الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قوس قزح يغازل أماني فؤاد

فؤاد قنديل

2014 / 3 / 28
الادب والفن



يساورني اعتقاد شبه راسخ أن طبيعة الحياة في مصر والتي تجمع بصورة غريبة ومدهشة بين الحكمة والجنون تستفز الطاقات الكامنة لدى المصريين للبحث عن عوالم موازية من شأنها التنفيس عن الوجود الملتبس ، كما أنها تؤثر بقوة في رفع الغطاء عن المواهب وتشجيعها على التعبير و من ثم إنتاج أشكال عديدة من الفنون والآداب ، فليس من شك – في نظري طبعا - أن الاستبداد وحجر الشيشة والزحام والعشق والسجون والفساد والمخدرات وبطولة النساء المسحوقات وخوارق المعاقين، والرضع الذين يلعبون بالبيضة والحجر وعنفوان النيل وهيمنة الدجل والسحر والفهلوة والخصومة العميقة مع العقل وألعاب مُدعى التدين الذين يمثلون على المسرح أحيانا دور الأم الحنون وأحيانا دور الطاغية وتارة يقوم بعضهم بدور الشحاذ وتارة يقوم بدور البطل المخلص ، واللصوص الذين يسرقون مال النبي و يشاركون بإخلاص نادر في الثورات ورعاية المساكين ويحرصون على صلاة الجمعة في المسجد .. هذه الحياة التي تمضي بلا أية فلسفة ربما كانت مسئولة مسئولية جنائية عن تدفق نهر الإبداع المصري بصورة تفوق التصور بصرف النظر – مؤقتا – عن موضوع الجودة والموهبة ، ولي حولها كلام.
نهر الإبداع المتدفق في مصر عليه قناطر وأهوسة لا تفتح للفرد وحيدا لكنها تفتح لجماعات هادرة كل مرة مثلها في ذلك مثلما تفتح بوابات اللقناطر مصاريعها لتعبر المراكب الشراعية على طول النيل واثق الخطو يمشى ملكا وهو أجدر بالحكم والزعامة من الملوك وهو ليس مثلهم كيانا من قش وليس يشبههم لأنهم ليسوا غير أفواه وبطون وشهوات ورءوس فارغة .
منذ سنوات قليلة لا تتجاوز عدد ألوان قوس قزح انفتحت القناطر عن كوكبة كبيرة من المبدعين وثلة ضئيلة من النقاد ، وكان من بينهم سيدة هي الدكتورة أماني فؤاد التي تسللت إلى الحياة الثقافية بهدوء شديد يوحي بالشك ويغري بالتجاهل ، وتوارت وراء خيام الأدباء الرُحّل في وداعة وتهادت كما النسيم أو الطيف الغريب لتلمحها بعض العيون وتلتقط همسها الواني بعض الآذان مرهفة السمع الذي لا تستخدمه عادة إلا في الوشاية والنميمة.
اشتركت الناقدة الشابة في بعض الندوات الشفهية ونشرت بعض المقالات بعد كتابيها البحثيين الذين نالت بأولاهما درجة الماجستير بامتياز في موضوع " الإبداع الأدبي في تراث أبي حيان التوحيدى " عام 2000 ونالت بالأخير درجة الدكتوراة بتقدير جيد جدا مع مرتبة الشرف عن رسالتها في موضوع " مجاوزة تيار الداثة في شعر ما بعد السبعينيات " عام 2006
ومالبثت الأسماع أن تلقت أنباء مشاركاتها المتوالية لتعلو النغمات ويتسارع الإيقاع الذين أعلنا حضورها، فأقبلت المنتديات والكتاب والشعراء على دعوتها للمشاركة في محافل النقد شرقا وغربا بما لفت الأنظار وكانت دائما عند حسن ظن من توجهوا بالدعوات إليها ،ومن غامروا بالحضور والمناقشة وتابعوا بشغف ما تقول ، حتى لقد تساءل الكثيرون .. من البنَية التي تشع بهاءها النقدي بثقة في حين بدا في المقابل و بجلاء أن العتاة من النقاد تحطبت محاصيلهم الخضراء وتخشبت أشجارهم وذبلت زهورهم في عز الربيع ؟!!
بوحي من قوس قزح تصدت البنَية المهذبة الحيية الرقيقة الجميلة للإبداعات بشتى ألوانها من الرواية إلى القصة ، ومن الشعر إلى السينما والفن التشكيلى و المسرحية والقضايا الفكرية ، وتناولت أعقد المشكلات التي تمسك بتلابيب الحياة الثقافية والاجتماعية مثل قضايا المرأة وحرية التعبير وطبيعة القيادة ونظريات وآليات الحكم وسبل التعامل مع الجماعات المتطرفة وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية وسلبيات الحكم القائم على مرجعيات دينية .
وكما تبنت مسيرتها ألوان قوس قزح في محاولة دفعها نحو القضايا المختلفة الشائك منها والناعم .. الإبداعي والفكري .. الخيالى والواقعى .. التاريخي والمعاصر .. التراثي والحداثي ..السياسي والإنسانى ، فقد نفذت نداهة قوس قزح إلى منجزها الثقافي فقدمت النقد والفكر والإبداع في القصة القصيرة وقصيدة النثر ، فضلا عن حضورها القوي كناشطة ثقافية تمارس التحريض على احتضان القضايا الثقافية وتؤسس الندوات وتدير الحوارات وتدعو لبناء مؤسسات تنتصر لحرية التعبير وعلاج الأدباء صحيا واجتماعيا ، كما تنادي بإصرار وإلحاح إلى ضرورة أن يكون هناك للكتاب كيان مستقل يتبنى قضاياهم على اختلاف مناحيها .
