الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في نقد العقل العربي التنظيري

علي حسين يوسف
(Ali Huseein Yousif)

2014 / 3 / 23
الادب والفن


ان الاسراف في التنظير عند النقاد يمثل انعكاسا لواقع النقد الغربي ذاته ، فمن الواضح ان هذا النقد لاسيما النقد ما بعد البنيوية (التفكيك ، التلقي ، التأويل) اقرب الى الفلسفة منه الى النقد الادبي ، بمعنى اخر ان النقد الغربي المعاصر يمثل سلسلة متداخلة من المقاربات الفلسفية حول قضايا تتعلق بالوجود اولا ثم بالأدب والنقد الثقافي ثانيا ، ومن المعروف ان التنظير الفلسفي شيء والتطبيق شيء اخر , بل يمكن ان يكون التقائهما من الامور التعسفية , فمن الصعوبة ان يطالب الفكر المجرد الذي يدورحول مفاهيم مجردة عن الجوهر او المادة او الروح او الفضيلة او المعرفة بشواهد ملموسة ، ومن الواضح أيضا ان النظرية قد تأبى التمثيل , وقد لايكون لها مصاديق في الوجود ، لذلك تتسم النظريات على وجه العموم بالضبابية وتعددية التفاسير , وما التطبيق الا محاولة لإنزال النظرية ـ ولو بصورة قسرية ـ الى ارض الواقع . وهذا الامر قد انعكس بوضوح وجلاء في وفرة المفاهيم المجردة التي يعالجها النقد المعاصر مثل فكرة الشفاهية والكتابية التي ترى ان الثقافة (بما فيها الادب) كانت ثقافة شفاهية ، اما الان وبحسب النظرية الحداثوية فينبغي ان تكون كتابية فضلا على مفاهيم مثل الاختلاف والانتشاروغيرها .
ومن الكتب التي يمكن ان تعد مثالا خصبا على طغيان التنظير كتاب الدكتور يوسف نور عوض الاستاذ بجامعة سالفورد الانكليزية ، المعنون : (نظرية النقد الادبي الحديث) الذي ضم ثلاثة ابواب ـ على الرغم من صغر حجم الكتاب ـ : الاول في الاتجاهات الانسانية في النقد الادبي الحديث (الشكلانية ، الاسلوبية ، البنيوية ، البويطيقيا ، الاتجاهات الواقعية الاشتراكية ، الحركة النسوية ، ما بعد البنيوية ، النصانية والتفكيكية ، نظرية القراءة ، المسار السيميائي ، نظرية الاستقبال).
اما الباب الثاني فكان في علم النص (تطور علم النص ، علم النص في منظور هاليدي ، مفهوم النصانية ، ونظرية انواع النصوص) .
اما الباب الثالث فقد خصص لدراسة الاسهام العربي في مجال التنظير النقدي.
ويمكن للقارئ ان يلاحظ على الكتاب ان المؤلف اعتمد في مجمل افكاره على نصوص مترجمة من كتابات النقاد الاجانب ، والملاحظة الاخرى التي تظهر بوضوح في الكتاب ان المؤلف في الباب الثالث (الاسهام العربي في مجال التنظير النقدي) اقتصر على اراء النقاد العرب القدامى (ابن سلام ، الجاحظ ، ابن قتيبة ، قدامة ، ابن المعتز ، ابن طباطبا الامدي ، الفأرابي ، ابو حيان ، بشر بن المعتز ، عبد القاهر الجرجاني ، القرطاجني) , مختصرا ارائهم في صفحات قليلة ، محاولا ربط افكارهم بالافكار النقدية الحديثة ، دون ان يذكر مثالا تطبيقيا واحداً على ذلك ويمكن القول ان كتاب عوض يعد مثالا حيا على الاسراف في التنظير النقدي وتغييب الجانب الاجرائي .
ومن الكتب المبكرة في التعريف بالمناهج النقدية المعاصرة التي اتسمت بالتنظير كتاب الدكتور نهاد التكرلي (اتجاهات النقد الفرنسي المعاصر) , فعلى الرغم من صغر حجمه (صدر ضمن الموسوعة الصغيرة وبلغت صفحاته حوالي 140) إلا انه يعد محاولة مهمة في التعريف بالنقد الفرنسي المعاصر (النقد النفسي عند مورون والنقد الماركسي عند غولدمان والظاهراتي عند باشلار والوجودي عند سارتر والبنيوي عند بارت والجذري عند فيبر) , والملاحظ على كتاب التكرلي انه اتسم بالاختصار وتعميم الأحكام ، وافتقاده إلى الدقة المطلوبة , ثم انه انشغل ((بالرجال أكثر من مقولاتهم)) , وفضلا على ما تقدم فإن الكتاب يمثل خليطا غير متجانس ، فالقارئ ربما يتساءل عن وضع النقد الجديد والنقد النفسي والبنيوي في سلة واحدة .
ويتمثل الطابع الشمولي في الكتاب من عنوانه الذي لا يتناسب مع حجمه ، ثم ان المؤلف في حقيقة الأمر لم يذكر من النقد الفرنسي المعاصر سوى البنيوية الشكلية ممثلة ببارت ، إذا اخذ بالحسبان ان تعبير النقد المعاصر يبدأ بالبنيوية .
وعند عرض المؤلف لآراء باشلار ظهر القصور وعدم الإلمام بمؤلفاته واضحا عند التكرلي الذي قسم حياة باشلار على مرحلتين : شملت الأولى كتبه الخمسة (الماء والأحلام ، والتحليل النفسي للنار ، والهواء والاوهام ، والأرض وهواجس الإرادة ، والأرض وهواجس الهدوء) أما المرحلة الثانية فتشتمل على المؤلفات التالية (شاعرية الفضاء 1957 ، وشاعرية أحلام اليقظة 1961) , ولم يتطرق التكرلي إلى مؤلفات باشلار المهمة مثل ، جماليات المكان , وجدلية الزمن على الرغم من إلمامه باللغة الفرنسية .
ونجد الصنيع ذاته في كتاب الدكتور شكري عزيز ماضي (في نظرية الادب) الذي يبدو للقارئ وكأنه جاء صورة محرفة لكتاب (نظرية الادب) لرينيه ويليك واوستن وارين , لذلك افتقد الكتاب الجانب التطبيقي واقتصر على التنظير كما هو الحال في كتاب ويليك .
والكتاب مكون من ثمانية فصول كانت بالأساس محاضرات القاها في جامعة قسنطينة بالجزائر ، لكن الملاحظ ان الكتاب يخلو تماما من الاشارات التوثيقية على الرغم من انه خص كل فصل في النهاية بقائمة من المراجع والمصادر الامر الذي بجعل القارئ يتساءل عن اغفاله الاحالات التوثيقية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا