الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأبناء يرقصون الهجع والأمهات تحترق

محسن لفته الجنابي
كاتب عراقي مستقل

(Mohsen Aljanaby)

2014 / 3 / 21
كتابات ساخرة


حدث في وقت سابق أن أصبت بمرارة ظلّت في فمي لأيام متتالية حين أخبرني الأستاذ توفيق الباحث النفسي بأن طلاب المدارس في العراق (يستكنفون) من ذكر أسماء أمهاتهم في بطاقاتهم التي تعتبر جزءاً من ملفاتهم الدراسية وعلينا (والقول للسيد توفيق) أن نعدل القوانين لتتلائم مع تلك الحالة الشاذة المستشرية ! والطلاب هنا ليسوا أفضل حالاً من باقي الذكور في العراق والذين يخفون الفقرة الخاصة بأسم الأم في هوية الأحوال بأصابعهم عند طلبها في نقاط التفتيش من قبل رجال الشرطة أو غيرهم !
أرى وأنا العبد الفقير الى الثقافة والمثل العليا أن الأمهات عندنا مظلومات منتهكات من قبل أبنائهن قبل الزوج و المجتمع , فالجميع يغترف منهن العطاء ولايعترف لهن بالأنصاف والتقدير في حدوده الدنيا
الأبناء يأخذون من الأم الجهد والمال والبذل الأغزر على حساب الجسد و العمر ليقابلوه بالأستنكاف الذي يفسر بالـ (التحقير ) كما تترجمها بالأجماع معاجمنا .
أفرغت نقمتي على رؤوس أولادي فأمّهم أجرت قبل أيام عملية كبرى , وباب الغضب لم يأتي من السهر والقلق والأجهاد لأيام متتالية ولا من الملايين التي أنفقناها في المشفى الغربي ذو دورات المياه التي تحمل نفس الأسم والتي سببت الذعر لزوارنا , بل أن الأمر أكبر وأخطر , يتعلق بالمفاهيم التي تمنح الحياة أسبابها , تلك التي تقع تحت نظرية (أزرع - تحصد) أراها هي الأخرى وقد تصدعت بسبب الفلتان الفوضوي لمعاييرنا
فالأولاد لم يزوروها بل أكتفوا بأجراء مكالمات هاتفية محدودة متحججين بمشاغل الدراسة مع أمور يرونها ذات أولوية تسبق من حيث الأهمية متابعة صحة والدتهم , تلك التي أحرقت نفسها وسفنها لأجلهم ولامجال لتعداد ما أعطت فأعمالها بانوراما أسطورية متواصلة تبدأ بالتربية والطبخ والنفخ و توفير الحياة المترفة لتعرج على مليارات مفتوحة من الهدايا وكأنها قديسة أصرّت على تحويل الحياة الى جنة المنتهى , دون أدنى أعتراف بتلك الأنجازات التي نعجز عن تقديم جزء منها ولو أجتمعوا كل ذكور الدنيا , وفوق ذلك جعلوها مثلبة يستميتون في أخفاء أسمها فأي أجحاف يلحق بست الحبايب ذلك الجندي المجهول الصامت المظلوم منا وأبنائنا
وتلك ليست مصيبتي وحدي فالحالة عامة شاملة بعد تصدع المباديء السامية مع هجوم الأنفتاح الذي لم نتمكن الى الآن من أمتصاص زخمه , فمع تلك التحديات لازلنا نتلقى الصفعات في صميم حياتنا , وهاهي مكانة الأم تتداعى لتنذر بسقوط الحضارة كون الأخيرة رافدها الأهم والأقوى .
تقدمت محبطاً الى أبنائي مكابراً على مضض لأرضي ضميري وأقول لهم مايجب بعبارة واحدة فقط :
لامبالاتكم جعلتني أتحول الى (فتاح فال) فقد قرأت مستقبلكم أيها الأحبة فبعد سنين طويلة ستجدون أنفسكم وحيدين منفردين تلعنون حياتكم بعد أن يرموكم أبنائكم في مكان قذر وضيع يسمونه دار المسنين والعجزة !
هب الأولاد بعد سماعهم لتلك الومضة المرعبة ليكونوا على الفور قرب أمهم التي أحتضنتهم كما عادتها , ولا أخفيكم أن المشهد أزال بعض المرارة التي حدثتكم عنها لكن بعضها يبقى ولازلنا نتمنى أن تنحسر جميعها بالوفاء والفخر للجنود المجهولين الذين نسميهم (الأمهات العراقيات أو العربيات ) وسنبقى نذكّر عسى أن تنفع الذكرى مع البقية العاقّة المنشغلة ليردوّا الى الأم بعضاً مما قدمت من هداياها المليارية الهائلة فهي تستحق أن يقال لها في عيدها :
أمامك تتضائل صروح الكون وتتداعى أنفة المكابرين وأليك وحدك ننحني متصاغرين فقد تفوقتِ في عطائك على السماء و النخيل وكل مشاريع الدنيا ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حوار من المسافة صفر | المسرحية والأكاديمية عليّة الخاليدي |


.. قصيدة الشاعر العقيد مشعل الحارثي أمام ولي العهد السعودي في ح




.. لأي عملاق يحلم عبدالله رويشد بالغناء ؟


.. بطريقة سينمائية.. 20 لصاً يقتحمون متجر مجوهرات وينهبونه في د




.. حبيها حتى لو كانت عدوتك .. أغلى نصيحة من الفنان محمود مرسى ل