الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رئيس البلدية يغازل السيدة فيروز

محسن لفته الجنابي
كاتب عراقي مستقل

(Mohsen Aljanaby)

2014 / 3 / 28
كتابات ساخرة


تصوروا مجرد تصوّر دون تقمص فالأمر لايطاق , أن يكون أحدكم قابع في جزيرة وسط بحر الظلمات مساحتها بضعة أمتار تحيطه أسماك القرش والسعالي والغيلان , وعلى حين غرّة تظهر له حورية أسطورية تغني له كل صباح لتبدد غربته وتجعل مخيّلته الكونكريتية شلالاً من الأحلام , هكذا كان المشهد في نظري حين سمعت للمرة الأولى تلك الألحان , فأخيراً لاح صوت بريء من وسط مهرجان العويل والأقتتال , خرج عن نسق النحيب ليعيد النبض للحياة , أطل على غابة التوحش التي نقطن , ذلك السجن المهزوم الذي يسمونه جزافاً (حي النصر) بترانيم موسيقية مصدرها سيارات البلدية ومعها سيارات بائعي الغاز , لا أصدق أنها هي نفسها التي كانت تداهمنا يومياً فأطلقنا حينها على سائقيها أسم (وحوش الصباح) فكم من المرات قفزنا مذعورين تحت هدير نشازهم بمجرد سماعنا للمنبهات و أشيائهم الحديدية التي يضربونها لتصدر أصواتاً مرعبة تصم الآذان , كنا مع قدومها كالدجاج النائم حين يهاجَم من الذئاب , من محور الميمنة سيارة (الأزبال) ومن الميسرة (أبو الغاز) فلانملك أن نعترض مادمنا محشورين في مجتمع يرتضي الأستباحة وأمتهان الخصوصيات و يفخر بالزعيق ويتخذ من الغزو سبيلاً للحياة , كانت تلك السيارات في نظرنا لاتختلف عن المفخخات التي تقتل الناس وللسيارات عندنا مراتب وحكايات , ولكن , سبحانه مغيّر الأحوال فمع أشتداد الوطيس يتدخل القدر ليلطف كما عهده الدائم وقت المصائب والنائبات , فمنذ مدة بانت طلائع ظاهرة جديدة تسترعي الأنتباه , حين بدأ القائمون على سيارات البلدية (الحكومية) بأطلاق نغمات هادئة من مكبرات الصوت , قلدهم بعدها أصحاب سيارات الغاز (الأهلية) أولئك المرتدون للـ(جرّاويات) بوجوههم المكفهرّة غليظة السحنات , جعلتهم يتغيرون (في نظرنا) من غيلان الى حملان, , فمكبرات الصوت خاصتهم تطلق منذ فترة أنغاماً مشتقّة من أغاني فيروز , هل أستمع مدير البلدية لأغنيتها وهي تعاتب نظيره (نصري شمس الدين ) حين تقمص شخصية رئيس البلدية في الضيعة الخيالية , مؤكد هناك ربط في الموضوع , والمهم المكسب في حصولنا على وجبة لذيذة من غذاء الروح , فلكم أن تتصوروا كيف نبدأ يومنا ونحن نستيقظ على لحن أغنية (زعلي طوّل أنا ويّاك كثير كثير) , كثير علينا فعلاً فنحن في قعر عهود الظلام مابين مطرقة (الترهيب والأرهاب) وسندان (فساد الحكام ) , الله الله , كم هي بريئة تلك الألحان , أكسير أسعفنا به القدر على عادته في اللطف حين تحتدم الأبتلاءات , هبة من السماء تتحدى أصوات الأنفجارات و تبدد أزيز الرصاص , حين نسمعها يتبادرنا شعور لا أرادي أقرب للخدر أول بوادره تقليله الشد في الأعصاب ومعها العضلات , الا عضلة واحدة تبقى مشدودة , تلك التي تنقبض لتمنح وجوهنا بصيص الأبتسام , تعيد لنا بالتدريج تلك الأشياء التي يحتاجها المخلوق لتميّزه عن الجماد والحيوان وتجعل المرء للمرة الأولى يشعر بأنه أنسان , بل بأمكانه أن يذهب بعيداً ليتصور نفسه عصفور يحلق في جنة الأحلام .
مؤكد وراء تلك المكبرات المبرمجة واحد أو أكثر من الجنود المجهولين الذين يعملون بصمت ممن يملكون ذوقاً , سعوا من أجلها , ربما جلبوها جاهزة من دول أخرى , إن لم تكن فرضت عليهم في صفقة قسرية فالأمر غريب كونه خارج سياق مايجري من أحداث و لانبريء مدير البلدية الذي نشكره فقد عوضنا عن كل (اللاشيء) الذي قدمه أسلافه الأجلاء , ففي كل الأحوال نكون نحن المستفيدين , فالدنيا للحظات صارت أكثر هدوءاً وأقل توحشاً بعد أزالة الأحتقان من مركب التوحش لدينا نحن بنو العربان , مجرد أصوات يتم ترتيبها بأتقان تضفي تأثيراً غريباً على الوجدان , يسمونها (موسيقى) , حرّمها المدّعين حين أمتلكوا القرار , متناسين أنها من أبواب الوجوب لا الأحتياط , حلال زلال , فهي أولاً تطبيب وعلاج وفرض عين لدرء فساد الأرواح الذي صار عندنا أخطر وباء , فـإن بقيت هناك شبهة بشأنها بأمكاننا أن ننقلها من خانة الحرام الى الحلال بموجب الأباحة الألهية تحت طائلة الأضطرار ,ومن أكثر منّا بحاجة لذلك الأستثناء , ومن باب ثاني أن يجعلوها حقوقاً شرعية لكل أنسان فهي لغة التفاهم الوحيدة التي يجيدها كل الناس من شتى الأعراق والطوائف والبلدان , الموسيقى حق وغذاء وليس بعبعاً مثل مايسوقون لذلك ذوي المآرب من الجهلاء , فلم نسمع الى اليوم أن مات أحدهم على يد ملحن أو فنان , فمخرّب الكوكب معروف حتى من الأطفال , وفي الختام أستودعكم زوادة الروح عسى أن توصلنا معكم لفجر خال من القتل والتدمير وعبث الجهال .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -أنا مع تعدد الزوجات... والقصة مش قصة شرع-... هذا ما قاله ال


.. محمود رشاد: سكربت «ا?م الدنيا 2» كان مكتوب باللغة القبطية وا




.. جائزة العين الذهبية بمهرجان -كان- تذهب لأول مرة لفيلم مصري ?


.. بالطبل والزغاريد??.. الاستوديو اتملى بهجة وفرحة لأبطال فيلم




.. الفنان #علي_جاسم ضيف حلقة الليلة من #المجهول مع الاعلامي #رو