الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يوم مات حافظ الأسد(2) الإنذار الأول بالزلزال الطائفي

علاء الدين الخطيب

2014 / 3 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


نتابع هنا الجزء الاول من المقال. http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=406954

التصارع في قمة الهرم السلطوي السابق الذكر انتقل للشارع على شكل مقاطعات تابعة لأقطاب المستوى الثاني من السلطة عبر مستويات أدنى فأدني. مقاطعات تبدأ جغرافية من مسقط رأس المسؤول وتمتد للمؤسسة التي يحكمها. فسكان القرية أو الحي الذي ينتمي له هذا المسؤول محميون من قبله طبعا ما دون الخط الأحمر المقدس سلطويا. وهذه الحماية تتفرع وتتمدد بحكم العلاقات العائلية والتجاورية وتصبح أيضا مصدر رزق للبعض. فمن المحتم على كل سوري أن يسعى لواسطة تضمن له خدمة عسكرية مريحة أو وظيفة مستقرة أو رخصة لدكان خضار أو ترخيصا لبناء... إلخ. بنفس الوقت لم يمنح هؤلاء المسؤولين بدءا من المستوى العاشر صعودا الى قمة هرم السلطة حماية مطلقة للناس المريدين أو غنى مادي مميز، فقد لا يعرف كثير من السوريين أن غالبية من سكان القرداحة التي يعتقدونها محظية ومدللة النظام هم من فقراء القوم المنهكون بحياة يومية قاسية مثل باقي السوريين. بقيَ أن نشير إلى أن بعض المناطق مثل ريف إدلب وحلب والجزيرة وبسبب تركيبتها القبلية فإن النظام لم يحرص على تمييز هذه المناطق من حيث توزيع بعض المزايا السلطوية بل اعتمد على دعم الزعماء القبليين والعشائريين أكثر.
هذه البنية العنكبوتية للسلطة السورية وبوجود تراث شعبي قديم مليء بقصص الأديان والطوائف والقبائل والتفسيرات الغيبية للحياة، وأيضا ميل البشر عموما إلى منهجية التعميم، ودور المخابرات في خلق الإشاعات والحكايا والقصص، كل هذه العوامل تضافرت لنسج قصة خيالية عن بنية السلطة والدولة السورية. نقول خيالية بإصرار لإنها قامت على أسس غير علمية وغير واقعية، بل حتى أن هذه التفسيرات الخيالية طالت جزءا كبير من النخبة الثقافية السورية. فمن العادي أن تسمع سوريا، حتى لو كان دكتورا بالعلوم الاجتماعية، يقول ان 90% من ضباط الجيش والامن علويين، وأن 50% من الجيش السوري علويين، و80% من المسؤولين السوريين علويين، وأن 50% من وظائف الحكومة للعلويين. ببساطة لو قمت بعملية حسابية بسيطة آخذا بالاعتبار الحقيقة الواضحة أن العلويين لا يتجاوزن ال12% من سكان سوريا لوجدت أن هذه المقولات تحلق بفضاء الأساطير. هذه الإشاعات رضيَها النظام وشجعها وحرص عليها، والدليل الواضح على ذلك أنه منع تحت العقوبات الاقسى الكلام حول الفكر والمنهج الطائفي حتى من باب معالجة مشكلة أساسية في المجتمع السوري.
العامل الأهم الذي رسخ هذه المرويات الشعبية حول الطوائف هو أن حافظ الأسد قرر منح العلويين امتيازاتهم السلطوية ضمن قطاع الأمن والجيش أكثر من قطاع الإدارة الحكومية أو قطاع الرأسماليين السوريين. هذا القرار ليس كما يعتقد الكثيرون بسبب ثقة حافظ بطائفته وحبه لها، بالعكس تماما. هذا القرار مبنيّ على أسس ثلاثة:
1- البنية التاريخية الطبيعية لسوريا أدت بعد الاستقلال لإقبال الأقليات الطائفية والقومية على الخدمة العسكرية. فبنية المجتمع السوري تاريخيا منحت السنة والعرب بسبب كونهم الأكثرية غالبية طبقة التجار والأغنياء والإداريين الحكوميين. وهذه ظاهرة طبيعية بكل المجتمعات البشرية، فمثلا تبلغ نسبة السود والملونين في الجيش الامريكي ضعف نسبتهم بين الشعب الأمريكي.
