الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حلم ... (قصة قصيرة )

علي حسين يوسف
(Ali Huseein Yousif)

2014 / 3 / 27
الادب والفن


بعد معاناة طويلة ارهقته كثيرا حصل على موعد لمقابلة السيد المسؤول ، بفضل مساعي عدد من الخيرين الذين توسطوا له ليحظى بهذا اللقاء الموعود الذي طالما بني عليه آمالا عراض ؛ ظانا انه سوف يحصل على ما يخفف عليه من شدة المعاناة ، وضنك العيش ، وضراوة الحياة ، مما قد جرته عليه الظروف النحسة ، والحظ العاثر ، وبعد طول تأمل وفقهالقدر على ان تخف لوعة الانتظار وليعد العدة للدخول على هذا المسؤول ليعرض بعض آلامه وآماله وما جرته الظروف عليه ، وقد حدد له موعد المقابلة ، وفيما اخذت الساعة تقترب من موعد اللقاء راحت انفاسه تتصاعد لتعبر عن حالة من الترقب الممزوج بالأمل والخوف والرغبة في انقضاء الوقت المتبقي بأسرع وقت ، وراح خياله يسرح بعيدا في عوالم عن الآمال والاحلام ؛ وقد رؤي له وهو يجوب حديقة بيته الموعود الذي لم يره الا في الاحلام ، وكأنه ينظر بعين الحقيقة الى تلك الفراشات وهي ترفرف بأجنحتها الرقيقة من زهرة لأخرى .... ماذا سيحصل لو ان الوزير وقع على طلبه ليسهم في رفع مظلوميته ، ماذا سيترتب من نتائج لو ان السيد المسؤول اظهر شيئا من التفهم والتعاطف مع ما سوف يطرحه امامه ... انه لا يطلب المستحيل ، بل لا يريد من المسؤول سوى ان يمسك بقلمه ويضع خطا اخضر اسفل طلبه ، ليشعر بوفاء هذا الوطن الذي لم يغادره يوما واحدا ، بل استنزف فيه عمره كله ، وراح يرسم لوحات وردية لمستقبل لم يتبق منه الكثير بعد ان تجاوز الخمسين من عمره ، وهو مطارد من حي لآخر ومن بيت لآخر وقد اضنته مصروفات ايجار السكن ، فهاهي خمسون عاما تمر عليه وكأنها سحب هاربة لا تلوي على شيء لم يشعر فيها ولو للحظة واحدة بانتمائه لهذا الوطن ، فهو لم يحصل على شرف الامتلاك لشبر واحدة من ارضه ... وبين الفينة والاخرى ترتد به الذاكرة لمثابات الطفولة القاتمة ؛ وهو لا يتذكر جيدا ملامح اصدقائه الذين جمعته واياهم مرابع اللهو والمرح ، فلم يعد في الذاكرة متسع لكل الامكنة التي عاش فيها لكثرتها ، ولا البيوت التي تنقل بينها ، فتأخذه غصة مريرة لتلك الذكريات الهلامية الغائمة التي لم يتبق منها الا أمشاج رسوم لا تبعث الا على الاسى والحرقة ... فياله من قدر ذلك الذي يحرم المرء من ذكرياته ، ويالبؤس تلك الذكريات التي يزاحم بعضها بعضا حتى لا يكاد يبين منها شيئا ، أتراني معاقبا من الاله لذنب لم يفعله ، وفيما هو شارد الذهن يجوب في ساحات آلامه واماله ؛ واذا بصوت كأنه نقرات ناقوس يخترق سمعه دون استئذان مطالبا اياه بالاستعداد للدخول على السيد المسؤول ؛ ومحذرا من اي اطالة في كلام زائد خارج طلبه ، لأن السيد المسؤول ليس لديه الوقت الكافي لسماع القصص الطويلة , فهو غارق حتى اذنيه بقضايا الشعب الاساسية , ومنهمك بمعالجتها , وبعد ان لقن بهذه التعويذات المزيفة لكي لا يستفز تفكير السيد المسؤول , طلب منه النهوض وهو ينوء بتلك التوجيهات والتحذيرات , وحينما انتصبت قامته في المكان تقدم نحو الباب برفقة احدهم , وقد ادرك حينها انه لا يشعر بجسده من الذهول لما يرى من الابهة في تصميم مداخل المكتب, وكثرة الخدم والحاشية فيه , فيما كانت عيناه تسارعان في الانتقال في التركيز من وجه لآخرــ وما اكثر الناس هناك ـــ وكأنهما في سباق لتصوير اكثر عدد ممكن من اللقطات , وفيما هو يقف في قاعة وطويلة مزدانة بأثمن الاثاث التي لا يدل ترتيبها على ادنى ذائقة في التنسيق , سرحت عيناه الى نهاية القاعة لتقع نظراته على شخص يمسك بكل يد من يديه بهاتف ويتحدث في هذا تارة وفي ذاك تارة اخرى ؛ ويرتفع صوته مزمجرا تارة ومنخفضا هامسا تارة اخرى ، وكأنه ممثل فاشل لم يتقن دوره جيدا , وبعد لحظات مضجرة على وقوفه رفع المسؤول رأسه الكبير الذي يبدو عليه انه قد فارق الشعر منذ سنين , وها هو صاحبنا وجها لوجه امام المسؤول الموعود ... امام امله او تعاسته ... امام الاجازة الوحيدة التي تسمح له ان يعيش كأي انسان يتمتع بشيء من انسانيته , لكن نظرات المسؤول كانت خاطفة ولم تدم طويلا ، وعاد الى الانشغال بتلك الهواتف اللعينة , وبين لحظة واخرى ترافق نظرات صاحبنا احدهم وهو يدخل رئيسه على وجل ليهمس بأذنه بأمر ما ، ثم ينصرف وبعد ان طالالوقوف اسعفه القدر بأن يرفع المسؤول رأسه ليستدعيه ان يجلس على احد الكراسي القريبة من الطاولة المهيبة التي يجلس خلفها ، وبعد ان جلس صاحبنا ؛ عاد المسؤول لديدنه دون ان يرحب به ولو بكلمة واحدة ، لكن صاحبنا كان في تلك اللحظات يستجمع كل ما تبقى لديه من مسكة عقل ليفصح امام المسؤول بما يريد بكلمات قليلة لكنها بليغة ومعبرة ، وكيف لا وقد افنى عمره في تدريس البلاغة وفنونها لطلابه حتى خبر اساليبها ، وفيما هو يستحضر افكاره وكلماته واذا بالمسؤول يفاجئه بكلمة لا تخلو من التعالي والجفوة : قل ؟ وما ان اراد صاحبنا ان يتكلم حتى رن احد التلفونات اللعينة ليقطع كلامه ويزيده حنقا على حظه العاثر ، ومما زاده ارتباكا والما ما سمعه من كلام المسؤول في الهاتف وهو يستفسر من احدهم عن مكان الانفجار الذي يبدو انه وقع قبل لحظات قليلة , ثم زاد التوتر والقلق حينما علم صاحبنا من كلام المسؤول ان الانفجار وقع في المنطقة التي يسكنها ؛ وبالتحديد خلف التمثال الذي طالما كان شاهدا على معاناة الفقراء , وبعد ان انهى المسؤول كلامه وهو يفتعل الحزن والامتعاض نظر الى صاحبنا وكأنه يطلب منه ان يتكلم , الا ان جليسه كانت كلماته قد فقدت كل معانيها وهو يرتجف خوفا مما سمعه وكأن هاجسا يخبره بشيء ما مرعب وقع لعائلته ، وما ان ارادت شفتيه ان تتحركا ببعض الكلمات حتى دخل احدهم مسرعا وهمس بإذن المسؤول كلاما اختطفت اذنا صاحبنا طرفا منه مفاده : ان عائلة احد المدرسين من سبعة اشخاص قد قتلوا في الانفجار , وبعد لحظات وجد صاحبنا نفسه وهو يهيم على وجهة في الشارع وقد فقد كل شيء ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1


.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا




.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية


.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال




.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي