الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الهويات المتخندقة مسؤولية من ؟

مناف الحمد

2014 / 3 / 23
مواضيع وابحاث سياسية




ماذا يعني أن تتطوع فتاة شابة وعلى قدر وافر من الجمال في صفوف قوات النظام السوري، وتندفع بكل عزيمة وإصرار إلى ميدان الاشتباك، ثم تلقى حتفها وتشيّع من قبل أيناء منطقتها تشييعا مهيباً على اعتبار أنها كما يعتقد مشيّعوها بكل اقتناع شهيدة بطلة ؟
ينطوي الانتماء إلى جماعة مرجعية على افتراضات غير منطوق بها تشكّلها الظروف التاريخية والجغرافية، وهي تضم نظماً مختلفة للمعاني والدلالات،وطرقاً خاصة للنظر إلى العالم، وعلى درجة من الولاء تميّز قوة الانتماء ويتحدّد نوعه بدلالتها. فدرجة الولاء العالية تميّز انتماء يدعى الانتماء النضالي،ودرجة الولاء الأقل من تلك تميّز انتماء يعوزه النضال ولكنّه ينطوي على مقدار من المشاركة،ودرجة الولاء الضعيفة تميّز الانتماء الاضطراري الذي لا يدفع صاحبه إلى مشاركة الجماعة في معتقداتها وممارساتها فضلاً عن المشاركة النضالية . والافتراضات غير المنطوق بها تمثل وعاءً حاوياً على جزء من مدّخرات الجماعة الرمزية التي تتمظهر وتفرض على أصحاب درجتي الولاء الأوليتين في حالات تعرّض الجماعة للتهديد أو الاستغلال تآزراً غير معهود في حالات أخرى، كما تساهم في خلق هويّة جماعيّة لم تكن لتأخذ شكلها المتبلور في غير ظروف الإحساس بالخطر.
لا يكفي وجود سرديّة مختلفة عند أبناء الطائفة العلوية عموماً للنظام السوري لتفسير مشاركة معظمهم في جرائمه، إن لم يكن بالفعل فبالصمت المريب، وعدم تحرّك ضمائرهم لما يشاهدونه من ولوغه في دماء الأبرياء . فهم بلا شك يمتلكون سرديّة مختلفة فحواها أن هذا النظام قد انتشلهم من واقع الفقر والبؤس والتهميش السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي عانوا منه طويلاً ،وهي مغايرة للسردية التي تملكها الأكثرية والتي تعتبره نظاماً مستبدّاً صادر الدولة والمجتمع وجعل البلاد نهباً مستباحاً لأركانه وزبانيته،ومارس أقصى درجات القهر ضدها ولكنّ هذا في اعتقادنا لا يفسّر إقدام فتاة كميرفت التي نعاها النظام السوري واصفاً إيّاها بالشهيدة البطلة على التضحية بشبابها الذي لم تنعّم به بعد، وتذهب إلى القتال في صفوف النظام وتطالب هي بأن تكون في الميدان لولا عقيدة متمكّنة من عقلها ووجدانها . قد يمثّل هذا النموذج درجة الولاء التي تميز نوع الانتماء النضالي الذي يصبح فيه الدين المدني _ على حد تعبير روسو - والذي أحد ميزاته تحول الرئيس إلى ربّ يطاع هو المهيمن على فكر وسلوك من يحمله.
الإحساس العالي بالخطر الذي يتهدد الأقلية هو الذي ينفخ الروح في الافتراضات غير المنطوق بها ويحوّلها من جزء من مدّخرات الفرد الأقلويّ الرمزية إلى مصدر من مصادرخلق هويّة جماعيّة تملي على المصطبغين بها ضرورة الاستقتال في الدفاع عنها.
إن وصول الطائفة إلى هذه الدرجة من الإحساس بالخطر مع كل ما يتبعه من نتائج مسؤولية مشتركة يتحمّل وزرها أكثر من طرف.
بالطبع أول من يتحمل وزرها النظام الطائفي لما كرّسه لدى الطائفة من اعتقاد بإمكانية ابتلاع الأكثرية لها في حال سقوطه على اعتباره حاميها ،ولكنّ تحمّل النظام للمسؤلية الأكبر لا يعفي الأطراف الأخرى . فعدا عن حملة الفكر الظلامي من غلاة تيارات الإسلام السياسي الذين لا ينتظر أن يفعلوا غير ما فعلوه ويفعلونه من نفث السمّ في الجسد السوري،وتكريس الانقسام الطائفي فإن الملام الذي يجب عليه الاعتراف بضلوعه فيما وصلت إليه حال النزاع في سوريا هو التيار العلماني الديمقراطي الذي لم يفلح عبر سنوات نضاله في اجتراح حقل تداولي مشترك عبر العمل الثقافي وليس السياسي الذي يعذر في ضعف دوره فيه بسبب بنية النظام التسلطية، أي أنه لم يستطع تكريس مصطلحات ومفاهيم المواطنة والحرية والحقوق إلى آخر قاموس هذا الحقل الذي ظلوا يقاربونه في معظم الحالات إما لاستخدامه في هجاء النظام،أو من أجل ممارسة نخبوية على مجتمعهم .
هذا الحقل التداولي المشترك الذي كان كفيلاً بتحوير الافتراضات التي تنغلق كل جماعة أقلوية عليها ،وخلق مجموعة من افتراضات بديلة تحمل سمة عبورها للاختلافات العقدية، وغيرها من الاختلافات التي يعتبر وجودها ظاهرة طبيعية، والتي يعتبر استيلاد مشتركات من رحمها واجباً وطنياً.
لقد وصل الصراع إلى أقصى أشكاله بشاعة في ظل تخندق الهويات واستماتتها في الدفاع عن وجودها بكل اقتناع وإيمان،ولا مناص من اختراع أدوات جديدة للتعامل مع هذا الواقع وإلا فإن البلاد مندفعة نحو مجهول لا يستطيع أحد التنبؤ بملامحه.
ميرفت ومثيلاتها ممن لم يمتلكن وعياً وطنياً وانغلقن على وعيهن الطائفي لا يصلحن إلا أن يكنّ موضع شفقة ،لأنهن ضحية تجهيل مارسه نظام الاستبداد، وانشغال باستيراد المفاهيم ذات العمق الايديولوجي المفارق بدون بذل الجهد الجاد لاستنباتها وتبيئتها، وجعلها جزءاً من حقل تداولي مشترك يحقق درجة من الانسجام الوطني العابر للتباينات الايديولوجية والعقدية من قبل النخب المثقفة العلمانية الديمقراطية. والطرفان بما اقترفه الأول من جريمة، وبما ارتكبه الثاني من خطأ التعاطي غير المسؤول مع قضية وطنه أفسحا المجال لأفعى التطرف الديني لكي تفحّ فحيحها الذي فاقم خوف الأقلية، وزاد انغلاقها، ودفعها إلى تطرف مشابه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. توسع الاحتجاجات الجامعية في أنحاء العالم


.. إجراءات اتخذتها جامعات غربية بعد حرب إسرائيل على غزة




.. استشهاد فلسطينيين أحدهما طفل في قصف إسرائيلي استهدف منزلا شر


.. على خطى حماس وحزب الله.. الحوثيون يطورون شبكة أنفاق وقواعد ع




.. قوة روسية تنتشر في قاعدة عسكرية في النيجر