الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل سوريا بين خيارين فقط (1) ماذا لو كان الحسم للنظام السوري؟

علاء الدين الخطيب

2014 / 3 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


يمكننا بكل ثقة وراحة ضمير القول أن غالبية السوريين المطلقة تحلم بشيء واحد الآن هو "أن تنام ليلة واحدة دون سماع صوت الرصاص، وأن ترسل أولادها للمدارس واثقين أنهم بأمان، وأن تسير مسافة 10 كيلومتر دون أن يوقفها حاجز". حلم بسيط وأمل متواضع فرضه هذا الجحيم المشتعل في سوريا الذي رسخه القرار الدولي من كل الأطراف لجعل سوريا ساحة صراع طويل بين معسكرين: معسكر روسيا والصين وإيران والنظام السوري ضد معسكر الولايات المتحدة وأوروبة وتركيا والسعودية وقطر. ضمن هذا الحلم والجحيم والهجوم الإعلامي المنحط من كل الأطراف اضطر غالبية السوريين لوضع المستقبل أمام خيارين لا ثالت لهما: النظام السوري أو الجهادوية الإسلاموية. وما بين هذين الخيارين انحاز الكثيرون إلى مؤيد مع النظام أو ثوري مع الجهادوية! رغم أن غالبية الطرفين لا يريدون لا النظام ولا الجهادوية وكلاهما ينزه نفسه وسوريتَه عن هذين الخيارين. يبدو تناقضا شكليا في التوصيف، لكنه بالجوهر حقيقي.
لنفترض ولسبب ما، نعتقد موضوعيا أنه مستحيل، لكن لنفترض الفرضية التالية: اختل التوازن الدولي واستطاع النظام السوري إعادة فرض سلطتة المطلقة على كامل سورية خلال الصيف القادم وتخلص من كل تهديد حقيقي مسلح، فما هي النتيجة التي ستعود على سوريا؟
للإجابة على هذا السؤال ولتجنب المواقف العاطفية بالحكم سنتبع منهجية علمية تستقرأ تاريخ النظام القريب منذ حوالي 4 عقود والمنطق العام للتجارب المشابهة وفق التفسير النفسي والإجتماعي والإقتصادي.

* أولا، كما حصل بالثمانينات بحرب النظام مع التمرد المسلح للإخوان المسلمين واستتباعا مع بقية المعارضة السورية وقتها من شيوعيين وقوميين سوريين وناصريين وغيرهم، اعتمد النظام بالإضافة إلى الجيش على المخابرات وعلى جيش من المخبرين وفصائل سلّحها هو تحت أسماء مختلفة. مهمة الجيش كانت تشكيل الدرع وخوض المعارك التي تتطلب عددا، بناء على معلومات المخابرات والمخبرين، وبعد انتهاء المعركة ياتي دور عصابات حماية النظام في تطهير الموقع من كل ما يمكن أن يحمل شبهة خطر على النظام. هذه العصابات كونّها النظام بغالبيتها من شباب عاطل عن العمل ينتمي بالتصنيف الاجتماعي لفئة "الزعران" ومنحهم سندا أخلاقيا ووطنيا إعلاميا أنهم أبطال حماية الوطن "الشبيحة" (بمصر اسمهم بلطجية وبايران باستيج وبالعراق كانو الصداميين). هذه العصابات تقبض أجرتها مباشرة من خلال النهب والسلب والاغتصاب. ومع انتهاء الأزمة تستمر هذه العصابات بتحصيل أجرتها على ما تعتبره حقها بمقابل المخاطرة بحياتها. هذه المافيات الشعبوية هي التي حمت النظام بالثمانينات والتي ستحميه لو تحققت فرضيتنا، لأنها تقوم أساسا على مبدأ "ولائي لمن يدفع" فهي لم تكن وليست الآن تعمل بغفلة عن النظام أو دون إرادة واعية منه. فأساس سلطة النظام هو "الخوف"، ولا يمكن للجيش ولا حتى للمخابرات تأسيس هذا الخوف بالشارع دون هذه العصابات المتدخلة بكل شارع وحارة بالبلد (بالمناسبة ولهذا نجزم أنها ليست فقط علوية كما يشيع العقل اللاواعي الشعبي).
بالنتيجة بعد 3 سنوات من هذا الاقتتال الدامي، وما رافقه من تنظيم قوي لهذه العصابات المنفلتة، مع ما صاحبه من مقتل الكثيرين من أفرادها، فإن هذه العصابات المافيا ستكون لها اليد الطولى في سوريا ولن يتغير أسلوبها عن أسلوب العصابات الإجرامية أبدا، بما يعنيه من إذلال للناس، وسرقات، وأتاوات، وتجارات ممنوعة.

* ثانيا، ضباط الجيش والمخابرات وعناصرهم هم بالمحصلة النهائية موظفون حكوميون، وبما أن النظام السوري بنى الدولة على أساس "عدم كفاية الدخل الرسمي" فهم كانوا مثل كثيرين من موظفي الدولة يعيشون من ريع الفساد والرشاوى وإن رفض بعضهم فلهم الفقر والعوز (نؤكد على عدم التعميم). الآن مع انهمار أنهار الأموال من كل الجهات في الحرب الدائرة بسورية فإن هذه الأموال لا بد أن تصل لكبار الضباط والقادة، وبالتالي فإنهم لن يقطعوا سبيل هذا الرزق بانتهاء الأزمة. بالعكس سيزداد طلب كبار القادة والضباط لهذا المال بسبب العادة، ولأن هذه الأزمة رسخت الشعور باللاأمان واللااستقرار.
بالنتيجة سيتحالف هذا الصف من زعماء الجيش والمخابرات مع العصابات المافيا المذكورة لتقاسم ريع الانتصار وسيحمون أنفسهم أمام إي محاولة تعديل قد تأتي خلال سنين.

