الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دَوا نُقَط

مجاهد الطيب
(Megahed Al-taieb)

2014 / 3 / 28
الادب والفن


دَوا نُقَط

- 1-

ما اسم ذلك الدواء ؟
علبة صغيرة داخلها زجاجة أصغر ، بها قطَّارة ، تنزل منها النقاط بمقدار. الدواء المذكور كان يوزن بميزان الذهب كما علمتنا الأفلام ، نقطة زائدة لا أكثر قد تودي بحياة الأعزاء ، وقد تنقذ الزوجة الشابة التي أُكِلتْ لحما ؛ إذ أوصى زوجها المسن – من على كرسيه المتحرك – أن توهب أمواله للجمعيات الخيرية . كان الطبيب في تصريحه الأخير – قبل أن يغادر - وهو يسلم وصفته الطبية يستلهم روح ممثل آخر ، في فيلم آخر : " خمس نقط لا أكثر ولا أقل " يقولها وهو يرفع سبابته متوعدا الحماقة كمفهوم ، أو الزوجة الشابة التي ستئول مغامرتها – حتما - إلى العدم والإعدام بفضل المخرج القدير ، الذي لن يرضى لأحد أبطاله – مهما كانت مساحة دوره - أن يجافي الحقيقة وطبائع الأمور . ليس للشر من مفر ، ليس له أن يرمح أكثر من ساعتين. كان الطبيب يوصي بإحضار الموت في علبة ، ويشدد على تحري السلوك الرشيد .
- 2 -
جارتنا " أبلة هيام " التحقت بنادي القلوب الجريحة شابة ، إلا أن ذلك لم يعطلها عن شيء ، حياتها تمشي بوتيرة طبيعية . مسألة لزومها بيتها لا تتعلق بتاتا بالمرض ، هي بالأساس تحب دور المضيف ، لأسباب كثيرة أهمها أن ( نِفْسها ) لا تستسيغ طعام وشراب الآخرين إلا مضطرة . فَهِمَ أحبابها هذا العيب اليسير ؛ فوفدوا إليها عن طيب خاطر ، من الصباح كمن على سفر تنتظر الزيارات ، ترحيبها بالوافدين هو أكثر مشاهد حياتها إتقانا وتأثيرا ، بابتسامة صحيحة تفتح باب شقتها ، بشوقٍ كأن من زاروها بالأمس وأول الأمس ، وهم الآن أمام بابها ، عائدون توًا من هجرة طويلة ! لا تطمئن لأحد إزاء عقار " النقط " الشهير ، تتلقف النقاط التي تمطرها العلبة في كوب صغير ، تتفادي الهطول ، مطرها ينزل بالكاد ، أتذكر كان العدد خمسة يحدث بعد وقت طويل . لم تكن أبدا من الصنف المتشكك ، هي - بالضبط - لا تريد لعزيز أن يقع في الخطأ الإنساني غير المقصود .

سيد أبوالعينين ، ابن عمها ، الشاويش في سلاح الشرطة العسكرية ، أقرب الأقارب إلى نفسها ، في جلساتهما يستعيدان معا ذكريات الطفولة وألعابها وسط قهقهات تتجدد مع كل زيارة . سيد هو أحد الذين نالوا نجمة سيناء إثر بطولاته المشهود لها في حرب أكتوبر ، كان يحضر كثيرا بقامته الطويلة التي تبدو وكأنه اكتسبها بناءً على حياته الطويلة في صفوف المحاربين ، والدليل على ذلك أنه بعد أن خرج إلى الحياة المدنية ، بعد أن أتم مدة سجنه ، عاد قصيرًا .
في اليوم المشهود كان ينظف سلاحه وهو يشرب الشاي معها ( قالوا ) أو كان يمازحها ، لكن السلاح طال . خرجت من بندقيته الآلية دفعة استقرت في قلب هيام . فماتت شابة رغم التزامها بنصيحة الطبيب وأكثر . كم مرة حضرت سيارة الإسعاف ، وحملت هيام ، ثم أعادتها إلينا ضاحكة منتظرة زوارها . في المساء تجلس أمام أطباق الترمس تتابع فيلما قد يكون " أغلى من حياتي " . عندما ماتت بـ الآلي ، لا بنقطة زائدة من الدواء ، ردد الجميع ( لأن الحياة كالأفلام ) : سبحان الله!

