الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإرهاب الأعمى والحكم العبثي بإعدام 528 إسلاميا في مصر

جوزيف بشارة

2014 / 3 / 27
حقوق الانسان


مشاعر الارتياح بل والبهجة التي أعرب عنها الكثيرون من المصريين، بسبب قرار إحدى المحاكم المصرية إعدام 528 متهماً في أحداث العنف التي شهدتها محافظة المنيا بصعيد مصر، بعد فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، أصابتني بحالة من الإحباط الشديد. لم أكن أتوقع كل هذا الفيض المفزع من مشاعر الكراهية والتشفي والرغبة في الانتقام. لم أكن أتوقع أن يرى البعض في حرمان المتهمين الـ 528 من حقوقهم القانونية عدالة. لم أكن أتوقع أن يسمح الملايين لعواطفهم أن تعطّل عمل عقولهم ولمشاعرهم أن تمنعهم عن رؤية الحقائق. لم اكن أتوقع أن يقبل متعلمون وواعون بمبادئ حقوق الإنسان بأن تنتهك أبجديات هذه المبادي على النحو الفظ الذي رأيناه. لم أكن أتوقع أن يتنازل من عرفتهم مطالبين بالعدالة عن مبادئهم وضمائرهم لتحقيق أهدافهم بالتخلص من أعدائهم عن طريق محاكمة غير عادلة. لم أكن أتوقع أن من تعرض للظلم مرات ومرات يقبل بأن يُظلم الأخرون حتى ولو كانوا من الأعداء.

لا يعني هذا أبداً أنني أريد أن أبريء الإسلاميين وبخاصة قادة وأعضاء جماعة الإخوان المسلمين ممن خططوا ومارسوا الإرهاب والعنف وخربوا وأتلفوا الممتلكات العامة. لا يعني هذا على الإطلاق أنني لا أرغب في تطبيق أقصى العقوبات الممكنة على المجرمين والإرهابيين من الإسلاميين الذين يقتلون ويروّعون المواطنين المسالمين الأبرياء. لا يعني هذا بأي شكل من الأشكال أنني أتمنى إطلاق سراح من قتلوا أخوتنا وأبناءنا من رجال القوات المسلحة والشرطة الذين يبذلون دماءهم الغالية فداء لمصر والمصريين. لا يعني هذا بأي صورة من الصور أنني ادافع عن الذين هاجموا الكنائس وأحرقوها. لا يعني هذا بأي حال من الأحوال أنني مع حالة عدم الاستقرار باهظة التكاليف التي يخلقها الإسلاميون في الشارع المصري بتظاهراتهم العنيفة واعتداءاتهم على معارضيهم ومنعهم عودة الحياة لمجاريها وإغلاقهم للطرق وتعطيلهم للدراسة.

لكن ما أرغب فيه هو أن تتم معاقبة الإرهابيين والمخربين والمجرمين، بأغلظ العقوبات، عبر محاكمات عادلة لا محاكمات صورية. أرغب في أن تكون المحاكمات موضوعية تقوم على الدلائل الملموسة لا على العواطف. أرغب في أن يحصل الجناة على ما يستحقون من عقوبات لا على ما يقرره النظام الحاكم أو الشارع الغاضب أو العواطف الجياشة. أرغب في أن يحصل الجناة على العقوبات مناسبة بعد أن يفشل محاموهم في تبرئتهم. أرغب في أن يكون القضاة معزولين عن النظام الحاكم ولا ينفذون توجيهاته ولكن ألا يكونوا بمنأى عن ألام الضحايا والمجني عليهم وعائلاتهم. أرغب في أن يفعل القضاة ما تمليه عليهم ضمائرهم وتنص عليه القوانين، لا أن ينفذوا ما تصبو إليه القيادات السياسية. أرغب في أحكام قاسية بحق كل من استخدم السلاح وكل من قتل أو سحل جندياً أو مواطناً وكل من روّع وهدد وخرّب وحرق وعطّل، ولكن شريطة أن تكون الأحكام إنسانية ولا تتعارض مع المبادئ والأعراف ولا تنتهك الكرامة الإنسانية. أرغب في أن يتذوق المجرمون مرارة الحياة قضاء ما تبقى لهم أغمار خلف القضبان ولا أن يحصلوا على عقوبة الإعدام الإجرامية التي يتمنونها ظناً منهم أنها ستقودهم إلى جنات الخلد الوهمية حيث تنتظرهم الحوريات.

كنت ومازلت أعارض عقوبة الإعدام بحق أي شخص حتى ولو كان أعتى عتاة الإجرام، أو أشرس قادة الإرهاب. الإعدام عمل إجرامي غير إنساني يجب أن يتم إلغاؤه من قانون العقوبات المصري. يشير تقرير منظمة العفو الدولية بشأن عقوبة الإعدام عام 2012 أن نحو ثلثي دول العالم، 140 دولة، ألغت إما عقوبة أو تنفيذ الإعدام تماماً، وقد حان الوقت لإلغاء العقوبة وتنفيذها في مصر. أرى في الإعدام تحدثاً بنفس لغة الإجرام التي يرفضها المجتمع ويعاقب عليها الإرهابيين والسفاحين ومهربي وتجار المخدرات والخارجين عن القانون. لا ينبغي أن يتعامل المجتمع مع من فقدوا مشاعرهم الإنسانية بنفس اسلوبهم غير الإنساني. من المعيب للغاية أن ينحدر المجتمع بمستواه إلى درجة الإجرام.، ويجب أن يتحدث، حتى مع الإرهابيين، بلغة أكثر احتراماً من لغتهم، وأن يتعامل، حتى مع المجرمين، بأسلوب أكثر رقياً من اسلوبهم. الإعدام قمة الرجعية والتخلف واحتقار الإنسان، ولا يجب أن يكون له مكان في مجتمعاتنا إن أردنا لها أن تكون متحضرة ومتقدمة وتحترم حقوق الإنسان.

جاءت المحاكمة الصورية قبل ثماني وأربعين ساعة من إعلان المشير عبد الفتاح السيسي، الرجل القوي في البلاد، استقالته من منصبه كوزير للدفاع تمهيداً لترشحه في الانتخابات الرئاسية المقبلة. تعد المحاكمة العبثية، التي جرت بمحكمة جنايات المنيا وترأسها المستشار سعيد يوسف مؤشرا جديداً على أن مصر-السيسي تسير في الاتجاه الخاطئ. لا يمكن أن تحكم دولة قانون على 528 متهماً بعد جلستين اثنتين فقط حتى ولو كانت هناك مقاطع مصورة تستند إليها النيابة في اتهامها. لا يمكن أن تكون هناك عدالة طالما كان الحكم متسرعاً غلبت عليه الناحية العاطفية لا الموضوعية. يظن البعض أن الحكم مجرد رسالة من النظام الحاكم للإسلاميين مفادها أنه لن يكون هناك تهاون معهم طالما استمروا في ارتكاب أعمال القتل والتخريب والترويع. يروّج هؤلاء أيضاً لرأي يقول بأنه لن يتم أبداً تنفيذ الإعدام بحق المتهمين الـ 528 المدانين. لكن حتى هذا الرأي لا يمكن تبريره لأنه تكتيك يتلاعب بالقانون ويظهر عدم احترام النظام الحاكم لاستقلال وحيادية القضاء. بدلاً من التكتيكات المشوهة غير المجدية كان من الواجب اتباع استراتيجية صارمة مع الإرهابيين عبر إجراء محاكمة عادلة تدين بحق المجرمين وتظهر أن الدولة لا تتسامح في حقوقها وحقوق أبنائها.

بناءً على كل هذا أجد أنه يتحتم عليّ أن أرفض بكل قوة حكم إعدام الـ 528 متهماً. من غير المعروف إن كانت هناك تعليمات عليا للقاضي المختص بشأن طبيعة الحكم وسرعة إصداره، ولكن من المؤكد أن للحكم أبعاداً سياسية وشعبية إلى جوار الأبعاد العاطفية. الضغوط الإعلامية الغوغائية وحدها ربما كانت أكبر مما يمكن يحتمله القاضي. ولعل هذا يضفي على الحكم المزيد من عدم المصداقية. لست أعتقد أنه يمكن لإنسان ذي ضمير حي أن يقبل بمثل هذا الحكم الصوري. لست أعتقد أنه يمكن لإنسان مؤمن بمبادئ حقوق الإنسان ومتسق مع ذاته أن يقبل بالظلم. لست أعتقد أنه يمكن لمن تعرض للظلم في حياته وتذوق مرارته وقسوته ونتائجه المجحفة أن يقبل بأن يظلم إنسان أخر حتى ولو كان هذا الإنسان أشد أعدائه. تعرضت كمسيحي للظلم، وتعرض ويتعرض له كل مسيحي عاش أو يعيش بلد ذي أغلبية مسلمة. كان الإسلاميون هم اكثر من ظلمونا أو تسببوا في ظلمنا، ولكننا اليوم ندافع عن حقوقهم في محاكمات عادلة تتفق مع القوانين الدولية وأحكام إنسانية لا تهدر الكرامة. نعم ندافع عن حقوق المتهمين الإسلاميين لإيماننا الثابت والذي لا يتزعزع بأهمية العدالة وضرورة احترام حقوق الإنسان. لكننا لا ندافع عن الإرهابيين أو عن جرائمهم البشعة المخزية.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أخي جاوز الانقلابيون المدى فحق الجهاد وحقا اللقا
عبد الله اغونان ( 2014 / 3 / 26 - 22:29 )
أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير
مع العصابة الانقلابية في مصر لم يعد يجدي الا النموذج السوري
والدعوة الى جيش نصرة وجيش حر
لاسلمية بعد هذا
اذا لم يكن من الموت بد --- فمن العجز أن تموت جبانا

وان استنصروكم في الدين فعليكم النصر


2 - الإعدام ل 528 متهما عمل لا إنساني
ليندا كبرييل ( 2014 / 3 / 27 - 01:00 )
الأستاذ جوزيف بشارة المحترم

إن ما تقوله يتردد في نفسي بقوة
ما الفرق بين دولة تمارس هذه العمليات اللاإنستنية وبين المجرمين القاتلين؟
هل نفعل مثلهم؟

لا نسامح المجرم على إرهابه وتعديه القانون، لكن ليست بهذه الطريقة
لا للإعدام
ولكن .. في بلاد كبلادنا ينعدم فيها القانون، أو تتلاعب بالقانون، ما السبيل إلى معاقبة المجرم برأيك ؟

احترامي وشكراً


3 - جيش حر من أجل سبتة و مليلة
KHALED ALMASRY ( 2014 / 3 / 27 - 06:12 )
عبد بن أغونان

نعم لتأسيس جيش نصرة و جيش حــــــــــــر ..... لتحرير سبتة و مليلة من الأسبان الصليبين

و البركة فى حزبكم البنكيرانى


الحرية كل الحرية لشعب الصحراء المناضل ضد الأستعمار المغربى الغاشم

خالد المصرى
القاهرة الساحرة الهادرة الزاهرة العاطرة الطاهرة الشاعرة الخيرة النيرة العاطرة
مصر أم الدنيا


4 - أهلا بكم في الاتحاد الأوروبي
KHALED ALMASRY ( 2014 / 3 / 27 - 07:44 )
عبد بن اغونان

بمناسبة الجهـــاد عندى لك كـــام حزام ناسف تضعهم على وسطك علشان تفجر نفسك فى
الصليبين الأسبان بسبتة و مليلة و جزيرة ليلى أو تورة التابعون للأتحاد الأوربى

فجر نفسك و مووووت شهيد و أنت بتدافع عن الأراضى الأسلامية و التراب الأسلامى المدنس تحت اقدام الصليبين الأسبان ( مش رأيك أنهم صليبين برضك ) و دا أحسن لك من الجهاد فى مصر ... ليه ؟؟؟؟ لأن الأقربون أولى بالتفجير

خالد المصرى - القاهرة الصابرة القادرة المنذرة الثائرة الظافرة - مصر أم الدنيا
بالمناسبة رنا و سمر أزهار بيرسلوا لك ألف سلام من دبى و بيقولولى مش تزعل عبد الله