* ثالثا، لا يمكن مقارنة قمة النظام السوري حاليا بقمته في الثمانينات، فرغم كل الصعاب كان حافظ الأسد رجلا حديديا مرعبا مع أعمدة سلطته وليس مثل ابنه بشار. بالإضافة لذلك لا تتمتع قمة النظام حاليا بالدرجة العالية من البراغماتية التي اكتسبها نظام حافظ الأسد، وبالتالي فسيقبل بدفع الثمن المطلوب للفئتين السابقتين وسيزيد تداخله الموجود أصلا معهم.
الناحية الأهم بالنسبة للنظام السوري في توقع فشله هي: لقد أثبت نظام بشار الأسد خلال 10 سنوات من الحكم المستقر لسوريا أنه كان عاجزا عن تبني أي رؤية تطويرية للمستقبل بل سار مع الزمن حسب قانون السوق، فما يخدع به بعض السوريون أنفسهم حول التطوير بعهده هو بالواقع تيار إجباري إقتصادي فرضه النظام العالمي الجديد وليس اجتراحا لرؤية تطويرية من قبل النظام. فبالتالي وبعد هذه الكارثة الممتدة خلال 3 سنوات بسوريا لنا أن نجزم أن هذا النظام أعجز بكثير من أن يمتلك رؤية واستراتجية لإصلاح ما تهدم ووضع سوريا على الطريق الصحيح للتحسن حتى تحت حكمه المطلق. بل نجزم، وكي لا يُساء الفهم، أن نظام حافظ الأسد مع كل براغماتيته واستراتيجية رؤيته هو من أسس لهذا الانهيار.
وسريعا نذكر دليلا واقعيا. فأحد أهم الأسباب (ولا نقول الوحيد) الذي قاد معسكر الغرب للتفوق على معسكر الشرق بعد الحرب العالمية الثانية التي دمرت الطرفين كان أن من تبوء قيادة المعسكر الغربي لم يكن هم قادة الانتصار العسكري بل فئة بعيدة جدا عن كارثيات وعواطف وعقليات الانتصار العسكري بعكس المعسكر الشرقي.

* رابعا، العامل الأهم في حال تحقق المستحيل المفترض هنا هو داعمو النظام السوري النظام الإيراني والروسي. وهؤلاء أيضا ينتظرون الثمن والتعويض عما استثمروه في إبقاء النظام. وبما أن النظامين أساسا هما نظامان شموليان فاسدان ذوي عقلية قمعية سلطوية فتدخلهما الحتمي بسوريا سيكون بالتأكيد ضمن رؤية متعالية متعجلة لتحصيل الثمن وبالتالي تكريس أكثر لاستمرار كارثة الحكم الديكتاتوري الفاسد القمعي.

* خامسا، المعسكر الدولي المنهزم أمام معسكر روسيا وإيران والنظام السوري لن يسلم بهزيمته على البعد الاستراتيجي بل ستكون انتكاسة مؤقتة بالنسبة له سيعاود بعدها العمل على تعويض الخسارات. وبما أن المنتصر المفترض هنا هو: روسيا وإيران، النظام السوري، وطبقة زعماء العسكر وعصابات المافيا. وهو ثلاثي عاجز عن التجييش العميق للشعب السوري فإن معركة المعسكر المنهزم ستكون أسهل بكثير.

بالنتيجة النهائية، العوامل التاريخية والحالية والموضوعية تحت فرضية انتصار النظام السوري خلال صيف 2014 لن تحقق استقرارا أمنيا واجتماعيا بحده الأدنى لمدة تزيد عن بضع سنين. فما نجح به حافظ الأسد بعد منتصف الثمانينات من فرض لبعض الاستقرار دام عقدين لا يمكن تكراره بسبب الفرق الهائل بحجم الكارثة والتغيّر العميق ببنية النظام العالمي للسوق والأهم بسبب الفرق الهائل في حجم المعلومات والوعي والتواصل الإجتماعي بالقرن 21.

-- ملاحظة للقاريء الكريم، استخدام كلمة عصابة ضمن المقال ليس نقضا لوعد المعالجة الغير عاطفية. بل هو توصيف قانوني بحت تراه بنفسك حتى لو كنت من مؤيدي الخيار الأول ببقاء النظام بكل مساوئه.
-- المقال القادم سيعالج الاحتمال المستحيل الثاني وهو انتصار الجهادوية الإسلاموية عسكريا في سوريا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل ينتزع الحراك الطلابي عبر العالم -إرادة سياسية- لوقف الحرب


.. دمر المنازل واقتلع ما بطريقه.. فيديو يُظهر إعصارًا هائلًا يض




.. عين بوتين على خاركيف وسومي .. فكيف انهارت الجبهة الشرقية لأو


.. إسرائيل.. تسريبات عن خطة نتنياهو بشأن مستقبل القطاع |#غرفة_ا




.. قطر.. البنتاغون ينقل مسيرات ومقاتلات إلى قاعدة العديد |#غرفة