2- أكبر معارضين لحافظ الأسد منذ بداية الستينات ومن شكلوا خطرا حقيقيا على سلطته وحياته كانوا من الطائفة العلوية كأفراد مثل صلاح جديد ورفعت الأسد أو كأحزاب مثل الحزب الشيوعي والقومي السوري. الخطر الوحيد المباشر الذي واجه حافظ الأسد من السُّنة كان تمرد الإخوان المسلمين المسلح بالثمانينات والذي كان مع ذلك يعتمد فئة محدودة جدا من السُّنة لم يدعمها لا تجار دمشق ولا حلب ولا حتى حماة، ولا ننسى أنه بعد العقاب الدموي لحماة وحلب ببداية الثمانينات بسبب الإخوان، كان العقاب الثاني للعلويين سكان الساحل الذي تسلط عليهم "شبيحة عائلة الأسد" إلى النصف الأول من التسعينات. لقد استنتج حافظ الأسد أن أفضل طريقة للسيطرة على العلويين والدروز والاسماعيليين هي بفرض العسكرة عليهم من خلال منح أفراد قلة منهم ميزات السلطة العسكرية والأمنية. بالمحصلة النهائية وجود ضابط أمن أو جيش ذو قيمة ضمن أي تجمع علوي سيؤدي بسبب ما نسميه شعبيا "حكي القهاوي" لوصول خبر أي تحركات سياسية ضد النظام لآذان مخابراته. إن أفضل طريقة لحكم أي مجموعة بشرية هي عسكرتها.
أضف لذلك وبما أن العسكري أو الأمني هو الأكثر جلبة وضوضاء في حركته وبما أن كل ذكر سوري مجبر عموما على الخدمة العسكرية، وبالتالي هو بحاجة للواسطة. فإن ما ظهر على السطح من قصص ومرويات شعبية متناقلة تمحور حول السلطة العسكرية والأمنية وبالتالي ساهم ذلك بزيادة قوة اسطورة أن العلويين يحكمون البلد. فغالبية السوريين يعرفون من هو رئيس إدارة الضباط ومن هو قائد الفرقة الأولى أو العاشرة، ومن هو رئيس الفرع الأمني. لكن من منهم يعرف من هم المتحكمون بتجارة السكر والرز والزيت والمحارم الورقية ومن هم المسؤولون عن الشبكة الكهربائية أو المائية...الخ. في مجتمع دولة بحالة حرب يشكل العسكر والأمن الحالة الأكثر ضجيجا وشهرة بنظامهم البسيط الواضح "ضابط قائد، فضابط أدنى، فضابط أدنى، فصف ضابط، فمجند"، من بنية شديدة التعقيد مثل بنية النظام الإقتصادي والإداري للدولة.
3- منح حافظ الأسد امتيازات كبيرة لرؤوساء الطوائف الدينية والقبائل بسورية، فرقم تلفونه الخاص الذي لا يعرفه بعض الوزراء وكبار الضباط كان ميزة لأولئك الزعماء. لو نظرنا لمثال بسيط: خناقة في حارة بين عائلتين أو بين سكان قرية وجوارها، نجد الناس تتناول القصة إن كان الخلاف بين طرفين متشابهين دينيا وقبليا على أنها "تهور وقلة عقل وعيب كبير"، لكن إن كان الطرفان من طائفتين مختلفتين فإن الإضافة المثيرة لرواية القصة هي أن "العائلة المسيحية أو الدرزية أو...". وهنا لو تطورت "الخناقة أو النزاع" لما هو اكبر يلجأ الزعيم الديني او القبلي للرئيس مباشرة. باختصار لقد أجبر نظام السلطة السورية السوريين على أن يحتموا شاؤوا أم أبوا بطائفتهم من خلال المسؤولين فيها أو بشكل أوضح من خلال زعمائهم الدينيين والقبليين. من ناحية ثانية وبما يخص السنة، وبعد تجربة الإخوان المريرة قرر حافظ الأسد التوجه وديا وبقوة نحو رجال الدين السنة بسورية، لكن التقليديين منهم وهم الأميل عقائديا إلى المذهب الأشعري والتصوف وبالتالي كرههم