الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القاهرة وجوبا ... حوار المصالح والتوازنات

إمانويل ماريو

2014 / 4 / 4
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


يذكر التاريخ أن أول البعثات المصرية التي أرسلت إلى جنوب السودان، بعثة
أرسلت من قبل الملك فاروق الأول وذلك لإدراكهم أهمية منابع النيل بالنسبة
لمصر. حيث وصلت تلك البعثة إلى مدينة ملكال وأقامت مقراً دائماً هناك
وبها تقريباً معظم الخدمات التي يحتاجها أهل المنطقة. وبجانب ذلك يوجد
محطة لقياس منسوب النيل وكانت مهمة تلك البعثة الأساسية آنذاك هي القيام
بقياس منسوب النيل وتقليل فاقد الأمطار، وكانت البعثة تقدم العديد من
الخدمات بناءاً على حديث بعض المواطنين الذين عاصروا تلك الفترة إضافة إلى الخدمات
العلاجية المجانية ومقر تلك البعثة هو ما يعرف بالري المصري.
وإستمر النفوذ المصري في جنوب السودان إلى الثمانينيات وبداية تسعينيات
القرن الماضي، وقد إنتهجت مصر نهج تأمين وضمان مصالحها المائية في
السودان والجنوب بتقديم العديد من الخدمات لشعب السودان ومنها توفير فرص
التعليم للطلاب السودانيين في شكل منح وبعثات دراسية.
مما يعني أن العلاقة بين مصر والسودان أنذاك كانت تقوم على تأمين المصالح
المائية لمصر مقابل تقديم خدمات للسودانيين تحت مسميات انسانية.
وما يجدر ذكره أن مصر كانت ضمن أوائل الدول التي أعلنت إعترافها الرسمي بجمهورية جنوب
السودان التي تم الإحتفال بقيامها في التاسع من يوليو 2011م ، وقد شاركت
مصر في ذلك الإحتفال بوفد رسمي برئاسة الدكتور يحيى الجمل، نائب رئيس
مجلس الوزراء (آنذاك) وبرفقته وزيري الكهرباء والطاقة والخارجية، وقام
الوفد بتسليم خطاب رسمي للحكومة يتضمن الإعتراف بجمهورية جنوب السودان، كما أكد الوفد
حرص مصر على دعم وتعزيز العلاقات مع الأشقاء فى جنوب السودان.
ويأتي الإعتراف المصري بجنوب السودان بعد أن هدأت الإنفعالات الأولية التى
صاحبت التحفظ المصري حول الإنفصال؛ حيث بدأ يظهر تدريجياً نوع من التحول
الهادئ فى السياسة المصرية نحو قبول الأمر الواقع.
وعلى الرغم من وضوح الموقف الرسمي إلا أن أوساط المعنيين بالملف السوداني
في مصر شهدت جدلاً واسعا حول قبول مصر لهذا الإنفصال؛ إذ يؤيده البعض إنطلاقاً من
أهمية أن تكون لمصر علاقات جيدة مع الدولة الوليدة، في حين يرفضه آخرون
بسبب رفضهم لتقسيم السودان، ووصل الأمر ببعض القوى السياسية إلى حد
الدعوة لإجراء إستفتاء للوحدة بين مصر وشمال السودان لإقامة وحدة
كونفدرالية.
وبعيداً عن ذلك الجدل تظل الحقيقة أن هنالك مجموعة من المصالح
والإعتبارات الإستراتيجية على أجهزة صنع القرار في مصر أن تضعها في
الإعتبار عند التحرك بشأن كل ما يخص دولة جنوب السودان، خاصة في ظل ما
يراه الخبراء من أن إستقلال جنوب السودان سيكون له تأثير سلبي على مصر
عبر تغيير التوازن الإستراتيجي في المنطقة التي تمتد لتشمل الحدود
الشمالية للسودان مع مصر وليبيا، والبحيرات العظمى، ومنطقة القرن
الأفريقي ولا تخفى أهمية هذه المناطق بالنسبة لمصر وإرتباطها الوثيق
بقضايا مياه النيل وأمن البحر الأحمر وتأمين قناة السويس.
ويرى بعض المهتمين بالعلاقة بين البلدين أنه يمكن إجمال الإعتبارات
الإستراتيجية التي على مصر مراعاتها عند التعامل مع دولة جنوب السودان في
مياه النيـل ويمكن القول بصدد ذلك أن أولى المصالح الإستراتيجية المصرية
في جنوب السودان ترتبط بضمان تأمين حصة مصر من مياه النيل، إذ يخشى
كثيرون من أن الدولة الوليدة وبحكم الإنتماء إلى جاراتها الجنوبية من
الدول الإفريقية عرقياً ودينياً ستؤدى لتبنيها مواقف مشابهة لمواقف دول
منابع النيل وهي مخالفة لما تريده كل من دولتي المصب (مصر والسودان)،
وبالتالي تكون المعادلة في حوض النيل 2+ 9 بدلاً من 2+ 8 ، وذلك بناء على
التوقعات بأن ينضم جنوب السودان إلى دول منابع النيل الإفريقية خاصة في
ضوء الخلاف بشأن الإتفاقية الإطارية التي تضع محددات جديدة لتقسيم مياه
النيل، بل ويتخوف البعض من أن يتنصل جنوب السودان من الإتفاقيات الدولية
السابقة التي تقسم الحصص التاريخية كإتفاقيتي 1959 و 1929.
