الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مالك الدم الحزين!!

محمد طه حسين
أكاديمي وكاتب

(Mohammad Taha Hussein)

2014 / 3 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


ان شعبا من الخراف يخلق حكاما من الذئاب(حكمة قديمة )
و المقصود منها لربما الطرق على دفة كلا طرفي المعادلة في الحكم و هما الحكام و المحكومين، ان الامور تقاس بنتائجها فالناتج الفكري في حيز السياسة العراقية للشعب هو حكاما من امثال المالكي الذي فهم الملك من خلال اسمه و الارث الايديولوجي الذي تربى عليه فكريا و سياسيا، و السايكولوجية التي بنيت وفقها شخصيته هي سايكولوجية الملكية لكل الوجود سواء اكان الوجود العقلي لمن يتراسهم ام الوجود الروحي او حتى الوجود البايولوجي للرعية .امتلاك الكل بالمعنى التوتاليتاري للمفهوم و ليس بالمعنى الوطني و القومي حيث الشخصية الوطنية ترى في الوطن الدائرة المركزية للانتماء و ليست الدائرة الاكثر ضيقا من بين دوائر الانتماء و هي ذاته المنتفخة و الملتهبة نرجسيا و القصد دائما هو المالكي و امثاله الذين هم بمثل عقليته يلتجأوؤن دائما الى الطائفة او الجهة التي يمثلونها من حيث الانتماء الحزبي او الطائفي.
نوري المالكي هو الفرد السياسي المتبلور اساسا من العقلية البدائية و لكن خارجا من الاصالة البدوية حيث التماسك الاخلاقي بالقيم الرجولي و الشهامة التي تتبلور دائما على اساس العزة و الكرامة و الكبرياء العشيري.
قرأت تقريرا حول العراق في سنة 1993 للكاتب الاستراتيجي الامريكي غراهام فولر و الذي كان يعمل انذاك لمؤسسة راند التابعة لوزارة الدفاع الامريكية و التقرير بعنوان { هل سيبقى العراق موحدا لغاية سنة 2002؟} اسس فولر تقريره على ثلاثة خيارات و فرضيات لاسقاط النظام البعثي و المتمثل حصرا في شخصية دكتاتور العراق صدام حسين، الخيارات كانت كالآتي :-
• صدامية من دون صدام ، بمعنى ان الامريكان يبحثون عن شخصية لها نفس سمات و خصال صدام و لكن في جسد اخر، معتقدين بان العراق بتكوينه المعقد الذي اسس عليه لا يقبل غير الحكام الاوتوقراطيين الذين يحكمون بالنار و الحديد، ربما اختبروا هذا الخيار في حينه حيث هروب صهري صدام حسين و هم (حسين كامل و صدام كامل) الى الاردن ضمن هذه الاستراتيجية و لكن نتائج الاختبار لم تأت بمثل ما بنيت عليها توقعاتهم.
• الخيار الثاني هو الانتخابات الديموقراطية، في الخيار هذا لم يكن الامريكان مقتنعين بان الديموقراطية تنمو وفق المعايير و السلاسة المنهجية لها حيث التركيبة الطائفية و القومية للعراق هي اعقد من هذا الخيار كون الدائرة الشيعية هي الاكثر نفوذا و قوة سواء من حيث الوضع الديموغرافي او التأثر الايديولوجي بالثورة الاسلامية في ايران. و لهذا سيفوزون في اغلبية العمليات الانتخابية و بهذا سيكون النفوذ المذهبي الشيعي هو الاقوى و هذا يعني الخسارة الثانية للامريكان في مواجهة الايرانيين بعد التخمينات السرابية لامريكا لنتائج الثورة الاسلامية ايام كارتر عندما كان رئيسا للولايات المتحدة و الهزيمة التي اعقبتها و المتمثلة في الرهائن الامريكان الذين احتجزوا انذاك في السفارة الامريكية .
• الخيار الاخير و هو الانقلاب العسكري، و الخيار هذا كان بمثابة الاضعف من بين الخيارات حيث المركزية القوية لصدام و ادماج خلايا الحزب في كل المفاصل الحساسة للجيش باسم التوجيه السياسي و المخابرات العسكرية وووو... جعل من الخيار هذا الاصعب من بين الخيارات.
