الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأرض والمقاومة الشعبية00 وكي الوعي الإسرائيلي

جمال ابو لاشين
(Jamal Ahmed Abo Lasheen)

2014 / 3 / 29
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


للذكرى الثامنة والثلاثين ليوم الأرض الخالد، ولكل من انتفض دفاعاً عن الجليل والمثلث والنقب، وكل بقعة في فلسطين، وللذكرى الحادية عشر للمتضامنة الأمريكية راشيل كوري التي قضت وهي تمنع الجرافات الإسرائيلية من هدم منازل الفلسطينيين ، والناشط البريطاني توم هرندل الذي قضى بعدها بشهور دفاعاً عن أطفال فلسطينيين تعرضوا لوابل من نيران الجيش الإسرائيلي في رفح ومن أجل والدته الثكلى التي وصفت ممارسات إسرائيل وجيشها بأدق وأوضح الصور بعد تعرضها وأسرتها لنيرانهم حين قدمت لمشاهدة مكان مقتل نجلها حين قالت عبارتها الشهيرة " يوجد هنا ثقافة لقتل كل شيء يتحرك" ، لكل هؤلاء جاءت تلك الدراسة المتواضعة.

مقدمة

إن الأرض والصراع عليها، والقوانين التي حكمتها منذ الوجود التركي، ومن بعده البريطاني على أرض فلسطين، وما نتج عنها من تملك اليهود المهاجرين لفلسطين لتلك الأراضي بطرق غير شرعية أفضت لأقوى صراع في المنطقة العربية على وجودنا ومستقبلنا، ولو لم تأخذ قضية الصراع على الأرض بعداً نضالياً ووطنياً لوجدنا أنفسنا خارج الوطن والتاريخ، ولذلك ظلت قضية الأرض هي ( محور الصراع ) بين المشروع الامبريالي الصهيوني، وبين مشروعنا القومي و الوطني ومن يومها لم يتوقف العدو الصهيوني ممثلاً بإسرائيل عن استصدار قوانينه وممارسة سياساته في ابتلاع الأرض الفلسطينية وفقاً لنظريته التوسعية والعنصرية التي تتماشى ومقولة " ما أصبح في يدنا فهو لنا، وما في يد العرب هو المطلوب".

فكان نتيجة هذا الصراع المتعدد الوسائل والأدوات أن هب الشعب الفلسطيني دفاعاً عن أرضه، فنوع وسائله سياسياً وعسكرياً واقتصاديا واجتماعياً في النيل ممن يهدفون لإلغائه أرضاً وشعباً، وكان العمل المسلح، والمقاومة الشعبية أسلوبان انتهجتهما الفصائل في منظمة التحرير الفلسطينية و خارجها وتلك الدراسة تتطرق إلى الحراك الشعبي ما بعد بناء الجدارالعنصرى الإسرائيلي على أرض الضفة الغربية وما تلاها من تحركات في قطاع غزة.

ففي الأعوام الأخيرة تزايدت حالات المقاومة الشعبية الفلسطينية خصوصاً في الضفة الغربية، وتحولت بفعل الممارسات الإسرائيلية مع بناء جدار الفصل العنصري إلى مقاومة شعبية أكثر تنظيماً وأكثر رفضاً للاحتلال، وباتت تلك المقاومة الشعبية تستحضر الذاكرة الفلسطينية في الكثير من المحطات النضالية في التاريخ الفلسطيني المعاصر من زمن الانتداب البريطاني مروراً بانتفاضة الحجارة وصولاً إلى نعلين، وبلعين حتى باب الشمس، وأحفاد يونس، والكرامة، وعين حجلة، كلها نماذج من المقاومة الفلسطينية أسماها الراحل ( إدوارد سعيد ) ( بقوة الضحية ) بوصفها القوة المدعومة بالحق مقابل جلاد مدجج بالسلاح يهاب الضحية الماثلة أمامه بكامل ضعفها بالمقياس العسكري، لأنها تجرده من قيمه وإنسانيته دون أن يدري، وتكسبه ضعفاً بعد أن تعريه أمام نفسه ومجتمعه.

لذلك كانت رسالة المقاومة الشعبية، واضحة ومركزة ومدعومة بالعديد من المناصرين الدوليين، في حين أنه لا يزال هناك من لا يطيق ذرعاً بتلك المقاومة ويخيل للبعض منهم أن مجرد لبسنا عباءة المقاومة الشعبية هو دليل ضعف، وهوان، وقوة العاجز الذي لا يقدر على غير ذلك، لكن تجارب الشعوب أثبتت قوة وتأثير تلك المقاومة في الضمير العالمي، لذا هي أسلوب من أساليب النضال الفلسطيني قد تزداد أو تتراجع تبعاً للظروف المحيطة، والقدرة على التواصل والصمود، وهو ما يحتاج منا تطويره في عدة اتجاهات، ولعدة مستويات، وهذه الدراسة تلقي الضوء على المقاومة الشعبية في الضفة الغربية في السنوات الأخيرة وكيفية تطورها،وانتقالها مؤخرا لقطاع غزة ، وهل هناك حاجة فلسطينية رسمية لتفعيلها بما يضمن تحقق الأهداف الفلسطينية.

كي الوعي الفلسطيني

في بداية انتفاضة الأقصى ظهرت نظريات إسرائيلية تتحدث عن الحسم النفسي في الحرب لتبرير استخدام القوة، وقد مثل تلك الرؤية الجنرال ( إسحاق بن إسرائيل ) منظر الحرب الجديدة حول الوعي، فتوجهه راق كثيراً لقائد سلاح الجو الإسرائيلي ( دان حالوتس ) المقتنع بآلية استخدام القوة لمسح الطرف الأخير ( والمقصود الفلسطينيين ) ليؤثر على وعيهم المستقبلي، وهو أيضاً ما وصفه نائب رئيس الأركان الإسرائيلي وقتها موشيه يعلون بمصطلح ( كي الوعي الفلسطيني ) بحيث يفهم الفلسطينيون الحدود الجغرافية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية التي وضعتهم فيها إسرائيل.

ورغم الكثير من التحذيرات التي تقول أن التدمير لا يخدم الأهداف السياسية فقد كان الفهم الإسرائيلي تحت قيادة ( شاؤول موفاز ) رئيس الأركان الإسرائيلي للعلاقة مع الفلسطينيين ليس كطرف يجب الاتفاق معه بل يجب إبادته هكذا بلورت اسرائيل علاقتها مع الفلسطينيين لاسيما وأنها ناورت بحجم الدمار والقتل الذي اعتادته في ممارساتها اليومية ضد الشعب الفلسطيني لجره للرد عليها، حتى حينما كان هناك هدنة كانت تلجأ دوماً لانتهاكها، والعجيب أنه قد لاءم شارون كثيراً ما صرح به إيهود باراك عقب كامب ديفيد بأنه لا يوجد شريك فلسطيني، وبالتالي لا يوجد من يتفاوضون معه، وذلك بمعناه الأوضح وقف لمسيرة السلام، وتبني حلول أحادية الجانب وهو ما اعتمدت عليه اسرائيل ليس من باب الوصول لحل بقدر ماهو فرض للحل من جانبها يبقي على 75% من المستوطنين يجري إدخالهم ضمن أي حل قادم داخل حدود إسرائيل رغم تعديهم على أراضي الضفة الغربية، وهو ما جعلها تتخطى خط الهدنة عام 1949 والمعروف ب ( الخط الأخضر ) وتتقدم بجدار الفصل العنصري داخل حدود الأراضي المحتلة عام 1967.
هذا الواقع كان المسيطر على التسوية السياسية ويتلخص في نقطتين وهما :
1- وصول إسرائيل في التسوية السياسية لدرجة أن السياسي فيها لا يمكنه التصادم مع الواقع الاستيطاني ، وبالتالي يدرك أن شعبيته الجماهيرية تتطلب إرضاء المستوطنين الذين نسجوا علاقات قوية مع الجيش.
2- تصاعد العمليات العسكرية وإغراق المنطقة بالدماء للبحث عن حلول أحادية، وهي حسب تعبير بعضهم عملية طلاق نهائي مع الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع مما قد يقنع المجتمع الدولي بوجود تقدم في عملية السلام حتى ولو من جانب واحد.



الجدار وحدود إسرائيل السياسية

من المهم أن نعي جيداً أن الجدار في الضفة الغربية والانسحاب من قطاع غزة مثلا إجراءان من جانب واحد وعكسا واقع فرض الحل حسب الرؤية الإسرائيلية، فالجدار الذي اقترح بناءه من وزارة شئون الأمن في 2002.4.14، وأقرته بعد ذلك الحكومة الإسرائيلية في 2002.6.3 لم يكن جداراً أمنياً كما روج له بل خطط برضي المستوطنين الذين ضغطوا على الحكومة لإبعاده شرقاً قدر الإمكان حتى يتمكنوا مستقبلاً من التوسع في المصانع والبيوت والأحياء، لقد تجاهلوا الحدود القديمة، ولم تعد قدسية للخط الأخضر حسبما صرح نائب وزير الدفاع ( زئيف باومن ) لقد تعدى الجدار ليس فقط الأراضي، إنما قرى كاملة أصبحت في القسم الغربي من الجدار، وقد حاولت المحكمة العليا الإسرائيلية تقنين تلوي الجدار وابتلاعه المزيد من أراضي الضفة الغربية بعد أن تضمن تقرير الأمين العام للأمم المتحدة وقتها( كوفي عنان ) تحذيراً من أن الجدار يتم بناء معظمه داخل الأراضي الفلسطينية والذي أرسله فيما بعد إلى الجمعية العمومية التي بدورها طلبت من محكمة العدل الدولية في لاهاي رأياً قانونياً فيه.

