ولم ينشر المقال.. حتى كانت الصاعقة الكبرى..

وجدت السيد رئيس التحرير يكتب مقالة تكاد أن تكون تناصًا كاملاً مع مقالتي من حيث العنوان والأفكار وتسلسلها مع الكثير من نفس الألفاظ والتشبيهات.. ولما وضعت المقالتين أمام الصديق المشترك أصابه الذهول التام.. ولم يتركني إلا بعد أن وعدته بأنني لن أتحدث في هذا الموضوع مع مخلوق.. فوعدته لأنني على الأقل لا أملك أي دليل إثبات سوى شهادته.. وقد كفاني هذا.. وهكذا بعدما كنت أخشى حرماني من النشر على يدي مدير التحرير، تم النشر على يدي رئيس التحرير.. ولكن مع تغيير اسم الكاتب!!!!

وأذكر مرة ثانية بعد ذلك بعقد أو أكثر أن أشفق أحد الأصدقاء على أحوالي المالية فأقنعني- بصعوبة- بالكتابة في إحدى الصحف الخليجية الكبرى، وقد كان هذا تنازلاً كبيرًا مني لأنني كنت لا أحب هذا لأسباب سياسية. وبالفعل- تحت ضغط الحاجة وأعترف بذلك- ذهبنا معه إلى مكتب الجريدة بالقاهرة حيث كان على علاقة وثيقة بمدير المكتب.. وفي الحقيقة أن الرجل رحب بي أشد الترحيب، وطلب مني كتابة سيرتي الذاتية وبالمرة أعطاني كتابًا بالإنجليزية عن الخيول العربية (!!) لأكتب للصحيفة عرضًا له.. وقد كان..

ولكن مرت الأيام والشهور ولم يتصل بي أحد من الصحيفة.. وعندما اتصل الصديق المشترك بمدير المكتب، علمت أنه خشي من اتجاهاتي السياسية (خاصة أنني ترجمت كتابًا عن مشكلة خلافة الملك فهد في السعودية)، كما قال له: "بعد ما قرأت سيرته الذاتية قل لي هاعرف أشغله إزاي ده".. أي أن الإمكانيات كانت هذه المرة سبب عدم الرغبة في التعامل.. فضحكت ضحك السنين.. لكن بعد فترة وجدت مقالي (عرض الكتاب) منشورًا بدون اسم.. ومن شدة اشمئزازي لم أعاتب أحدًا.. ولم أطالب بالمقابل المادي.. فقد كان عندي غضب شديد منعني من أي تصرف، وأيضًا لم يكن عندي دليل إثبات..

وحدث بعد ذلك أن كان رئيس العمل لرفيق لي على وشك السفر لحضور مؤتمر أورو-متوسطي عن هذه الشراكة.. ورغبةً من رفيقي في نجاح ممثل منظمته الحقوقية في هذا المؤتمر طلب مني دراسة سبق أن أعددتها في الموضوع كي يلم رئيسه بالمسألة من وجهة نظر مختلفة.. وتمر شهور ليأتيني في المركز الذي أعمل به كتاب به ملخص للأوراق المعروضة بالمؤتمر إياه.. وكانت الصدمة الجديدة.. والغريب أنني تعاملت مع الحادثة بسخرية.. ولم أنبس ببنت شفه حتى لا أسبب مشاكل في العمل لرفيقي..

وبمناسبة المؤتمرات الدولية.. وجدت في كتاب بالإنجليزية دراسة مذيلة بقائمة للمراجع نصفها مترجم ومنقول بالحرف من قائمة مراجع سبق أن أرفقتها بدراسة لي غير منشورة.. والمضحك أن "المقتبس" لم ينتبه إلى أن أحد المراجع يقول "انظر أيضًا دراستي بعنوان (....)"!!!

