الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الازمة العراقية

رياض العصري
كاتب

(Riad Ala Sri Baghdadi)

2005 / 7 / 8
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


سأحاول ان اتناول في هذا المقال موضوعين وهما : أزمة الدستور وأزمة الديمقراطية في العراق
جاءت الاحداث في العراق بعد سقوط النظام السابق لتفرز واقعا جديدا في المجتمع العراقي لم يكن ظاهرا للعيان سابقا لكنه كان ينبض بالحياة من تحت الرماد ينتظر رياح التغيير لتتأجج نيرانه وتستعر ألا وهو واقع الطائفية والمحاصصة . فقد تميز المجتمع العراقي منذ زمن بعيد بالتعددية ولكن بأعقد أشكالها وصورها , فهو متعدد الديانات , متعدد القوميات , متعدد المذاهب , متعدد الطوائف , متعدد القبائل , متعدد الفصائل , متعدد الانتماءات , متعدد الولاءات , متعدد الجذور , متعدد الميول . فالتعددية في العراق تمتد خطوطها افقيا وعموديا , ولم يشهد العراق في تاريخه الحديث حالة الاستقرار من جراء هذه التعددية الا لفترات زمنية قصيرة كانت اشبه بالتقاط الانفاس , والتاريخ الحديث للعراق يشهد على حالات كثيرة من الفوضى والتمرد والعصيان والمحاولات الانقلابية واعمال العنف والاغتيالات , وما بقاء النظام الديكتاتوري البائد طوال خمسة وثلاثون سنة في السلطة الا بسبب سياسة النار والحديد التي اتبعها . ويخبرنا التاريخ ان المستعمر الانكليزي عندما أراد أن ينصب ملكا على العراق في الفترة ( 1920 / 1921 ) تعذر عليه ايجاد شخص عراقي عربي القومية مسلم الديانة يتفق عليه الشعب العراقي ذو الغالبية العربية المسلمة ليكون ملكا عليهم فتم استجلاب الامير فيصل بن الحسين وهو غير عراقي ليكون ملكا على العراق وقد حظي بقبول وموافقة الجميع . وبعد سقوط النظام الديكتاتوري السابق لاحظنا ظهورعدد كبير جدا من الاحزاب والحركات والتجمعات والكتل السياسية والذي هو دليل صريح على هذه التعددية اللامنطقية في بلدنا فحتى بلد مثل الهند التي يضرب بها المثل في الكثافة السكانية والتعددية الدينية والقومية والمذهبية لاتوجد فيه احزاب بقدر ما لدينا في العراق . والتعددية سلاح مزدوج فهي اذا كانت مصدرا للتنوع الثقافي في الدول ذات الانظمة الديمقراطية العريقة فانها تصبح سببا للفتنة والنقمة في الدول حديثة العهد في الديمقراطية . وبسبب هذه التعددية المعقدة وغير المنطقية فان الصعوبة البالغة تكمن في ايجاد قاسم مشترك لهذا الموزاييك الكوكتيلي , والقاسم المشترك نقصد به هنا الدستور , فالمعادلة العراقية معادلة معقدة جدا وانها بحاجة الى جهد عظيم وصبر طويل لحلها وان لجنة كتابة الدستور ستكتشف مدى التعقيد في المعادلة العراقية . ونحن برأينا ان الحل المناسب لهذه المعادلة المعقدة هو في تثبيت الكيانات القومية التي لها لغات مميزة خاصة بها وتثبيت الاديان فقط من غير اقحام تفرعات الاديان في الدستور ومن غير تثبيت الانتماءات الجغرافية التي قد تكون مثيرة للنزاعات العرقية وبغير ذلك فسوف يواجه الدستور مأزقا حسب تقديرنا . ان الكثير من الناس في الداخل والخارج لا يفهمون هذه المعادلة الصعبة فهم ينتظرون نتائج التغيير في الحياة السياسية في العراق على وجه السرعة , ويلقون باللوم على الولايات المتحدة وبريطانيا في انهما لم يحققا النموذج الذي وعدتا به في العراق , ولكن يجب ان لا نتوقع حدوث التغييرات الايجابية في فترة زمنية قصيرة لان ذلك شيئا مستحيلا . دعونا ننتظر ولادة الدستور المنتظر لنرى ما ستؤول اليها الاحداث بعد الدستور وحينئذ سيكون لكل حادث حديث .
