الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجمهوريات العربية تبحث عن هوياتها

فؤاد الصلاحي
استاذ علم الاجتماع السياسي

(Fuad Alsalahi)

2014 / 4 / 3
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية


اظهرت ثورات الربيع كل مظاهر الخلل في انظمة الحكم الجمهوري واهتزازها تحت وقع هتافات الشباب برحيل الانظمة والتغيير نحو الحرية والكرامة والعدالة .وجاءت حكومات مابعد الثورة(ولا اقول حكومات الثورة لان هذه الاخيرة لاتزال بدون ممثليها في الحكم) تتلمس طرقا وادوات عمل كنا نظنها لاكمال مسار التغيير الثوري واذ بها تتلمس طرقا خلفية للامساك بالسلطة من قبل جماعات ونخب لم تكن ثورية في حياتها ..وهنا دخلت هذه البلدان في صراع سياسي وثقافي ، نخبوي ومجتمع ، من اجل التحديد الامثل للمسار السياسي من خلال ماهية النظام وطبيعته وشكله وفلسفته الاقتصادية وهنا كان الســــــؤال : هل تسير هذه الجمهوريات وفق نقطة تاسيسها الاول ووفق اهداف الثورات حاليا ؟
فهناك اتساق وترابط بين المسارين في اطار فلسفي واجتماعي لان الثورات الاولى المؤسسة للجمهوريات كانت تقدمية وتحديثية ومنحازة نحو المجتمع ومحايدة في صراعات اقليمية ودولية ثم جرت متغيرات كثيرة كان الانحراف عن هذا المسار واضحا سواء من خلال السياسات الاقتصادية التي جعلت الجمهوريات اسواقا للسلع الراسمالية وكل مايصاحبها من تفاهات اقتصاد السوق او من خلال التوجه السياسي المنحاز نحو القلة من نخب اقتصادية واجتماعية فغاب العدل الاجتماعي .
ودخلت البلاد في مفترق طرق مع اصول تاسيسها وانحيازاتها محليا وارتباطها مع مراكز دولية واقليمية ضمن صفقات مع النخب الحاكمة مع وعود بالتغيير الاقتصادي وتحسين المعيشة ..ومع تزايد النمو السكاني وتزايد خريجي الجامعات والمعاهد وبروز طبقة وسطى فاعلة تبحث عن وجود سياسي فكان اصطدامها مع مؤسسات رسمية تعاني من الانسداد امام جيل الشباب ..
وهنا ظهرت اصوات شبابية وسياسية (حزبية وجمعوية) تطالب بمزيد من الحريات وتمكين الشباب والمرأة وظهر اخرون من تيارات دينية تطالب باعادة بناء الدولة والمجتمع وفق نموذج ماضوي تحقيقا لهوية مرتبطة بالعقيدة الواحدة رغم ان الواقع المجتمعي يعكس تعدد الانتماءات الدينية والمذهبية للمواطنين .. ووصل التساؤل الى المقارنة بين حال الجمهوريات وحال الملكيات التي يقدمها الاعلام بانها تشهد استقرارا مفقودا في الجمهوريات ..
وهنا تساءل الناس عن طبيعة النظام الامثل لتحقيق الاستقرار والمواطنة وتحسين المعيشة ومع تحديد الخيارات في افضلية النظم الجمهورية كان التساؤل حول ماهية النظام السياسي والسياسات الاقتصادية التي تعكس مطالب الشعب في اهتمامها اتساقا مع عنوان الدولة بان الجمهوريات هي نظم شعبية ..ومن هنا لابد من تمثيل واسع للشعب عبر مختلف الهيئات المنتخبة والمعينة ولابد من سياسات اقتصادية تعبر عن ماهية الجمهوريات بمضمونها الشعبي وفي هذا السياق يمكن القول ان السياسات الاقتصادية التي لاتتضمن ابعادا اجتماعية فهي معادية للمجتمع ..