لذلك كان قرار المحكمة العليا الإسرائيلية بإعادة ترسيم الجدار في منطقة بيت سوريك غربي القدس للتقليل من المس بالسكان، وفهم هذا الإجراء بأنه إشارة لمحكمة العدل العليا في لاهاي أن هناك قانون فاعل في إسرائيل يوازي بين الحاجات الأمنية وحاجات السكان الفلسطينيين.

لقد اصطدم قانون المحتل بالقانون الدولي وحاولت إسرائيل المراوغة في أن ميثاق جنيف الرابع لا يسري على الضفة الغربية وقطاع غزة حيث سبق وأعلنت رفضها ذلك وأنها تعاملت مع القانون الدولي بجانبه الإنساني فقط مع المناطق المحتلة. دفاع إسرائيل لم يقنع المحكمة التي وافق 14 قاضياً منها وعارض قاض واحد على أن الجدار أنشأ واقع غير قانوني لذا وجب تفكيكه وتعويض الفلسطينيين المتضررين، وتوصية مجلس الأمن بإدانة اسرائيل لخرقها القانون الدولي.

الخطورة التي تكمن هنا ليس في قانونية الجدار من عدمه، ولا في إمكانية خدمته أمن إسرائيل كما تدعي، إنما هي في أن الجدار بحكم تدخل المحكمة العليا الإسرائيلية في عدة مراحل من إنشائه تم تسويقه ( كجدار سياسي ) فوزيرة العدل تسيبي ليفني في مؤتمر عقد بنتانيا لجمعية القضاء صرحت : " أن الجدار هو الحدود المستقبلية لإسرائيل، وأن محكمة العدل العليا في إسرائيل رسمت حدود إسرائيل بقرارات صادرة عنها ".
لذلك عندما حاول الفلسطينيون الدفاع عن أراضيهم بموجب القانون الدولي وأحكام محكمة العدل العليا في لاهاي، بطريق اللاعنف ووجهوا بقوة وقتل بعض المتظاهرين، في حين رد رئيس المجلس الإقليمي ( شاؤول غولد شتاين ) ساخراً بأنه لا توجد أهمية لمسألة ملكية الأراضي فمن حق شعب إسرائيل الاستيطان في كل أجزاء يهودا و السامرة أي ( الضفة الغربية ).

تلك المواقف دعت إلى مقاومة الجدار منذ وقت باكر بمشاركة نشطاء إسرائيليين ودوليين محبين للسلام، وكانت المقاومة الشعبية موجهة ضد الجدار العنصري، وضد المستوطنين الذين يدفعون الجدار بقوة داخل الضفة، ولم تستطع إسرائيل أن تكيف نفسها مع المظاهرات السلمية، وردت عليها بالرصاص البلاستيكي، وثم بالأعيرة الحية وتطورت لرصاص خاص من نوع كيماوي، كما لونت إسرائيل رصاصها من أزرق لأحمر ونتيجة ذلك استشهد وجرح الكثير من المتظاهرين، المظاهرات سارت بشكل منظم مما أكسب النضال الشعبي بعداً دولياً، وكانت بلعين من أوائل القرى التي ثارت ضد الجدار بمشاركة المتضامنين الدوليين.

الانسحاب من غزة

2005.2.16 أقرت الكنيست بالقراءة الثالثة وبأغلبية 59 صوت ومعارضة 40 صوتاً وامتناع 5 أصوات تنفيذ الانسحاب من غزة، وفي 2005.4.20 ناقشت جلسة الحكومة برئاسة ( آرئيل شارون ) موضوعين مهمين أولاً إعادة ترسيم جديد للجدار وثانياً الانسحاب من غزة، وكان الهدف تخفيف الضغط الدولي، وإرضاء الأمريكان خصوصاً وأنهم منشغلون بحرب العراق، طرح الموضوع في الحكومة ونوقش تحت مبدأ ( العصا والجزرة ) بحيث تشمل العديد من المستوطنات في الترسيم المتواصل للجدار في الضفة مقابل قطاع غزة خالي من المستوطنات كان القرار من جانب واحد فهمته السلطة الفلسطينية، ومنظمة التحرير حينها بأن إسرائيل تتصرف بناء على رؤيتها للحل من طرف واحد، وأنها واقعيا لم تعد شريكاً في التسوية السياسية.

لقد خططت إسرائيل منذ البداية لإلقاء قطاع غزة في حضن مصر لذلك تنازلت عن محور فيلادلفيا رغم كثرة الانتقادات لها حتى لا يظل عبء القطاع ملقى على عاتقها ولتكمل مخططها أغلقت الأبواب في وجه الفلسطينيين العاملين في إسرائيل وأعادت انتشارها على الحدود جواً وبراً وبحراً، في حين أدى الانسحاب لأن ترتخي قبضة المجتمع الدولي قليلاً عن الإمساك برقبة إسرائيل التي سارعت في إكمال بناء جدار الفصل العنصري وتنفيذ مخططاتها الاستيطانية.

البعض رأى أن الانسحاب يعتبر انتصار للمقاومة، في حين آخرين وجدوا فيه خبثاً إسرائيلياً يبقي على القطاع محاصراً من جهة، ومن جهة أخرى يظهر الإسرائيليين أمام المجتمع الدولي بأنهم جادون في التسوية السياسية ولكن في حقيقة الأمر أراد الإسرائيليون أن ينفضوا يدهم من قطاع غزة ظاهرياً ويحكموا عليه السيطرة برا وبحرا وجوا ليس من خلال المعابر فحسب بل ومن خلال وسائل الاتصال، والكهرباء ، والبضائع ،والنقد، وغيرها الكثير من أدوات الاعتماد على اسرائيل.

المخطط الاستيطاني E1

منطقة E1 أو " شرق 1" هي اختصار لكلمة East بالانجليزية والتي تعني شرق بالعربية، وهي منطقة قررت الحكومة الإسرائيلية بناء المستوطنات فيها والبالغة مساحتها 12 كم2، وتقع تلك المنطقة بين مدينة القدس وتجمع معاليه أدوميم الاستيطاني شرق مدينة القدس.

ويشمل مخطط E1 بناء 3910 وحدة استيطانية في منطقة غرب معاليه أدوميم، إضافة إلى بناء 2152 غرفة فندقية، ومنطقة صناعية ومقر للشرطة الإسرائيلية ( والذي تم بناؤه في منطقة معاليه أدوميم عام 2008 ) أما الأراضي التي سيشملها المخطط ويأتي على حسابها وستتأثر حتماً بها هي ( العيسوية، والطور، والعيزرية، وأبوديس ، وعناتا، وشرق مدينة القدس ) وتقدر المساحة المصادرة حسب المخطط بإجمالي 13214 دونم ستصبح جزء من المخطط الهيكلي لمستوطنة ( معاليه أدوميم ) الإسرائيلية.

ومن الجدير ذكره أن المخطط الاستيطاني ( E1 ) أعلن عنه للمرة الأولى في العام 1995، وتم إقراره في العام 1997 إلا أن عملية البناء لم تتم بسبب تصاعد الانتقادات الدولية حول المشروع حيث يعتبر تجمع معاليه أدوميم من أخطر التجمعات الاستيطانية الموجودة في الضفة الغربية، وذلك لكونه ضمن محافظة القدس، ويشكل خطراً على تواصل شمال الضفة الغربية مع جنوبها، ويعزل القدس الشرقية عن باقي محافظات الضفة، كما أن هذا المخطط وبالمساحة الكبيرة التي يشملها و الوحدات الاستيطانية التي ستقوم بها من شأنه أن يعزز واقع ديمغرافي جديد في القدس عقب الانتهاء من بناء الجدار حول مدينة القدس وضم التجمعات الاستيطانية الكبرى المحيطة بمدينة القدس لإسرائيل حيث سيغير الواقع الجغرافي الجديد من الخريطة السكانية في مدينة القدس لصالح إسرائيل.

وكانت المستوطنة رمات شلومو قد أنشئت في العام 1990 على أراضي مصادرة من بلدات بيت حنينا والعيسوية ( من ضمنها بلدة شعفاط ومخيم شعفاط للاجئين وقرية لفتا)، وحولت المناطق المفتوحة بينها إلى مناطق خضراء على حد تعبيرها " أي ممنوع البناء فيها " وهو أسلوب تم إتباعه لعدم التوسع العمراني الفلسطيني إلى حين استكمال إسرائيل مخططاتها للمنطقة، وقد جاءت تلك المستوطنة كحلقة وصل بين مستوطني رامات أشكول الواقعة شمال مدينة القدس ورامون الواقعة شمال غرب المدينة لتحكم إغلاق المدخل الشمالي الغربي لمدينة القدس ضمن مخططها الأكبر لعزل المدينة عن باقي الضفة، وهو مشروع تهويد ( الحوض المقدس ) الذي طرحته بلدية القدس في تسعينيات القرن الماضي، ويشمل البلدة القديمة بكاملها وأجزاء واسعة من الأحياء والضواحي المحيطة بها فشمالاً، شملت حي الشيخ جراح ووادي الجوز، وشرقاً ضاحية الطور، وجنوباً ضاحية سلوان.

والمشروع المشار إليه يهدف لإنشاء مدينة أثرية مطابقة للوصف التوراتي للقدس أسفل المسجد الأقصى، وفي ضاحية سلوان، وأجزاء من الحي الإسلامي في البلدة القديمة، بحيث يؤدي في النهاية لإحلال اليهود محل الفلسطينيين بدءاً من المدينة القديمة ووصولاً لأحياء وادي الجوز والشيخ جراح، والطور، وسلوان، ورأس العمود.

