الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأرمن يُهجّرون من جديد

جاك جوزيف أوسي

2014 / 4 / 1
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


اقّتُل أرمنيّاً تدخل الجنة، كان الشعار الذي رفعته حكومة حزب الاتحاد والترقي التركية في محاولة منها للعب على الوتر الطائفي في الدولة العثمانية إبان حملتها الإرهابية لإبادة سكان جنوب شرق الأناضول والمناطق المتاخمة للحدود الروسية أثناء الحرب العالمية الأولى.
هذا الشعار أعادت حكومة حزب العدالة والتنمية بقيادة الثنائي أوغلو – أردوغان لاستخدامه من جديد في مدينة كسب، ذات الأغلبية الأرمنية، الواقعة في الشمال الغربي من سورية، في محاولتها تحقيق انتقام مزدوج من الأرمن، لأنهما يتهمان الأرمن بالتمرد على أجدادهما في بداية القرن العشرين ويحملانهما مسؤولية الهزائم العسكرية التي تعرض لها الجيش العثماني في حربه ضد روسيا القيصرية وخصوصاً معركة "صاري قاميش"* والتي تفجّر بعدها الحقد الأعمى ضد كل ما هو أرمني وسرياني وأشوري في الدولة العثمانية. ويتهمان في الوقت نفسه أحفاد الناجين من تلك المذابح بتشويه صورة تركيا في العالم، خصوصاً بعد نجاحهم في كسب اعتراف الكثير من الحكومات حول العالم بالإبادة الأرمنية ومجازر "سيفو"، التي ما تزال حيّة في وجدان وسلوك الناجيين من تلك المجازر، رغم مرور ما يقارب القرن على حدوثها.
التمهيد للمذبحة
في شباط من عام 1915 اجتمعت مجموعة من القوميين الأتراك المتعصبين المنتمين لِ" جمعية الاتحاد التركي CUP" برئاسة الثلاثي: أنور باشا وجمال باشا وطلعت باشا. حيث بدأ هذا الثلاثي المتطرف بالتخطيط لإبادة السكان الأرمن الذين اُعتبروا خونة للسلطنة، وأعلم المخطط القيادي في الCUP الدكتور ناظم المجتمعين: "إنه يجب إتمام عملية التطهير هذه بشكل عام ونهائي، وإذا لم تتم على هذا النحو، فسيكون لذلك مشاكل وتبعات وعليه من الضروري جداً القضاء على الشعب الأرمني بأكمله حتى لا يبقى له وجود على الأرض بعد ذلك، إننا الآن في حالة حرب ولن تكون لنا فرصة أفضل من هذه الفرصة".
وبدأت المجزرة يوم 24 نيسان 1915، بفاصل كلاسيكي من الإبادة الانتقائية، حيث تم إعدام حوالي 600 أرمني من أصحاب المناصب المرموقة، لتتسع بعدها عمليات الذبح للأرمن في جميع أنحاء الدولة العثمانية بطريقة مدروسة وممنهجة، حيث قُتِلَ الرجال وسُبِيت واُغتصِبَت النساء وتم خطف الأطفال والإساءة إليهم، وترافق ذلك مع مصادرة الممتلكات وسرق المقتنيات العائدة لهم.
بعد فترة هدوء استمرت حوالي العام بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، تجددت الأعمال الوحشية بين عامي 1920 و1923، وتَعرّض من تبقى من الأرمن للمزيد من المجازر وعمليات الترحيل والطرد. وبعد نجاح عمليات الإبادة الجماعية شرع الأتراك بهدم بقايا التراث الثقافي الأرمني بما في ذلك روائع الهندسة المعمارية القديمة التي لا تُقدر بثمن، والمكتبات القديمة والمخطوطات حتى أنهم جعلوا مدناً كاملة أثراً بعد عين لإزالة إي أثر لهذا الشعب التي استمر وجوده على هذه الأرض (جنوب شرق الأناضول) حوالي الثلاثة آلاف عام.
وهكذا تم القضاء كلياً على الأرمن على امتداد مساحة أسيا الصغرى وأرمينيا الغربية، ولم يبقى ما يدل عليهم إلا بعضُ أثارٍ صمدت لتروي مأساة شعبٍ ضُحِيَ به على مذبح لعبة الأمم وشهوات السلطة لمجوعة رأت أنها في سبيل إعادة بناء دولتها لا مانع من التضحية بجميع من لا ينتمي إلى عرقها ولا يتقاطع مع هويتها الطائفية والمذهبية.