- 3 -
مرض القلب قد يرقّق القلوب ، إذا كان صاحبه حاذقا ، يعرف كيف ومتى يبدأ بثه . خذ مثلا الست عقيلة راتب أم سعاد حسني في فيلم " ليلة الزفاف " ، كانت تريد أن تحمي ابنتها الوحيدة بعد أن مات الأب . سعاد أجمل الكائنات . كانت سعاد تُماشي شابا من بتوع اليومين دول ، " دول " ثابتة رغم تغير الأزمان . هو شاب يفتح ثلاثة زراير على الأقل في قميصه .الممثلة القديرة قالت لبنتها في عز المصيف : " الدكتور قالِّي هوا إسكندرية تقيل وممكن يرجّع لي النوبة " . أمها كانت مريضة فعلا ( لا تمثيل يقوم على باطل ) إلا أن الله شفاها . وأمام المحنة الجديدة اشتاقت روحها للدواء ، لكن كيف ؟ اتفقت مع الخادمة على أن تستبدل بدواء النقط ماء الورد .كلما عنَّ لسعاد أن تستجيب لنداء الحب مع الشاب التالف ، تسقط الأم مغشيا عليها ، وتجري الخادمة لتغمس القَطَّارة في الزجاجة ، وتنزل على نصف كوب الماء بالنقاط المعدودات.سعاد متأنقة ، على موعد . لكنها - ككل ابنة بارة - تضحي . مع الأيام ، مع انخراط الأم أكثر في التمثيل يأتي الجار أحمد مظهر، شاب ، لكن قويم ، ببدلة وكرافتة ، على جبهته تقطيبة الجد والمسئولية . أضِفْ أنه دكتور مثل المرحوم . ينجح الطبيب في إخراج الأم من أزمتها.
عندما دقت ساعة الفراق ، قدمت سعاد علبة من القطيفة بها خصلة من شعرها ؛ ليظل الشاب الفالت على العهد إلى الأبد ، وانتزعت بعض الشعرات من صدر رمزي ؛ ليكون " شَعرًا بشعر " .
في ليلة الزفاف عندما اقترب أحمد - كعادة زملائه الممثلين- ليضع القبلة الأولى التي ستزدهربعدها الأحوال ، ويصير الغريبان في لمح البصر بلا حياء ، يالَسوء الطالع ! بكت سعاد ، بكت سعاد بحرقة ، وأخبرته أن قلبها هناك ، وأن ما حدث ما هو إلا إرضاء للأم التي تحت أقدامها الجنات . فتفهَّم وتراجع كما يتراجع جنتل مان ؛ فصارت الغرفة اثنتين : لسعاد السرير ، ولمظهر الأرض .

أحمد رمزي الـ " مِبلَّط 3 سنين في تانية هندسة ، المصفرَاتي " بخفته المعهودة كشابٍ لِوِن أضاع سعاد. أما الطبيب أحمد مظهر ، المحترم في أكتر من موقف وأكتر من من فيلم ، بصبره واعتقاده في " إذا أحببت شيئا بشدة ، فأطلِقْ سراحه ، فإن عاد فهو ملكك " . صارت له . عادت سعاد ، رُفع الجدار العازل من وسط الغرفة . وأصبح ما تترجَّاه الأم هو – بالتمام والكمال - الحب الحقيقي في نظر سعاد !














التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05


.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي




.. تسجيل سابق للأمير الشاعر بدر بن عبد المحسن يلقي فيه أبيات من


.. الفنانة غادة عبد الرازق العيدية وكحك العيد وحشونى وبحن لذكري




.. خلال مشهد من -نيللى وشريهان-.. ظهور خاص للفنانة هند صبرى واب