الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوسيلة الوحيدة للقضاء على الطائفية هو الدستور العلماني

اسماعيل حمد الجبوري

2005 / 7 / 7
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


كتب عالم الاجتماع المرحوم الدكتور علي الوردي في كتابه وعاظ السلاطين: أن التقدم يكلف المجتمع غاليا فهو ليس فكرة مجردة تراود أذهان الفلاسفة، إنه بالأحرى نتيجة التفاعل والتصادم المريرين بين القوى المحافظة وقوى التجديد.
اليوم يدور جدل حضاري بين العراقيين حول كتابة الدستور وخصوصا وأن العملية هي اصعب بكثير من العملية السياسية وأخطر منها إذ إنها ستحدد العلاقة بين الدولة والمجتمع ، فالعراقيون يريدون أن يبنوا وطنهم على أساس المواطنة والكفاءة ويكون دستورهم فوق كل الانتماءات القومية والدينية والمذهبية وأساسها المواطنة العراقية،ولذلك فأن الطائفية في العراق لا يمكن انتزاعها إلا بمشروع حضاري يسموا فوق كل الجراحات.
فالمعركة تدور بين تياري الحداثة والتخلف، وهي معركة حضارية بدون العنف وبدون إراقة الدماء وإنما بالتحاور والنقاش والوصول إلى النتيجة المرتجاة وهذه الحالة تحدث لأول مرة في تأريخ منطقة الشرق الأوسط×التيار الأول هو التيار العلماني الديمقراطي وتمثله الأحزاب الكردية والأحزاب والحركات اليسارية واللبرالية والقوى والشخصيات العلمانية المستقلة والاكاديمين والمثقفين والفنانين وممثلوا الأديان والطوائف غير الإسلامية ومؤسسات المجتمع المدني. أما التيار الأخر فيمثله بشكل أساسي الأحزاب والحركات والمرجعيات الدينية بشقيها الشيعي والسني بالإضافة إلى معتنيقي الفكر القومي العروبي الشوفيني، إضافة الى واجهات البعث المقبور الدينية والعشائرية لإعاقة المشروع الوطني الديمقراطي الحضاري.
هذا الصراع يبلوره هذان التياران سابقي الذكر من خلال كتابة الدستور بين قوى التقدم والحرية والديمقراطية من جهة وقوى الظلام والاستبداد والتخلف من جهة اخرى…بين قوى المستقبل وقوى الماضي، بين قوى تريد أن تعالج مشاكل المجتمع بأساليب عصرية وحضارية وإنسانية تتناسب مع روح العصر والانتقال إلى مجتمع الحداثة والتمدن وقوى تريد إرجاعنا إلى الخلف عشرات القرون بقيم وتقاليد عفا عليها الزمن ولا ترتقي بل تعارض منجزات القرن الواحد والعشرين، قرن الأنترنيت والوسائل العلمية الحديثة وقيم مساواة المرأة مع الرجل.
نحن نعلم إن التعصب القومي والديني والطائفي يولد كرد فعل له تعصبا مضادا. فالتعصب الطائفي في العراق هو تعصب سياسي وليس تعصبا شعبيا وكذلك حال التعصب القومي الذي خلقته أنظمة الحكم التي توالت على مقاليد الأمور في العراق والذي بلغ ذروته إبان نظام البعث المقبور والبعث حزبا طائفيا وعشائريا وقوميا فاشيا. وكان نشوء الأحزاب الطائفية في العراق هو أحد ردود الفعل للإستجابة السلبية لظاهرة سلبية وكان المثال الأسوء للشعب العراقي. وهذه الظاهرة غذتها جهات خارجية لها مصلحة في تفتيت النسيج الاجتماعي العراقي. فالأحزاب والحركات الدينية التي شكلها أزلام البعث المقبور بعد التحرير كواجهات طائفية وإرهابية كهيئة علماء الضاري والحركة الوهابية ورفيقهم بالإرهاب الزرقاوي وحزب محسن عبدالحميد الإسلامي يطمحون إلى تكوين دولة طالبان من دون بن لادن وملة عمر. والأحزاب الدينية الشيعية تعمل على إقامة نظام طائفي يعتمد على نظرية ولاية الفقيه أو بدونها مع الإبقاء على جوهر مفهوم ولاية الفقيه بدون الإعلان عنها وأن كان الناطقون باسم هذا التيار يحجمون عن الإفصاح علانية عما في ضمائرهم وما يضمرون في دواخلهم عملا بمبدأ (التقية) فالرغبة في إقامة حكم طائفي هي رغبة مؤجلة وليست ملغية.
إن جميع الأحزاب والحركات الدينية ((الشيعية والسنية)) تصرخ ليل نهار بأنها ضد الطائفية في حين أن وجودها مبنيا على أساسا مذهبيا وبالتالي فأنها سبب الطائفية. ولهذا فهي تقف ضد كتابة دستور علماني يضمن المواطنة العراقية التي هي فوق كل الطوائف والقوميات والأديان والمذاهب. فالمواطنة على نقيض من الطائفية، فأن وجدت الطائفية اختفت المواطنة والعكس هو الصحيح. ممثلوا هذا التيار يحاولون وضع العصا في عجلة مسيرة البناء والتطور ويريدون إرجاعنا إلى حكم القرون الوسطى ويسعون الى تسيس الدين وبالتالي التأخير في إحلال الديمقراطية. تسيس الدين يؤدي إلى السيطرة المطلقة لأهل العمائم على الدولة سواء كانت هذه العمائم سوداء أو بيضاء وإضفاء الشرعية على الطائفية.فإذا ما اصبح الدستور العراقي خاضعا لحكم الشريعة الإسلامية فأن ذلك سيؤدي إلى تدمير وتفكيك نسيج المجتمع العراقي وتحوله إلى كانتونات طائفية متناحرة كما في لبنان.
إن هناك سؤال يطرح نفسه:هل استطاعت دولة تحت سلطة الدين أن تبني الديمقراطية في العالم؟ لم يعطينا التأريخ المعاصر الملئ بنماذج على تحكم الدين بمقدرات الدول والمجتمعات على أي نموذج في العدالة الاجتماعية واحترام الحقوق المدنية والطموحات الإنسانية وبناء الديمقراطية.
فالطائفية مثل القبيلة تظهر عندما لا يتواجد الأمن ويتردى الإداء الاقتصادي وتغيب الهوية الوطنية. ولذا نرى هناك الكثير من السياسين الطائفين((سنة وشيعة)) يتخندقون تحت غطاء الطائفية ويروجون لها ويستغلون مشاعر الناس البسطاء لأجل دعم مواقفهم السياسية وفي نفس الوقت فأن هناك تحريضا من الخارج وهناك من يتبناه من الأحزاب الدينية الطائفية وبتحريض مباشر من بقايا البعث البائد.
وتحاول هذه الأحزاب والحركات والمرجعيات الدينية تصوير الصراع محصورا بين ثلاثة أقطاب أساسية هي الطائفة الشيعية والسنية والأكراد.وتحاول طمس أي دور لقوى المجتمع المدني والقوى العلمانية والقوى السياسية العلمانية واللبرالية وغير الطائفية.
ولهذا يجب كتابة الدستور من قبل خبراء متخصصين ومؤمنين بمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان ومساواة المرأة مع الرجل وليس بأيادي طائفية أو أيادي قوى الماضي التي لا يربطها لا من قريب ولا من بعيد بقيم الديمقراطية والقيم الإنسانية الحديثة التي شرعتها لوائح حقوق الإنسان العالمية.
قبل أسابيع كنت اتابع وعلى القناة الفضائية العراقية حوار بين شخصية كردية مثقفة وبين امرأة ذات توجه إسلامي اسمها حنان الفتلاوي وهي عضوا في الجمعية الوطنية ومن قائمة السيد علي السيستاني وكانت موشحة بالسواد حتى أصابع يدها. فسؤالي ماذا نأمل من هذه البرلمانية أن تقدمه للمرأة العراقية التي عانت من الظلم والقهر للخروج من هذا الواقع المزري؟ وماذا تأمل المرأة العراقية من أمثال هذه البرلمانية وزميلاتها البرلمانيات الموشحات بالسواد إيضا في الجمعية الوطنية اللواتي يمثلن مجرد ديكور ظلامي ويمثلن رمزا للماضي الذي عفا عليه الزمن.