لقد أظهرت الناقدة الجسور كرامات نقدية مبهرة في سنوات قليلة وغدت واحدة من أبرز النقاد على الساحة الثقافية المصرية حتى لفتت الأنظار القابعة على مسافات بعيدة وشرعت تغادر مطار القاهرة لتهبط في مطارات عربية أخري شقيقة وحبيبة ، وذلك بفضل إلهامات نقدية مشرقة وبديعة أطلقتها في سماوات النشر ومنابره حول أعمال أدبية لكل الأجيال المنتجة في فضاءات الأدب المصري والعربي بتمكن وجسارة ووضوح ، ويستحق الذكر تنبهها الفطري على ألا تحصر نفسها في نظرية نقدية بعينها من شأنها أن تقيد حركتها ونظراتها ورؤيتها النافذة والعميقة بل حرصت أن يكون لها في عيونها ألوان وأشعة قوس قزح كمرايا تنثر شظاياها على النصوص وتسبح في عمقها الشفاف وتستقبل بحرية ورهافة كافة انعكاساتها المتوهجة ، ثم تشرع في تأمل هذه الانعكاسات وتقارنها بالنصوص وتحاول نسج علاقة فنية وجمالية جديدة ومبتكرة نابعة من روح النص وملكاته وشرفاته وتقنياته ، فإذا النص وقد كان فرسا متمردا يصبح غزالة وديعة وسرعان ما تذعن و تتمدد تحت قدميها كاشفة عن كنوزها بعد أن فكت الناقدة الخبيرة في بساطة كامل شفرات الفرس الحرون وقد استلبته برهافة ونعومة بل ومودة وحنان .
لم تخش الناقدة خاصة عندما كانت بعد لا زالت في عمر الطفولة النقدية مقامات شيوخ الأدب من أمثال نجيب محفوظ وفتحي غانم و يوسف الشاروني و خيري شلبى وإدوار الخراط وعبد الحكيم قاسم وغالب هلسا وابراهيم عبد المجيد وفؤاد قنديل والقعيد وسلوي بكر وأحلام مستغانمى وفتحي امبابي وفريد أبو سعدة وأحمد الشيخ وهالة البدري وغيرهم فاقتحمت أعمالهم وجاست خلال فصولها وأزاحت كل ما يهيمن عليها من الأفكار الهائمة وسحابات الغموض الذي يكبح أسرار الجمال الفنى للمنظومة الأدبية، وقد تجاوز ما كتبته في سنوات قليلة مائة مقالة كل منها تصلح للتدريس بالجامعات ، ويمكن أن تضمها نحو عشرة كتب قادرة على صيد صقور الجوائزالمحلقة بعيدا عن الأكفاء .
تجلت مقالاتها بما تحويه من رؤي وما تحمله على رءوس أظافرها المزينة بألوان قوس قزح من عناوين ، مثل :
الغربة والنفط وتقنية المتوازيات .. فوضى وتداخل مستويات السرد .. تكسر الدلالات اليقينية .. تقنيات السرد المتجاورة .. لكل منا قفص .. التماهي بين الموجودات .. ظلا العلاقات الهاربة .. السرد الدائري .. جدلية الانفصال والاتصال .. الألعاب السردية .. الصمت الصاخب بالموسيقى .جماليات الفوضى .
ومن الجدير بالذكر أن كل هذه الملكات والعوالم التي تجوس فيها وتجول وتغترف من أعماقها وتثريها نبتت وتربت في أحضان المعرفة التى لا تتوقف أماني عن النهل من كل ينابيعها وعلى مستويات عديدة من طبقاتها الجيو جمالية وعلمية وفكرية ، ولا تفتأ تنسل من بين أعبائها ومشاغلها لتزور معرض أو تشاهد فيلما أو مسرحية وأن تحاضر في الاكاديمية والمنتديات وتكتب على الفيس وفي الصحف وأغلب المنابر الصحفية لتنشر عبير أفكارها المبتكرة والصادمة أحيانا ، ولا يمنعها من التعبير جدة وحدة آرائها وهى ترمي بها الأدمغة المتحجرة والنفوس المعقدة لأنها تؤمن تماما حتمية أن يكون للمثقفين دور ثوري في تغيير الافكار وزعزعة الثوابت القبيحة والمتعفنة التي ألقت بالوطن في مستنقعات التخلف.
يبقى القول أن الدكتورة أماني تؤرقها الحرية أكثر من اللازم إلى درجة المعاناة .. حرية الوطن وحرية المواطن .. حرية الكاتب وحرية المرأة .. حرية العمل والحب والحركة والسفر .. حرية التعبير والإبداع وحرية الصحافة والثقافة وحرية الأطفال والرياح والطيور ، وحرية إقامة الحدائق والميادين المؤتنسة بالتمائيل والنوافير والأغاني .. حرية الفن والعبادة والنقد والحوار .. حرية الحلم والأمل .. حرية الفلاح والعامل وحرية الأرض والسماء والارتحال والتواصل والاستماع وحرية الصمت والتأمل .
أماني فؤاد مثقفة من طراز نادر ، لا املك إلا أن أزهو بها وأفخر وكذلك وطنها ولغتها الأم ، وأتمنى لها دوام العطاء والتألق .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عمر عبدالحليم: كتبت لفيلم «السرب» 23 نسخة


.. أون سيت - 7 مليون جنيه إيرادات فيلم السرب في أول 3 أيام فقط




.. لا تفوتوا متابعة حلقة الليلة من The Stage عن الممثل الكبير ا


.. بعد أن كانت ممنوعة في ليبيا.. نساء يقتحمن رياضة الفنون القتا




.. مهرجان كان السينمائي.. ريتشارد غير، أوما ثيرمان وإيما ستون ع