الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثقافة القتل بدم بارد

اسماعيل شاكر الرفاعي

2014 / 3 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


ثقافة القتل بدم بارد

اسماعيل شاكر الرفاعي

يمكن لعنوان هذا المقال ان يكون : " اطفئوا نار الفتنة " أو : " أوقفوا هذا التسعير المقصود للاحقاد والمشاعر الشوفينية " .. أو " كفانا صراخاً ، غلبوا الموضوعية على صراخ المصالح الذاتية " .. أو " كفوا عن مواصلة صبغ لون الافق العراقي باللون الاحمر " ..أو " اطفئوا مواقد الغضب .. ولا تصبوا مزيداً من الزيت على النار التي تسري .. قولوا كلمات تهدئ الوضع ولا تزيده اشتعالاً .. اسكبوا المياه على النيران ، وعالجوا الامر بروية وصبر وتفان من اجل وحدة العراق " ...
كان يمكن ادراج هذه العناوين تباعاً فالوضع لا يحتمل المزايدة ، فهو منذ عقود يلقم بوقود الطائفية والشوفينية للدرجة التي تجعل من حادثة بسيطة التي تسري في البلاد اشتعالاً ... القتل هو القتل ، وعقاب القاتل معروف فالمدونة القانونية العراقية في ايقاع العقاب بالجاني لا لبس فيها ولا
غموض ، وحادث قتل الدكتور الاعلامي محمد بديوي الشمري من قبل ضابط في احد افواج الحرس الرئاسي : جريمة انسانية وهي جريمة بحق الاعلام والثقافة عموماً ، لا يبرئه القضاء منها ...
لكن هذه الجريمة بالذات تعكس الى حد كبير ثقافة محددة : هي ثقافة القتل بدم بارد بعد ان اصبح القتل شئ اشبه بالهواية او باللمارسة اليومية .. لا يمكن لحارس نقطة عسكرية او سيطرة ان يطلق النار على مدني من غير ان تكون المدنية في ذهنة خرافة أو وهم ، وان العسكر وحدهم هم اصحاب الشأن ، وهم من يقررون نوع حركة المواطنين الذين عليهم ان يثبتوا حسن التصرف والسلوك في النقطة العسكرية او في السيطرة ...
كان مشهد الكثير من شوارع بغداد يوم الاحد التالي لوقوع الجريمة محتلاً من قبل العسكر : شارع حيفا ، الشارع الممتد منه الى مديرية التقاعد العامة ، جسر الشهداء ، ساحة الرصافي والشوارع الممتدة على الجانبين...
في هذا المشهد الممتد على مسافة طويلة عريضة : لا يتحدث احد سوى العسكر ، والناس في هذا المشهد يشبهون اطفال الروضة الذين يعلمهم العسكر حسن التصرف والسلوك ...
لم أسأل عن السبب في تعطيل عفوية الحياة في هذه المنطقة التي قطعناها مشياً على الاقدام ، فمشهد احتلال الشوارع ومناطق كاملة يتكرر مع حركة المسؤولين في شوارع بغداد ... في المعرض الذي اقامته وزارة الدفاع رأيت المشهد نفسه : احتلال طويل عريض لكل الشوارع الموصلة والمتفرعة من الساحة القريبة من معرض بغداد الدولي ، وكان علينا ان نترجل من السيارات وان نقطع هذه المسافات الطويلة مشياً على الاقدام كما لو كنا متهمين بالتآمر وفي الطريق لتنفيذ خطة قتل وزير الدفاع الذي كان في زيارة الى المعرض ...
الاستعراضات العسكرية الضخمة ترافق زيارة وزير الدفاع او الداخلية او رئيس مجلس الوزراء ، اما تنقلات الوزراء الآخرون ومن دونهم درجة وظيفية فتصطحبها حركة احتلال اخف كثيراً في وطأتها على الناس .. اذاً يتمنى الناس ــ وهذه واحدة من الحقائق الشعورية التي يغيبها المسؤولون الامنيون عن السيد رئيس مجلس الوزراء ــ ان لا يتنقل وزير الدفاع او رئيس مجلس الوزراء او وزير الداخلية وكالة لما تتسبب به زياراتهم من خصم حقيقي في وقتهم يطول لدرجة انهم لا يستطيعون توفير لقمة عيالهم ...
هذه هي المشاهد التي تجعل من الجندي او الشرطي سيداً على جميع العراقيين القاصرين ، أي الذين لم يبلغوا بعد سن الرشد ، ولهذا يتوجب عليهم اطاعته والخضوع لتعليماته : واي تساؤل او استفسار يجيب عليه السيّد جواباً عنيفاً قاسياً يصل الى درجة القتل بدم بارد ..
لست مبالغاً ولا مخطئاً في تسمية ما جرى ونسبته الى ثقافة سائدة : هي ثقافة القتل بدم بارد ، ففي عموم الثقافات ــ الرعوية والعشائرية والتجارية والدينية والقومية والرأسمالية والاشتراكية ــ ثمة بؤرة أو مركز أو مفهوم مركزي يكون الناظم لكل الفعاليات الاجتماعية والثقافية ، ومنه تتفرع الاخلاق التي تمنح تلك الممارسات الشرعية .. وفي اللحظة العراقية الراهنة عممت الممارسة السياسية : ثقافة التدافع والصراع ، التي جعلت من الجميع يحتمون بالدبابات وارتال العسكر من الجميع ، والكل في هذا الصراع الجنوني يضعون اصابعهم على الزناد ، وربما لا يصحون من هذه الغيبوبة الا حين يطلقون ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة ايريك سيوتي عضو اليمين الفائز بمقعد البرلمان عن نيس|#عا


.. قراءة عسكرية.. محور نتساريم بين دعم عمليات الاحتلال و تحوله




.. تفعيل المادة 25 قد يعزل بايدن.. وترمب لا يفضل استخدامها ضد خ


.. حملة بايدن تتعرض لضغوطات بعد استقالة مذيعة لاعتمادها أسئلة م




.. البيت الأبيض: المستوطنات الإسرائيلية تقوض عملية السلام والاس