وهذه الحقيقة كان البنك والصندوق الدوليين يدركانها تماما وكانت روشتاتهم المسيسة تعمل وفقا للنقيض منها مما تسبب في اشتعال الازمات الاجتماعية وتعدد مظاهرها من اتساع الفورق الطبقية في المجتمع وتزايد معدلات الفقر والبطالة وتدني الانفاق الحكومي على التعليم والصحة والضمان الاجتماعي وتأكل البنى التحتية وعدم تجديدها والاضافة اليها ... كل هذا تبلور في الوعي الفردي والجمعي ضمن ادراكات غير مرتبطة بالسياسة الوطنية الا في مرحلة متاخرة وهنا تجمعت الاسباب والعوامل .. فردية ومجتمعية .. سياسية واقتصادية .. اعلنت عن فاعليتها عقب اشتعال عود الثقاب من البوعزيزي في تونس ثم تزايد الموقف اشتعالا وفق محددات الفعل السياسي داخل كل مجتمع وكان الاكثر اشتعالا وادراكا للسياسة الوطنية هم المصريون فخرجوا في موجتين ثوريتين 25يناير وفي 30يونيو وكان خروجهم مدويا .
ومع كل هذا الانجاز الشعبي والفعل الاحتجاجي غير المسبوق تمت سرقت الثورات والانحراف بمسارها وغاب الثوار عن الحكومات القائمة بل واصبح غالبيتهم محل اتهام . وهنا ظهرت المحاصصة الحزبية وفق منهج تقسيم السلطة كغنيمة بين اطراف غالبيتهم لم يشاركوا بالثورات بل كانوا متحالفين مع النظام السابق ..وخلال اكثر من سنتين ونصف لم تشهد الجمهوريات بارقة امل في التغيير السياسي وفي تحسين مستويات المعيشة بل زادت الامور تعقيدا فتعمم العنف والفوضى و ضعف احترام قوانين ومؤسسات الدولة وتزايد الانقسام المجتمعي والحزبي في فهمهم للاشكالية القائمة وطرق الاجابة عنها ومنها الهويات التي يجب ان تعليها ثورات الربيع وتعيد من خلال تاسيس الجمهورية الثانية في كل بلدان الربيع ..
ومع اختطاف المسار الثورات من جماعات الاسلام السياسي وفق تحالفات اقليمية ودولية وما نجم عنه من تزايد حدة الصراعات وصولا الى المشهد المصري بمظاهره التراجيدية ..لاتزال هذه الجمهوريات تتأرجح بين الهويات الماضوية والتي يراد سحبها لتكون عنوانا للحاضر والمستقبل .. وهنا نقول لا القومية ولا اليسار ولا الليبراليين ولا الاسلاميين ينفع في ان تكون ايدولوجياتهم المتشكلة منذ خمسين عاما وقد تكلست مقولاتها وفشلت تطبيقاتها عنوانا لمسار مستقبلي بل لابد من اعادة النظر في رؤية استراتيجية متجددة منفتحة على متغيرات الراهن محليا واقليميا ودوليا ومستجيبة لحاجات المواطنين وتطلعاتهم لامجال معها للجهويات والمذهبية ولا للاحتكار الحزبي للمؤسسات السياسية العمومية بكل فضاءاتها ..
وهنا فايدولوجيا الثورات وهويات الجمهويات يجب ان تكون متمحورة على مرتكز اساس هو المواطن بكل حقوقه المدنية والسياسي وبعدم التمييز بين المواطنين ولا بين الرجال والنساء وبتحقيق العدالة الاجتماعية من خلال سياسات اقتصادية منحازة للغالبية من الشعب.. هذه الهويات تعيد تشكيل الاطر الثقافية والحضارية وفق مصادرها في العقلانية والانفتاح للتواصل مع مسارات الواقع المتغيرة وهنا نؤسس جمهوريات ديمقراطية تعلي من مدنية الدولة ومواطنية الانسان وتتسع معها الحريات العامة للافكار والاديان دون تمييز يحتل فيها العلم والعقل مكان الصدارة في التخطيط والبناء الفكري للانسان وللمجتمع .. وهنا نكون ازاء جمهوريات تحديثية مدنية الطابع تعيد الاعتبارللمجتمع والانسان .؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رهان ماكرون بحل البرلمان وانتخاب غيره أصبح على المحك بعد نتا


.. نتنياهو: سنواصل الحرب على غزة حتى هزيمة حماس بشكل كامل وإطلا




.. تساؤلات بشأن استمرار بايدن بالسباق الرئاسي بعد أداءه الضعيف


.. نتائج أولية.. الغزواني يفوز بفترة جديدة بانتخابات موريتانيا|




.. وزير الدفاع الإسرائيلي: سنواصل الحرب حتى تعجز حماس عن إعادة