إن التبريرات التي يقدمها الإسرائيليون من مختلف وجهات النظر السياسية والدينية هدفها طرد الفلسطينيين، وضم المناطق عندما يتغير الميزان الديمغرافي، ومن أهم وسائل الوصول للهدف قطع التواصل الجغرافي للأراضي الفلسطينية، وبذلك تصبح إقامة دولة فلسطينية فيها أمر غير عملي، وما يؤكد ذلك أن مبرر أمن اسرائيل الأكثر شيوعاً في طروحاتها والذي تتذرع به لشرعنة الاستيطان يدحضه العديد من جنرالات الجيش الإسرائيلي الذين يرون بوجود المستوطنات ضرر أمني أكثر منه عامل داعم للجيش ففي الحرب ستكون عبئاً على الجيش لحمايتها بدلاً من الاشتراك في القتال خصوصاً وأن قطعان المستوطنين أشبه بعصابات إجرامية بعيدة عن الانضباط العسكري، وعن فهم تقنيات الجيش وتشكيلاته وخططه.

هذه الرؤية الإسرائيلية لحل الصراع من خلال منع إقامة دولة فلسطينية متماسكة ومستقلة، وأقرب لإدارة حاكم منها لدولة استدعت بالمقابل محاربة تلك الرؤية في ابتلاع الأرض بالمقاومة، وإجترحت المقاومة الشعبية في الضفة العربية كوسيلة نضالية تستمد قوتها من الدعم الدولي، ومن قوة الحق والقانون لإفشال المخططات الإسرائيلية ( وكي الوعي الإسرائيلي بالمقابل ) لذلك سنتطرق إلى تجربة العديد من أماكن المواجهة الشعبية، وكيف كان الرد الإسرائيلي عليها، وما هو الذي تحقق من خلال تلك المقاومة الشعبية.

أولاً / قرية بلعين

قرية بلعين قرية فلسطينية تبعد 15.5كم غرب مدينة رام الله، وتبلغ مساحتها الكلية 3992 دونماً، وعدد سكانها 1796 نسمة، وبلعين تحريف لاسم الإله الكنعاني ( بعل ) وهو الإله المحارب الذي يمتشق السلاح، في حين أن الفينيقيين سموه إله الشمس بينما في الأساطير الأوغاريتية سموه الرزاق واهب المطر، وصوته الرعد كان عندهم يعني ( الخصب ).

كانت القرية تتبع قضاء الرملة، ولكن بعد نكبة العام 1948 أصبحت تتبع قضاء رام الله هذا وقد عمر سكانها المباني على 259 دونماً منها في حين زرعت باقي الأراضي فيها لتشكل مصدراً أساسيا للدخل في القرية، اتخذ الجدار العنصري مساره بجوار القرية وفصل سكانها عن نصف مساحة أرضهم تقريباً، مما فرض عليهم صعوبات كثيرة خصوصاً وأن الجيش الإسرائيلي أعاق وصولهم لأراضيهم وحال بينهم وبين زراعتها.

يحيط بالقرية أراضي خربثا بنى حارث، وكفر نعمة، وصفا، ودير قديس وفي نفس الوقت يدنو من حدودها قرابة 50.000 مستوطن يعيشون في 14 مستوطنة من أكثر المستوطنات سرعة في النمو بالضفة الغربية، ويتعرض السكان فيها باستمرار لهجمات المستوطنين عليهم وعلى أراضيهم.

وبعد ما أحدثه الجدار من خراب قامت مجموعات فلسطينية وإسرائيلية ودولية من نشطاء السلام بمظاهرات على عدة أشهر ضد تشييده على أراضي فلسطينية، وضد منح الحوافز للمستوطنين للانتقال إلى المناطق لتغيير تكوينها الديمغرافي والتي منها بالإضافة للمال، إصدار الحكومة الإسرائيلية تصاريح بتواريخ مسبقة لبناء منازل للمستوطنين على أرض خاصة كما حدث في بلعين، أو تزويدهم بالمواد والوسائل لتوسيع بؤرهم الاستيطانية.
وحول بلعين تعيش حوالي 40 عائلة من المستوطنين موزعة على أربع بؤر استيطانية تتألف هذه البؤر من 38 مبنى.

لقد عملت المظاهرات في بلعين على إسراع إسرائيل باستماتة لإيقافها فأدخلت وحدات من المستعربين من أجل تصفيتها، وأطلقت النار والقنابل الغازية على المتظاهرين ، ومع تكرار المشهد تشكلت حالة من المقاومة الشعبية السلمية أحرجت إسرائيل أمام المجتمع الدولي خصوصاً وأن هناك شهداء وإصابات بين المدنيين العزل مما حذا بمحكمة العدل العليا الإسرائيلية في 2007.9.4 لإعادة جزء من أراضي القرية فيما بني على الجزء الآخر الذي تم مصادرته حي يهودي كبير قررت المحكمة إبقائه كما هو، وبذلك حقق المتظاهرون هدفاً سياسياً من المقاومة الشعبية خصوصاً وأن الالتماسات التي قدمت للمحكمة أثبتت أن مصادرة الأراضي في قرية بلعين كانت لهدف بناء أحياء يهودية وبذلك ثبت أن إنشاء الجدار هدفه سياسي، واقتصادي وربحي أيضاً و لا يتعلق بأي جانب أمني.

وقد قررت لجنة جائزة ياسر عرفات للإنجاز بالإجماع منح اللجنة الشعبية لمقاومة الجدار والاستيطان في بلعين جائزة ياسر عرفات للإنجاز للعام 2007 ونظم حفل خاص بهذا الخصوص يوم 2007.11.12 في قصر الثقافة برام الله، حيث وصف د. نبيل قسيس رئيس لجنة الجائزة قرار منح الجائزة بقوله : " كان ياسر عرفات قائداً مقاوماً وفدائياً في المقام الأول وكانت حركة المقاومة التي قادها رائدة استطاعت أن تجتذب دعماً وتضامناً دولياً واسعاً وغير مسبوق في تجمع انضوت فيه جميع القوى المحبة للسلام في العالم " وقد جاءت الجائزة لأن قرية بلعين تمكنت من إتباع أسلوب واع ومؤثر في مقاومة المحتل واجتذاب تضامن دولي كان الشعب الفلسطيني بأمس الحاجة إليه وبذلك أعادت تعريف الصراع بدلاً من صراع على الأرض فقط إلى حقيقة اضافية أدركها المتضامنون الأجانب أن شعباً أعزل يواجه عدواناً من قبل مغتصب جائر وطماع.

لقد نجحت المقاومة الشعبية في بلعين لعدة عوامل أهمها :-

1- روح الجماعة التي سادت المقاومة، والابتعاد عن الفصائلية والحزبية، بحيث لم يرفع سوى العلم الفلسطيني منذ اليوم الأول للاحتجاج والمؤرخ في 2005.2.20 .
2- تولى قيادات شابة للأنشطة المناهضة للاستيطان والجدار، ومتابعة تلك الأنشطة قانونياً، وسياسياً.
3- حشد دائم للمتضامنين الأجانب ونشطاء حركات السلام الرافضين للجدار وقرارهم بمقاومته عملياً وبالصورة وبالفيلم القصير لنقل واقع للعالم يحاول الإسرائيليون على الدوام تبريره.
4- التميز والإبداع في اقتراح أفكار وعناوين ووسائل سلطت الضوء على القضية الفلسطينية من خلال قرية صغيرة حطم الاستيطان وجدار الفصل مقوماتها، وقدراتها، وضيق سبل العيش على سكانها المعتمدين على الزراعة بعد مصادرة نصف أراضيهم.

هذا وقد تحدث أحد الناشطين في المقاومة الشعبية من قرية بلعين في المؤتمر الثامن للمقاومة الشعبية فبراير/ 2014 عن سعادته لما تم تحقيقه على مدار الثمانية سنوات فالأرض التي أقيم عليها المؤتمر في بلعين تبلغ مساحتها 1200 دونم كانت مهيئة لبناء 1500 وحدة استيطانية، وحديقة وطنية للمستوطنين إلا أن وسائل المقاومة الشعبية، والقضاء والجهود الدبلوماسية الأجنبية أعادتها لأصحابها، وبني عليها متنزه للأطفال وتم استصلاح الأراضي الزراعية فيها وهذا بحد ذاته يعتبر نجاحاً حتى ولو لم يتمكنوا من إعادة كل الأرض المصادرة.

في حين أشار آخرون في المؤتمر إلى إخفاقات في أداء المقاومة الشعبية مشددين على ضرورة إحياءها وإعطاءها زخماً شعبيا أكثر.

وفي هذا السياق صرح رئيس الوزراء الفلسطيني رامي الحمد الله للعربية نت " أن المقاومة الشعبية إستراتيجية فلسطينية أساسية نتمسك بها وندعمها من أجل الحد من إجراءات الاحتلال المتواصلة لنهب الأرض وتهويدها وبناء المستوطنات عليها، وهي السبيل لإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة".

في نفس الوقت صرح عضو اللجنة المركزية لحركة فتح ( محمود العالول ) أن المقاومة الشعبية لا تتناقض مع المفاوضات، خاصة أنها حركة إنسانية.

ثانياً / قرية نعلين

قرية نعلين تقع على بعد 22 كم غرب مدينة رام الله، وتبتعد عن الخط الأخضر الحدودي مع اسرائيل بحوالي 3 كم، وتبلغ مساحتها الكلية 14800 دونم، المبني منها 393 دونم، ويحيط بالقرية أراضي كل من القرى التالية ( قبية، ودير قديس، والمدية، وبدرس )، وتقع القرية بكاملها ضمن المنطقة ( c ) والتي تخضع للإدارة الإسرائيلية حسب اتفاق أوسلو، والتي كان من المفترض أن تكون ضمن محافظة رام الله إلا أن إٍسرائيل عرقلت تسليم تلك المناطق للإدارة الفلسطينية، كانت نعلين قبل العام 1948 تتبع قضاء مدينة الرملة، وبعد النكبة أصبحت تتبع قضاء مدينة رام الله، بعد أن صودر 60 % من أراضيها وهجر السواد الأعظم من سكانها لخارج الوطن، ( يقدر عددهم في المهجر بـ 22 ألف نسمة )، واليوم تعداد سكانها قرابة 5000 نسمة يمر من قرية نعلين وادي الناطوف والذي تنسب إليه الحضارة النطوفية والمؤرخة 8000 إلى 14000 ق.م فيما يعرف بـ ( العصر الحجرى ) وقد اكتشفت هذه الحضارة لأول مرة عام 1928 على يد المنقبة( دورثي غارود ) في الكهف المعروف بمغارة شقبا، وهي تعتبر الخطوة الأولى للإنسان على طريق بناء أول مجتمعات زراعية في التاريخ.

