الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جدلية الزعامة والوطن والشعب

بدر الدين شنن

2014 / 4 / 2
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


إن مواصفات الزعامة ، التي تؤدي دوراً شجاعاً حاسماً في الحروب الوطنية العادلة ، والأزمات االداخلية لكبرى ، والتي تدخل التاريخ وذاكرة وقلوب الشعوب ، لم تزل قائمة . ولم يزل دور هذه الزعامة مطلوباً ، بل وأكثر إلحاحاً من أي وقت مضى ، في مختلف البلدان العربية ، وخاصة البلدان المستهدفة أرضها وثرواتها ووجودها ، في وقتنا الراهن ، من قبل دول عربية عريقة برجعيتها ، ودول امبريالية مدمنة بعدوانيتها ، ومطامعها ، للسيطرة على الشعوب والتحكم بمقدراتها .

ولاريب أن أهم مواصفات هذه الزعامة ، هي أن تكون الزعامة ، مدركة تماماً استحقاقات اللحظة التاريخية في البلاد ، وخاصة التي تتطلب ، التصدي للمخططات الخارجية المعادية ، وبناء مجتمع حر متماسك تسوده العدالة الاجتماعية ، وإعداد قوات مسلحة ذات بأس ، وإنشاء اقتصاد وطني متطور يلبي احتياجات الوطن والمواطن ، وأن تملك الرؤية الصائبة ، والشجاعة ، في اتخاذ القرار المطابق في الوقت المناسب ، وفي تحمل مسؤولياته .

إن حركة التاريخ في هذا الصدد ، تؤكد ، أن الزعامة " التاريخية " قد انطلقت من مواقع قبلية ، ودينية ، وعسكرية ، وسياسية شعبية . لكنها جميعاً بأدائها الريادي المميز ، كانت تصل ، في مختلف الظروف ، المكانية ، والزمنية ، والصراعية ، التي وجدت وأبدعت فيها ، إلى نفس تلك المواصفات .
من الممكن ملاحظة بعض الفوارق في بنية الزعامة الشخصية ، مثل المستوى العلمي والمعرفي ، أو التكون القتالي العسكري ، أوالخلفية المعتقدية والقومية ، لكن ما هو الأهم ، ما هو مشترك بين مختلف من تبوأوا الزعامة ، بفعل ضرورة اللحظة .. وخيار العقل الرشيد والصالح العام . ولاغلو بالقول ، عندما يقال ، أن الشعوب التي أنتجت حركاتها وطموحاتها السياسية زعامات .. كبرت .. وتعملقت .. مع احتياجات الصراعات المطروحة ، قد تمكنت من انتصارات ، أو نتائج مرحلية ميدانية كبرى .

في التاريخ العربي المعاصر ، برز عدد من الزعامات " التاريخية ط التي مهدت لانتصارات شعوبها أو أنجزتها . مثل ( عبد الكريم الخطابي في المغرب ، وعبد القادر الجزائري في الجزائر ، وعمر المختار في ليبيا ، والمهدي في السودان ، ورشيد عالي الكيلاني وعبد الكريم قاسم في العراق ، وأحمد عرابي وسعد زغلول وجمال عبد الناصر في مصر ، ويوسف العظمة وابراهيم هنانو وصالح العلي وسلطان الأطرش وسعد الله الجابري في سوريا ) وغيرهم كثير .. على مستويات مختلفة .. في كافة البلدان العربية .

اللافت أن كل هذه الزعامات ، ومعها زملاء كفاح ونضال كثر ، قد وجدت ، وقاتلت ، وبنت ما استطاعت ، في القرن العشرين الماضي . ومع الأخذ بالاعتبار والاحترام ، أن هناك حركة تكون وتشكل زعامات جديدة .. شجاعة .. تشق طريقها في القرن الواحد والعشرين ، في معظم البلدان العربية ، وهناك مخلصون يبحثون عن مقومات ومجالات شعبية ، وفكرية ، وسياسية ، ليؤكوا جدارتهم بالزعامة ، لكن المشهد العام ، حتى اللحظة ، خاو من أعلام محورية كبيرة ، من مستوى زعامات القرن العشرين ، قادرة على أن تجذب الملايين للنضال المشترك .. وهذا الخواء ليس عفوياً .. وكسلاً في الوعي السياسي الشعبي . وإنما هو خواء تعسفي ، قد خطط له منذ هزيمة حزيران 1967 ، لينتشر .. ويكبر بالقمع ، والنفاق السياسي ، والتضليل الفكري ، لفرض الخضوع والخنوع والضياع على الشعوب العربية ، لتمرير مخططات المنظومة ( الإمبريالية ـ الصهيونية ـ الرجعية ) الشرق أوسطية

