الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاعتذارعن الأذى لا يبطل نتائجه ينبغي التعويض

هشام القروي
كاتب وشاعر وروائي وباحث في العلوم الاجتماعية

(Hichem Karoui)

2005 / 7 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


الذين يعرفون شيئا من التاريخ الحديث يذكرون بلا شك تلك الفترة الحالكة التي مرت بها الولايات المتحدة في أوج الحرب الباردة , والتي ارتبطت باسم السيناتور ماكارتي, حيث كان بالامكان - لمجرد وشاية ودونها أحيانا - أن يزج بالناس في السجون , بتهمة الشيوعية أو التواطؤ مع الاتحاد السوفياتي. وقد تعرض للاستجواب والتحقيق والاتهام أحيانا أشخاص لهم مركزهم الاجتماعي وسمعتهم. فقد كان يكفي أن تلصق بأي منهم صفة "شيوعي" حتى يفقد جميع امتيازاته. ويبدو اليوم أن هذه "الماكارتية" التي أدينت لكونها أساءت للولايات المتحدة قبل أي طرف آخر, عادت في ثوب جديد, لتتخذ من المسلمين ضحيتها.
قالت منظمة هيومن رايتس ووتش والاتحاد الأمريكي للحريات المدنية في تقرير صدر مؤخرا : إن وزارة العدل الأمريكية قامت ، عاملةً خلف ستارٍ من السرية، بزج عشرات من الرجال المسلمين المقيمين في الولايات المتحدة في عالمٍ "كافكويٍّ" من الاعتقال غير محدد المدة دون تهمة، إلى جانب اتهامات لا أساس لها بوجود روابط لهم بالإرهاب. وقد قامت وزارة العدل باعتقال سبعين رجلا، وكلهم مسلمون عدا واحد، بموجب قانون فيدرالي ضيق التطبيق يسمح باعتقال "الشاهد الجوهري" الذي تكون لديه معلومات هامة عن الجريمة، واحتجازه لفترةٍ وجيزة، إذا كان من المحتمل أن يفر بهدف تجنب الإدلاء بشهادته أمام هيئة المحلفين أو أمام المحكمة. ورغم أن المسؤولين الفيدراليين يشتبهون بتورط هؤلاء الرجال في الإرهاب، فإنهم يحتجزونهم كشهودٍ جوهريين وليس كمشتبهٍ بهم.
ويبدو أنه لم يتم عرض ما يقارب نصف هؤلاء الشهود على هيئة المحلفين أو المحكمة، للإدلاء بالشهادة. وقد اعتذرت حكومة الولايات المتحدة لثلاثة عشر منهم بسبب اعتقالهم بشكلٍ خاطئ. ولم يتم توجيه تهم تتعلق بالإرهاب إلا لحفنةٍ قليلة من هؤلاء المعتقلين.
قال جيمي فلنر، مدير برنامج الولايات المتحدة في هيومن رايتس ووتش: "إن هؤلاء الرجال ضحايا لوزارة العدل التي أرادت الاحتيال على القانون. إن من يشتبه بأنهم مجرمون يعاملون بطريقةٍ أفضل من الطريقة التي عومل بها أولئك الشهود الجوهريون".
ويقدم التقرير المؤلف من 101 صفحة، والمسمى "شاهدٌ على الانتهاكات: انتهاكات حقوق الإنسان في ظل قانون الشاهد الجوهري منذ 11 أيلول"، توثيقاً حول كيف حرمت وزارة العدل الشهود من الضمانات الأساسية للإجراءات السليمة.
ولم يجر إعلام كثير منهم عن سبب اعتقاله، ولم يسمح لهم بالوصول الفوري إلى محاميهم، ولا برؤية الأدلة المستخدمة ضدهم. لقد تجنبت وزارة العدل كلاًّ من تقديم الحماية الأساسية للمشتبه بهم، وتوفير المتطلبات القانونية الخاصة بالشهود المعتقلين. وجرت المحاكمة خلف أبوابٍ مغلقة، كما جرى إبقاء وثائقها طي الكتمان.
