الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العلويّون في الضمير الأميركي

مرح البقاعي

2014 / 3 / 26
مواضيع وابحاث سياسية



"روبرت فورد غير حرّ تماماً في نقل الصورة التي عاينها بنفسه عن وقائع الحدث السوري لأن اسمه مازال مدرجاً على جدول الرواتب الشهرية في وزارة الخارجية الأميركية، وهو بالتالي يتحدّث بلسان حكومي وليس بتوصيف محايد". هكذا كتب فريديريك هوف، كبير الباحثين في المجلس الأطلسي بواشنطن، والدبلوماسي الأسبق، معقّباً على تصريحات فورد الأخيرة لجريدة نيويورك تايمز، والتي ألقى فيها العبء الأكبر في بقاء الأسد مسيطراً على الجزء الغربي من البلاد على أداء المعارضة السوريّة. وتوقّع في المقال نفسه أن يستمّر الأسد في الحكم لفترة قد لا تكون قصيرة.

برأي السفير روبرت فورد، المنسق الأسبق للخارجية الأميركية مع المعارضة السورية، أن السبب في بقاء الأسد قادراً على السيطرة يتلخّص في أسباب ثلاثة: الأول والثالث تتحملهما المعارضة، بينما الثاني تتحمله إيران وروسيا. فكون المعارضة السورية لم نتجح في طمـأنة الطائفة العلوية بأنها غير مستهدفة، ولن تكون كذلك حين سقوط النظام، هو سبب أول ورئيس. أما السبب الآخر، والذي يقع في المرتبة الثالثة حسب فورد، فهو تشرذم المعارضة وغياب رؤيتها السياسية التي قابلها وحدة في التنسيق والهدف في صفوف النظام.

هكذا يكون السيد فورد قد أخرج "الغرب" وفي مقدّمته الولايات المتحدة، مثل (الشعرة من العجين) من مسؤولية ما يحدث في سوريا، متغافلاً عن الدور السلبي الذي لعبته أميركا الرسمية، وخصوصاً في تعطيل عملية تسليح المعارضة بشكل متّصل ونوعي، إلى حين اختلطت أوراق المقاتلين ومرجعياتهم، ما أسعف أميركا بـ "العذر الشرعي" لتانّيها في فتح باب التسليح، والذي عزته إلى انضواء أطراف متطرفة جهادية إلى صفوف المقاتلين، معظمهم مرتبطون إيديولوجياً بتنظيم القاعدة الذي هو على رأس قائمة الإرهاب الأميركية والدولية.

في واقع الأمر، ليس طرح السفير فورد بغريباً عن مسامعي البتة. وقد سبق لي أن سمعته حرفياً في لقاء عمل جمعني بنائب وزير الخارجية الفرنسي لشؤون الشرق الأوسط، السفير جان فرانوسا جيرو، في مكتبه بجادة الكيه دورسيه في باريس في العام 2013. كنا قد قصدناه لنقدّم للحكومة الفرنسبة المذكرة القانونية لحماية المدنيين في سوريا، ساعين أن تكون فرنسا أول المتبنّين لها في الجمعية العامة للأمم المتحدة. أذكر يومها أن أول سؤال وجهه لي السفير جيرو: "أنتم كمعارضة، كيف ستطمئنون العلويين بأنهم لن يتعرضوا لمجازر حال سقوط الأسد، نحن قلقون بهذا الشأن". أجبته على الفور: "طمئنة إخواننا العلويين جاءت من أحرار طائفتهم نفسها، ومن المعارضة التي تنتمي للطائفة، والتي تدرك تماماً أن "الأغلبية" غير المسلّحة هي التي بحاجة إلى طمأنة في ظل توفّر السلاح الثقيل في يد الأسد (العلوي) وجماعته من أقلية الأقلية في الطائفة".

قد يكون أبناء الطائفة العلوية هم أول من توجّه إليهم حافظ الأسد حين وصوله للسلطة لإلحاقهم بمنظومته الأمنية أو إخضاعهم أو تغييب المتمردين منهم، وذلك قبيل أن يلتفت لتصفية كل معارض له من السنة أو من أي مكوّن آخر من المجتمع السوري. وما تعامُل الأسد الأب مع صلاح جديد ومحمد عمران، ثم الأسد الابن مع عارف دليلة ونادي زحلوط وعبد العزيز الخيّر إلى العديد من أبناء الطائفة الخارجين على سلطة العائلة، إلا دليلاً دامغاً على أن عائلة الأسد وعشيرتها اختطفت الطائفة برمّتها منذ السبعينات، وسخّرتها لتحقيق مكاسبها الخاصة المالية والسلطوية، وقامت بشكل ممنهج بتصفية المعارض منها أو بملاحقته أو بزجّه في معتقلات الموت البطيء التي أنشأها الأسديون لغرض إنهاء أي صوت حرّ خارج عن منظومة الرعب والطغيان التي شيّدوها من عظم الجماجم وصدى الصرخات. وإنه من نافل القول في هذا المقام أن الاحتلال الفرنسي لسوريا (1920-1936) كان قد رعى إعلان دولة علوية في تاريخ 29 أيلول 1923 عاصمتها اللاذقية، وبقيت تسمى بالدولة العلوية أو سنجق اللاذقية حتى خروج الفرنسيين عام 1936 حين عادت مع الاستقلال إلى الجسم السوري الواحد.