واقتصاديا تعتبر نعلين المركز الاقتصادي الأهم في منطقة غرب رام الله حيث يكثر فيها مخازن البترول، ومصانع العصائر، والجلود، ومعاصر الزيتون، وشركات الباصات، كما أنها تعج بالمحال التجارية وورش الحدادة والتجارة وتصليح السيارات.

وكغيرها من القرى الفلسطينية تعتبر الزراعة أحد أهم مصادر دخلها، وأهم ما تزرعه الصبر، والزيتون، والتين، واللوزيات، والخضروات.

وقد ابتليت تلك القرية بمرور جدار الفصل العنصري من أراضيها ملتهماً آلاف الدونمات المزروعة خاصة الزيتون، حيث أصيب إنتاجها الزراعي بنكسة كبيرة جراء مصادرة مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية. ومنذ منتصف العام 2008 انطلقت المظاهرات الأسبوعية بها احتجاجاً على بناء الجدار الإسمنتي الذي فصل بيوت القرية عن أراضيها الزراعية حيث استشهد في القرية خمسة متظاهرين فلسطينيين منذ بدء الاحتجاجات اثنان منهم قاصران والشهداء هم :-
1- أحمد موسى – 10 أعوام في 29.7.2008 جراء عيار ناري.
2- يوسف عميرة – 17 عاماً في 30.7.2008 تم إصابته برصاص معدني مغلف بالمطاط استشهد بعدها في 4.8.2008.
3- عرفات الخواجا – 19 عاماً في 28.12.2008 قتل عمداً بالرصاص
4- محمد الخواجا – 19 عاماً في 28.12.2008 قتل عمداً بالرصاص
5- عقل سرور – 36 عاماً في 5.6.2009 قتل برصاص يسمى ( التوتو )

هذا في حين كشفت المنظمة الحقوقية بيتسيلم عن شريط فيديو صورته فتاة فلسطينية من سكان قرية نعلين يظهر فيه جندي وهو يطلق رصاصة معدنية مغلفة بالمطاط باتجاه ( أشرف أبو رحمة ) الذي كان موقوفاً ومكبلاً ومعصوب العينين من مسافة قصيرة، وبحضور ضابط إسرائيلي برتبة مقدم، وقد لاقى هذا الفيلم القصير عن همجية الجنود الإسرائيليين استنكاراً دولياً، اضطرت اسرائيل بعدها بفتح تحقيق لدى الشرطة العسكرية للتخفيف من ردود الفعل الدولية ، وحكمت على الضابط مع وقف التنفيذ وتجميد ترقيته لعامين، أما الجندي ويدعى ( ليوناردو كورياه ) فقد خفضت رتبته لجندي من الدرجة الثانية.


ثالثاً / قرية باب الشمس

رداً على حجم المخططات الاستيطانية في منطقة القدس وما حولها، جاءت فكرة إقامة قرية باب الشمس في 11 يناير 2013 على أراضي منطقة ( E1 ) المنوي البناء عليها لربط المستوطنات، وقد مثلت فكرة ريادية بامتياز خاصة وأنه أطلقها مجموعة من المواطنين الفلسطينيين بعد أن أخذوا الموافقة من أصحاب الأرض الأصليين " وهم من قرية العيساوية ويملكون الأوراق الثبوتية للأرض " على إقامة قرية باب الشمس لتكون عنواناً للنضال الفلسطيني دفاعاً عن تلال القدس الشرقية المهددة بالمصادرة والاستيطان.

وجاء البيان الصادر عن هؤلاء الشباب المقاومين حاسماً فيما يخص الحق الفلسطيني حيث ذكروا فيه ما يلي :

" نعلن نحن أبناء فلسطين، من كافة أرجائها، عن إقامة قرية ( باب الشمس ) بقرار من الشعب الفلسطيني بلا تصاريح من الاحتلال، وبلا إذن من أحد، لأنها أرضنا، ومن حقنا إعمارها، ولقد اتخذنا قرار إقامة قرية ( باب الشمس ) على أراضي ما يسمى منطقة (E1 ) التي أعلن الاحتلال قبل شهور عن نيته إقامة 4000 وحدة استيطانية عليها، لأننا لن نصمت على استمرار الاستيطان والاستعمار في أرضنا، ولأننا نؤمن بالفعل والمقاومة نؤكد أن القرية ستصمد إلى حين تثبيت حق أصحاب الأرض على أراضيهم ".

كما أضاف البيان " أن باب الشمس هو بابنا إلى الحرية والصمود، وبابنا للقدس وللعودة، وأن إسرائيل عبر عقود فرضت وقائع على الأرض وسط صمت المجتمع الدولي على انتهاكاتها، وقد حان الوقت لتغيير قواعد اللعبة، نحن من سيفرض الواقع على الأرض".
ورغم أن هؤلاء الشباب الفلسطينيين أقاموا خياماً على الأرض المذكورة إلا أن إطلاق مسمى قرية عليها جاء من منطلق أنها أقيمت على أرض فلسطينية ولم يلجأ إليها الفلسطينيين كما جرت الأحداث من قبل بالهروب والتهجير القسري نتيجة الإرهاب الصهيوني إبان النكبة، بل يوجد ما يثبت ملكية الفلسطينيين إليها، كما استوحي اسم القرية باب الشمس من رواية " باب الشمس " للكاتب اللبناني إلياس خوري، وهي رواية تحكي تاريخ فلسطين ونكبتها في قالب مقاوم يعالج الفترة الممتدة ما بعد النكبة وحتى الستينات.

والغريب أن الصحف البريطانية والفرنسية والأمريكية صدرت معنونة الحدث ب " باب الشمس مستوطنة فلسطينية داخل منطقة استيطانية " كنغمة نشاز فسرها البعض أن لها مدلولات سياسية تجافي الحقيقة، في حين رأى فيها البعض الآخر عنواناً صحفياً جاذباً كعادة الإعلام، وأنه ليس لها مدلول سياسي خصوصاً وأن الموضوع جديد على الإعلام.

لذلك سارعت قوات الجيش الإسرائيلي وقطعان مستوطنيه بالهجوم ليلاً على شبان القرية والاعتداء عليهم بالضرب وأزالوا الخيام ليقتلوا تجربة في المقاومة الشعبية، وجدت من اللحظات الأولى صدى دولي كبير. في حين أن الموقف العربي جاء ضعيفاً ولم يرق لا الإعلام فيه أو الموقف السياسي لأي درجة من درجات التضامن والترويج للفكرة.

لقد أدى إعلان الدولة والواقع الدولي الجديد إلى مقاربة إسرائيل قضية التوسع الاستيطاني كمسألة كسر عظم، خصوصاً وأن الضفة الغربية باتت آخر بطن رخو أمام الإسرائيليين للتوسع من خلاله بعد أن انسحبت من لبنان وقطاع غزة، وعقدت معاهدات مع كل من مصر والأردن، ولا تجد في الجولان ما يغريها للاستيطان على الصعيدين المادي والروحي، فكانت الضفة فضاءها المفتوح الذي يغري شره الإسرائيليين، لتؤكد أن الاستيطان الغير شرعي صار وقفه أقرب للمستحيل خصوصاً وأن إسرائيل تصر على عدم التراجع إلى حدود العام 1967.