أما الطامة الكبرى فكانت مع شخص "معلوم" جيدًا انتشر مثل السرطان في كل الصحافة الخليجية والليبية منذ منتصف التسعينيات.. وقد كان يكتب في كل شيء بدءًا من المنمنمات الإسلامية في آسيا الوسطى إلى أشعار الصوفية إلى حروب المياه إلى التنوير والديمقراطية إلى موازين القوى العسكرية إلى النقد الأدبي..الخ كل ما يمكن أن تتخيله من إنتاج قريحته العيمانة..

أصبحت سمعة هذا الشخص ملوثة، خاصة بعدما نشر في مجلة فلسطينية مقالة منقولة بالحرف من مقالة نشرت منذ مدة- وياللهول- في المجلة نفسها.. وكانت هذه فضيحة لغيبوبة محرري المجلة أنفسهم.. فأوقفت المجلة التعامل معه.. ولكنها في الحقيقة نشرت اعتذارًا كان فضيحة علنية له.. المهم أن صديقًا لي كان مديرًا لمكتب مجلة لبنانية (بتمويل ليبي) في القاهرة.. ولكنه رأى التعامل مع ذلك الشخص حسب توصية الليبيين..

وحدث أنني كنت أتصفح المجلة ذات يوم لأجد فيها مقالاً عن إحدى المنظمات الإقليمية التي كان مؤتمرها قد عقد في هذه الفترة.. وشعرت من القراءة أن الكلام ليس غريبًا علي.. وبمضاهاة المقال مع فصل كتبته أنا عن ذات المنظمة في دراسة لمشروع "مصر 2020".. وكان عنوان دراستي غير المنشورة هذه هو "مصر ومستقبل تنظيمات الجنوب".. وجدت المقال منقولاً بالكامل تقريبًا من صفحات في الفصل المذكور.. ولكن "المقتبس المحترف" قام بعمليات تقديم وتأخير، وتغيير القليل من المسميات والمصطلحات..

فسألت صديقي مدير المكتب: هل سمحت للكاتب بالاطلاع على دراستي؟ (وكانت لديه نسخة من الدراسة لسبب ما) فكانت إجابته الحزينة بنعم.. ولم أفعل شيئًا رسميًا في الموضوع حتى لا أعرض صديقي مدير المكتب لمشاكل.. ولكن لم أوفر فرصة لفضح السارق عند كل من يعرفونه..

في الختام.. لا أعتقد أنني أكتب "دُررًا" تستحق النقل.. ولكن ما يدهشني فقر الخيال عند الأدعياء، ونضوب مخزون الأخلاق من نفوسهم.. والمذهل أن بعض من لا يحتاجون إلى مزيد من مال يجترئون على ارتكاب هذه الفعلة الشنعاء!!! ورغم أنني أقدر الحاجة المادية التي تدفع البعض لارتكاب هذا الجرم (خاصة في ظل الأفواه الفاغرة للصحف الخليجية والفضائيات).. إلا أنهم مدعوون لبذل جهد أكبر في الإبداع، على الأقل حتى لا يصاب المسروقون بالبارانويا!!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - رائع يا استاذ
مصاب ببارانويا الاضطهاد ( 2014 / 3 / 20 - 19:33 )
الاستاذ الكبير/مصطفى جمال
و الله رائع_بلا نفاق_و لست بضئيل الحجم،أما انك صاحب درر فهذا مؤكد و أنظر الى يسار الصفحة،مسيت الوجع يا استاذ،و لكن ما اصابني بالجنون و لم اجد له تفسير(ربما تفيدني في تفسيره)ما يلي
كنت افهم ان الكتاب الاقل شهرة (و ثراء) هم من يسرقون،ولكن وجدت الكتاب الاكثر شهرة هم من يسرقون الكتاب المغمورين و الاقل شهرة.و لا عزاء للمسحوقين المغمورين بالمصري(فطسهم فطس).

