الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الهروب إلي المؤامرة (الغرق في رمال الذات الناعمة)

عماد عبد الملك بولس

2014 / 3 / 30
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


يبدو لي – إذ أتأمل حالنا اليوم – أن عدونا يعلم عنا أكثر مما نعلم عن أنفسنا، و يدري عن أحوالنا أفضل مما ندري، و يدرك من أسباب قوتنا و ضعفنا ما لا علم لنا به !!!

اليوم أتأمل ثلاثة أعوام مضت، تهنا فيها بعد ثورة مزعومة غلَفت احتجاجات حقيقية، أقنعنا أنفسنا حينها أنها ثورة و أننا سنتغير للأفضل لا ريب، لكننا لم نصنع شيئا لنتغير إلي الأفضل، بل علي العكس...

ما حالنا اليوم؟ و كيف أصبحنا؟ و إلي أين نسير؟ و ما أسباب قوتنا لنستزيد منها؟ و ما سر ضعفنا لنبتعد عنه؟ و لأن السؤال الصحيح نصف الإجابة، فلنحاول أن نسأل الأسئلة الصحيحة، و ألا نتساءل عن خارطة الطريق، و لا عن الشرعية، و لا عن الانقلاب الثورة و الثورة الانقلاب، و دعنا لا نلتفت إلي كل الضجة الخارجية، و كل المشاكل الوقتية، و لا إلي الغد (!) لأن المشكلة حاضرة معنا الآن، و لن تختفي من تلقاء ذاتها غدا، بل ستبيت و ستلد مشاكل أخري من نفس عينتها غدا و ستصبح أكثر تعقيدا و أكبر حجما إلا إذا اكتشفناها و قضينا عليها.

و آفاتنا اليوم، مثلا آفة الكلام بلا فعل، لماذا؟ لأننا أصبحنا مجتمعا كلاميا (افتقد قيمة العمل و صار الكلام فيه كالفعل). و آفة المظهرية أو الادعاء، لماذا؟ لأننا أصبحنا مجتمعا مظهريا أو مدعٍ (افتقد قيمة الحقيقة و صار الادعاء فيه هو الأصل) . و آفة الانطباعية، لماذا؟ لأننا أصبحنا مجتمعا انطباعيا عاطفيا أي مجتمع رد فعل و ليس مجتمعا مبادرا فاعلا (افتقد قيمة إعمال العقل و صار الشعور أو العاطفة فيه هما المحركان لأعمالنا و ليس العقل)، و من هنا عطبت الإرادة و خمدت الروح و الحماسة و الإقدام، و احتجنا في كل الأوقات إلي ما يسوقنا، اقتنعنا أننا قطيع يُساق و لابد له من راعٍ أو قائد يكون عليه وحده التفكير و إيجاد الحلول و استلهام المعجزات بل و اجتراح العديد منها حين نحتاجها، في حين أن القائد في المجتمع المفكر الفاعل المبادر هو مجرد موظف كفء يختاره المجتمع لوظيفة محددة في سياق المنظومة التي ارتضاها و يُطبقها و يمارسها المجتمع وليس لاختراع و ابتداع منظومة معجزية تحمل كل الحلول الغير عادية و الملهَمة و المقدسة و التي معاداتها تعتبر كفرا أو فسقا أو فجورا.
و قِس علي هذا آفة أصابتنا هي اضمحلال الاحترام للنفس و للغير، مما يقود إلي الاحتقار بل إلي الحقارة، أيضا آفة اختفاء الذوق العام و الخاص، و انعدام الكياسة، و ما أتحسب بل و أرتعب منه حين أري ملامحه تستشري فينا، ألا و هو آفة انعدام الرحمة و الرفق بالضعيف بل و التجبر عليه.

و أفضل الأمثلة علي ما أصبحنا عليه من ضعف و مهانة و اختلال في القيم و في العقل، هو تعاطينا مع "نظرية المؤامرة"، و هو المصطلح الذي شاع و ذاع و لاكته كل الألسنة جاهلها و عالمها، عظيمها و الأقل شأنا، و صار مثار أحاديث و مقالات، بل و كتب و أبحاث مطولة، لدرجة أن اتخذها البعض مبدأً كالعقيدة و صار المُشَكٍكُ فيها كالمتشكك في مسلمات الإيمان، في حين أن الفكرة أبسط من هذا، و هي أن التنافس في عالم اليوم لا يعرف الرحمة، و حيث أننا أقوياء و أغنياء بالطبيعة (!!!!) فلابد أن يهاجمنا منافسونا و الطامعون في خيراتنا و الخائفون من قوتنا.