لذلك صار النظر للعملية السلمية مرتبط كلياً بوقف الاستيطان وقضم الأرض خصوصاً وأنه يقف في وجه حل الدولتين، الذي تحاول إسرائيل عرقلته بكل الطرق الممكنة، فالدولة الفلسطينية بنظرها هي التي تراها، لا التي أقرها المجتمع الدولي، ومع حمى الاستيطان الصهيوني وانغلاق الأفق السياسي سعى الرئيس الأمريكي أوباما بعد نجاحه في الانتخابات الأمريكية الثانية للتدخل في الشرق الأوسط، وقد تبعه وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بجولات مكوكية في منطقة الشرق الأوسط ليعود الحديث من جديد عن حل سياسي ترفضه إسرائيل.
رابعا / قرى (الكرامة، والمناطير، وأحفاد يونس)
تابع الفلسطينيون تجربة قرية باب الشمس كشكل ثوري جديد من أشكال المقاومة الشعبية وأقاموا الخيام على أرض مصادرة فكانت (قرية الكرامة) التي أُنشأت على أراضي بيت اكسا شمال غرب القدس، والمهددة بالمصادرة، كما وأُقيمت (قرية المناطير) على أراضي بورين والمهددة بالمصادرة في جنوب نابلس شمال الضفة الغربية فقد كان الهدف من تطوير هذا الشكل الجديد مخاطبة الرأي العام الدولي وإبقاء جيش إسرائيل مستنفراً ومحاصراً وقلقاً لذا كانت تسارع قواته إلى هدم تلك القرى وإخراج المئات من النشطاء المقيمين فيها بالقوة.
لقد دأب الإعلام الإسرائيلي دوماً على غسل يد إسرائيل من كل المعاناة التي سببتها للمنطقة، وصوروها كبحيرة أمان وحيدة وسط غابة من الوحوش الآدمية الجاهلة والمتخلفة والمعادية لقيم الحياة والحضارة، وما يحدث من ممارسات اتجاه المقاومة الشعبية أمام الإعلام العالمي هو فضح لصورة الإسرائيلي وكي لوعيه، والتي عكسها الجندي الإسرائيلي (آفنر غفرياه) في بداية أكتوبر 2013 عندما نشر كتابه "منطقنا القاسي" ونظم حفلاً لكتابه في واشنطن وقد تولى إصدار الكتاب منظمة تدعى الضمير الإسرائيلية المكونة من جنود سابقين والتي تعمل تحت عنوان "كسر الصمت"، والكتاب يفضح إجرام جنود الاحتلال الإسرائيلي من خلال شهادات حية لمئات الجنود الذين ساهموا في قمع الفلسطينيين من خلال خدمتهم في المناطق الفلسطينية، حيث تقوم ممارساتهم على نزع إنسانية الشعب الفلسطيني، وكيف أن هذا انعكس في المدى البعيد على الجنود كأفراد ومجتمع إسرائيلي، وأن شهادات الجنود الموثقة تكشف زيف ادعاء إسرائيل بأنها أكبر جيش أخلاقي في العالم، وتهدف لإثارة ضمير المواطن الإسرائيلي والرأي العالمي من خلال إظهار ممارسات جنود الاحتلال.
هنا خدمت اللحظة والصورة والفيلم واقع فضح إسرائيل، وهنا عكست المقاومة الشعبية في الأراضي المصادرة رسالة حضارية للعالم مليئة بالقيم والعدل وحب الحياة أمام جندي يبطش بالآمنين ويعاني أزمات نفسية لأنه الأداة المنفذة للجريمة حيث لا عقاب.
الناشطون واصلوا نضالهم المقاوم وفي 19. 3. 2013م أقاموا قرية (أحفاد يونس) استكمالاً لقرية باب الشمس أراضي قرية العيزرية المهددة بالمصادرة لصالح المشروع الاستيطاني المسمى (E1) ، فقرية أحفاد يونس أقيمت قرب مستوطنة معاليه أدوميم التي تتربع على مشارف مدينة القدس وهي من أكبر المستوطنات في القدس والضفة عموماً.
وكقرية باب الشمس والكرامة جاءت قرية احفاد يونس كأحد ضواحي قرية باب الشمس المستمدة من رواية باب الشمس للروائي اللبناني "إلياس خوري" ابن قرية دير الأسد في الجليل الفلسطيني، والتي جسدت النكبة واللجوء الفلسطيني من خلال حياة المقاوم (يونس) الذي انضم للمقاومة وترك زوجته نهيلة متمسكة بالبقاء في قريتها الجليل شمال فلسطين.
وطوال فترة الخمسينات والستينات تسلل يونس من لبنان إلى الجليل ليقابل زوجته بمغارة باب الشمس، ويعاود أدراجه لتنظيم المقاومة في لبنان، وأنجب خلال تلك الفترة سبعة أبناء، وثلاث بنات، و15 حفيداً.
وقد شارك في إقامة قرية أحفاد يونس أكثر من 500 ناشط من لجان المقاومة الشعبية بنوا خلالها 15 خيمة، وخطط الناشطون لحي أحفاد يونس كما يحلو لهم أن يسموه أن يحوي مستقبلاً قرية سياحية ومتنزهاً وملاعب لأطفال التجمعات البدوية التي تقطن المنطقة والمهددين بالطرد.
تزامن بناء الحي مع وصول الرئيس الأمريكي (باراك اوباما) للقدس المحتلة، واعتبر إقامة الحي وقتها ردا على السياسة الأمريكية التي رفعت حق النقض (الفيتو) أكثر من 46 مرة في وجه قرارات تدعيم حقوق الشعب الفلسطيني، والتي كان من أسوأ نتائجها استفحال الاستيطان في الضفة الغربية والقدس.
وفي 24. 3. 2013م أي بعد خمسة أيام من إقامة الحي هاجمت قوات الاحتلال معززة بالآليات والمروحيات العسكرية الحي فجرأ، واعتدت على العشرات بصورة همجية، واعتقلت 50 مواطناً من بينهم النائب/ د. مصطفى البرغوثي أمين عام المبادرة الوطنية الفلسطينية، وتم اخلاء من بقي في الحي وهدمت الخيام، ومتنزه الألعاب الذي شرعوا في بنائه.
لقد سجلت أحفاد يونس صفحة من صمود الشعب الفلسطيني، فأن تنصب خيمة في القدس معناه أنك موجود، وأنك تقاوم، وأن وعيك الوطني بحقوقك لا زال بعافية، ولم يتم كيه بعد.
لقد فتحت التجارب السابقة للناشطين من المقاومة الشعبية التساؤلات الكثيرة عن جدوى بناء القرى لأيام وهدم الجيش لها وكأنها لم تكن، أحد المشاركين وجد أنها تنتهي بلا انجاز، فالناشطون لم ينجحوا بالإبقاء على قرية واحدة منها واعتبر ما يحدث مجرد دعاية بأن الشباب الفلسطيني متاح له المجال ليقاوم، وأنه لا بد من استخدام القوة والسلاح كلغة يفهمها العدو بينما آخر يجد أنها تدعم صمود وأصحاب الأراضي المهددة بالمصادرة وهي أفضل من لا شيء، ووجد بها رسائل سياسية للعالم وللمحتل بأننا متمسكون بأرضنا.
وهناك من رأى فيها محاولة لإظهار قهر وظلم الاحتلال للإنسان والأرض الفلسطينية، وأنها تحوي أساليب مبتكرة تعرف العالم بالقضية الفلسطينية.
كما أثار الحديث مؤخراً أن حركة فتح أسقطت خيار الكفاح المسلح من برنامجها المقاوم للاحتلال الإسرائيلي، وهو ما نفاه أعضاء من لجنتها المركزية، وأن ما يقال هو ظلم لحركة فتح وتاريخها النضالي خصوصاً وأنها لم تسقط في مؤتمرها السادس أي خيار في مقاومة الاحتلال وأقرته بكل أشكاله، ولكن يرون أن الشكل المواتي حالياً وفي هذه المرحلة هو المقاومة الشعبية، وأن كل حالة نضالية يتم دراستها في جنود الظروف المواتية لها بما فيها الكفاح المسلح.
هذا وقد أيدت غالبية فصائل م. ت. ف الحراك الشعبي ضد الاحتلال في حين أن الفصائل مثل حركة حماس، وحركة الجهاد الإسلامي لم تبد معارضتها له، ولكن دعت لانتفاضة ثالثة في الضفة الغربية (بمعنى توسيع المواجهة) وهو ما يراه البعض غير مناسب حالياً.
وبقي السؤال في ظل التمايز في الآراء هل المقاومة الشعبية تحقق الهدف المنشود أم لا؟؟!
د. عبد الستار قاسم في مقال له بعنوان المقاومة الشعبية في فلسطين يرى في تعبير المقاومة الشعبية تعبيراً فضفاضاً وغير محدد المعنى، وأن تكرر تعبير المقاومة الشعبية في الاتفاقيات الفلسطينية التي تتم بين حركتي فتح وحماس ليس بها توضيح قاطع لمعنى المقاومة الشعبية، وهو يرى أنه قد يشمل العمل المسلح، كما يورد العديد من النقاط من واقع فهمه لوسائل المقاومة الشعبية والتي في مجملها تعني الانفصال النهائي عن الاحتلال وهذا يصعب الموقف كثيراً ويعقده للترابط القوي الذي أحدثه الاحتلال عبر 47 عاماً من ربط العجلة الفلسطينية بكل ما تحويه من اعتماد على إسرائيل.
ولكنه يعود في ختام مقاله قائلاً: "أعي تماماً أنه يتم استخدام مصطلح المقاومة الشعبية لتبرير عدم المقاومة، ولهذا مطلوب من المسئولين الذين يدعون إلى المقاومة الشعبية ألا يعبثوا بعقول الناس، وعليهم أن يتوقفوا عن مساخرهم".
في نفس الوقت كان المؤتمرون في مؤتمر بلعين الدولي الثامن للمقاومة الشعبية في 4. 10. 2013 والذي سمي باسم السفير الفرنسي والمتضامن مع فلسطين وصديق بلعين (ستيفان هيسل) يدعون لتوحيد كل الأجسام واللجان الشعبية حول خطة نضالية فاعلة، تستقطب المتضامنين الدوليين، وشددوا على ضرورة انخراط القوى الوطنية وتصدرها للمقاومة الشعبية عبر برامجها بدءاً من مقاطعة المنتجات الإسرائيلية وحتى المشاركة بكل ثقلها في الفعل الشعبي المقاوم، وهذا ارتباطاً بالاعتراف بفلسطين دولة مراقب في الأمم المتحدة الذي شكل انتصاراً سياسياً في إطار الدبلوماسية المقاومة واعتبروه نصراً للمقاومة الشعبية.
أقر البيان الذي صدر عن المؤتمر أن الفترة الأخيرة شهدت تطوراً في حملات المقاومة الشعبية على المستويين المحلي والدولي لتشمل رفع دعاوى قانونية ضد المنتفعين من الاستيطان، وتصعيد حملة المقاطعة لمنتجات الاحتلال الإسرائيلي، وقدوم ناشطين من مختلف دول العالم إلى فلسطين للمشاركة في الفعاليات والتظاهرات الشعبية ضد الاستيطان والجدار ومصادرة الأراضي.
جهود مقاطعة المستوطنات ومنتجاتها:
ترجمت الجهود الشعبية الفلسطينية التي أشرنا إليها إلى انجازان على مستويات عدة بعضها محلي ضد الإجراءات الإسرائيلية في مصادرة الأراضي لصالح المستوطنات، وبعضها الآخر دولي تمثل في جهود لجنة المقاطعة للمستوطنات ومنتجاتها، وللمؤسسات الإسرائيلية التي لها فروع في المستوطنات.
فقد تشكلت لجنة المقاطعة من ممثلي 170 منظمة غير حكومية كالمؤسسات الأكاديمية والاقتصادية والنقابية ومنها حتى السياسية، وكان إعلان الاتحاد الأوروبي بوقف كل أشكال التعاون مع مؤسسات تعمل في المستوطنات مطلع العام الحالي، وإلزام إسرائيل إظهار منشأ كل سلعة تصل إلى السوق الأوروبي لتمييز سلع المستوطنات عن السلع المنتجة في إسرائيل تتويجاً لحملة المقاطعة والتي ظهرت نتائجها في تقارير دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية عن العام 2013 والتي بينت التالي:
1- تراجع صادرات المستوطنات من الإنتاج الزراعي بنسبة 50%.
2- تراجع صادرات المستوطنات الصناعية والتجارية بنسبة 14 %.
3- تراجع نمو الاقتصاد الإسرائيلي العام 2013 بنسبة 3.3% وهو الأدنى منذ أربعة أعوام.
4- تراجع إجمالي التصدير بنسبة 0.1% وتراجع الصادرات الصناعية بنسبة 3.5% على الرغم من إسهام إنتاج الغاز الطبيعي بنمو اقتصادي قدره 0.9%.