يقول هوف، أول المستقيلين من مكتب سوريا في الخارجية الأميركية، وثاني كبار الدبلوماسيين الذين حملوا الملف السوري الثقيل إلى جانب السفير فورد في عهد هيلاري كلينتون، وذلك في معرض تفنيده لتصريحات فورد، ومتحدّثاً عن أسباب الفشل الأميركي الذريع في إدارة الأزمة في سوريا ، "أنه في ظل في غياب أية استراتيجية واضحة وانعدام سياسات موضوعية لمعالجة الأزمة السورية، انشغلت الحكومة الأميركية بفكرة تكاد تكون أقرب إلى "الأساطير" منها إلى الواقع السوري تتركّز في البحث عن ضابط علوي (مُخَلّص) يقود انقلاباً على الأسد لإسقاطه!".

لا يمكن أن تغيب عن صناع القرار الخارجي في إدارة باراك أوباما أن بشار الأسد قد اعتمد في عمليات القتل المنهجي والوحشي للمدنيين على قوات النخبة الأمنية والعسكرية العلوية، وعلى الشبيحة من أبناء عشيرته وأسرته، والمرتزقة ممن استقدمهم في محاولة خبيثة لتوريط الطائفة برمتها في عداء الدم الموصول بينهم وبين الطائفة السنية. هذا كلّه مدعّماً برافد بشري ولوجستي من الميليشيات الشيعية الإيرانية، ومن الخبراء الأمنيين الروس، من أجل مساعدة النظام على الإمعان في القتل والتطهير العنصري في البلاد وإيقاع الفرقة بين أبناء الوطن الواحد".

وفي ظل طغيان الهاجس الأميركي في مقاربته المستمرّة للحدث السوري إلى "الفخ" الذي وقعت فيه الولايات المتحدة في العراق، وتعليق التهاون في اتخاذ القرارات المناسبة، وفي التوقيت المناسب، على "مشجب" تفكّك المعارضة وغياب رؤية سياسية موحّدة لديها، أصبح الطريق معبّداً لحاكم البيت الأبيض من أجل إيجاد الأعذار لتجنّبه اتخاذ مواقف حاسمة في دعم حقيقي للثوار السوريين منذ توجّه إليهم النظام بالقتل المباشر مستهدفاً المظاهرات السلمية والتجمعات المدنية. هذا ناهيك عن لجوء إدارة أوباما إلى تعطيل أي مشروع نوعي لتسليح المعارضة الوطنية المعتدلة لتمكينها من الدفاع عن المدن والمدنيين، ومساعدتها على إسقاط حكم العصابات في دمشق. حتى دعمها سياساً بهدف تشكيل حكومة بديلة فاعلة (وليس مؤقتة معطّلة) يعترف بها العالم كهيئة تنفيذية للمعارضة أسوة باعترافه في الائتلاف، كان دعماً واهناً ومجرّداً من أدواته.

في شهر أيلول للعام 2011 أطلق مجموعة من الشيوخ العلويين في حمص بياناً أكدوا فيه براءتهم من "الممارسات الوحشية التي يقوم بها النظام السوري بحق المتظاهرين العزل المطالبين بحقوقهم وحريتهم"، وأن "نظام بشار الأسد لم ولن يمثل طائفتهم". وفي شهر كانون الثاني من العام 2012 صدر "بيان المثقفين العلويين السوريين" موقعاً بأسماء المئات من النشطاء السوريين من المكونات السورية المجتمعية كافة حيث دعوا "المواطنين السوريين العلويين وأبناء الأقليات الدينية والقومية المتخوفين مما سيلي انهيار النظام إلى المشاركة في إسقاط النظام القمعي والمساهمة في بناء الجمهورية السورية الجديدة، دولة القانون والمواطنة".

عزيزي السفير فورد، نفهم تماماً دواعي تبنّيك ودفاعك عن نهج سياسي كنت أنت جزءاً لا يتجزء من صناعته وأداة تنفيذية له، إلا أنني لا أستطيع أن أفهم أن الضوء يمكن حجبه بالغربال! فسياسات أوباما الرمادية والفضفاضة هي التي سمحت للدب الروسي أن يبتلع القرم بلقمة واحدة سائغة بينما يستمرّ في اجترار "السفرجلة" السورية غاصّاً من حين لآخر بدمائها الساخنة التي تتدفّق من طرفي فكيّه. وسياسات أوباما هي التي سمحت لإيران أن تتغوّل وتتوغل في الأراضي السورية قالبة المعادلات الإقليمية لجهة تعاظم نفوذها كقوة كبرى في المنطقة، إن لم تكن القوة الأكبر المسلّحة بمخالب نووية بصكّ مشرّع دولياً. وسياسات أوباما هي التي ستحمّل الضمير الأميركي، لأجيال تأتي، وزر الصمت الرسمي المقيت عن الجرائم ضد الإنسانية التي يمارسها النظام السوري منذ أن سقطت أظافر أطفال درعا على الأرض السوريّة ونبتت من دمائها شقائق الثورة حتى تاريخ كتابة هذه السطور حين أحرقت اللاجئة السورية مريم عبد القادر نفسها أمام مركز إغاثة اللاجئين في طرابلس لبنان عوزاً وقهراً.

عزيزي السفير فورد، من قد يكون بحاجة عاجلة إلى جولة إطمئنان هو الضمير السياسي الأميركي الذي نقر السيد فريديريك هوف على زجاجه الغبِش بقوةِ استيائِهِ من موقف حكومتكم الرسمي حيث كان في طليعة المنسحبين منها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رغم المعارضة والانتقادات.. لأول مرة لندن ترحّل طالب لجوء إلى


.. مفاوضات اللحظات الأخيرة بين إسرائيل وحماس.. الضغوط تتزايد عل




.. استقبال لاجئي قطاع غزة في أميركا.. من هم المستفيدون؟


.. أميركا.. الجامعات تبدأ التفاوض مع المحتجين المؤيدين للفلسطين




.. هيرتسي هاليفي: قواتنا تجهز لهجوم في الجبهة الشمالية