كل هذه الخيارات لم تطبق و لم تترجم حينها الى الواقع، و اخيرا التجأوا الى خيار الحملة العسكرية ، و لكن بعد السقوط و لاجل بناء دولة جديدة موالية و متحالفة ستراتيجيا مع واشنطن لجأوا ثانية الى الخيار الاول و هو صدامية من دون صدام و المالكي هو الحصان الذي يراهنون الامريكان عليه كون الانتماء القومي له اعمق من الانتماء المذهبي و هذا ما اشار اليه فولر في تقريره الذي ذكرناه، و الحزب الذي يمثله هو الاكثر تمرسا للعنف من بين القوى و الاحزاب الدينية و كذلك العلمانية ايضا.
الامريكان لديهم توقعات حول العراق و منطقة الشرق الاوسط عموما بانها داخلة ضمن جغرافيا الازمات او بالاحرى مربع الازمات و التي تبقى مدة اطول في صراعات قومية و مذهبية ربما لا تنتهي في هذا القرن الذي نحن فيه الآن، البقاء في مستنقع الازمات العرقية و المذهبية ليس فقط بفعل فاعل خارجي بقدر ما هو يرجع الى التكوين الجيواثنيكي و كذلك اللا تنسيق الاجتماعي و الشعبي الذي اصيب بها الخريطة السياسية و الدينية و القومية للبلد و هذا هو المرض القاتل المنتشر في الكيان و النسيج الوطني و القومي و الاجتماعي للعراق.
الحظ الذي نزل على كتفي المالكي جعله يتكيف مع العوامل الخارجية للقوة و يتناسى المصدر الحقيقي للقوة و المتمثلة في القوى السياسية و الدينية و المجتمعية . الحدس الامريكي تجاه ظهور ظاهرة المالكي في قمة السلطة متوافق الى درجة عالية للخيار الفولري(صدامية من دون صدام) و الذي يضمن لهم الفوضى الازلية من جهة و كذلك اثبات بطلان الطروحات التي تقدم لاجل ايجاد نوع من الوحدة بين اطياف الشعب العراقي من جهة اخرى.
الاطار الفكري و الايديولوجي التي يسوق المالكي و كتلته هو خطاب بدائي نابع من العقلية الاقصائية و الاستبعادية للآخر العرقي و المذهبي و التيار هذا لا يزال يخلق الحكام المؤدلجين المتعصبين غير المؤمنين بالالوان المختلفة عنهم .
الدم هو العامل و المتغير الاساسي الذي يعادل به المالكي ميزانه المختل ، بالدم يستقوي ويرى فيه اكسيرا للبقاء ، الدم الذي خرج من فم المالكي يذكرنا دائما بالتأريخ الحزين للدماء التي سالت في العراق حيث كان سديما لبناء الدولة الحديثة. ثقافة الدم الذي ترعرع بفعلها عقلية المالكي تنتج دائما عقليات نيكروفيلية لا تكترث ابدا للعمل صوب وحدة الالوان كي تظهر في النهاية لوحة تشكيلية معبرة عن الحياة بمعناها الحديث للكلمة.
التحليل السايكولوجي لعبارة{ الدم بالدم} و عبارتي{ انا صاحب الدم، و انا ولي امر الشهيد} التي اطلقها المالكي، عبارات نابعة من اللاشعور الجمعي و الشخصية النمطية التي تطلق مثل هذه العبارات النارية ما هي الا رموزا تسترجع من ذاكرتنا النموذج البدئي هذا.
ان البدائية الراسخة هذه يجعلنا نشعر باحباطات مستمرة كون الدماء التي سالت طيلة تاريخ الجمهورية العراقية الحديثة و لاجل بناء دولة المواطن و القانون وان كانت غير مؤطرة منهجيا ذهبت سدى، ان التأريخ المرير لنضالات الشعوب العراقية لا يستحق الاستخفاف بها من قبل سياسيين متعصبين امثال المالكي، و لهذا لا يستحق ان يكون امينا لكل الدماء هذه، فهو امينا فقط لنفسه الشهوانية و لجماعته و لايستطيع ان يكون سياسيا يسلك باتجاه بناء مجتمع صحي .
ان العقلية الاستحواذية للمالكي هي نابعة من ذات لا تعرف نفسها لحد الآن كونها بنيت ضمن القوالب القبلية الغابرة و التي يلجأ اليها الاقارب استنجادا و احساسا بالقوة خشية وقوعهم في ازمات لا مخرج لهم فيها، ان الالتجاء الى هذا الخطاب القبلي هو الورقة الاخيرة للعب بها كون الخيارات الاخرى لتكميل شخصية الدولة الحديثة سقطت و لهذا نراه يرجع الى اصله بغية ان تشفع له العشيرة او القوم.