وتبدو خطورة تبني جنوب السودان لمثل هذا الموقف كما يراه بعض المهتمين،
في ضوء حقيقة أن الجنوب يسيطر على أهم تجمع لمياه النيل في منطقة بحر
الغزال التي يهبط عليها 540 مليار متر مكعب من المياه سنوياً، كما يسيطر
الجنوب على كامل الإيراد المائي من الهضبة الإستوائية والمقدر بـ 29
مليار متر مكعب سنوياً منها 15.5 مليار متر مكعب من روافد النيل الأبيض و
18.5 من روافد السوباط. ويحذر البعض من إمكانية إقامة مشروعات سدود
لتخزين المياه بسبب طبيعة الأرض المستوية في الجنوب والمعدلات العالية
لتدفق المياه وإن حدثت هذه المشروعات ستؤدي بلا شك لمحاصرة مصالح مصر
المائية هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، يرى البعض أن أهم التهديدات
المائية التي تواجهها مصر بسبب إنفصال جنوب السودان ترتبط بمشروع قناة
جونقلي، التي تسعى مصر لحفرها منذ العام 1975م بهدف توفير قرابة 7
مليارات متر مكعب من مياه النيل الأبيض تقسم مناصفة بين مصر والسودان
والتي تضيع سنوياً في أحراش ومستنقعات جنوب السودان هذا بجانب تجفيف مليون
ونصف فدان من المستنقعات تصلح للزراعة، إلا أن الحرب قد أوقفت ذلك
المشروع بعد أن تم تنفيذ نحو 70 % منه بطول 265 كيلومترا من إجمالي طول
القناة البالغ 360 كيلومترا ، وهي فكرة وجدت إعتراضاً من الزعيم الراحل-
الدكتور جون قرنق دي مبيور.
ويرى إتجاه من المهتمين أن كميات المياه وخاصة مياه الأمطار التي تتساقط
في جنوب السودان تزيد كثيرا عن إحتياجات جنوب السودان وهو ما يفتح المجال
لتعميق التعاون بين جنوب السودان و مصر.
وعلى الرغم من وجود إتجاه كالسابق إلا أنه يوجد إتجاه آخر يذهب إلى أنه
في حقيقة الأمر، لايستطيع أحد التكهن، الآن، بإتجاه السياسة المائية
لدولة جنوب السودان في الفترة المقبلة تجاه مياه النيل، وبالتالي تجاه
مصر. فعلي الرغم من التطمينات المستمرة التي يرسلها قادة دولة جنوب
السودان إلى مصر، مقتضاها عدم المساس بحصة مصر من مياه النيل، قد يبدو
فيها غرابة بعض الشئ،فإنه من المؤكد أن هذه السياسة المائية المستقبلية
للدولة الوليدة ستخضع لحسابات المكسب والخسارة في جنوب السودان، كما
ستتعرض لبعض الضغوط الإقليمية والدولية.
وقد كتب جمال عرفة نائب رئيس تحرير جريدة الحرية والعدالة في معرض تعليقه
على إنضمام جوبا إلى دول حوض وإحتمالية توقيع جوبا لإتفاقية عنتبي: سيكون
توقيع جوبا «إتفاقية عنتبي» «القشة» التي ستقصم ظهري مصر والسودان، إذ
ستصبح جوبا هي الدولة السابعة الموقّعة على الإتفاقية من دول الحوض الـ
11، بسبب خلافاتها المستمرة مع حكومة الخرطوم، بالرغم من تمسّك مصر
والسودان والكونغو الديمقراطية برفض التوقيع، الآمر الذي يجعل الموافقين أغلبية،
ويزيد من الإضرار بموقف مصر المائي.
وتتطلب هذه المستجدات تحركاً مصريّاً كبيراً له رؤية إستراتيجية واعية
تجاه الدولة الوليدة، بدأ الرئيس المصري المخلوع محمد مرسي هذا التحرك الاستراتيجي بتهنئة
جمهورية جنوب السودان بعيدها القومي الاول، ومن المهم أيضاً أن يكون
التحرّك المصري شعبياً وحكومياً معاً، ومنسّقاً بين جميع هيئات مصر
المسؤولة ذات الوجود الفاعل في الجنوب، سياسيّاً واقتصاديّاً وثقافيّاً،
الكنيسة والأزهر، وشركات ورجال أعمال، كي تظل «جنوب السودان» غير معادية
لمصر ولا لمصالحها المائية حتى لو أصبحت «اتفاقية عنتيبي» سارية.
من خلال ما سبق فان العلاقات المصرية الجنوب سودانية تخضع في مجملها الى
حسابات الربح والخسارة براي المهتمين فمصر تسعي الى ارضاء الدولة الوليدة
بكافة الوسائل المشروعة من دعم ورعاية مشاريع تنموية في جنوب السودان، في
الوقت الذي لم يفسح قادة جنوب السودان عن الوجهة القادمة للسياسة المائية
للدولة والتي حتماً قد يراعى فيه مصلحة الجنوبيين أولاً ومن ثم الإعتبارات
الاخرى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دول عربية تدرس فكرة إنشاء قوة حفظ سلام في غزة والضفة الغربية


.. أسباب قبول حماس بالمقترح المصري القطري




.. جهود مصرية لإقناع إسرائيل بقبول صفقة حماس


.. لماذا تدهورت العلاقات التجارية بين الصين وأوروبا؟




.. إسماعيل هنية يجري اتصالات مع أمير قطر والرئيس التركي لاطلاعه