هل هناك مؤامرة؟ نعم، و هناك دائما مؤامرة، لأن المؤامرة التي هي بالتعريف عمل جماعي سري حيال شخص أو مجموعة أخري. و لأن السرٍية هي أساس كل الأفعال الأمنية و السياسية و الاقتصادية اليوم بدرجة أو بأخري، فهذا التفسير يؤكد وجود المؤامرة في حياتنا اليومية و في كل وقت و كل مكان تتعقد فيه الحياة و تتصارع فيه القوي و تشح فيه الأرزاق أو تتعاظم المطامع مع أي مجتمع أو شخص.

ما أعنيه هو كيفية تعاملنا مع هذه الفكرة الدوامية، التي ابتلعت منا وقتا و مجهودا و ثروة و الأهم من كل هذه تبتلع عقولنا و إرادتنا، بل قد تبتلعنا نحن أيضا في آخر الأمر إن استسلمنا لها سلبيا.

أهم أدوات الفهم أن نعرف أن أفضل من يتآمر علينا هو "نحن"، و هذا حسب القاعدة التآمرية الأسمي التي هي: وضع السم في الدواء. لماذا؟ لأن دواء المؤامرة هو ببساطة "نحن"!!! فلهذا إذا استطاع المتآمر علينا أن يجعلنا "نحن" نعمل ضدنا (!!!) فقد نجح نجاحا عظيما قد يدوم أثره كثيرا. أما أفضل أساليب التآمر علي الذات هو ألا تدري بها و أن تنسبها لآخر، و بالتالي فنحن دائما في حالة حرب مع مجهول خفي أو شبح – إذا اقتنعنا بذلك – لا سبيل لنا للتغلب عليه.

إذن فهل نحن نتآمر علي أنفسنا فعليا؟ نعم للأسف بشكل ما، و هنا عبقرية أعدائنا، الذين درسوا مجتمعنا، و أفاضوا في دراسة نقاط ضعفه و كيفية إضعافه أكثر، و عرفوا أسباب قوتنا ووجهوا كل همهم إلي القضاء عليها، و نحن نساعدهم بكل قوتنا بل و نظن أننا هكذا نحارب الحرب المقدسة و نجاهد الجهاد الأسمي. هؤلاء الأعداء أو لنسمهم المنافسين (هكذا نفهم أكثر لأن الصراع يكون علي شيء محدد) هؤلاء المنافسون انتقوا أدواتهم جيدا، و منها "نحن" فهم يتحكمون بنا عن طريق فهمهم لما يُحرِكنا و التحكم به، و بهذا يُحرٍكوننا كما يشاءون.

و ما يعنيني هنا هو توضيح هذه الفكرة فقط للقاريء: أننا أداة أساسية في "المؤامرة" علينا، و أحاول أن أبين له ما أعتقد أني فهمته من كيفيتها.

أتكلم عن المؤامرة التي تتشكل في إعلامنا و مصادر ثقافتنا الآن كأنها حرب خفية دولية من جهات غاية في القوة و العداء لنا يريدون القضاء علينا، و عندما نسأل أنفسنا إذا صدًر لنا الإعلام أو الجريدة أو غيرهم هذه الفكرة نختلف علي هذه الـ "نحن" التي سبق منذ عهود – بأيدينا !! – زرع الصراع فيها فلم تعُد تعبر عن الوحدة الغنية بمكوناتها بل عن الفُرقة المتصارعة، و لهذا حين نريد أن نجمع إرادتنا لنفعل شيئا بعد ما هدمنا بأيدينا نظاما ما فنحن نتصارع علي مَن "نحن" بدلا من الانطلاق إلي البناء، إذن أول أدوات المنافسة التي من هذا النوع، هو إلهاؤنا عن وحدتنا كمصريين، و عن ضرورتها و أهميتها التي بدونها نحن لا أهمية و لا وزن لنا.