هذه البرلمانية تطالب بكتابة دستور يكون الإسلام المصدر الوحيد والرئيسي للتشريع تحت ذريعة إن الإسلام هو دين 95% من سكان العراق متناسية أن هناك اكثر من إسلام ومتناسية أن هناك جزء كبير من المسلمين لا يقبلون بأفكارها وآراءها السلفية. فأمثال هذه البرلمانية لا يمكن ان تدافع عن حقوق المرأة العراقية مطلقا، هذه البرلمانية تمثل الفكر السلفي المتعصب المعادي لحقوق المرأة اكثر من أي رجل رجعي متخلف ،فهذه كارثة العراق والعراقيات والعراقين. وبعد هذا النضال والتضحيات الجسام الذي خاضته المرأة العراقية لعقود من السنين ضد الأنظمة الرجعية التي تعاقبت على حكم العراق ((ما عدى فترة الشهيد الزعيم عبدالكريم قاسم)) تتصدر اليوم من أمثال هذه البرلمانية المتخلفة المسرح السياسي العراقي والمناضلات الحقيقيات بقينا في الظل ، إنها جريمة العصر. أن المكان الطبيعي للسيدة الفتلاوي ومثيلاتها ليس في الجمعية الوطنية وإنما في متحف التأريخ.
كتب الأكاديمي والكاتب والمفكر العراقي الدكتور سيار الجميل((ومن لا يؤمن بحماية وحقوق المرأة العراقية والطفل العراقي والمساواة بين الرجل والمرأة من الناحية المدنية من الحقوق والواجبات فلقد أخل بالقيم الدستورية الحديثة ))
وكتب إيضا
لا يمكن للذين لا يؤمنون بالأفكار الحرة والمبادئ الدستورية الحديثة والمساواة والتحديث السياسي أن يكتبوا الدستور
فالطائفية لا يمكن إزالتها إلا بأزالة سبب وجودها،وهذا يتم من خلال دستور علماني يتم فيه فصل الدين عن الدولة أي تحرير الدين من الدولة وتحرير الدولة من سيطرة رجال الدين كما كتب الكاتب والطبيب الدكتور عبدالخالق حسين . وهنا تكون المواطنة هي المعيار الحقيقي للمواطن العراقي بغض النظر عن قوميته أو دينه.
عزيزي القارئ الكريم يجب أن تعلم إن التركيبة الاجتماعية والسياسية والثقافية والطبقية الحالية سوف تتغير في المستقبل مع التغيرات الاقتصادية والتقنية ولذا فالدستور ليس للغد القريب وإنما للغد القريب والبعيد. وعندها سيتبلور الوعي السياسي لدى الناخب العراقي مستقبلا فأنه سينتخب القائمة الانتخابية على أساس برنامجها السياسي الذي يحقق طموحه ولا ينظر على أساس الموقف الديني أو العرقي أو الطائفي أو المناطقي وبمرور الزمن فأن هذه الأحزاب الدينية والعرقية ستفقد بريقها السياسي ووجودها شيئا فشيئا وبالتالي تختفي من المسرح السياسي وبهذا تختفي الطائفية.
وبهذا الصدد كتب أيضا الدكتور سيار الجميل((أن الدستور الذي لا يؤمن بمحو كل أشكال التميز على أساس المعتقد والطائفية والعرق واللون والجنس والانتماء القومي فلا حياة دستورية بالعراق.
ولذلك ليس من الصدفة أن تتخندق الأحزاب الدينية تحت لواء الدين والعمل على تضمين الدستور أن يكون في الدستور فقرة، وهي عدم تشريع أي قانون يتعارض مع ثوابت الإسلام ومن هذا يريدون وبدون شك تأسيس دولة دينية بقيادة هذه الأحزاب الطائفية وإيقاف المسيرة الديمقراطية التي ناضل شعبنا من أجلها وقدم ملايين الضحايا قربانا لها . وهم يعتقدون أنهم قادرون على إيقاف قاطرة التقدم والسبح بعكس التيار العالمي وهذا محال لأن قاطرة التأريخ ستسحقهم كما سحقت أسلافهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف يتصرف الألمان عندما يمرضون؟ | يوروماكس


.. لمى الدوري: -العراق يذخر بالمواقع الأثرية، وما تم اكتشافه حت




.. الهدنة في غزة على نار حامية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. مسلسل المانغا - بون- : وحدة تسافر عبر الزمن وتحي الموتى




.. -طبيب العطور- بدبي.. رجل يُعيد رائحة الأحبة الغائبين في قارو