5 - موقف حضاري,عقل متحضر!في زمن الشعوذة والعنف
علاء الصفار ( 2014 / 3 / 27 - 12:59 )
تحية استاذ جوزيف بشارة
انحني لكلماتك الرائعة التي تعكس المبدئية امام انهيار خلاقي وسياسي,الذي تجده هنا وتروج له دوائر حرب الارهاب سواء المحلية ام الامبريالية, فالجميع الارهابي يريد ان تشتعل نار الحرب الطائفية لقد كتبت الاقلام الامريكية حول شكل العالم الحالي! الا وهو الحرب الطائفية و رعايتها وبدأ تطبيقها في العراق وحاولوا على مصر واليوم هي محاولة دامية في سوريا. سيدي المسيحي الشهم هكذا هي القناعات المبدئية.هكذا هو الوعي الحر الملتزم بالدين النقي وليس السياسي!دين الام والجدة الرائعين, لا دين القس والغزو والحرق للبشر والحرب الصليبية.من ناحيتي ادين كل الفتح الاسلامي وجرائم الخليفة المسلم وشيوخ الوهابية.اليوم نحن في القرن ال21 لدينا قيم! لنقف من الدين والتاريخ على مسافة واحدة,ولندين غزو العولمة الامريكي ولندين الارهاب الوهابي العميل لامريكا,الارهاب الوهابي, للعلم قتل ويقتل من المسلمين اكثر مما قتل من الامريكان ههه
السيد جوزيف انا مع اعدام 500 من الاخوان الارهابين,لامتصاص حقد طائفي و لمواساة المسيحين.اي الردع الاخوان والقاعدة فهم عملاء مجرمين! لسحب البساط من رجال ديني طائفيين وسلفين مسيحيين


6 - حكم همجي
ملحد ( 2014 / 3 / 27 - 13:41 )

اعدام 528 شخصا يعتبر مجزرة بكل المقاييس.....
ساعبر عن رايي: هذا حكم همجي بربري فاشي.......
لماذا نهبط الى مستوى اولئك الهمجيون!?
لا لعقوبة الاعدام الهمجية....
هكذا يقول ضميري


7 - يا حنين
KHALED ALMASRY ( 2014 / 3 / 28 - 09:21 )
نطالب باسترجاع سبتة ومليلة سلما ....... يا حنين و الله العظيم حنين

الحرية كل الحرية لشعب الصحراء المناضل ضد الأستعمار المغربى الغاشم

رنا و سمر أزهار بيسلموا عليك ( لاباس ) .... تحياتى

خالد المصرى - القاهرة الزاهرة الطاهرة الصابرة
مصر أم الدنيا


8 - سبتة و مليلة أولا
KHALED ALMASRY ( 2014 / 3 / 28 - 09:23 )
أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير
مع العصابة الانقلابية في مصر لم يعد يجدي الا النموذج السوري
والدعوة الى جيش نصرة وجيش حر
لاسلمية بعد هذا
اذا لم يكن من الموت بد --- فمن العجز أن تموت جبانا

وان استنصروكم في الدين فعليكم النصر

دا كوووور .... عبد الله أغونان لتطبق كلامك على سبتة ومليلة


9 - الحقد المسعور على مصر
KHALED ALMASRY ( 2014 / 3 / 28 - 09:45 )
يحمل كل هذا الغل و كل هذا الحقد على كل شىء فى بلادى .... يكتب مشعلا نار الفتنة بها .... ينفث تعليقاته المسعورة المخبوله ضد تاريخ مصر و أهل مصر .... يعلن الجهاد على مصر و أهلها لتحريرها من الأنقلابيين و بلاده محتلة ... يعايرنا بالفقر و العوز و بنات بلده البائسات الفقيرات يعملن أستغفر الله العظيم عند بتوع الخليج .... يكره بلادى بغل و خسه

فرق أن تهاجم بدافع الأصلاح لأنك تحب مصر .... و أن تحمل كل هذا الغـــــــــــــل و الحقـــد الأسود المسعور عليها

عبد الله أغونـــــــــــــــــــان فى زمن الكذب و البهتــــان .... أكتب ما شئت و لا تخجل

اخر الافلام

.. الأمم المتحدة تحذر من التصعيد في مدينة الفاشر في شمال دارفور


.. تكدس خيام النازحين غرب دير البلح وسط قطاع غزة




.. ما حدود تغير موقف الدول المانحة بعد تقرير حول الأونروا ؟ •


.. نتنياهو: أحكام المحكمة الجنائية الدولية لن تؤثر على تصرفات إ




.. الأمين العام للأمم المتحدة للعربية: عملية رفح سيكون لها تداع