ولما بدأت تظهر ، في ظروف مصادرة السياسة الصعبة ، مشاريع زعامات مرتبطة بهموم الوطن والحرية والتغيير الديمقراطي والعدالة الاجتماعية ، استنفر مهندسو الخواء السياسي قواهم ، دولياً وإقليمياً ، لمحاصرة واحتواء هذه المشاريع الواعدة ، وربطها بمشروع ربيع مزيف ، يؤدي .. وقد أدى فعلاً إلى خواء سياسي من نوع آخر هو الأسوأ بكل المقاييس .
ولأن الزعامات التاريخية لا’تصنع .. و’تصدر .. و’تفرض .. من خارج حركة الجماهير الشعبية ، فإن كل الزعامات التي ’صنعت .. و’دعمت .. و’صدرت إلى البلدان العربية ، لم تستطع رغم كل أشكال الدعم الخارجي لها ، المالي ، والإعلامي ، والسياسي ، والعسكري ، أن تحتل مكانة الزعامة الشعبية " التاريخي " ، التي قادت معارك التحرير والبناء في القرن الماضي . ما يدل على أن القوى الشعبية تتمتع بمستوى من الوعي السياسي قد أحبط كل الجهود المخادعة لتنصيب زعامات مزيفة .
ولمعرفة أسباب فشل زعامات القرن الواحد والعشرين في كسب ثقة الشعوب بها والانقياد لها ، يكفي إجراء مقارنة بسيطة ، بين الزعامات التاريخية ودورها الشجاع ، في مقاومة الاحتلال وانتزاع الاستقلال والحرية لبلدانها ، وبي المزعومين زعماء في موسم النفاق السياسي الحالي ، الذين يعملون تحت أمرة الدول الخارجية ، لإعادة الهيمنة الأجنبية على بلدانهم .

لم يكن في زمن الزعماء التاريخيين في القرن الماضي ، وسائل إعلام الكترونية وفضائية ، تدعمهم ، وتدعو الرأي العام للالتفاف حولهم ، وتلفهم بهالة من المدائح التي تقدمهم كرموز حرية ، وأبطال معارك ثورية يستحقون لأجلها الاعتبار والاحترام ، كما هو حاصل الآن لدعم زعماء الزمن الراهن ، وإنما كان هناك إعلام تابع للعدو ، يشوه صورهم ، ويصفهم بقطاع طرق . ومع ذلك ، فتحت الشعوب قلوبها وعقولها واحتضنتهم ، وانخرطت في المعارك التي جرت بقيادتهم ، بما فيها المعارك التي تمكن فيها العدو بآلياته المتطورة أن يفرض إنهاءها لصالحه . كان يكفي المقاتل والمحازب شرفاً ، أن يكون منضوياً تحت قيادة هؤلاء الزعماء . بينما نجد كماً هائلاً من الدعم الدولي المتعدد للمطروحين كزعامات جديدة للشعوب العربية ، لكن هذه الزعامات لم تحظ ، بما حظيت به زعامات القرن الماضي من التفاف شعبي واحترام تاريخي ، رغم أن بعض هذه الزعامات ظل يخادع الجماهير بالقيم الدينية عقوداً طويلة ، وبعضها روج لليبرالية الجديدة بدعم إعلامي واسع ، وبعضها يحمل ألقاب بروفسور ، ومفكر ، وأستاذ ، وقيادي سياسي وحقوقي .

وبقي الخواء السياسي سائداً . كانت حركة التزعم .. خلاف قوانين الاجتماع السياسي .. المنطلقة بدعم الخارج الدولي ، والمتمتعة بغطاء إعلامي حرفي كاسح ، تحمل أسباب ضعفها ، أكثر مما تحقن به من أسباب القوة من خارج حدودها الوطنية ، وعلى الأخص فشلها ، في تمرير معادلة ( الحرية بدعم الأجنبي الاستعماري ) الوقحة . ومعادلة ( الديمقراطية بدعم وقيادة دول مغرقة بالفوات والرجعية ومعاداة الديمقراطية ) الأكثر وقاحة . وفشلها في إغراء .. وخداع الشعب ببدائل ، لاتاريخية نضالية مبدئية لها ، ولا واعدة ببرامج سياسية اجتماعية متكاملة ، ولاضمانة لنزاهتها ، وكلها تنسق وتتحرك بأمرة الخارج الإقليمي الرجعي ، والدولي الامبريالي العريق بعدائه لمصالح الشعوب وحريتها . ولما استلم بعضها الحكم ، في تونس وليبيا ومصر ، انكشف المستور ، وتساقطت الأقنعة . فعبد الجليل أتى " بالناتو " ولصوص البترول والإرهاب الدولي إلى ليبيا بدلاً من الديمقراطية . ومحمد مرسي استغبى المصريين وعمل على بناء نظام استبداي شمولي صديق لأميركا والغرب وإسرائيل . والغنوشي استباح دم القيادات الديمقراطية في تونس ، وحول تونس إلى مصدر للجهاد الانتحاري وجهاد النكاح . وزعامات سورية في الخارج ، عملت ضمن إطار المخطط الدولي للهيمنة على سوريا ، بدلاً من أن تعمل من أجل الحرية . بدأت بمؤتمرات كبيرة .. فضفاضة .. في قاعات العواصم المعادية للحرية ، ثم تحجمت .. وضمرت .. وبقي فقط بعض الألسن المعبرة عن وجودها المادي .

