الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النص و النقص

حميد المصباحي

2014 / 4 / 2
الادب والفن


عندما يفكر الأديب في كتابة عمل إبداعي,يشحن نفسه عاطفيا بكل انفعالات الكائن لتكبر حيرته,و ينفر من كل طمأنينة,تبعده عن توترات المعاش,بل إنه يختار العيش في المفارق,عله يكشف عن أبعاد جديدة في الوجود,مختفية هنا,أو محتجبة هناك خلف المعتاد في حياتنا اليومية,هو إذ يفعل ذلك,ليس تصنعا,بل استعدادا,شبيه باحتضار الإنسان,فهو لا يختاره,لكن له قدرة غريبة على إطالته,بدون التحكم فيه,فقد ينسى كلمة أو إسما,و لا يموت قبل أن ينطقه,أو يرى من حضوره به يتذكر,في مثل هاته اللحظات,تحدث أشياء غريبة,حتى تسميتها تكاد تنفلت منها المعاني,مهما كان الحذر و حسن التدبير في الفكر و اللغة.فكيف تحدث مثل هذه الحالات؟ بل ما تجلياتها في الفعل و التأمل و حتى التذكر و الخيالات؟؟؟
1الهروب من العدم
هي كتابة تقاوم خواء الروح و هي تقفز في اتجاه المجهول,ذاك المؤرق لكل عارف,فكلما تعلم الإنسان,و خبر عالم المعنى أدرك حاجته الخفية للخلود,ليس حبا له,بل تخلصا من فكرة الموت,التي لا يخيف حدوثها,بل فكرتها,فكلما كبر التأمل ازدادت محنة المبدع,قبل أن يهتدي لدرب إبداعه الخاص,يشعر بأنه محاصر بأسئلة,يجيب عنها,و لا يثق مع الزمن فيها,لنقل إنه يفقد الثقة في محتواها دون تملك القدرة على التصريح بذلك,هنا فقط ينبعث النص,ليشد الأديب لعالم,ننشد به اكتمالا مزعوما,أي نقصا حقيقيا,فكيف يكون النقص خارج متاهات النقص هاته؟فكلما تعمق هذا الشعور,كان النص أصيلا و آسرا بشكل لا يصدق.
2 السخرية من العدم
لإدراك نقص النص,تبعات,مؤرقة هي الأخرى,فقد يعتبرها المبدع جدارا يحجبه عن الغير,لكنه سرعان ما يدرك,أن عدميته حتما لا تقاوم,و هي مغايرة للعدم,سواء كان موتا,أو فقدانا للشعور بالوجود,هي في الإبداع شبيهة بلا جدوى الحياة,و نفور منها نحو الخالد,و ليس الإبداع إلا الوجه الشقي لهذه الرغبة في الخلود,المؤدية حتما لأرق الخوف من العدمية,بذلك كانت السخرية منفذا حادا,به المبدع يؤثت فضاءات وجوده المتميز عن باقي الموجودات الأخرى,المغايرة,و حتى المشابهة,بهذه أيضا,يتجسد النقص في النص,كعالم نسعى إليه مدركين أننا لن نطاله,فنختار السخرية منه,تماما,كما يفعل الطفل بصور الأشباح,حتى لا يخافها,عليه تقليدها أو الضحك منها.
3التمرد على الوجود
للوجود النصي,وجود خاص,ليس هو وجود مبدعه تماهيا,و لا حتى مفارقا,إنه علاقة غريبة غرابة النص و حتى صاحبه,فلا أحد منهما صورة للاخر,هما معا,يسعيان لخلط أوراق الغير,بحيث يتغايران أمام الكل,فأحدهما أي المبدع,يقاوم زواله الجسدي,بخلود نصه و يغار منه في الوقت نفسه,بحيث يسعى لإفهامه حتى لا يستقل نهائيا عنه,لكنه في حالات,يدافع عن حياة النص الخاصة,فالمبدع موجود بنصوصه,لكنه متمرد على هذا الوجود الذي لا يعني له شيئا إن افتقد إلى الأبد.
4السكون للوجود
و هي آلية جديدة,لها الغرابة نفسها,إذ يستسلم المبدع لنصه,و يجعله قنطرة عبور,بها يتصالح مع وجوده,هو أولا قبل الإعتراف بوجود النص,و هو هنا يتماهى معه,فبحثا عن سكينة مفتقدة,منذ أن كتب نصه,و هو غير النصوص,تلك التي كانت ربما تمرينا عن الكتابة,تلك التي ندعي غالبا أننا نسيناها أو ضاعت منا في زحمة التفكير و الإبداع.
خلاصة
كل نص لا يحمل نقصا,يستشعره صاحبه,فهو نص عابر,تخلد رسومه,لكن دلالاته سرعان ما تنسى و تتبعثر معانيها.
حميد المصباحي كاتب روائي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عوام في بحر الكلام -الأغاني المظلومة في مسيرة الشاعر إسماعيل


.. عوام في بحر الكلام - قصة حياة الشاعر الكبير إسماعيل الحبروك




.. عوام في بحر الكلام - الشاعر جمال بخيت: الأسطورة الخالدة الأغ


.. عوام في بحر الكلام - ما قاله الكاتب الصحفي منير مطاوع عن الش




.. عوام في بحر الكلام - المناصب التي وصل لها الشاعر إسماعيل الح