الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دعوة لتشكيل جمعية وطنية للاضراب عن الكتابة

صالح بوزان

2005 / 7 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


قد لا أكون الوحيد من الميؤسين عن الوضع في سوريا، فكل ما قيل من قبل ما يسمى بالجناح الإصلاحي في النظام ومؤسساته( الجبهة الوطنية التقدمية نموذجاً)، وما كتب ويكتب من قبل المعارضة السورية بشقيها العربي والكردي، وكذلك من قبل منظمات حقوق الإنسان وجماعات المجتمع المدني ذهب ويذهب أدراج الرياح. فالأحكام العرفية لن ترفع عن كاهل الشعب، والديمقراطية كحاجة ملحة للمجتمع السوري لن يطلق سراحها، والإصلاح الذي بالإمكان أن يحسّن معيشة الشعب ويخلق حراكاً سياسياً واقتصادياً وفكرياً بعيد المنال، وتعامل النظام مع الشعب خارج الدولة الأمنية وهم كبير، والحديث عن الحقوق والواجبات بالمعنى القانوني لن يجد له مكاناً في التطبيق، والفساد هو الإطار المنظم للنظام ومؤسساته ولا توجد قوة من داخل النظام قادرة على القضاء عليه، لأن في ذلك نهاية النظام.
هذه اللوحة السوداوية ليست من بنات أفكاري، بقدر ما هي آخر ما توصل إليه الجميع. والمتتبع للمقالات والأبحاث القيمة التي تنشر في الانترنيت عن الشأن السوري يستشف صحة ما أقول. كما أن الشارع السوري بكل فئاته الاجتماعية ينطق بذلك. زد على ذلك أن هذا اليأس الذي أشير إليه تفاقم بعد المؤتمر العاشر للحزب الحاكم، فقد فجرت الدعاية له في نفوس المواطنين خلال عدة شهور آمالاً كبيرة ومن ثم انطفأت هذه الآمال بعد نتائج ذلك المؤتمر العتيد. وبكلمة أعم فإن الشلل في الوضع السوري عام ويجتاح كل صغيرة وكبيرة من حياة الشعب السوري وتفكيره.
لا أجزم أن النظام خطط مسبقاً لهذه الحالة، وأن ما قام به خلال عدة عقود كان يهدف من ورائه إيصال أمثالي إلى هذه الحالة اليائسة، لكن حقيقة الأمور هكذا. وإذا صدقت الأخبار التي تتسرب من الزوايا المعتمة، حول المفاوضات السرية بين النظام والإدارة الأمريكية( أو الحوار إذا شئت)، فإن ذلك يعني أن النظام لا يفكر بأي تغير جوهري داخلي له علاقة بحياة المواطن السوري، بل يبحث عن مرتكزات خارجية لكي لا يجبَر على الالتجاء إلى الشعب كمصدر وحيد للمقاومة ضد الإملاءات الخارجية التي تزداد يوماً بعد يوم. ويبدو أن تلبية هذه الإملاءات أقل خطراً على النظام من ملاقاة الشعب.
ثمة حقيقة لا بد التأكيد عليها، وهي أن العامل الخارجي بالنسبة للبلدان المتخلفة له الدور الأول في الانعطافات الكبيرة، وعبر التاريخ كانت البلدان التي تفقد عناصر نموها تتعرض للتفسخ وتصبح لقمة صائغة لأي قوة غازية. وفي المرحلة الراهنة من تطور البشرية والتي تقتحم العولمة بكل تركيبتها الاقتصادية والتكنولوجية والإعلامية والسياسية جميع الأبواب المغلقة، يصبح هذا العامل الخارجي المفصل الرئيس لأي تغير محتمل. وقد كان النظام السوري أول من أدرك هذه الحقيقة، ولذلك سارع إلى تخوين كل من فكر بالعامل الخارجي. لقد كان الهدف من هذه الشعاراتية ذات الضجيج العالي(أقصد التخوين) لجعل أي تغير نتيجة هذا العامل الخارجي أو تحت تأثيره محصوراً فيه ويضمن شروط بقائه. لقد خلق النظام رعباً في نفوس الناس وخصوصاً في صفوف المثقفين وتجمعات المجتمع المدني وحقوق الإنسان بأن أي تفكير بالعامل الخارجي هو خيانة عظمى، ومعروف عقوبة الخيانة العظمى في أي بلد في العالم. ولهذا نجد مثقفينا والمعارضة يبدؤون حديثهم أو عند كتابة أية مقالة بترديد فاتحة بوقوفهم ضد التدخل الخارجي، وأنه لا يريد التغير بواسطة الدبابة الأمريكية خشية من تهمة الخيانة الوطنية. وبدوري أقول أيضاً أنني ضد التدخل الأمريكي في شؤوننا الداخلية، ناهيك عن تدخلها العسكري الذي سيجلب الكوارث للجميع. ولكن هل يلتزم النظام بما يحذر غيره منه؟ وهل هو فعلاً ضد أمريكا؟ ويرفض التعامل معها لأنها دولة إمبريالية استعمارية والحليفة الحميمة لإسرائيل والمأمورة باللوبي الصهيوني؟ ولا ينجر وراء أكاذيب أمريكا حول الإرهاب، ومازال يعمل ثورياً(لكونه نظام حزب ثوري-انقلابي) لقيادة الأمة العربية ضد الهجمة الأمريكية على المنطقة؟.
سأترك الجواب للمواطن السوري، ولمن يتابع الانترنيت يوميا،ً وأعود إلى فكرة التخوين وتهمة العمالة للخارج التي أصبحت سيفاً مسلطاً على رقاب المثقفين والساسة السوريين المعارضين. لقد أصبح الخوف العامل الوحيد الذي يصيغ أفكارنا ويحدد سلوكنا. فعندما نفكر يقتحم الخوف تفكيرنا، وعندما نتصرف يتحكم الخوف آلياً بتصرفاتنا ( وأنا أعترف بهذا وأنحني إجلالاً أمام شجاعة غيري). بكلمة أخرى فنحن في الحقيقة نصف أموات ونصف أحياء. وهناك من قال أن المجتمع السوري مجتمع ميت، وهو غير منتج على مختلف الأصعدة، وأضيف على ذلك أن ثمة استثناء في حالة واحدة، وهي الحالة التي ينتج فيها النظام الخوف بغزارة في نفوسنا، ويوزع شهادات حسن السلوك من هو وطني ومن هو غير وطني. لقد ازداد هذا الخوف بعد أن ذكرت منظمات حقوق الإنسان عن حالات فقدان الناس في سوريا واختطافهم. وبغض النظر عن تصديق أو عدم تصديق رواية النظام عن اختطاف العلامة الشيخ معشوق الخزنوي وقتله، فإن الحدث بحد ذاته تحول إلى رسالة وصلت إلى جميع الساسة" المتمردين " والمثقفين" العصاة".
أعتقد أن العديد منا يفكر بالهروب من البلد إلى أية بقعة في العالم الغربي، ليس حباً بالغربة ولا ضعفاً في وطنيته، بل فقط ليعيد للكرامة الشخصية اعتبارها، ويعيش في مجتمع يكون القانون هو معيار تعامل الدولة مع المجتمع والأفراد. وقد سبقني إلى القول أحد الكتاب الفرنسيين بأن وطناً أعيش فيه ذليلاً فقيراً مهاناً لا أكن له أي احترام ولا مودة، بل لن أكون قادراً على الدفاع عنه(بشيء من التصرف).
لقد أصبح الاهتمام بالشأن العام يجلب المخاطر لصاحبه، فإذا لم تعمل كما يريد النظام أو تسكت فأنت مشكوك بوطنيتك، لأن الوطن كما يعتبره حزب البعث هو وطن هذا الحزب(سوريا البعث). فتصور أن "ثورة" البعث التي لم تعد ثورة، والنظام الاشتراكي في سوريا( كما هو وارد في الدستور) لم يعد نظاماً اشتراكياً، فإن محاكم النظام الخاصة مازالت تحاكم الناس بتهمة معاداة الثورة والنظام الاشتراكي. وتحولت مطالبة الأكراد بحقوقهم الثقافية تهمة كبيرة تفسرها هذه المحاكم بالسعي لاقتطاع جزء من تراب الوطن وضمه إلى بلد آخر، وحتى الآن لا أحد يعرف ما هو ذلك البلد الذي تعنيه محاكم أمن الدولة.
