الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطفل المشاغب يترافع عن عخان إبن كرمى (قصة قصيرة)

رمسيس حنا

2014 / 3 / 22
الادب والفن


الطفل المشاغب يترافع عن عخان إبن كرمى
(رمسيس حنا)

بعد مشاهدة الطفل "فكرى" لحادثة إعدام "عخان بن كرمى" فى فصل مدارس الأحد الأسبوع السابق و بعد تعرضه فجأة لحالة مرضية تسببت له فى الدوار و القئى و تسيب فى البول و البراز حمله زملائه الى البيت. و إنزعج كل من والديه و إرتبك كل من فى البيت لمرضه المفاجئ و أخذته امه ليتحمم و يغير ملابسه و وإصطحبته الى حجرته أعلى الدرج ليستريح فى سريره. و سألته أمه عما إذا كان قد تناول أى طعام خارج البيت و أجابها فكرى بالنفى القاطع:
- "لا طعام و لا أى شراب يا أمى"
- "إذاً ماذا حدث يا بنى؟"
- "سوف يكون كل شيئ على ما يرام يا أمى"
- "هل تحتاج أن نذهب بك الى الطبيب يا ولدى؟"
- "كلا يا أمى. أريد فقط أن استريح قليلاً."
و غطته أمه و خرجت من الحجرة مهمومة و قلقة و متكدرة و تلاقت مع و الده الذى إستمع الى الحوار الذى دار بينهما. و كان الأب واقفاً منتظراً خارج حجرة فكرى مدهوشاً و عيناه مفتوحتان عن اَخرهما وهو يتطلع الى الفضاء الخارجى خلال منور البيت كأنه يبحث عن نجم فى وضح النهار. ثم مال الى زوجته و هو يطوق عنقها بزراعه الأيمن قائلاً:
- "لا تقلقى يا ام فكرى ... إبنك رجل كبير فى جسم طفل صغير ... دعيه يفكر فى الأمر بنفسه و إذا طلب النصيحة فنحن مستعدون."
- "ماذا تقصد بقولك هذا؟ هل تعنى أن إبنك ليس مريضاً؟"
- "نعم ... أعنى ذلك ... هناك شيئ ما أزعجه و لم يستطع أن يفصح عنه الولد بعد. و علينا أن نعطيه فرصة لكى يتدبر الأمر بنفسه الاَن."
و هبط الوالدان أدراج السلم. و طلب الأب من الأم أن تصنع لإبنهما كوباً من عصير الليمون الدافئ و بعد نصف ساعة تحضر له بعض الطعام ليتذود بها.

خرج الأب من البيت و هو يفكر ما هو السبب الذى أدى بإبنه الى هذه الحالة المرضية حتى و لو كانت مؤقتة. هل يسأل مدرسه فى مدارس الأحد أم يسأل بعضاً من زملائه. و لم يشاء الأب أن يسأل أحداً قرر أن تكون مناقشة الأمر مع من يهمه الأمر و هو إبنه. كان الأب يعلم جيداً أن مشكلة إبنه هى صراع نشب فى تفكيره و ليس فى جسده. و إنشغل تفكير الأب بمشكلة إبنه و رأى إن أنسب مكان للتروى فى الأمر هو فى حقله فقادته قدماه الى حيث يجد ضالته.