الدليل على السرقة لم يعد مهم،تبعث للواحد من هؤلاء اللصوص بالرابط الذي نشرت عليه مقالك الذي اختلسه على صفحته في الجريدة او الموقع خاصته،فلا يهتم.
الاغرب ان الجريدة و الموقع لا يهتمان
الاشد غرابة ان الناس و القراء لا يهتمون،و منهم من يجعلك المذنب و انه عليك ان تكون اكثر تسامحا،او يتهمونك بالغل و الحقد(برغم السرقة الواضحة بالنص)..يعني بالمصري(لازم تتسرق و انت ساكت و يستحسن تبتسم).

احرفة السرقة تقدمت و بدل النقل اصبحت اعادة التدوير هي السائدة،تكتب مقالا، تجده غدا تحت اسم لامع،نفس الفكرة مع (شوية بهارات و تحبيش)بيضيعوا حتى جوهر الفكرة التي لم يفهمها السارق.
الاخطر ان المجمتع يراها الآن شيئا عــــــــــادي
احترامي


2 - لا داعي للتجريح
الكاتب ( 2014 / 3 / 21 - 12:42 )
عزيزي القارئ القديم.. أنا لم أكتب المقال أخذًا بالثأر من أحد.. أو للتشهير بأحد.. وإنما أتحدث عن ظاهرة أعطيت لها أمثلة عشتها مباشرة حتى لا يقول أحد إنني أقول كلامًا مرسلاً أو أعتمد على إشاعات.. المهم هو مقاومة الظاهرة بأن يأخذ كل ذي حق حقه.. والأهم أن تتاح الفرصة للشباب والمغمورين كي يظهروا على السطح وألا يحبسوا في غياهب النسيان لمصلحة أعداد قليلة من -المشاهير- عن حق أو عن صناعة يتم تقديمم على أنهم يفمون في كل شيء وأن لديهم حقًا أبديًا في تصدر المشهد


3 - من تاريخ الصحافه المصريه
قارئ قديم ( 2014 / 3 / 22 - 22:21 )
صدرت جريده الاهالي الناطقه باسم حزب التجمع للمره الاولي في فبراير 78وتعرضت للمصادره اكثر من مره حتي اضطرت للاحتجاب في صيف نفس العام
وبعد اغتيال السادات اعيد اصدارها عام 82 وكان يراس تحريرها حسين عبد الرازق الذي صار بعد ذلك امينا عاما لحزب التجمع وتم تعيينه مؤخرا عضوا بلجنه كتابه الدستور الاخير والمعروفه بلجنه الخمسين
وكان صلاح عيسي مديرا لتحرير هذه الجريده في نفس الفتره --وفي اواخر االتسعينات اصدرت وزاره الثقافه وعلي راسها الوزير فاروق حسني جريده القاهره تم اسناد رئاسه تحريرها لصلاح عيسي وكان يساعده في التحرير الكاتب الشاب وقتها بلال فضل الذي سرعان ما استقال اعتراضا علي الاسلوب الذي تدار به الجريده
واليوم وبعد اكثر من ثلاثين عام انحدرت ارقام توزيع الجريده انحدارا مروعا وبعدما تعاقب علي رئاسه تحريرها من الصحفيين محمود المراغي وفيليب جلاب والباقوري وشعلان ونبيل ذكي عادت الي نفس الاسره التي ادارتها في بدايه اصدراها الثاني =زوجه حسين عبد الرازق رئيسا للتحرير وزوجه صلاح عيسي مديرا للتحرير

اخر الافلام

.. -أنا لست إنترنت.. لن أستطيع الإجابة عن كل أسئلتكم-.. #بوتين


.. الجيش الإسرائيلي يكثف ضغطه العسكري على جباليا في شمال القطاع




.. البيت الأبيض: مستشار الأمن القومي جيك سوليفان يزور السعودية


.. غانتس: من يعرقل مفاوضات التهدئة هو السنوار| #عاجل




.. مصر تنفي التراجع عن دعم دعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام مح