واما ما يتعلق بالديمقراطية في العراق فهل هي في أزمة في هذا البلد أم أن العراقيين ما زالوا لم يتآلفوا معها بعد؟ هل ان شجرة الديمقراطية لا يمكن زراعتها في تربة العراق أم أن مناخ العراق لا يصلح لها ؟ في الحقيقة ان البلد حاليا في مرحلة انتقالية وهي مرحلة الانتقال من الديكتاتورية بأسوء وأبشع صورها والتي دفع الشعب العراقي ثمنا باهضا جدا في تحمله لها لمدة ثلاث عقود ونصف الى مرحلة الحرية والديمقراطية التي لم يمارسها الشعب من قبل . ومثل هذه المرحلة الانتقالية تعتبر من أصعب المراحل في تاريخ الشعوب وخاصة عندما تأتي بشكل مفاجيء وليس بالتدرج , ففي هذه المرحلة المعقدة تتجمع كل مخلفات الديكتاتورية ورواسبها مع كل السلبيات الناجمة عن سوء تطبيق الديمقراطية بسبب حداثة عهدها وبالتالي تكون النتيجة اوضاع مزرية وبائسة كما هو واقع الحال في العراق حاليا , فلا الناس تلذذت بطعم عهد الديمقراطية الجديد لان العبوات الناسفة والسيارات المفخخة سممت عليهم هذا الطعم ولا هم بقوا على مرارة عهد الديكتاتورية السابق التي أستمرأوها وتطبعوا عليها ( بسبب طول العِشرة ) . الديمقراطية في العراق ما يزال عهدها جديدا ولم تترسخ بعد في النفوس والضمائر والوجدان وهي ماتزال مهددة بالوأد ان لم يتم حمايتها , فالديمقراطية لن تأتينا بايجابياتها العظيمة دون ان تسبقها آلام التحول ومعاناة التغيير, وشجرة الديمقراطية لن تعطي ثمارها دون مجهود من رعاية وسقاية , والطبيعة تخبرنا بان الانسان لن يشفى دفعة واحدة من أي عملية جراحية تجرى له , اذ لابد من ان يتحمل بعض الالام بعد الانتهاء من العملية ومن ثم يمر في مرحلة النقاهة , والعراق الان في مرحلة النقاهة بعد ان أجريت له عمليتين الاولى استئصال النظام الديكتاتوري الذي كان متحكما فيه وهذه العملية قد نجحت لحسن حظ العراقيين وهم يستحقون ذلك والثانية ولادة الديمقراطية وهذه ايضا يستحقوها ولكن الولادة كانت ولادة قيصرية عسيرة وهي لا زالت في مرحلة الخطر , والخطورة تأتي من الفايروسات التخريبية الارهابية التي لا يمكنها العيش والنمو الا في بيئة الظلم والارهاب , فهذه الفايروسات ماتزال موجودة في المجتمع وتعمل على قتل هذا الوليد الجديد الذي ان كتب له البقاء سيكون عهده عهد رخاء . ان اتباع النظام السابق ومريديه مازالوا موجودين ويعيثون في الارض فسادا ودمارا وخرابا ولسان حالهم يقول ( طالما اننا فقدنا مناصبنا وامتيازاتنا الرفيعة مع رحيل النظام السابق فاننا لن ندع الناس يهنأون ويسعدون بالنظام الجديد ) مثلهم الاعلى قول الشاعر : اذا مت ظمآنا فلا نزل المطر . مثل هذه النفوس الحاقدة والمريضة لن يكون الوطن ذا قيمة عندهم حتى يقاوموا المحتل من أجله . فهؤلاء مدعي المقاومة والجهاد ما هم الا المفسدون في الارض زارعي الموت والدمار وحاصدي اللعنات على اعمالهم المنكرة , ان تسمية انفسهم بالمقاومة ما هي الا واجهة للتغطية والتمويه على حقيقة أهدافهم الشريرة , ان العمليات المسلحة الدائرة في العراق حاليا انما هي في الحقيقة صراع تاريخي بين قوى الديمقراطية ممثلة بجماهير الشعب العراقي التي عاشت الحرمان والقهر والاستبداد وبين قوى الديكتاتورية ممثلة بفلول النظام البائد تساندهم مجموعات الارهابيين القتلة من طالبي الجهاد الديني ( متعددي الجنسيات ) , وبسبب ضعف امكانيات الدولة العراقية في العهد الجديد في مكافحة قوى الارهاب الوافد من الخارج فان القوات الاجنبية المتعددة الجنسيات الصديقة للشعب العراقي تقوم بدعم واسناد جهد الدولة في هذا المجال . وبالتالي فان تواجد هذه القوات في بلادنا في الوقت الحاضر بالرغم من مرارته هي لمصلحة الشعب العراقي ولضمان أمنه ومستقبله وحماية تجربة الديمقراطية الوليدة في بلدنا , خاصة واننا ما زلنا في مرحلة تحول من عهد مظلم مضى الى عهد مشرق جديد , ومن هذا المنطلق نرى انه لا ينبغي ان نعزو سبب مشاكلنا وسوء أوضاعنا الحالية الى وجود القوات الاجنبية , وكلامي هذا ليس دفاعا عن هذه القوات وانما نقدا لعيوبنا ومساوئنا , لان سنوات الحصار المر التي عشناها سابقا جعلتنا فاقدي الصبر , فاقدي الامل , فاقدي الثقة , اصبحنا متذمرين من سوء الاحوال ولكن كيف ينجز البناء اذ كلما ارتفع قليلا تطوع مجرم ليهدمه بعبوة ناسفة أو بسيارة مفخخة او مجنون تحزم بحزام الجنة , اصبحنا ناقمين على الاوضاع لعدم توفر الماء والكهرباء والامان , ولكن من الذي يفجر محطات ضخ مياه الشرب ؟ ومن الذي يفجر انابيب الوقود التي تغذي محطات توليد الكهرباء ؟ ومن الذي يفجر نفسه وسط رجال الشرطة او رجال الحرس الوطني ليمنع الدولة من النهوض والوقوف على قدميها ؟ أليس هم الارهابيين القادمين من خارج البلد ؟ فمن الذي يأويهم ويوفر الملاذ لهم ويرشدهم ويكون دليلا لهم نحو أهدافهم ؟ هؤلاء الارهابيين المجانين الباحثين عن الجهاد لغرض السفر الى الجنة لا يجدون مكانا لينتحروا فيه غير العراق , وكأن العراق أصبح محطة سفريات الى الجنة وكل من يرغب بزيارة الجنة والاقامة فيها اقامة دائمية عليه ان يسافر الى العراق وكل ما مطلوب منه هو ان يفجر نفسه وسط العراقيين فيقتل العشرات وبذلك يستلم تذكرة السفر الى الجنة . ان مشكلتنا ليس في وجود القوات الاجنبية على اراضينا والتي هي السند الحقيقي لشعبنا في القضاء على الارهاب الوافد الينا , أن مشكلتنا تكمن في وجود الارهابيين القتلة القادمين عبرالحدود وفي من يدعمهم ويرشدهم ويوفر لهم الملاذ من الداخل , نحن بحاجة الى وقفة مع الذات لنحاسب انفسنا , هل اننا قادرون على التعايش مع المفاهيم الجديدة لبناء بلدنا بناءا صحيحا وانقاذ انفسنا وانقاذ ابنائنا من عهود قاسية مضت الى غير رجعة أم اننا فقدنا الثقة بانفسنا وفقدنا القدرة على تحدي الصعاب وفقدنا القدرة على صنع المستقبل ؟
ان على الشعب العراقي ان لا يقف موقف المتفرج من هذا الصراع لان مستقبل العراق يتوقف على نتيجة هذا الصراع , ان القوى التي تنضوي تحت مسمى المقاومة ماهي الا القوى التي تضررت من تغيير النظام السابق والقوى المتحالفة معها من قوى دينية متخلفة رجعية متعصبة تكفيرية جهادية متعددة الجنسيات , ويا لبؤس العراق ويا لسوء حظه لو استطاعت هذه القوى ان تستلم زمام الامور في البلد , وما مطاليبها بخروج القوات متعددة الجنسيات من البلد الا تعبيرا عن كون هذه القوات هي العقبة الكبرى امام تحقيق أهدافها الشريرة في اعادتنا الى الظلام . اننا نقولها صراحة ان مستقبل العراق مرهون بالقضاء على تلك الفئة الباغية التي تدعي المقاومة وهي تمزق الوطن , وتدعي الجهاد الديني وهي تقتل المدنيين الابرياء . ولهذا السبب نعلن بصراحة اننا نؤيد بقوة بقاء القوات متعددة الجنسيات في بلدنا في الظرف الراهن باعتبارها قوات بلدان صديقة جاءت لمساعدتنا على ترسيخ دولة الديمقراطية والدستور وترسيخ العهد الجديد الذي يبشر بمستقبل واعد للشعب العراقي , لاننا بصراحة ايضا لا نثق بهؤلاء مدعي الجهاد والمقاومة وأياديهم ملطخة بدماء الابرياء من شعبنا وهم يتحملون ذنبا كبيرا وأثما عظيما عما أرتكبوه بحق جميع الاطفال الايتام وجميع النساء الارامل وجميع الامهات الثكالى في بلادنا . واما القوات الاجنبية فاننا على ثقة أكيدة من ان هذه القوات الصديقة سترحل حالما تطلب منها ذلك أي حكومة عراقية منتخبة متى ما وجدت تلك الحكومة ان لها المقدرة الكافية للسيطرة على امن البلد وحينئذ سنقول للقوات المغادرة شكرا ايها الاصدقاء .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رهان ماكرون بحل البرلمان وانتخاب غيره أصبح على المحك بعد نتا


.. نتنياهو: سنواصل الحرب على غزة حتى هزيمة حماس بشكل كامل وإطلا




.. تساؤلات بشأن استمرار بايدن بالسباق الرئاسي بعد أداءه الضعيف


.. نتائج أولية.. الغزواني يفوز بفترة جديدة بانتخابات موريتانيا|




.. وزير الدفاع الإسرائيلي: سنواصل الحرب حتى تعجز حماس عن إعادة