هذا وقد نشرت وسائل الإعلام الإسرائيلية قائمة طويلة من المؤسسات التي قاطعتها على مستوى العالم، ومنها:
وزارة المال النرويجية، التي أعلنت توقف صندوق التقاعد الحكومي النرويجي عن استثمار أمواله في شركات إسرائيلية تعمل في المستوطنات، كما أعلن الصندوق التخلص من أسهمه في شركة (البيت معرخوت) وتبعه صندوق الاستثمار في شركتي "أفريقا إسرائيل" و "دانيا سيبوس" وهما من كبريات الشركات في إسرائيل.
أيضاً صندوق التقاعد الهولندي الحكومي الذي أصدر قراراً بمقاطعة كل بنك إسرائيلي له فروع في المستوطنات. وشركة المياه الحكومية الهولندية التي أعلنت عن مقاطعة شركة المياه الإسرائيلية "مكروت" كما قاطع صندوق تقاعد ثان "بي جي جي أم" البنوك الإسرائيلية. ومن المؤسسات المقاطعة أيضاً شركة القطارات الحكومية في ألمانيا، التي أعلنت الانسحاب من إقامة خط سكة حديد يمر من الأراضي الفلسطينية المحتلة، إضافة إلى إعلان بلجيكا إلغاء معرض إسرائيلي كبير يحمل اسم "تل أبيب المدينة البيضاء"، وإعلان مهرجان الأفلام في اسكتلندا رفضه منحة قدمتها السفارة الإسرائيلية إليه. كذلك إعلان شبكة السوبر ماركت التعاونية في بريطانيا عن مقاطعة بضائع المستوطنات، وإعلان نقابة العمال في أيرلندا مقاطعة المنتجات والخدمات الإسرائيلية، وإعلان نقابة المعملين الأيرلنديين دعمها المقاطعة الأكاديمية لإسرائيل.
يضاف إلى ذلك إعلان نقابة موظفي البريد في كندا مقاطعة إسرائيل، وإعلان الكنيسة البروتستانتية حملة لمقاطعة المستوطنات، وإعلان الجمعية لدراسات الولايات المتحدة (آسا) في أمريكا مقاطعة إسرائيل أكاديمياً، وسحب صندوق التقاعد "تيا كريف" استثماره من شركة جرارات لبيعها معدات للبناء في المستوطنات.
وفي استراليا، أعلنت بلدية ميركويل عن مقاطعة إسرائيل والشركات التي تتعامل معها، كذلك مقاطعة مصنعى البرتقال "جافا" وشوكولاتة "مكس برنر".
لقد وصلت المقاطعة إلى قلب معاقل إسرائيل في أوروبا، مثل ألمانيا وهولندا، وهذا مؤشر مهم جداً، وهناك أربع جمعيات أكاديمية أمريكية، واتحاد المعلمين في ايرلندا، واتحاد الطلاب الناطقين بالفرنسية الذي يضم مئة ألف عضو، وثاني أكبر صندوق للتقاعد في هولندا" والمهم في الحملة يتمثل في شعور الجمهور الإسرائيلي بتأثير المقاطعة الاقتصادية التي أصابت القطاع الأهم في إسرائيل، وهو القطاع الاقتصادي، فهناك 67% من الإسرائيليين أشاروا في استطلاع نشر مؤخراً أنهم تضرروا بصورة شخصية من المقاطعة المتنامية.
وفي 5. 3. 2014م قامت جمعية الشباب المسيحيين التي تعد من أكبر الجمعيات الشبابية الناشطة في النرويج ويزيد عدد أعضاءها على 30 ألف عضو بالانضمام لحملة المقاطعة، وكذلك الناشطة الدولية الحائزة على جائزة نوبل للسلام (موريد ماغواير) وذلك رداً على سياسات الاحتلال الإسرائيلية والتي وصفتها ماغواير بأنها مشابهة للسياسات التي سادت في جنوب أفريقيا والتي من ضمنها حصار غزة ، و سياسة التمييز العنصري ضد الفلسطينيين.
لم تكن القرى السابقة هي الوحيدة من نماذج المقاومة الشعبية في الضفة الغربية التي تحدت الاستيطان والجدار، فكل من بلعين، ونعلين، والنبي صالح، وقرى شمال غرب القدس، وبورين، وعراق بورين، والقدس، وشارع الشهداء، وسوسيا، وبيت أُمر، والخضر، وأرطاس حتى الأغوار كلها شهدت مقاومة تلوي الجدار والاستيطان وهي من القرى التي صمدت في وجه الاحتلال، ومقاومته مقاومة سلمية، واشتبكت معه بالحجارة ، إلا أنها رغم ذلك لم تأخذ حظها في الإعلام حيث جرى التركيز على بعض المحطات النضالية خصوصاً الأكثر تنظيماً، وهذا لا ينتقص من نضالات القرى السابقة إنما المطلوب هو إبرازها في الصدارة كغيرها من القرى وهذه وظيفة الإعلام والإعلاميين، والقوى الوطنية، والسياسية خصوصاً في ظل تنظيم لجان المقاومة الشعبية وسعيها لتطوير وتنظيم حركتها بما يخدم المستوى السياسي.
خامسا / الأغوار صراع على الأرض في "عين حجلة"
الجمعة 31. 1. 2014م تجمع الناشطون في المقاومة الشعبية في الأغوار الفلسطينية شرقي الضفة، وتمركزوا في قرية افتراضية أسموها عين حجلة أقاموها على أراضي الكنيسة التابعة لدير حجلة ضمن حملة أطلقوا عليها اسم "ملح الأرض"، وذلك لإيصال رسالة لإسرائيل والعالم أن الأغوار أرض فلسطينية لن نتنازل عن ذرة تراب واحدة منها، وأنها لن تكون إلا جزءاً من أراضي الدولة الفلسطينية المستقلة.
كان الهدف سياسياً من إحياء قرية فلسطينية كنعانية قرب ما يُسمى شارع (90) الواصل بين البحر الميت وبيسان لا سيما وأنه يأتي في سياق الرد على قرار إسرائيل بضم الأغوار، ومقترحات كيري حول السيادة عليها، كما لم ينسَ المقاومون أن تصل رسالتهم للمتضامنين والمجتمع الدولي، الذين رأوا بأُم أعينهم 1000 دونم من الأراضي التابعة لدير حجلة وقد سيطر الجيش على أجزاء كبيرة منها بدواعي الأمن، وكيف أن الأراضي المحيطة بها قد سيطر المستوطنون عليها، وزرعوا أرضها، فكان لا بد من تنشيط حركة المقاطعة لإسرائيل خصوصاً وأن المتضامنين لمسوا كيف تستغل المصانع والشركات الزراعية الإسرائيلية الموارد الطبيعية في الأغوار والتي من أهمها شركة (مهادرين) المنتجة والمصدرة للخضار والفواكه، وشركة (هاديكلام) المنتجة والمصدرة للموز، وشركة براميبر، وشركة آهافا المنتجة لمستحضرات التجميل اعتماداً على البحر الميت.
قرية عين حجلة لم تعد تعني للفلسطينيين قرية افتراضية فحسب، بل استقبل أهلها وفوداً سياسية ودبلوماسية فلسطينية، وأوروبية، ومتضامنين من مختلف الجنسيات، كما وفروا الأطعمة الفلسطينية الشعبية لزوارها بمشاركة مادية من القرى المجاورة لها، كانت الأطعمة بسيطة، باذنجان مقلي، وبندورة مقلية، وألبان، وفلافل، كلها عكست الكرم الفلسطيني من جانب، وروح التضامن الشعبي بين الفلسطينيين كما جرت العادة، لقد عبرت أشياء بسيطة عن وحدة وتلاحم حقيقي ووحدة وطنية.
رد الفعل الإسرائيلي كان بحصار المنطقة ومنع تدفق الوفود لها، وصاحب هذا الطوق العسكري إطلاق متواصل للقنابل الصوتية والمضيئة ليلاً، كما اقتحم الأراضي المحيطة بالقرية عدد من المستوطنين، مما اضطر عدد كبير من الناشطين للمشي عدة كيلومترات وسط طرق التفافية للوصول إلى القرية، لقد كسروا حاجز الخوف.
بعد أسبوع من إنشاء قرية عين حجلة، وفي الساعة الواحدة صباحاً من فجر الجمعة التالية اقتحم المئات من الجنود القرية وسط إطلاق غاز مكثف على الناشطين وشرعوا بسحبهم بالقوة لإجبارهم على المغادرة، واعتدوا بالضرب بالهراوات على عدد كبير منهم حيث جرح (40) ناشطاً وصحفياً، واستمرت عمليات المطاردة للنشطاء حتى ساعات الفجر في الجبال، والأحراش القريبة من القرية، وعلى طول الشارع الاستيطاني (90) ، وخلال العملية ألقوا بالصحفي فادي الجيوسي من على سطح إحدى المنازل، كما اعتقلوا عدد من الناشطين ما حدث لم يكن فيه أي وازع أخلاقي فرغم وجود أطفال بين الناشطين إلا أن همجية الاحتلال لم تمنعهم من إصابة العديد بالكسور والجروح بعد الاعتداء عليهم بالهراوات بوحشية.
كما قام الجنود بقطع البث لتلفزيون فلسطين حتى لا ينقل تلك الحقيقة للعالم، وبالتزامن مع عين حجلة أقام نشطاء آخرون قرية أطلقوا عليها اسم "العودة" في الأغوار الشمالية في خطوة تدعيمية أخرى ترمز لرفض أي تحرك لضم الأغوار إلى إسرائيل، أو نزع السيادة الفلسطينية عنها سواء بتأجيرها، أو بفرض حل أمني عليها، وكان مصير القرية كسابقاتها بعد أن سجلت كما غيرها انتصاراً في رفض كي الوعي الفلسطيني، وقلب المعادلة الإسرائيلية في حصر الفلسطينيين في الجغرافيا كما يراها الإسرائيليون.
سادسا / قطاع غزة، والمقاومة الشعبية
لقطاع غزة تاريخ مشرق في المقاومة الشعبية للاحتلال، وهي كجزء من الوطن تلاقحت تجربتها دوماً مع تجربة الضفة الغربية خاصة في ظل الاحتلال الإسرائيلي، وبعد الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة والانتخابات الفلسطينية التي صعدت بها حركة حماس وما تلاها من تجاذبات توجت بوثيقة الأسرى المعروفة بوثيقة الوفاق الوطني، والتي جرى تعديلها واتفاق الفصائل كافة عليها في 28. 6. 2006م ، حيث تضمنت الفقرة الخامسة عشر من الوثيقة ما يلي:
• إن المصلحة الوطنية تقتضي ضرورة البحث عن أفضل الأساليب والوسائل المناسبة لاستمرار مشاركة شعبنا، وقواه الوطنية والسياسية والاجتماعية في أماكن تواجده كافة في معركة الحرية والعودة والاستقلال مع الأخذ بعين الاعتبار الوضع الجديد لقطاع غزة، وبما يجعله رافعة، وقوة حقيقية لصمود شعبنا على أساس استخدام الوسائل والأساليب النضالية الأنجع في مقاومة الاحتلال مع مراعاة المصالح العليا لشعبنا.