الأداة الأخري هي تخويفنا بحق و بغير حق، فالخوف من الخطر شيء طبيعي و صحي لأنه يحفزنا لمواجهة الخطر و الدفاع عن أنفسنا، و لكن الخوف من خطر وهمي هو أشد الأوهام ضررا و استهلاكا للطاقة و المجهود و الوقت وشل القوي عن الفعل الإيجابي، و أشر التخويف هو التخويف العقيدي (!) الذي يدفعنا إلي الخوف من كل مظاهر الحياة، و يزيد من إبداعنا و خلقنا لمظاهر الخوف في كل شيء، و إذا غطي الخوف كل الحياة صار أذي كامل.

الأداة الأخري المحورية هي الحفاظ علي مناخ الخداع المستمر، و الفارق بين الخدعة و الكذب هو بعض الحقيقة في الخدعة تجعل من الصعب اكتشاف الكذب فيها، و تغذية مناخ الخدعة في مجتمع حكواتي سماعي كمجتمعاتنا، مع العلم بأن إعلامنا نفسه صار حكواتيا سماعيا غير محترف، يردد الإشاعة البراقة الحريفة لكي يضمن الإقبال بغض النظر عن المصداقية و المهنية، أضف إلي هذا الإعلام الملاكي لأصحاب المصالح، مما يصح الاصطلاح عليه باتجارة الإعلامية.

أداة أخري هامة للمؤامرة: هي الفراغ و الحفاظ علي مناخ الفراغ العملي و العقلي و الوجودي، فمن الناحية العملية، انظر إلي كم البطالة و البطالة المقنعة و الإهدار و الإنتاجية الضعيفة للعمل مع عقم الإدارة علي كل المستويات. و من الناحية العقلية، أنظر إلي كم الأفكارالسلبية التي تحتل أدمغتنا بلا بصيص إيجابي واحد، و مردود هذا علي حروب كلامية و انشغال بالتافه و الأتفه من الأمور كل يوم أكثر فأكثر و الغوص في رمال السلبية الذاتية الدوامية تبتلع كل وقتنا. و انظر أخيرا إلي وجود يخلو من القيم الإنسانية من اتحاد للخير، و اجتهاد و عمل للرقي، ونظام و علم و عدل نستنير بهم، و الحياة مع نقص كل هذه القيم الضرورية بكل لامبالاة لاختفائها.

إذن، نحن شركاء في المؤامرة علينا (!)، إذ نتآمر علي أنفسنا، باختصار، لأننا نسجن أنفسنا في سجن السلبية، نفكر بسلبية و نتكلم بسلبية و نتحرك بسلبية و نتصارع بسلبية و نحيا كل مظاهر حياتنا بسلبية لأننا استسلمنا للسلبية العقيدية في حياتنا. هكذا يتحول الفكر من قاطرة تنشلنا من المشاكل، إلي منبع و أصل كل المشاكل، و في مناخ السلب هذا، لا فائدة من الإصلاح و لا من محاربة الفساد، لأن العقيدة و الفكر في ذاتهما فاسدان، فكل إصلاح لغيرهما سيفسد بعد حين، لابد من إحلال كل نظرة و فكرة سلبية ببديلتها الإيجابية أولا، و هنا سنجني ثمار الإصلاح.

و لهذا، فلا أمل لنا، للهروب من المؤامرة إلا أن نعمل، و بكل قوة، و بكل إيجابية و ثقة بالنفس، متحدين و غير مشتتين، و مصرين علي أن نعمل معا لخيرنا جميعا، عالمين أن البدبل هو الفناء العاجل، لا أقل، فإن لم نفعل هذا فنحن نهرب (إلي) المؤامرة (!!) و هذا عين الاستسلام الأعمي للداء ذاته الذي نتداوي منه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة تعتقل متظاهرين في جامعة -أورايا كامبس- بولاية كولوراد


.. ليس معاداة للسامية أن نحاسبك على أفعالك.. السيناتور الأميركي




.. أون سيت - تغطية خاصة لمهرجان أسوان الدولي في دورته الثامنة |


.. غزة اليوم (26 إبريل 2024): أصوات القصف لا تفارق آذان أطفال غ




.. تعمير - مع رانيا الشامي | الجمعة 26 إبريل 2024 | الحلقة الكا