الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشرف والدونية

جاسم ألصفار
كاتب ومحلل سياسي

(Jassim Al-saffar)

2014 / 3 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


اتذكر حين كنت طالبا في الجامعة بموسكو، شاهدت عرضا سينمائيا عن الحرب الاهلية في روسيا بعد استيلاء البلاشفة على السلطة، والتي كان محوريها الرئيسيين هما الجيش الاحمر البلشفي، الساعي لتشييد نظام جديد في روسيا، والجيش الابيض المدافع عن النظام القيصري الذي كان قائما في ذلك الوقت هناك. وقد كان ضباط الجيش الابيض في جلهم يتميزون بتقاليدهم العسكرية القيصرية الارستقراطية مع مستوى لا بأس به من الثقافة.
يروي الفلم احداث معركة بين كتيبتين من الجيشين الاحمر والابيض في منطقة ريفية نائية على نهر الفولغا، يقع فيها احد ضباط الجيش الابيض اسيرا بيد الكتيبة الحمراء، وينقل بعدها على عجل الى الخطوط الخلفية للجبهة لإجراء تحقيق معه قبل ارساله الى اقرب مدينة يسيطر عليها البلاشفة لمحاكمته والحكم عليه، وهو غالبا حكما قاسيا.
ويصادف ان يكون الضابط البلشفي المكلف بالتحقيق مع الاسير من اسرة محسوبة على الانتلجنسيا الروسية ومتميز بتهذيبه وادبه في التعامل مما يفتح المجال لنشوء علاقة ود وثقة متبادلة بين ضابط التحقيق البلشفي والضابط الاسير الذي كان يرد بهدوء ورصانة على اسئلة المحقق.
وبعد انتهاء التحقيق وتنظيم اوراق الارسال، قرر الضابط البلشفي التريث في تنفيذ قرار ارسال الضابط الابيض الى المحكمة، فيستدعي الاخير الى مكتبه للحديث معه على انفراد ودون بروتوكول تحقيق. وبعد مغادرة الجندي، المرافق للأسير، المكتب بطلب من ضابط التحقيق، يفاجئ المحقق اسيره بسؤال يبعث الامل في قلب الضابط القيصري، وهو عن ما سيفعله الاخير ان اطلق سراحه ، وهل سيعود لقتال البلاشفة من جديد؟ تأمل الاسير في وجه المحقق ليتأكد من مغزى السؤال قبل ان يجيبه بعد تردد لم يطل كثيرا، انه مستعد للقسم بشرفه العسكري على ان لا يعود مرة اخرى الى قتال البلاشفة وانه سيعتزل العمل في الجيش ليعود الى اسرته التي تحتاج اليه في تلك الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد. واثر سماعه لإجابة الضابط الابيض وقسمه، امر المحقق بإطلاق سراح الاسير على مسؤوليته الخاصة وبضمانة شخصية منه اقنعت زملائه في الكتيبة بعد نقاش ساخن.
تمر بعد هذه الحادثة اسابيع اخرى من القتال الضاري بين الطرفين، تنتصر في نهايته الكتيبة الحمراء البلشفية على الكتيبة البيضاء القيصرية، ويفر قائدها مع بعض من ضباطه من ارض المعركة الى نهر الفولغا القريب من الجبهة، ليقلون زورقا صغيرا كان متروكا على الشاطئ، منحدرين به مع المجرى.
الا ان قوة بلشفية تقوم بمطاردة الضباط الفارين وتستبقهم الى موقع ضيق من مجرى النهر يوصل بين ضفتيه جسر عائم للمشاة. فيكمن جنود القوة المطاردة للضباط الفارين عند موقع الجسر. وعند اقتراب الزورق من الجسر، رفع احد الضباط البيض ناضوره لمراقبة الموقف عند الجسر، فشاهد رجال الكتيبة الحمراء متربصين لهم في مواضع عديدة تطوق منطقة الجسر وتمنع زورقهم من النفوذ خلاله مع المجرى. ولمح الضابط الابيض، الذي كان هو نفسه الضابط الاسير السابق، من بين المتربصين وجه الضابط البلشفي الذي حقق معه في الاسر والذي اعطاه كلمة الشرف بعدم العودة للقتال ثانية.
تنحى الضابط الابيض (ألأسير السابق) الى حافة الزورق، والقى بناضوره الى الماء دون ان يخبر زملائه بالموقف، واخرج مسدسه ليطلق النار على رأسه منتحرا وعيونه شاخصة نحو نفس المكان الذي شاهد فيه ضابط التحقيق البلشفي، فيسقط اثرها في النهر جثة هامدة تنحدر مع المجرى نحو قاع نهر الفولغا.
بهذه الخاتمة اراد الضابط الابيض ان يمحو عار قسم لم ينفذه، ولم يرضى لنفسه هوان ودونية لا تشرفه اذا ما وقعت عينا من اقسم له، عليه مرة اخرى. وبدلالات هذه الخاتمة ذاتها بودي ان اذكر القارئ والناخب العراقي بمن نثر الوعود واقسم ان ينفذها، كلما احتاج الى اصواتهم لكي يعتلي كرسيا ويتبوأ منصبا. ثم نسى وعوده وانشغل بغنائمه ولم يشعر بالحرج في التوجه بعد مرور فترة اختبار مخيبة دامت اربعة او ثمانية اعوام الى نفس الناخبين مطالبا اياهم بمنحه الثقة من جديد لأنه لم يستكمل بعد انجاز وعوده او ان في جعبته وعود جديدة خطرت على باله في حالة يقظة او منام.
الوعود التي اقسموا على تنفيذها لم تتحقق. فلم يتحقق الامن والامان للمواطنين بجميع المعايير والمقارنات. وابتلع ممثلي الاسلام السياسي شعاراتهم المزيفة بشأن الدولة المدنية ودولة المواطنة والعدالة الاجتماعية. واصبحنا نلجأ الى الشارع وننظم التظاهرات الشعبية من اجل الغاء القوانين الطائفية لتنظيم شؤون الاسرة والاحوال المدنية والقوانين التي تمنح امتيازات مالية هائلة لكبار مسؤولي الدولة والرواتب التقاعدية غير المبررة للنواب. وما قيمة تحسينات جزئية في مجال الخدمات مقارنة بوضعها الذي كانت عليه منذ ثمانية او اربعة سنوات من الان، ان لم تصل في مستواها الى المستوى المقبول بالمعايير الانسانية وبالمقارنة مع ما حققته دول الجوار في هذا المجال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المكسيك: 100 مليون ناخب يختارون أول رئيسة في تاريخ البلاد


.. فاجأت العروس ونقر أحدها ضيفًا.. طيور بطريق تقتحم حفل زفاف أم




.. إليكم ما نعلمه عن ردود حماس وإسرائيل على الاتفاق المطروح لوق


.. عقبات قد تعترض مسار المقترح الذي أعلن عنه بايدن لوقف الحرب ف




.. حملات الدفاع عن ترامب تتزايد بعد إدانته في قضية شراء الصمت