وقال التقرير: إن وزارة العدل رفضت الكشف عن عدد الشهود الجوهريين الذين اعتقلتهم ضمن تحقيقاتها المضادة للإرهاب؛ وقد تجاهلت إلى حدٍّ كبير التحقيقات التي تمت في الكونغرس.و بعد عامٍ من البحث المركز، توصلت منظمة هيومن رايتس ووتش والاتحاد الأمريكي للحريات المدنية إلى تحديد هوية سبعين من هؤلاء الشهود الجوهريين؛ وقد كان 65 منهم ينحدرون من الشرق الأوسط أو جنوب آسيا، وكان 17 منهم مواطنين أمريكيين، وكانوا مسلمين جميعاً عدا واحد منهم.
وقالت أنجانا مالهوترا، كاتبة التقرير: "لقد لعب التعجل وانعدام الكفاءة والتحامل دوراً في هذه الاعتقالات. حيث جرى اعتقال الرجال المسلمين لأسبابٍ لا تتعدى كثيراً ترددهم على نفس الجامع الذي تردد عليه أحد مرتكبي 11 أيلول، أو لمجرد حيازتهم سكيناً صغيرة".
ويورد التقرير تفاصيل عن كيفية اعتماد وزارة العدل الأمريكية على أدلة كاذبة أو واهية أو غير ذات صلة بالأمر لإصدار مذكرات توقيف بحق هؤلاء الرجال، ولإقناع المحاكم بوجود احتمال لفرارهم مما يوجب توقيفهم. وفي الواقع، فقد تعاون معظم هؤلاء الرجال مع السلطات الفيدرالية قبل اعتقالهم. وقد أثبت كثيرٌ منهم عدم حيازتهم معلومات ذات صلة بأية محاكمةٍ جنائية.
وقال لي غيليرنت، وهو محامٍ كبير يعمل مع مشروع حقوق المهاجرين التابع للاتحاد الأمريكي للحريات المدنية: "على الجبهة الداخلية، قد يكون الاستخدام غير القانوني لصفة الشاهد الجوهري من قبل وزارة العدل أكثر الانتهاكات الحكومية التي أعقبت 11 أيلول تطرفاً، وإن كان أقلها شهرةً. فالانتهاكات المتعلقة بالشهود الجوهريين مثالٌ ساطعٌ على ما يحدث عندما تغيب الرقابة الشعبية على الأفعال الحكومية".
وحسب التقرير يعتقل الشهود تحت تهديد السلاح، ويوضعون طوال الوقت في الحبس الانفرادي، ويخضعون للشروط القاسية والمهينة المتعلقة بإجراءات الأمن المشددة التي عادةً ما تستخدم مع السجناء المتهمين أو المدانين بأكثر أنواع الجرائم خطورةً. وقد قام العاملون في أماكن الاحتجاز بمضايقة المعتقلين، بل وبالإساءة إليهم جسدياً في بعض الحالات.
ووجد التقرير أن ثلث الشهود الجوهريين السبعين قد اعتقلوا فترات لا تقل عن شهرين. لا بل سجن بعضهم أكثر من ستة أشهر، وأمضى واحدٌ منهم أكثر من عامٍ كامل خلف القضبان.
والأسوأ من ذلك متعلق بنتائج الاعتقال البعيدة المدى . ففي الوقت الذي يمضيه المشتبه به السابق في محاولة الخلاص من الأذى الناتج عن ظروف الاعتقال القاسية، فإنه يعيش تحت شبح الريبة، ويواجه في محيطه الاجتماعي أسئلةً لا تنتهي عن علاقته بالإرهاب، وذلك حتى عندما تقوم الحكومة بالاعتذار منه، وقد أدى ذلك إلى فقدان الكثيرين فرص عملهم، كما اضطر البعض إلى الانتقال إلى محيط اجتماعي آخر ليبدأ حياته من جديد.
ومن ثم, فلا يكفي أن تعتذر الحكومة عن ظلمها , ولكن من الضروري أن توفر للسجين السابق أفضل الظروف للعمل والاندماج في المحيط الاجتماعي, تعويضا عما لحقه من أذى بلا سبب معقول.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فصل جديد من التوتر بين تركيا وإسرائيل.. والعنوان حرب غزة | #


.. تونس.. مساع لمنع وباء زراعي من إتلاف أشجار التين الشوكي | #م




.. رويترز: لمسات أخيرة على اتفاق أمني سعودي أمريكي| #الظهيرة


.. أوضاع كارثية في رفح.. وخوف من اجتياح إسرائيلي مرتقب




.. واشنطن والرياض.. اتفاقية أمنية قد تُستثنى منها إسرائيل |#غرف