وقد جاءت مكملة للفقرة الثالثة في وثيقة الأسرى التي أقرت التمسك بمقاومة الاحتلال، وتركيزها في الأراضي المحتلة عام 1967 إلى جانب العمل السياسي والدبلوماسي والتفاوضي، والاستمرار في المقاومة الشعبية الجماهيرية ضد الاحتلال بمختلف الفئات، والجهات، والقطاعات وجماهير شعبنا في المقاومة الشعبية.
هاتان الفقرتان في وثيقة الأسرى أكدتا حقنا في المقاومة ولكن لظروف الخروج من حصار قطاع غزة وقتها حيث اعتلت حركة حماس الحكم وشكلت الحكومة، كان لا بد من الدفع باتجاه أمرين وهما:-
1- تجنيب قطاع غزة الذي انسحب الاحتلال من داخله، وغادره المستوطنون أي اشتباك عسكري مع المحتل، وابقاؤه في إطار المساعدة والعون لباقي أجزاء الوطن.
2- رغم التأكيد على كل أشكال المقاومة فقط ارتأت القيادات الفصائلية حينها سحب البساط من تحت إسرائيل التي تتذرع بمهاجمتها وبعسكرة انتفاضة الأقصى من خلال إعطاء المقاومة الشعبية دوراً أكبر في الضفة الغربية والتي كانت منذ الجدار قد اجترحت هذا الشكل في تصديها للجدار والاستيطان مع دور مساند لها في قطاع غزة.
ولكن الانقسام الفلسطيني غيب هذا التكتيك الفلسطيني المرحلي، وتركت الأمور لرؤية كل فصيل على حدى، ففي حين أن الضفة الغربية نشطت في هذا المجال وطورته، فإن قطاع غزة بدوره قدم الرد العسكري على الفعل الشعبي رغم أنه بقي حاضراً طوال الوقت ولكن ليس بشكل منظم، وقد أدت الحرب على غزة أواخر العام 2008 وبداية 2009 إلى تقديم العمل العسكري على غيره من الأشكال المقاومة حيث أصبح مفهومه لدى الكثيرين بمثابة عامل ردع لإسرائيل وهو ما ظهر في حرب العام 2012 من تطوير للقدرات في مقاومة الاحتلال وتزايد في قوة الفلسطينيين بمجابهة الدمار الإسرائيلي.
رغم ذلك كانت النتائج على قطاع غزة كارثية في الحربين حيث استشهد الآلاف وجرح عشرات الآلاف، ودمرت مئات البيوت، ولم يبق شيء على مساحة الجغرافيا الصغيرة للقطاع إلا وكانت هدفاً للقتل والتدمير وفي الجانب الإسرائيلي كانت الخسارة قليلة رغم تمكن المقاومة من شل أركان الاقتصاد الإسرائيلي لأيام، والتأثير في الوعي الإسرائيلي الذي بدا خائفاً وقلقاً.
لقد أدى حجم الدمار الكبير الذي لحق بالقطاع والأعداد الكبيرة من الشهداء والجرحى إلى انتقال المقاومة في قطاع غزة لحالة من التبريد أدت لانقسام في الآراء بين مؤيد لاستمرار العمل العسكري وبين مؤيد لتصعيد المقاومة الشعبية ولكن في أحيان كثيرة على استحياء، كثيرون أيدوا بقاء قطاع غزة رافعة لإخوانهم في الضفة الغربية وأن يخففوا من العمل العسكري الذي تضخمه إسرائيل لضرب قطاع غزة، ولكنهم لم يستطيعوا تبني فكرة واحدة بعينها حتى ولو مرحلياً، وإن حصل وطالبوا بذلك فحتى لا يتهموا بأنهم ضد المقاومة المسلحة لذا يردفون تصريحاتهم بجملة بالإضافة إلى تعزيز الخيار الأمثل لتحرير أرضنا المحتلة وهو المقاومة المسلحة" أو بجملة "المقاومة الشعبية تأتي مكمل ومساند للمقاومة المسلحة".
في احصائيات للعام 2013 وهو الذي شهد التهدئة مع إسرائيل أعقاب حرب العام 2012 سجل قطاع غزة ما نسبته 18.7% من عدد الشهداء في الضفة والقطاع، بينما العام 2012 فقد سجل القطاع ما نسبته 95% من عدد الشهداء، وهذا بسبب التهدئة، وتراجع الأعمال العسكرية إلى أدنى مستوياتها قياساً منه في السابق، هذا فيما تم رصد المناطق الشرقية في قطاع غزة، خصوصاً شرقي خانيونس، وشرقي بيت حانون كأكثر الأماكن توغلاً وتعرضاً لإطلاق النار خلال العام 2013، في نفس الوقت تعتبر مناطق شرقي القطاع مناطق مؤهلة لتصبح مناطق احتكاك مع جنود الاحتلال، وهو ما أدركه المواطنون وتمكنوا من الاشتباك في عدة مواقع مع الجنود على الحدود مثل شرقي القرارة بخانيونس، وشرقي م. المغازي بالمنطقة الوسطى، وشرقي م. جباليا، وبيت حانون في المنطقة الشمالية، وعلى حاجز ناحل عوز شرقي مدينة غزة.
لذلك سجل الشهرين الأولين في عام 2014 ارتفاع نسبة الشهداء في قطاع غزة قياساً بالضفة الغربية بما نسبته 55.5% جلهم استشهدوا في المناطق الشرقية على الحدود مع إسرائيل.
هذه الإحصائيات التي تظهر تصاعداً في المقاومة الشعبية في قطاع غزة، وما نشهده من أعداد تتزايد من الشبان في أعمار صغيرة نسبياً تتوجه لمناطق الاحتكاك شرقي قطاع غزة فتحت الباب للعديد من الاجتهادات.
فهناك من يُبدون تحفظهم على استخدام المقاومة الشعبية في القطاع ويرون أن الشعب الفلسطيني هو الخاسر الوحيد فيها، ويتساءلون هل كثرة وقوع الإصابات والشهداء سيحرك الإعلام الغربي وسيزيد من التعاطي مع القضية الفلسطينية؟! إذا كان هذا هو الهدف من المقاومة الشعبية فإنها بنظرهم نتائج غير محققة، "لذلك يرون أن المقاومة المسلحة أهم بكثير من المقاومة الشعبية ونتائجها أفضل بكثير، لأنها أثبتت قدرتها على صنع تغيرات في معادلة الصراع".
وهناك من يرون أن المقاومة الشعبية تأتي في دور مكمل ومساند للمقاومة المسلحة، وأن التجارب السابقة للمقاومة الشعبية خاصة في الضفة الغربية كانت ناجحة خصوصاً نموذجي بلعين ونعلين حيث وصفوها بالمميزة للمقاومة الشعبية وتحتاج لتعميمها" كما يلمسون أن الاحتلال ينظر بقلق شديد لتزايد وتيرة المقاومة الشعبية خصوصاً في قطاع غزة لهذا يستخدم العنف ليحجم طاقات الشباب.
وآخرون يدعمون المقاومة الشعبية السلمية كونه لا يترتب عليها أي عقوبات جماعية من حصار واغلاقات كما المقاومة العسكرية حيث يكون من الصعب على إسرائيل تبرير عقوباتها أمام العالم في مثل هذا النوع من المقاومة.
وهذا الرأي يجد من يخالفه عندما يقول "أن تلك المظاهرات دعوة للموت المجاني لأن هذا يخدم الاحتلال الذي يتعمد إسقاط جرحى وشهداء كل مرة ليهزم الوعي الفلسطيني بأهمية تلك الوسائل السلمية.
في الجانب الآخر أبرزت صحيفة معاريف الإسرائيلية أوائل مارس/ 2014 أن هناك تراجعاً في حملة المقاطعة الأوروبية لمنتجات المستوطنات الإسرائيلية خصوصاً النرويج الأكثر دعوة لمقاطعة إسرائيل في أوروبا، وبينت الصحف أن السبب في ذلك يعود لفوز تكتل أحزاب اليمين في الانتخابات الأخيرة في النرويج، إلا أنه ورغم سعادتها بذلك التغير فإسرائيل تتخوف بشدة من زيادة المقاطعة إذا ما تفجرت المفاوضات، ولم تتوقف موجات البناء في المستوطنات.
وعلى صعيد غير متوقع أيضاً أرسل عدد من الشباب الإسرائيليين رسالة لرئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) في 9. 3. 2014م يبلغونه فيها اعتزامهم الامتناع عن التجند في صفوف الجيش الاسرائيلي بسبب استمرار الاحتلال وما وصفوه بدخول الجيش في الحياة المدنية مما عظم النزعة الشوفينية، والعسكرة، والعنف، وعدم المساواة، والعنصرية.
وقد صرح أحد الموقعين على الرسالة للقناة العاشرة الإسرائيلية قائلاً "إننا نرفض التجنيد في الجيش الإسرائيلي لأننا لا نريد أخذ دور في حلقة الدم والقتل، فالعمليات العسكرية تبعد المجتمع الإسرائيلي عن واقع الحل والتوصل للسلام، كما وتبعدنا عن الأمن والعدل، وإن رفضي الالتحاق بالجيش ليس إلا تعبيراً عن رفضي للظلم الذي ينفذه يومياً ضد الفلسطينيين".
هذا كما أشار الشبان في رسالتهم إلى أن المشكلة في المنظومة العسكرية لا تتلخص في حدود الضرر بالمجتمع الإسرائيلي بل يتسرب للحياة اليومية داخل المجتمع الإسرائيلي فهي تشكل أو تبلور التعليم في المدارس، والفرص في سوق العمل، وتسبب العنصرية والعنف داخل المجتمع الإسرائيلي.
كما جاء في الرسالة "أن المناطق الفلسطينية تشهد انتهاكاً واضحاً لحقوق الإنسان فضلاً عن جرائم حرب بصورة دائمة وفق القانون الدولي، مثل الاغتيالات والقتل بدون محاكمة وبناء المزيد من المستوطنات والعقاب الجماعي ضد قطاع غزة، وتقسيم الموارد في تلك المنطقة بشكل غير عادل، والخدمة العسكرية باتت تساهم في بقاء الوضع القائم، وإن ضميرهم لا يسمح أن يكونوا جزءاً من منظومة تقدم تلك الإجراءات.
هذه الخسائر التي تمنى بها إسرائيل، وانهيار القيم بها، ومسارها العنصري، وافتراقها عن النموذج الديمقراطي الذي حاولت تبنيه تحت شعار أمنها وتفوقها كلها دلائل على أن محاولاتها لكي الوعي الفلسطيني بالحرب عاد عليها هي، وكما أسلفنا بالحديث عن قوة الضحية ندرك تماماً بأن تجربة السلام والحرب لا يمكن لها أن تبقى قائمة للأبد، والمقاومة الشعبية التي عبرت عن نفسها أينما يوجد تماس مع الاحتلال لدليل ساطع على أن النظريات الصهيونية في الإضرار بالشعب الفلسطيني سقطت ولم تقدر نظرياتهم التي يصوغونها في الاستراحات والفنادق الفاخرة من كي الوعي الفلسطيني ، وأن مستوطنيها الذين يعيثون فساداً في الأراضي الفلسطينية باتوا يهربون من أماكن المواجهة حتى مع العزل من أبناء شعبنا، فليس أمام أصحاب الأرض سوى الدفاع عنها، ولا يوجد للقاتل من مفر إلا أن يعيش مع جرائمه مقلباً صور ضحاياه.