وفي إشارة إلى الإبادة الأرمنية، لاحظ أدولف هتلر ردّات الفعل الفاترة للقوى العظمى إزاء الكارثة التي حلت بالأرمن، وعندما قرر غزو بولندا عام 1939، أعطى تعليماته لفرق الشرطة السرّية ss بقتل الرجال والنساء والأطفال من العرق البولندي دون أي شفقة أو رحمة. قائلاً: "فقط بهذه الطريقة سوف نربح الفضاء الحيوي الذي نحتاجه"، مضيفاً " هل بقي أحد هذه الأيام يتحدث عن الأرمن؟".
الأرمن وسورية
العلاقة بين الشعب الأرمني وسورية ضاربة الجذور في التاريخ، حيث تعود العلاقات المباشرة لهم معها، وفق المصادر التاريخية، إلى العام 83 ق.م، حيث بقيت سورية 16 عاماً تحت حكم المملكة الأرمنية، في عهد الملك ديكران الملقـب بـ"الكبير".
كما هاجر عدد كبير من الأرمن إلى بلاد الشام أيام الخلافة العباسية هرباً مـن الاضطهاد الديني والسياسي الذي مارسه البيزنطيين ضدهم ونتيجة ضغط غزوات التتار على مناطق سكنهم. ومنذ العام 301 ميلادي، أصبحت حلب واللاذقية من المراكز المهمة للحجاج الأرمن في طريقهم إلى القدس، بعد أن أصبحت المسيحية دين الدولة الرسمي لأرمينيا. وفي العام 1877 انتُخب التاجر الأرمني مانوك قراجيان نائباً عن ولاية حلب في مجلس "المبعوثان الأول"، وهو المجلس النيابي في السلطنة العثمانية.
وكان أبرز منعطف مرت به علاقة الأرمن بسوريا كان إبان الهجرات الأرمنية الكبيرة بسبب الاضطهاد التركي المتواصلة في الأعوام 1876 و1895 و1909 و1915 و1922 و1939 وبلغ عدد المهاجرين إلى سوريا ولبنان حوالي 125 ألف أرمني، منهم 75 ألفا إلى حلب وضواحيها. ووفقاً للمؤرخ الحلبي الشيخ كامل فقد بلغ عدد سكان حلب 210 آلاف نسمة مع نهاية العام 1925، وكان الأرمن يشكلون 25 في المئة من سكان المدينة. وكان الأرمن السوريون أول من أدخل إلى البلاد جهاز التصوير بأشعة رونتنغن (1897) والتصوير الضوئي (1880) وأول سيارة إلى حلب (1909) وأول جرار في منطقة تل السمن (1926)، كما أدخلوا للمرة الأولى مهن الخراطة وطرق اللحام المختلفة وصناعة بطاريات الآليات والسيارات بمختلف أنواعها، وكانوا أول من استخرج زيت الزيتون بآلات حديثة.
وشكل العام 1946 واحداً من أبرز الشواهد الناصعة على انتماء الأرمن إلى وطنهم الثاني سورية، حين أصدر مطران الأرمن الأرثوذكس لأبرشية حلب وتوابعها الأسقف زاريه بايسليان نداء إلى الجنود الأرمن في جيش الشرق كي ينضموا بأسلحتهم إلى الجيش السوري فلبى الجنود الأرمن النداء. وقد منحه الرئيس الراحل شكري القوتلي وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الأولى بموجب المرسوم رقم 381 تاريخ 2 نيسان العام 1946.
الأزمة السورية وتجدُّد المحنة الأرمنية
في آب من عام 2012، وجّهَ ما يسمى بالمجلس الأعلى لقيادة الثورة السورية تهديداً واضحاً وصريحاً لـ "الطائفة الأرمنية" في سورية بسبب ما وصفه وقوفها إلى جانب النظام السوري عسكرياً في كل من حلب واللاذقية ونصب الحواجز العسكرية المسلحة في الطرق العامة وإيواء "الشبيحة" في منازلهم إضافةً للسماح لـ "العصابات الأسدية" باستخدام منازلهم كمستودعات للأسلحة وغير ذلك. وبعد سنتين من هذا التاريخ أعطت الحكومة التركية برئاسة رجب طيب أردوغان ومخططها الأيديولوجيي وزير الخارجية أحمد داوود أوغلو الضوء الأخضر للهجوم على كسب وتكرار الجرائم بحق الأرمن التي ارتُكِبت في مطلع القرن العشرين ولكن هذه المرة في سورية التي تشهد أرضها حربا بالوكالة بين قوى إقليمية وميداناً للصراعات الدولية التي من شأنها رسم ملامح السياسة الدولية في القرن الواحد والعشرين.
وفي هذا الصدد، قال الصحفي البريطاني المعروف"روبرت فيسك" في مقال مطوّل نشره في صحيفة الإندبندنت أنه بعد مرور قرن تقريباً على الإبادة الجماعية الأرمنية، فإن أولئك الناس لا يزالوا يواجهون الذبح وتدنيس مقدساتهم في سورية.
