الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


استسلام بكبرياء

دينا سليم حنحن

2005 / 7 / 7
الادب والفن


تحس وكأنها قطة منبوذة. تتسوّل الرحمة. ترتكن زاوية مظلمة في آخر شارع الحياة.
تخلى عنها الجميع وتنكّروا لها. نسوها في لحظة وكأنها لم تكن. لم تكن في يوم ما عبئا على أحد، استطاعت الحصول على لقمتها بنفسها وساعدت الآخرين السّعي والبقاء.
تاهت في غربة الليل وعتمتهِ. نهضت من استرخائها. كانت بأشد الحاجة إلى الراحة. تركت صغارها حيث هم وحرصت ألا يتعقبوها فيلقون نفس مصيرها.
سوداء كانت وعيناها البراقتان تلمعان من خلال الظلام. تراقب المسالك من كل صوب. كم خشيت أن يتعقبها صغارها ويلحقوا بها. أطعمتهم قبل أن ترحل وزوّدتهم بالمزيد. هكذا ضمنت الأمان.
تسحب المارة بهدوء وتركوها للمطر الغزير تقابل الثلج المتساقط بوداعة، كل سلك بمسلكه حيث داره يأوي إلى ناره مستدفئا ومضت بها السّاعات حتى خلا المكان تماما.
التصقت بالرّصيف، علّها تنهل بعض الدفء. ارتعش جسدها وانتفضت مذعورة أمام الجوع. تيّبست أوصالها وتاهت عنها اللّقمة. جاعت وتأوهت. بداية قصدت الجوع وأصرّت عليه وأقسمت ألا تموء حتى لو التصقت جدران معدتها الخاوية ببعضها البعض. لمَ تشعر بالجوع الآن وفي هذه الليلة الموحشة! لن تجد شيئاً فلم تعد صغيرة كما في السابق، تداهمها الشيخوخة وسيرهقها البحث، والحارات يغزوها الأقوياء، نشروا الذعر والرعب في قلوب سائر القطط أمثالها. حتى لو وجدتها فلن تستطع تناولها. ستستمر في رمقها محتالة على ريقها كي يبلعها وعلى بطنها الخاوية استقبالها.
لا لا لا تريد أي لقمة، وكانت سابقا تحتار في اختيار أفخمها أمام الكم الهائل لأفخر الأطعمة، حتى أن الغازين تنقموا لها، أوسعوها ضربا مبرحا، هدّدوها وطردوها وبقيت متمسكة بلقمة وجدتها بنفسها. بحثت عنها النهار بأكمله، كانت السّاعات طويلة والجو حارا. كوتها الشمس الحارقة بلهيبها، لم يقووا عليها الآن ولم يستطيعوا النيل منها سابقا!

لم تحسب حساب لذلك الذئب المتبختر رياءً. ارتعشت وانتفضت مذعورة والشّارد يقترب من رّصيف تلوذ بزاويته. أرادت الاختباء، الهرب، الاختفاء من هذا الشّرس، لم تنسَ مناورته لها، ما زالت تحمل آثارها، سئمت تحديّه. لا تريد الدّفاع عن نفسها كما في السّابق.
بكت، ولأول مرّة تبكي، ماءت قاصدة، تنبّه لوجودها، كشّر عن أنيابه، فرك كفيهِ واستعد، كما في كل مرّة. لم تتحرك ولاذت مكانها تستعد لملاقاة حتفها، ترتعد بردا لا فرقا، تستقبل دنو أجلها غير مقاومة، لم يبقَ شيئ تخشى عليه بعد اليوم، صغارها آمنون ولن يتنبهوا لفقدانها.
ستستقبل الموت في أرض محايدة، في فصل شتوي ماطر. لن يستطيعوا اقتفاء آثارها، وسوف تغطيها الثلوج، ويكون حتفها في مكان طاهر أبيض. سوف يعتقد الآخرون أنها ماتت بردا وليس.. قتلا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم ولاد رزق 3 يحقق أعلى إيرادات في تاريخ السينما المصرية


.. مصدر مطلع لإكسترا نيوز: محمد جبران وزيرا للعمل وأحمد هنو وزي




.. حمزة نمرة: أعشق الموسيقى الأمازيغية ومتشوق للمشاركة بمهرجان


.. بعد حفل راغب علامة، الرئيس التونسي ينتقد مستوى المهرجانات ال




.. الفنانة ميريام فارس تدخل عالم اللعبة الالكترونية الاشهر PUBG