الخلاصة:
هناك من يقلل من جدوى المقاومة الشعبية السلمية، وهذا التبسيط ناتج عن الأسلوب الذي تقمع فيه إسرائيل تلك المظاهرات السلمية، والذي تستخدم فيه آلتها العسكرية بكل شراسة، وهنا يصبح الإقلال من شأن المقاومة السلمية وما تحمله من عوامل حشد وتأييد دولي إلى جانب مقاطعة دولية لإسرائيل هدفاً تريد إسرائيل حملنا على الوصول إليه لننسحب تدريجياً من دائرة الفعل.
وهناك من يعلي من شأن المقاومة الشعبية بصفتها منظومة متكاملة تستقطب في النهاية المجتمع الدولي، والدعم العالمي، ويعتبر أنها الوسيلة الأمثل في قدرتها على التقليل من إراقة الدماء الفلسطينية، وخلق وعي فلسطيني وعالمي مناصر للقضية الفلسطينية من خلال الجهود الشعبية، والفصائلية، والإعلامية، والحكومية الداعمة للمقاومة السلمية.
وهناك من يتحدث عن تجارب أممية سواء في جنوب أفريقيا، أو في الهند ويريدون تبني نموذج بعينه، وهذا وإن بدا مناسباً كنموذج ناجح إلا أن لكل صراع خصوصياته وأدواته، ولا نستطيع الأخذ بقالب معين كونه يناسبنا من جهة ومن جهة أخرى التجربة الفلسطينية كآخر حركة تحرر وطني غنية وقادرة والدراسة بينت تطوراتها في العشرة سنوات الأخيرة حيث تم حصر الدراسة فيها، ولم تتعرض للتجربة السابقة رغم غناها للظروف الطارئة على العمل الوطني الفلسطيني من إقامة السلطة الوطنية الفلسطينية وما تحمله من مسئوليات تجاه شعبنا الفلسطيني ومن فض إسرائيل يدها من مسئولياتها تجاه الأرض المحتلة في الضفة والقطاع.
لذلك كان اجتراح شكل المقاومة الشعبية والمرتبط بمقاطعة إسرائيل نموذجاً راقياً في مقارعة الاحتلال رغم حاجته للتطوير أكثر، ولمساندة دولية أكبر،و رغم اتهام البعض لهذا الشكل بأنه بحث في مسالك هادئة تعيد تعريف الصراع والذي في رأيهم لن تكون نتائجه لصالح الفلسطينيين.
كما بينت الدراسة ضرورة وجود إجماع وطني على شكل المقاومة ووسائلها وأدواتها كرافد أساسي يصب في المصلحة الوطنية، وهو ما يتطلب تجسيد الوحدة الوطنية فعلياً على الأرض، مما يعزز من المقاومة الشعبية وينوع صورها ويزيد من زخمها.
وتبقى الأسئلة الملحة كيف نحافظ على الخيط الرفيع بين المقاومة الشعبية لتحرير الأرض والدفاع عنها، وبين الخروج عن السيطرة، والدخول في حالة من الفوضى؟ وكيف نعزز العامل الذاتي ليصمد ويواصل مقاومته بالتوازي مع خلق ظرف موضوعي يمكن له أن يخدم قضايانا الوطنية؟
وعلى ضوء واقعنا الفلسطيني نجد التالي:-
1- حصر المقاومة الشعبية في نقاط التماس مع الاحتلال الإسرائيلي.
2- تنظيم المقاومة بشكل يمكنها من تحقيق أكبر تأييد دولي والاستفادة قدر الإمكان من ثورة المعلومات.
3- الإشراف الفصائلي عليها، وتوجيهها بما يتلاءم والمحافظة على زخمها.
4- ممارسة السلطة الفلسطينية لدورها في تعزيز الصمود الفلسطيني على الأرض سواء من خلال دعم المواطن أو من خلال المشاريع التطويرية للبلدات المجاورة للجدار العنصري، أو المنطقة "C" حتى ولو بإشراف منظمات غير حكومية.
5- جذب الفصائل خارج م. ت. ف. للمشاركة في المقاومة الشعبية كشكل نضالي مرحلي أثبت جدواه خصوصا وأنها تقر بأهميته كشكل من أشكال المقاومة.
6- تعزيز الإبداع الإنساني في وسائل المقاومة الشعبية، فمعركتنا مع المحتل هي معركة وعي، وشعبنا أثبت عبر القرى التي أنشأها، والوفود الدولية التي استقبلها أنه ينتصر في تلك المعركة ومواصلته لاجتراح وسائله المقاومة لا تزال تكوي الوعي الإسرائيلي وهو ما نجده في هرب المستوطنين من أماكن الصدام، ومن الجنود الرافضين للخدمة وفى زيادة المقاطعة الدولية لإسرائيل.
7- المحافظة قدر الإمكان على الدم الفلسطيني، وعدم المواجهة المفتوحة مع الجنود الإسرائيليين، وقطعان المستوطنين فالمقاومة الشعبية ليست بحجم الدماء التي تسيل إنما بحجم الإنجازات التي تحققها دولياً، وتخسر فيها إسرائيل أصدقاءها فما نحتاجه هو الصورة الواضحة للمعاناة الفلسطينية التي شوهتها إسرائيل لأعوام كثيرة.
* مركز عبد الله الحورانى للدراسات والتوثيق








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا


.. الشرطة الأميركية تعتقل عدة متظاهرين في جامعة تكساس




.. ماهر الأحدب: عمليات التجميل لم تكن معروفة وكانت حكرا على الم


.. ما هي غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب؟




.. شرطة نيويورك تعتقل متظاهرين يطالبون بوقف إطلاق النار في غزة