ان ممارسات المالكي لها جذور في المنظومة السلوكية العصبية و المنفعلة دائما، فالعصبية هي السمة البارزة في شخصية اكثرية السياسيين العراقيين و لهذا نراهم دائما يصرحون و يتحدثون بانفعالية عالية ، فالذات المنفعلة اقرب الى العصابي منها الى السواء، حيث ان الذات السوية تظهر في المجتمع العادي السليم و هو المجتمع الذي يختلف فيه الافراد عادة و هذا ما اشار اليه كارل كوستاف يونك في بحث له بعنوان سيكولوجية العقل الباطن و الذي نشره قبل وفاته في كتاب (الانسان و رموزه) و لكن هو اي المالكي يمارس ستراتيجية الصهر داخل بوتقة جماعته و ان سياساته تتجه بهذا الاتجاه، و التحليل هذا يدلنا الى حالة سايكولوجية خطرة و هي العصاب الجماعي الذي ابتلا به المجتمعات العراقية عامة و الصورة هذه رايناها كثيرا في الثورات العراقية خلال القرن الماضي حيث النتائج الثورية التي تبلورت من هذه النضالات الثورية اقرب الى الخرافة كما يشير اليه ريمون آرون في كتابه افيون المثقفين، كون اللاتوازن الانفعالي للثوري لا يرجع الى حالته المستقرة بعدما ينتهي المشروع الثوري بالنصر على المشروع الطاغوتي.
الذات السياسية العراقية خارجية السيطرة على نفسها ايضا، حيث نراهم دائما انتهازيين لقنص اي فرصة تسنح لهم على اعتبار ان القدر يلعب دوره في تنظيم الامور، و الوضع هذا يراد له سياسات تكتيكية متحايلة على المختلفين معه، فالتحايل و التكتيك في رسم سياسة دولة لم تنتصب قامتها لحد الآن لا يعني غير تعقيد الامور اكثر فاكثر ريثما يتاح لهم حرية الاستغلال و الاكتناز..
ان المالكي في حالة تناشذ معرفي خطير حيث يظهر بمظهر الراعي للكل و لكن لا يستطيع ان يخفي بنيانه السايكولوجي و لهذا يطفو حقيقته الى السطح و يعبر بكلمات و ممارسات لا تمت الى رجل الدولة بصلة. انه تحايل على بني قومه و مذهبه ايضا حيث وصل التناشذ به الى مستوى اصبح الكارثة تميل الى كوميديا ، ان قائمته سميت ب (دولة القانون) و لكن يتسرع بالحكم عند تصريحه بعد قتل الصحفي و الاستاذ الجامعي محمد بديوي و يحكم بدل القضاء و يحسم الامور بالسرعة الممكنة.
و اخيرا ان الحس الاستحواذي لا يقف عند المالكي فقط بل ان السياسيين بالاجماع اصيبوا بنوع من البارانويا لا يعطون الحق لاي فرد ان يقابلهم بشيئ حيث يخافون من كل شيئ من حولهم و لهذا يعادون الكل و يتجنبون المبادرة للحل ، فالتلذذ بالسلطة جعلهم طواغيت بيدهم الامر و النهي ، فاعلان المالكي لملكيته لدم البديوي ما هو غير حيلة سياسية يتزايد بها على السياسيين المتصارعين معه على الخير الذي وقع حظهم عليه، ، اضافة لذالك التصريح الخطر هذا يكشف قناعه بشكل اوضح و يعطي انطباعا بانه و اكثرية السياسيين غير مؤهلين لقيادة الدولة و تهية الارضية للحرية التي تعبركل جهة عليها وفق فهمه الايديولوجي لها، متناسين بان الحرية و الديموقراطية تنحبس اكثر داخل الاطار الايديولوجي و الفهم المنحرف للسياسة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لماذا قررت مصر الانضمام لدعوى جنوب إفريقيا في هذا التوقيت؟ |


.. بيسان ومحمود.. أجوبة صريحة في فقرة نعم أم لا ??????




.. دول أوروبية ستعترف بالدولة الفلسطينية في 21 مايو/أيار


.. -مطبخ مريم-.. مطعم مجاني ومفتوح للجميع في العاصمة اللبنانية




.. فيديو مرعب يظهر لحظة اجتياح فيضانات مدمرة شمال أفغانستان