للسياسة والسلطة واعتقادهم بمبدأ ضرورة إطاعة ولي الأمر. هذا التوجه كان واضحا من توسع هائل في بناء المدارس الإسلامية والمساجد لدرجة نالت من حقوق الطوائف الأخرى (كل السوريين يعرفون قصة "مسجد المجاكرة" في حلب الذي تم بناءه فقط ليغطي على كنيسة كبيرة في منطقة بحلب ذات غالبية مسيحية). هذا التوجه أيضا تلاقى مع التحسن المطرد بعلاقات حافظ بحكام الخليج العربي بعد حرب العراق الأولى. بالواقع ما يشاع أن حافظ الأسد حارب سنة سورية عقائديا هو مجرد فلاشات إعلامية تحريضية استخدمها الإسلام السياسي.
نعود الآن إلى العاشر من حزيران عام 2000 آخذين بعين الاعتبار ما ناقشناه بالمقال سابقا. مات القابض بيده الحديدية على الدولة والنظام السوري بكل تفاصيلهم، وهرم السلطة يحمل الكثير من بذور الخلاف والتقاتل، فتشارك الشعب السوري الخوف من حرب كبار رجال السلطة.
الظاهرة المهمة كانت أن العديد من العلويين تملكهم خوف هائل بسبب ما هم متأكدين منه: إن الشعب السوري بغالبيته منهك وكاره لنظام حافظ الأسد الذي أوصل غالبيتهم لحياة قاسية ظالمة مرهقة، وما يعرفونه أن المزاج الشعبي العام وللاسباب السابقة الذكر تبنى اسطورة أن سبب دمار وفساد الدولة السورية هو حاكمها العلوي وطائفته. وأن من قتل أهل حماة هم العلويين. لقد تملك الخوف عددا غير قليل من العلويين مما جعل العديد منهم المقيم بدمشق وحلب وحوران يرسلون عوائلهم إلى قراهم في جبال الساحل خوفا من أي انتقام.
بنفس الوقت تناقل عدد من السنة مقولات "هذا هو آواننا لاسترداد حقنا بحكم سوريا" ولكن قلة قليلة منهم فكرت بالامر جديا أو بالانتقام من العلويين حسب الاسطورة المنتشرة. بل يمكننا الزعم أنه لم تحدث أي حادثة بسيطة ضمن الشهور الأولى من وفاة حافظ الأسد مست أي علوي بسوريا.
إن هذا الحدث يوم وفاة حافظ الأسد بخوف الناس من الانهيار وخوف العلويين من الانتقام كان تحذيرا قويا وجديا من الكارثة التي تم تأسيسها خلال 40 سنة في سوريا. لكن للأسف لا السلطة الجديدة بعد حافظ ولا حتى النخبة السياسية والثقافية بما فيها المعارضة دقت ناقوس الخطر ودعت لمعالجة هذا المرض الخطير. بالعكس تماما، السلطة السورية استمرت مع بشار الأسد بنفس المنهج لأنها قررت حكم سوريا بنفس طريقة حافظ، أما النخبة السياسية المعارضة فقد كانت ما زالت غارقة في كتب ونظريات وتنافسات فكرية بعيدة عن الواقع.
إذا في 10 حزيران عام 2000 مات مؤسس اسطورة "أن العلويين يحكمون سوريا" وخلفه ابنه بشار الذي استمر بنفس فضاء هذه الاسطورة وأُسس الحكم الشمولي. لكن مع تغيير واحد (يحتاج لدراسة مستقلة) هو خلخلة الحدود القاسية التي فرضها حافظ الأسد لتفصل بين السلطات الثلاث في النظام السوري: السلطة الأمنية العسكرية، السلطة الحكومية المدنية، والسلطة المالية التجارية، لقد خلط بشار الأسد الحابل بالنابل بين هذه السلطات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الإمارات وروسيا.. تجارة في غفلة من الغرب؟ | المسائية


.. جندي إسرائيلي سابق: نتعمد قتل الأطفال وجيشنا يستهتر بحياة ال




.. قراءة عسكرية.. كتائب القسام توثق إطلاق صواريخ من جنوب لبنان


.. عضو الكونغرس الأمريكي جمال باومان يدين اعتداءات الشرطة على ا




.. أزمة دبلوماسية متصاعدة بين برلين وموسكو بسبب مجموعة هاكرز رو