وهذا ما أدى إلى تكون قناعة راسخة لدى الدول صاحبة مخططات الهيمنة على المنطقة والعالم ، أن ملء الخواء السياسي المزمن بزعامات غير مقنعة للشعوب ، قد فشل . وأن عسكرة آليات هذه الهيمنة بصورة كاسحة ، باتت هي الحل الوحيد .
ومنذ أن انقض حلف " الناتو " بمباركة رسمية عربية ودولية على ليبيا ، ومنذ أن صار الإرهاب الدولي في الداخل أداة الزعامة السورية في الخارج . ومنذ أن انطلقت رصاصات الإرهاب السياسي في تونس ومصر .. بدا ان السياسة قد أسقطت نهائياً من الحساب في تفاعلات المنطقة . وبدا أن هناك قوى دولية تعمل على استلاب حق تقرير المصير من الشعوب العربية ، وإدراج مصائرها في لوائح التسويات والصفقات الدولية . وألغى الإرهاب الدولي السياسة حيث يفرض سطوته ، وصادر دور الزعامات السياسية المزعومة . وصار أمراء الحرب في عدد من البلدان العربية لاسيما في تونس ومصر وليبيا وسوريا ولبنان واليمن ، هم الزعماء الأخطر في المرحلة الجديدة ، أمنياً وإنسانيا ً وسياسياً وحضارياً ، ما شكل انهياراً وانحطاطاً دولياً في المستويين السياسي والأخلاقي .

وفي مواجهة هذه المرحلة الأشد خطورة على المصير الوطني والقومي ، تتحرك .. ولابد أن تتحرك .. قوى عفوية ومنظمة ، لكسر حصار هذه المرحلة ، واستعادة البلاد من عدوان الإرهاب والدمار والقتل . وما من شك ، أنه على قدر متطلبات وصعوبات وتعقيدات المهام المطروحة ، على المستوى الوطني والسياسي والاجتماعي والاقتصادي ، لابد أن تكون القيادات والزعامات التاريخية الجديدة .
بيد أنه ينبغي أن يتوفر شرطان أساسيان في هذه العملية المعقدة ، الأول ، التصدي لكل أشكال التدخل الخارجي وخاصة الداعم للإرهاب والحفاظ على الوطن ، الثاني ، العمل من خلال القوى الشعبية واحترام طموحاتها ودورها وهمومها . وكلاهما الأول والثاني هما في حالة من الاندماج والتضافر لايمكن فصل أحدهما عن الآخر . ما يعني التطابق مع الصفتين الأساسيتين للزعامات التاريخية في القرن الماضي . وهم بإيجاز شديد .. الالتزام بالوطن .. والالتزام بالشعب . وخلاف ذلك ، لن تكون زعامة لأحد . ولن تكون الزعامة المصنعة حسب تقنيات ومصالح خارجية إلاّ زبداً .. يتلاشى مع أول اهتزاز للوعاء الحاضن له .

العملية التنافسية الدولية ، الجارية حول وفي البلدان العربية ، وخاصة البلدان التي استهدفها الإرهاب الإمبريالي الدولي ، لن تساعد على أن يتم بسرعة وسلاسة القضاء على الخواء السياسي التعسفي القديم والمتمدد بالإرهاب الدولي ، وعلى استرداد السياسة ، وعلى إنتاج زعامات جديدة ، تعرف كيف تتحرك مع القطاعات الشعبية ، وتعرف كيف تعبيء القوى للقضاء على العدوان والإرهاب الدولي ، وتعرف كيف تصنع انتصارات تاريخية حاسمة .. لكن عليها أن تواجه هذا التحدي أيضاً .
لابد أن ينتج .. عن هذا المخاض السياسي العنفي الاستثنائي في التاريخ العربي الحديث .. زعامات وطنية تحررية ديمقراطية محورية .. تستحقها الشعوب العربية .. ضمن الشرط الظرفي والواقعي والتاريخي .
للزعامة التاريخية طريق واحد ، هو الالتزام بالشعب والوطن .. هو إنقاذ الوطن من العدوان والإرهاب .. والحفاظ على وحدته أرضاً وشعباً .. وإزالة آثار الحرب والدمار والدماء والجراح .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أخبار الصباح | فرنسا.. مظاهرات ضخمة دعما لتحالف اليسار ضد صع


.. فرنسا.. مظاهرات في العاصمة باريس ضد اليمين المتطرف




.. مظاهرات في العديد من أنحاء فرنسا بدعوة من النقابات واليسار ا


.. خلافات في حزب -فرنسا الأبية-.. ما تأثيرها على تحالف اليسار؟




.. اليمين المتطرف يتصدر نوايا التصويت حسب استطلاعات الرأي في فر