الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العرب بين وثائقيات استكشافية وأخرى غارقة في الماضي

هويدا طه

2005 / 7 / 7
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


جاء اختراع التليفزيون نتاجا لثقافة الحضارة الغربية.. التي قامت أساسا على الاستكشاف والبحث.. والتطلع لآفاق مستقبل تندفع البشرية لفتحها، والشوق لمعرفة ألغاز ماض حضاري للبشر.. ما زالت مستغلقة على الإنسان.. يريد معرفة كيف كانت وكيف سارت وكيف أصبحت.. وإلى أي مصيرٍ تؤول.. هكذا انعكست هذه الروح لتلك الحضارة على الفن والعلم والإبداع، والقيم الاجتماعية وطرق صياغة القانون وتأسيس الدول وتمييز حقوق الفرد وحقوق المجتمع.. إلى آخره، والتليفزيون كأحد نتائج تلك الثقافة تطور منذ نشأته في مجتمعاتهم على هذا الأساس.. وما يبثه من برامج إخبارية وثقافية وفنية وترفيهية وعلمية وصحية ورياضية وغير ذلك.. يتأسس على تلك الروح الاستكشافية لحضارتهم، بالطبع هناك مثالب وآثار سيئة لتلك الحضارة.. على الشعوب الأخرى.. خارج نطاق شعوب الحضارة الغربية.. سّبّبها نمو وتنامي تلك الحضارة.. على حساب باقي شعوب الأرض، بالطبع كان الاستعمار أحدها، وكان نهب ثروات باقي أنحاء الكوكب لصالح هؤلاء المتمركزين هناك.. ضمنها، وبالطبع كانت ظاهرة الشركات عابرة القارات.. المتوحشة.. أحدثها، وكانت ومازالت الأسلحة الفتاكة أخطرها، لكن مجال هذا الفرز لمزايا وسلبيات الحضارة الغربية ليس الآن، الحديث هنا عن تلك (الروح الاستكشافية) للحضارة الغربية.. المنعكسة على نوعية البرامج الوثائقية.. التي ابتكرها التليفزيون الغربي، ثم قلدته فيها بقية تليفزيونات العالم الأخرى.. ومن بينها التليفزيون العربي، فكيف تستكشف برامجهم ماضي الإنسان.. وكيف تستكشفه برامجنا.. العربية؟
معظم الوثائقيات الغربية التي تستكشف الماضي الإنساني.. تعالج القضايا التي تتناولها.. علميا، فتلجأ إلى المتخصصين في مختلف فروع العلم.. طبيا وتاريخيا وأثريا وجيولوجيا وغير ذلك.. لاستكشاف أو طرح نظريات حول.. كيف عاش الإنسان القديم وفيم كان يفكر ومن أي شيء كان يخاف.. وبأي الوسائل ماديا ومعنويا وفكريا.. كان يتصدى لقسوة الطبيعة والندرة وقلة الحيلة الأداتية لديه.. وكيف مع الزمن تراكمت أدواته، المادية والمعرفية، مثال على تلك النوعية من البرامج برنامج (العجائب السبع في العالم القديم) وفي أحد حلقاته التي استهلت بالقول( بات بمقدورنا الآن كشف الماضي)، تطرق إلى هرم الجيزة وحدائق بابل المعلقة.. رغم أنها إنجازات لشعوب قديمة لا ينتمون إليها، لكنهم بروحهم الاستكشافية.. مدفوعين باستكشاف ماضي العالم بأسره، ليس للعيش فيه.. وإنما لمزيد من الاندفاع إلى المستقبل، في هذا البرنامج كان تعليق مصمم الهرم الزجاجي في متحف اللوفر:" آمل أن يكون الهرم الزجاجي من أجل الأحياء"!
كل التليفزيونات العربية تشتري هذه البرامج الوثائقية من منتجيها وتترجمها، وهذا شيء جيد، لكنها عندما تحاول أن تنتج برامج وثائقية.. تظل سجينة الثقافة العربية.. التي لا تمتلك روح الاستكشاف والتطلع إلى الأمام.. نحن دائما مشدودون إلى الخلف.. نحن دائما نحلم بالأسلاف.. يعيشون في يومنا الحاضر.. ندفن أنفسنا معهم ونحلم بأدواتهم المعرفية والمادية.. التي باتت سذاجتها يقينا.. نستلهم ما تخيلوه من (أساطير) في الماضي السحيق.. وندعي أنها (نظريات) للمستقبل.. للأبد، نصر على أن أفضل أنواع الرياضة هي (السباحة وركوب الخيل)! ونستريح ونركن إلى أن (مصر كنانة الله) وجنودها (خير أجناد الأرض) حتى لو كانوا يعانون من سوء التغذية وقلة الحيلة التكنولوجية! يكمن في أعماق وعينا أن (السلف) هو دائما (الصالح) وأننا ( خير أمة أخرجت للناس)، وأن (السواك) أفضل من فرشاة الأسنان، وأن (الطب النبوي) يهزم كل دواء أنفقت في ابتكاره أموال بالملايين وسنوات بالعشرات، نتشفى في إخفاقات بعض التجارب العلمية، ونستدل بالناجح منها على (صحة نظرياتنا/أساطيرنا)! عرضت أحد القنوات الفضائية العربية برنامجا من إنتاجها.. عن فوائد (التمر والعسل)! ورغم أن عناصرهما موجودة في مواد غذائية أخرى.. وربما بفاعلية أكثر.. إلا أنك قد لا تجد تفسيرا لهذه المكانة الأسطورية للتمر والعسل في ثقافتنا.. إلا ربما.. عشقنا للأسلاف! حتى انعكست تلك المنزلة الأسطورية للتمر والعسل على برنامج تليفزيوني.. فرح فرحا مبرما بنتائج البحوث التي حللت عناصرهما! فاختتم البرنامج الوثائقي العربي قوله عن العسل بعبارة:" وفيه شفاء للناس.... نظرية نقلناها للعالم... منذ زمن بعيد!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في الضفة الغربية المحتلة: سياسة إسرائيلية ممنهجة لجعل حياة ا


.. إسرائيل تصادر أكبر مساحة من الأراضي الفلسطينية منذ اتفاقيات




.. مشاركة كبيرة متوقعة في الانتخابات التشريعية البريطانية


.. غزة.. أطفال شردهم القصف الإسرائيلي ونازحون ينزحون من جديد




.. ماذا قدم حزب المحافظين للبريطانيين وما مصيره؟