عاد الأب الى بيته فى المساء و اتجه الى حجرة ابنه فى الدور العلوى فوجد إبنه جالساً الى مكتبه يذاكر دروسه. القى إليه بالتحية و تحدث مباشرة الى إبنه فى الموضوع.
- "ماذا كان موضوع الدرس اليوم فى مدارس الأحد يا فكرى؟".
فإبتسم فكرى و قال:
- "كان عن عخان إبن كرمى يا والدى ."
و إزدرد الفتى ريقه فبل أن يواصل حديثه:
- "لم يكن درساً يا والدى بقدر ما كان مشهد إعدام شخص لا يمثل أى ثقل فى الحرب إلا أن يكون عبرة لسلطة مطلقة تحمٌل مسئولىة أى هزيمة أو تقصير على الضعفاء."
نظر الأب الى إبنه نظرة إشفاق و تمعن كأنه يخشى على إبنه من المجهول و قال بصوت متهدج:
- "هذا كلام كبير يا ولدى أنت تسبح فيه ضد التيار."
صمت الولد قليلاً و هو ينظر فى عينى والده و يجول بنظره على وجه أبيه عله يستطيع أن يقرأ ما يفكر فيه أبوه و لكنه أراد أن يقطع الشك باليقين فسأل والده:
- "ماذا تقصد يا أبى؟"
فقال الأب و هو يحول ناظريه عن إبنه كأنه يتأمل سقف الحجرة و كأنه يعد دعاماته و عروقه و الواحه الخشبية:
- "أقصد أنك سوف تعرض نفسك لمشاكل أنت فى غنى عنها كما حدث اليوم."
مادت الحجرة بالفتى و إنتفض جسده و أحس بقشعريرة غامضة كالتى كانت تعتريه فى ليالى الشتاء عندما كان يسمع دقات طبلة المسحراتى و صوته لكى يوقظ المؤمنين لتناول سحورهم و مال برأسه على زراع والده و سأله:
- "هل تقصد يا أبى إن ما حدث لى اليوم هو إنتقام من الله لأننى سمحت لنفسى أن أفكر فى مثل هكذا أمر؟"
فأخذه والده بين زراعيه و ربت على ظهره ثم رفع وجهه اليه ، وتلاقت عيونهما ، و قال الأب و فى صوته شحنة من الحنو و الشموخ:
- "حاشا لله يا ولدى أن يكون منتقماً من طفل مثلك لمجرد أنه تجرأ و إستخدم عقله فيما خلقه الله له. ولكنى أريد أن أعرف منك كيف تعامل عقلك مع هذا الأمر؟"
فإنفرجت أسارير الفتى و إعتدل فى جلسته و راح يكشف عن مكنون أسراره لشخص رأى فيه كل جذوره و اصوله كأنه يحدث نفسه:
- "لقد رأيت الموضوع من عدة زوايا يا أبتى: أولا: اَية الدرس التى تنص على أن الله قال ليشوع : "... ولا أعود أكون معكم ان لم تبيدوا الحرام من وسطكم."
فسأل الأب:
- "و ما الذى فهمته من الاَية؟"
فرد الإبن ببلاغة و منطقية و وضوح لم تتكشف للأب من ذى قبل:
- "ما أفهمه هو أن الحرام شئى معنوى نسبى ليس له مقاييس أو وجود مادى محسوس ثابت فسره يشوع على أنه شخص عخان."
فقال الأب:
- "هل تعنى أن كل ما هو على الأرض متغير و غير ثابت حسب زاوية رؤيتنا له؟"
فرد فكرى:
- "نعم ، و دليلى على ذلك هو أن يشوع حرم أشياء و استبقى أشياء أخرى. فقد حرم (أى أباد) كل شيئ على الشعب و أستبقى (أى إستحل) كل الفضة والذهب وانية النحاس والحديد لتكون قدسا للرب وتدخل في خزانة الرب." (يشوع: أصحاح 6 عدد 19) كيف يحرم يشوع أشياءاً على عامة الشعب و يقدسها للرب. و هل للرب خزائن على الأرض ليحفظ فيها الهدايا؟"
إبتسم الأب إبتسامة فيها شيئ من المداعبة و سرح بفكره أيام الصبا و كأن الزمن يعيد نفسه من جديد و تأكد له أن الإنسان خالد بنوعه و جنسه و ليس بشخصه كفرد. فسأل إبنه حتى يتأكد من أنه يرى و يسمع جيناته و إن "فكرى" هو شحمه و لحمه:
- "و هل هناك ما يمنع أن يكون لله خزائن على الأرض؟"
فجاءه رد إبنه كأنه حديث النفس للنفس و مناجاة الروح للروح:
- "إذا كان الله هو مالك السماء و الأرض و ما فيهما و عليهما فهل يحتاج لمخلوفاته أن تخصص له خزائن ليقبل هداياه فيه. كأن البشر يمنون على الله من عطاياهم أقصد مسروقاتهم ... دعنى يا والدى أصيغ المسألة بمثل بسيط ... أنت بالطبع صاحب و مالك هذا المنزل ... هل تتخيل أن يأتى اليوم لأقول لك أنى أهبك هذه الحجرة لتكون لك و لتجمع فيها ما أجود به عليك؟"
فضحك الأب بصوت عال و قال:
- "يمكنك أن تفعل ذلك إن لم تكن إبنى أو أنك أحط المخلوقات على الأرض و قد بلغ بى الخرف مبلغه."
ثم واصل الفتى حديثه:
- " القضية الثانية لو إفترضنا أن هناك حرام و أن الذى إرتكب الحرام هو عخان فلماذا يؤحذ كل أهل بيته و حتى الحيوانات بجريرته؟ هل عدالة الله تقتضى ذلك؟"
ثم قال الطفل و قد إهتزت مشاعره و لم يستطع أن يتغلب على حشرجة صوته أو أن يحبس دموعه التى جرفت كل شيئ فى حجرته كأنها الطوفان:
- "و الأنكاء من ذلك طريقة إعدامه هو وأهل بيته فبعد موتهم رجماً بالحجارة أحرقوهم ثم بعد إحراقهم أعادوا رجمهم مرة أخرى."
فقال الأب موضحاً:
- "هذا يعنى عدم و جود نسبة أو تناسب بين الجريمة و العقاب بالإضافة الى التمثيل بجثث الموتى الأمر الذى لا يكون من طبائع أعتى الحيوانات شراسةً و توحشاً."
فقال "فكرى"و دموعه ما زالت تحفر مجراها على خديه:
- "ليس هذا فقط بل أن الرب سُر بهذا المنظر و رجع عن حمو غضبه. و يرعبنى أن الرب يتشفى بهذا المنظر الإرهابى. و يصرع إيمانى صمت الرب على ما يفعله يشوع بمخلوقاته؟ أم أن الرب أعطى توكيلاً ليشوع أن يصنع و يفعل ما يشاء فى الأرض و ما عليها؟ و أين هذا التوكيل؟."
فاراد الأب أن يقصر الحديث عند هذه النقطة و أن يترك لإبنه بصيص من الأيمان يساعده لأن يجد مكاناً ينتمى اليه و قت الملمات فسأل إبنه:
- "إذاً ما هى النتيجة التى توصلت اليها؟"
فأجاب فكرى فى ثقة إيملنية يدعمها العقل و المنطق:
- "النتيجة هى أن الشخص الذى شرع تحريم المدينة هو يشوع و لم يكن الله. و دليلى على ذلك أن الله حرم قتل الإنسان فى الوصية السادسة من وصاياه العشرة و لم يضع شروطاً أو إستثناءات لهذا التحريم. المشكلة هنا إذاً هى أن المشرع هو يشوع و ما على الرب إلا أن يوافق. لقد كسر يشوع الوصية و إغتصب حق الله فى التشريع و أباد شعباً بكامله برجاله و نساءه و شيوخه و أطفاله بل أنه كسر الوصية السابعة "لا تزن" عندما إستثنى من القتل راحاب الزانية و الخائنة لشعبها بل و اكثر من ذلك فقد مجدها و ضمها الى شعب إسرائيل الذى خشى عليه من وجود عخان بن كرمى."
و كان من الطبيعى أن يسأل الأب إبنه عما سيفعله. فقال الطفل:
- "سوف التحق بكلية الحقوق لكى أكون محامياً و سوف تكون أول قضية ارفعها الى القضاء العادل و أترافع فيها هى قضية عخان إبن كرمى."
فابتسم الأب وهو يغادر الحجرة قائلاً:
- "فلتذاكر من الاَن حتى تدرك ما تصبو اليه."
(رمسيس حنا)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما حقيقة اعتماد اللغة العربية في السنغال كلغة رسمية؟ ترندينغ


.. عدت سنة على رحيله.. -مصطفى درويش- الفنان ابن البلد الجدع




.. فدوى مواهب: المخرجة المصرية المعتزلة تثير الجدل بدرس عن الشي


.. الأسطى عزيز عجينة المخرج العبقري????




.. الفنانة الجميلة رانيا يوسف في لقاء حصري مع #ON_Set وأسرار لأ