لا أعتقد أن ما أكتبه جديد على القراء، فالمثقفون السوريون كتبوا أعمق من ذلك بكثير، وبمنهجية علمية متطورة. ولكن ما دفعني إلى لملمة هذه الأفكار بروز فكرة طوباوية أخذت تراودني منذ فترة، وهي الدعوة إلى تشكيل جمعية وطنية للإضراب عن الكتابة. لاشك أن تاريخ الفكر البشري يفسر هذه الحالة علمياً، حيث تقول أمهات الكتب الفلسفية أن غياب القوة المادية والمعنوية لتغير الواقع المتجسد في منظومة منتهية تاريخياً ومع ذلك ما تزال تتحكم بكل مفاصل المجتمع الرئيسية بقوة الاستبداد تدفع هذه الحالة الناس إلى الحلم والتصوف والانفراط في العبادات والطقوس الخرافية. ربما هذه الحقيقة التاريخية هي التي دفعتني إلى طرح هذه الدعوة، خصوصاً أنني أقرأ يومياً كتابات قيمة لمثقفينا البواسل حول الشأن السوري العام، ورغم ذلك تذهب هذه الكتابات إلى مستودع النسيان الذي شيده النظام
أعرف مسبقاً أن العديد من المثقفين الوطنيين سيتهمونني بالهروب والخوف، ولن أكون قادراً على الرد عليهم، بل قد يكونوا مصيبين مائة بالمائة. وربما يذكرني أحدهم بماركسيتي وقوانين الديلكتيك التي تقول أن التراكم الكمي سيؤدي حتماً إلى التحول النوعي. لكنني أعتقد( ولينتقدني من ينتقد) أن الديالكتيك لا يفعل في سوريا منذ أربعين سنة(وسبحان الذي يعطل الديالكتيك). ولهذا لا أرى جدوى من الكتابة في بلد تصبح فيها الكتابة إما وسيلة للارتزاق أمام بوابات الدولة الأمنية، أو تهمة قد تصل إلى الخيانة العظمى وبالتالي إلى نموذج سوري للمشنقة. وبالمناسبة(وليعذرني القارئ من الاستطراد) فالنظام سيتفق مع أمريكا على كل صغيرة وكبيرة، وسيضمن بذلك بقاءه بطريقته المتبعة(مع بعض الرتوش) أربعين سنة قادمة على أقل تقدير.
لا شك أنني لست شخصية اعتبارية ، لا على صعيد السياسة ولا على صعيد الثقافة، بل لست معروفاً على صعيد الكتاب السوريين حتى تكون لدعوتي هذه أهمية ملفتة للانتباه. ولكني أعتقد أن نسبة كبيرة من المثقفين السوريين والساسة الذين هاجروا هذه المهنة(مهنة الكتابة عن الشأن العام) قاموا بهذا الإضراب دون الإعلان عنه، وأعتقد أيضاً أن هذه الكتلة ولدت وتضخمت خلال عقود سلطة البعث، وستكون في ازدياد بعد اليوم. إنهم مشتتون في شتى أصقاع الوطن المحروم من ذاته، ولديهم معاناتهم الكبيرة، فما المانع من إيجاد جمعية لهؤلاء المهمشين، خصوصاً أن جمعية من هذا النوع لن تحتاج إلى الموافقات الأمنية على ما أعتقد.
أقسم بأنني جاد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هدنة غزة وصفقة تبادل.. تعثر قد ينذر بانفجار| #غرفة_الأخبار


.. إيران والمنطقة.. الاختيار بين الاندماج أو العزلة| #غرفة_الأخ




.. نتنياهو: اجتياح رفح سيتم قريبا سواء تم التوصل لاتفاق أم لا


.. بلينكن يعلن موعد جاهزية -الرصيف العائم- في غزة




.. بن غفير: نتنياهو وعدني بأن إسرائيل ستدخل رفح وأن الحرب لن تن