وأضاف "فيسك" أنه في صمت إعلامي تام، أصبح الأرمن في سوريا معرضين لقتل وتخريب تاريخهم في حرب جديدة.
وأشار إلى أن أبناء الناجين من المذبحة التي ارتكبتها تركيا بحق الأرمن قبل قرن، يفرون مرة أخرى من الأراضي التي التجأوا إليها، سورية، متجهين حالياً إلى لبنان وأوروبا والولايات المتحدة.
وأشار إلى أن الكنيسة التي تضم عظام ضحايا الإبادة الجماعية الأولى في القرن العشرين "هولوكوست الأرمن" في دير الزور يجرى تدميرها في الحرب الجديدة في سورية.
وفى حلب جرى تخريب كنيسة أرمنية على يد مسلحي "الجيش الحر"، المدعومين بالمال والسلاح من بعض دول الغرب ودول الخليج.
وتابع أنه في الرقة، قام مسلحون سلفيون بإشعال النيران في الكنيسة الأرمنية الكاثوليكية، مشيراً إلى أن مئات المسلحين الأتراك، الذين ينحدرون من نفس الجنس التركي الذي حاول تدمير الأرمن عام 1915، ينضمون لعناصر القاعدة في هجماتهم على الكنيسة الأرمنية وتقوم "دولة العراق الإسلامية" "داعش" بنزع الصلبان من أعلى الكنائس واستبدالها بعلمها الخاص.
إن محاولة العثمانيون الجدد في أنقرة استخدام الورقة الأرمنية في الأزمة السورية قد ترتد عليهم بنتائج وخيمة. إذ إن للورقة الأرمنية بعد دولي هام، فقضية الاعتراف بمجازر العثمانيين بحق الشعب الأرمني وغيرهم من سكان المنطقة لازالت تشكل عائقاً كبيراً أمام تحركات تركيا في الساحة الدولية، كان آخرها الاحتقان بين أنقرة وباريس الذي وصل مرحلة استدعاء السفراء، وكذلك التوتر بين الحليفين التركي والأمريكي للسبب ذاته، فهؤلاء اجتمعوا على ضرورة إسقاط النظام السوري وربما تدمير الدولة السورية، لكن بروز الورقة الأرمنية في سياق تحرك المتشددين والجهاديين في سورية سيترتب عليها تحركات للجالية الأرمنية ذات النفوذ الذي لا يستهان به في العواصم الغربية، وهو أما قد يدفع الساسة أصحاب الرؤوس الحامية إلى إعادة حساباتهم تجاه ما تشهده سورية من تطورات بدأت تُعيد إلى الذاكرة تهجير مسيحيي العراق إبان الغزو الأمريكي لهذا البلد، وإن كان في تنفيذ هذه السياسات بعض الأهداف التي تسعى إلى تحقيقها بعض مراكز صنع القرار الإقليمية والدولية.
ما أشبه اليوم بالأمس
إبان مذابح عام 1915، قام الجنود الأتراك ومرتزقة جمعية الاتحاد التركي المعروفين باسم "التشكيلات المخصوصة" بقطع رؤوس الرجال والأطفال، وبقر بطون الحوامل واغتصاب النساء وتشويه أجسادهم بعد أن قام بعضهم بصناعة السُّبح للصلاة من حلمات صدورهم تقرّبُاً إلى الله تعالى كما ادعوا آنذاك.
واليوم، نرى هذه التصرفات تتكرر في سورية عندما قام إرهابيو جبهة النصرة والتشكيلات المنضوية تحت قيادتها بالهجوم على ريف اللاذقية الشمالية وكرروا ما فعل أسلافهم في الماضي. وإن كنا قد قرءنا في الكتب وسمعنا من الأجداد عن هذه التصرفات التي تثير الغثيان في نفوس الإنسان السّوي، فإننا بفضل هذه الذئاب البشرية قد رأينا بالصوت والصورة ما أُرّتِكب من جرائم بحق نساء وشيوخ وأطفال آمنين يشيب من هولها الولدان.


*معركة "صاري قاميش": حدثت المعركة خلال الفترة الممتدة من نهاية كانون الاول 1914م وحتى 6 كانون الثاني 1915م، وانتهت بهزيمة قاسية للعثمانيين خسروا خلالها حوالي تسعين ألف قتيل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. !ماسك يحذر من حرب أهلية


.. هل تمنح المحكمة العليا الأمريكية الحصانة القضائية لترامب؟




.. رصيف غزة العائم.. المواصفات والمهام | #الظهيرة


.. القوات الأميركية تبدأ تشييد رصيف بحري عائم قبالة ساحل غزة |




.. أمريكا.. ربط طلاب جامعة نورث وسترن أذرعهم لحماية خيامهم من ا